المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (08)التربية - العلم بقدرة الله التامة على كل شيء، والعدل في كل شيء:



أهــل الحـديث
04-09-2014, 10:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




إن العلم بهذه الصفة العظيمة، وهي قدرته على كل شيء يجعل الإنسان يخاف من أن يقدم على شيءٍ من الشر، أو يترك شيئاً مما أمر به من الخير، لعلمه بأن الله لا يغيب عنه شيء، ولا يعجزه شيء، وسيجزيه على عمله لعلمه بكل شيء، وقدرته على كل شيء.

وقد جمع الله تعالى بين علمه المحيط وقدرته التامة في قوله سبحانه: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران 29].

والجاهلُ بصفةِ قدرة الله تعالى لا يبالي ما عمل من خير أو شر؛ لأنه يظنُّ أن لا حياةَ بعد الموت، لعدم وجود قادر على إعادته بعد موته، ولذلك كثر في القرآن الكريم إقامة الحجج على المشركين الذين أنكروا المعاد، والنصوص في ذلك كثيرة جداً.

قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة 3-4]. وقال تعالى: {فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ(10) [الطارق].

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس 77-80]. فقد جمع هنا بين كمال قدرته على كل شيء وإحاطة علمه بكل شيء.

وقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِوَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً}[فاطر 44].

فالتربية على العلم بقدرة الله وعلمه المحيطين بكل شيء، تكسب الفرد تقوى الله وخشيته، فلا يقدم على ما لا يرضاه، وتكسبه كذلك الثقة في إثابته على فعل الخير فيسعى للعمل بما يرضيه وترك ما يسخطه، فالذي يتزكى بهذه الصفة الربانية العظيمة، وهي علمه بقدرة الله التامة على كل شيء، مع الصفة السابقة: علم الله المحيط بكل شيء، تكسبه تزكيته بذلك كمال الخوف والرهبة من اللع العليم بكل شيء القادر على كل شيء، الحذر من ترط طاعته وارتكاب معصيته، سواءا تعلقتا بحقوقه أو حقوق عباد، وبذلك يأمنه الناس على حقوقهم فلا يخافون منه ظلما ولا عدوانا.

العلم بعدل الله الكامل:

إن الله تعالى أرسل رسله وأنزل كتبه، وهي تتضمن أخباراً وأحكاماً، فأخباره كلها صدق، لا يتطرق إليها كذب، وأحكامه كلها عدل، لا يتطرق إليها ظلم، سواء منها ما تعلق بالدنيا من الإخبار عما وقع في الحقب الغابرة، أو ما سييقع فيها مستقبلا من المغيبات، أم ما كلَّفه الله الناس من التشريعات، أو ما يتعلق بالآخرة من الإخبار عما أعد الله فيها جملةً أو تفصيلاً، وما يجازي به تعالى خلقه من أنواع الجزاء، فإن أخباره صدقٌ عن الدنيا والآخرة، وأحكامه عدلٌ في الدنيا والآخرة، ولذلك قال سبحانه عن نفسه: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام 115].

قال الفخر الرازي رحمه الله في تفسير الآية السابقة: "إن كل ما حصل في القرآن نوعان: الخبر والتكليف، أما الخبر فالمراد به كل ما أخبر الله عن وجوده أو عدمه، وأما التكليف فيدخل فيه كل أمر ونهي توجه منه سبحانه على عبده، وإذا عرفت انحصار مباحث القرآن في هذين القسمين، فنقول: قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً} إن كان من باب الخبر، {وَعَدْلاً} إن كان من باب التكاليف، وهو ضبط في غاية الحسن" [التفسير الكبير (13/161)].

وعدله سبحانه يقتضي أن يوفى كل عامل جزاء عمله، ويقتص لكل مظلوم من ظالمه، مهما قلَّ العمل أو كثر، وجلَّ العمل أو دقَّ، فإنه تعالى قد أمر بالعدل ونهى عن الظلم، وأقام الحجة في الأرض ببيان ما هو عدل وما هو ظلم، ووعد أهل العدل بثوابه، وتوعد أهل الظلم بعقابه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل 90]. وقال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} [الأعراف 29]. وقال تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الطور 47].

ولهذا أنذر سبحانه عباده بحسابه العادل الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، قال تعالى: {إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء 40].

وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [يونس 54]. وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[يونس 44].وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [يونس 47].

وقال سبحانه: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف 29]. قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء 47].

إن تربية الفرد على هذه الصفات للإله: العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء، هي أعظم تربية تجعله يسعى إلى طاعة الله وترك معصيته، ومعاملة عباد الله بما شرّع الله دون تعدٍّ لحدوده.

وقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} [آخر سورة الزلزلة]. أجمع ما وعد الله فيه عباده المؤمنين، أو توعد به الكفرة المجرمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر أنواع الخيل: (وأنها لرجُل أجر، ولرجُل وزر)، فسئل عن الحُمُر؟ قال: (ما أنزل الله عليّ فيها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة) وذكر آخر الزلزلة. [البخاري (3/217) ومسلم (2/681 ـ 682)].

فإذا ما عرف العبد عدل الله الكامل الذي يقضي به بين خلقه، ويجازي به المحسن والمسيء، أوجد ذلك في نفسه العزم على الإكثار من طاعة ربه، وإحسان قوله وعمله واعتقاده، وعامل الناس بما يحب أن يعاملونه به، فأصبح عندهم أمينا على أنفسهم وأوالهم وأعراضهم، فلا يخشون منه بائقة تنالهم، ولا مظلمة ترهقهم.