المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحله مع الشاعر والناقد / عبدالرحمن البجيدي في قصيده للشاعر / اسعد الروابة



منور العوني
16-02-2008, 09:49 PM
http://www.up3.cc/download/338447b612b2c932f.gif
http://www.up3.cc/download/455747b612b2d9cc6.jpg
شكرا للمصمم الرائع سعد العيد

حارس الليل
ياحارس الليل ..برد الليل مايدري = عن جمرةٍ بالحشا في موقد اظلاعي
يمر خنجر خفي واحسه بصدري = واصد حكيٍ يجي لاياصل اسماعي
عند المحطة ندهني صوتي المبري = لاوين رايح ؟لأي بلاد..ياساعي!!
قمت اتلفت وادور عذرٍ لعذري = وانا بحاجة حضن أمي ومرباعي
انشج وطفلٍ رقد بالبال من بدري = قام وتذكرحكايا الذيب والراعي
واهتز جذع الحنين وصحت ياصبري = اليوم اظن الرجى ماعاد له داعي
ولحظة لمحت البشر (بشناطها) تجري = يم القطار وتداعت صيحة الداعي
والريح صوته قسى و ْبسمعي يهذري = وانا احضن الندم واعض باصباعي
طرى على خاطري اشياء ماتطري = هو ليه ماحد بكى في ليلة وداعي
ضعفت وانا الرجل واحترت وش امري = محتاج احْدٍ يجي ويشد بذراعي
ابكي لأن الوجع ماهوب من كبري =موجوع لان البكا اصغر من اوجاعي
للشاعر/اسعــــد الروابـــــه
مقدمة :
لن اتطرق خلال هذه االرحلة للجوانب الفنية والمحسنات البديعية التي
يزخر بها هذا النص وإنما اكتفي بمدلولات الكلمات اللفظية حتى لا أطيل.

كما أنه تم الإسهاب في بعض الوقفات للفائدة .


وقفة عند عنوان النص (حارس الليل) :

أولاً: تكوّن العنوان من مفردتين ( حارس ،الليل)
ومن متطلبات الحراسة اليقظة والإنتباه والحذر الشديد وفي المقابل يتسم الليل بالسكون والهدوء
وفيه السبات والراحة ولإرتباط المفردتين ببعضهما كمضاف ومضاف إليه في هذا العنوان أعطى الحراسة
هنا عبئاً مضاعف لأن الليل تكثر فيه المفاجاءات وتأتي فيه الأخبار المؤلمة تسللاً عبر هدوءه
القاتل.
ثانياً: يعتبر العنوان من الكليات وما يأتي بعده من جزئياته
واحتواء العنوان على مفردة الليل ذات الإرتباط الذهني عند متذوقي الأدب بالمعاناة والحزن وتذكر
الأحبة . جعل النص بجميع مفرداته ينطوي تحت عباءة الليل ممّا أعطى بُعداً رومانسياً متوقعاً للنص
قبل قراءته


ياحارس الليل ..برد الليل مايـدري =عن جمرةٍ بالحشا في موقد اضلاعي استهلال الشاعر قصيدته بأداة نداء ومنادى منحه مدخلاً قوياً يلفت الإنتباه ويجذب
الأسماع كأسلوب تشويقي إلى مايريد أن ينبه به المخاطب(حارس الليل)،
عن عدم دراية برد الليل بما يشعر به داخليا
من حرارة عبر عنها بالجمرة وحدد موقعها في موقد الأضلاع ويقصد به القلب
وكأنه يشير إلى عدم مقدرة برد الليل على التأثير على هذه الحرارة .



يمر خنجر خفي واحسه بصدري =واصد حكيٍ يجي لاياصل اسماعي
شبه آلامه وكأنها من جراء مرور خنجر وللمرور دلالة على الحدة، واستخدام مضارع مرّ دل على
استمرار الألم ، وجاءت مفردة احسه مناسبة لمفردة خفي التي سبقتها لأن كل ما خفي نحسه دون أن نراه .
وفضلاً عن الألم يمنع شاعرنا كلام قد يزيد آلامه من الوصول إلى أسماعه
والأسماع هي مواطن السمع .


عند المحطة ندهني صوتي المبري =لاوين رايح ؟لأي بلاد..ياساعي!!
المحطة هي مكان مؤقت للعابرين والراحلين والقادمين .هناك استقبل شاعرنا
نداء داخلي سمعه بإحساسه وليس بأذنيه ومع ذلك وصفه بالمبري والبري
يطلق عادة على السهم والسهم المبري هو المتجرد من الريش والنصل وكأن
صوته تجرد من ثخانته تعبيراً عن الحزن.
ماذا يقول هذا الصوت؟
اطلق الصوت إستفهامين متتالين وتكرار الإستفهام يدل على الحيرة والإستغراب
فالإستفهامين كانت عن هدف الرحيل وعن المستقبل المجهول ويخاطبه صوته بمفردة "ساعي"إشارة إلى أنه لم يكن الرحيل الأول بل هو ديدنه في هذه الحياة.
وفي هذا البيت اكتملت الصورة الحدثية لهذه القصيدة والشعورية أيضا.

قمت اتلفت وادور عذرٍ لعـذري=وانا بحاجة حضن أمي ومرباعي
لم تكن ردة فعل الشاعر جواباً على إستفهامات صوته الحزين سوى تكرار التعبير عن الحيرة بالإلتفات اللاإرادي يمنة ويسرة للبحث عن عذر ولكن لمن هذا العذر؟
كان لعذره وهنا تعبير جميل عن عدم قناعته في أي مبرر مسبق اتخذه للرحيل.
( وانا بحاجة حضـن أمـي ومرباعـي)
عند هذا الشطر أقف وقفة طويلة فحضن الأم يستحق الوقفة، وهنا الشاعر وضعه بعناية فائقة ،فلحضن الأم دلالات كثيرة وواسعة منها الوطن
والملاذ والأمان والدفء والحنان،وحضن الأم عند العرب هو الصدر والعَضُدان وما بينهما ،ففي هذه المساحة من جسم الأم يجد الطفل
كل ما يحتاجه من مشاعر ويجد فيها الملاذ الآمن الذي لا يجده في مكان آخر، فعند هروب الطفل مثلاً من أي خطر لايجد حسب رؤيته أأمن من حضن أمه.
واستخدام الشاعر لمفردة "بحاجة" اتخذ دلالة فطرية وهي :
أن الله عز وجل أودع الحنان في قلب الأم فتمنحه لولدها مادام بحاجة لهذا الحنان فيستمر تدفقه في مرحلة الطفولة والتي يحتاج فيها الطفل
لحنان أمه ورعايتها ، فإذا انتفت هذه الحاجة لإعتماد الإبن على نفسه تحول هذا الحنان إلى حب وهذا عند الإنسان فقط .
وأمّاالحيوان يختلف بأن الأم تحن وتعطف على ولدها مادام بحاجتها وإذا انتفت هذه الحاجة يتوقف ولايتحول الشعور إلى حب كما هو حال الإنسان .
فنجد الشاة تعطف على ولدها عندما يكون في حاجتها وعندما يكبر قد يجر أمامها للذبح دون أن تحرك ساكناً,
ولكن عندما يكبر الإنسان فيأتي من سفر أو يكون في أي حال فيحضن أمه .يثور فيها شعور بإنكسار إبنها وحاجته إليها فينبع الحنان مجدداً تبعاً لحاجة ابنها لذلك.
وكان تعبير الشاعر شاملاً إلى كل دلالة يدل عليها حضن الأم.


انشج وطفلٍ رقد بالبال من بدري=قام وتذكرحكايا الذيب والراعـي
للبكاء درجات ومراحل تبدأ بالإجهاش وهو التهيؤ للبكاء ثم تغرورق العيون بالدمع ،فإذا سال يقال
همعت وإذا هطل يقال همت،وإن صاحب البكاء صوت يوصف بالنحيب والنشيج، وإن صاحبه صياح
يوصف بالعويل .وكان شاعرنا ينشج محاولاً مقاومة البكاء وكبح جماحه ولكن هيهات فالموقف أشد وأقسى. وعبر بالطفل عن
شعور مرتبط بحوادث كامنة تفاصيلها في الذاكرة واالرقود هنا علامة السيطرة على الشعور أو
النسيان ولكنه قام حسب تعبير الشاعر فأثار الذاكرة وما اختزنته في السابق ورمز بحكايا الذيب والراعي تعبيراًعن الأحداث التي تذكرها
وهو تعبير متقن ،فما يحكى عن الذيب والراعي متداول في كثير من
القصص وفي كثير من الحضارات، وفي ذلك إشارات تلمح للحدث
منها إستشعار الخطر ومنها الخوف على من هم برعايته .
وقد تكون إشارة إلى صروف الزمن ومحاولة دفع مصائبه ومشاكله.


واهتز جذع الحنين وصحت ياصبري=اليوم اظن الرجى ماعاد لـه داعـي

هنا عصفت المشاعر فاهتز جذع الحنين وجذع الشيء هو الجزء القوي
منه واهتزازه يعني تعرضه لمؤثر قوي، فصاح الشاعر مناديا صبره ونداء الشيء صياحاً مؤشر على
إبتعاده فكأن الصبر هنا لم يستطع التحكم والسيطرة على المشاعر فتلقى استدعاء بمعنى (أين أنت ياصبري) ويطلب منه مقاومة الحنين الذي شعر أنه لاجدوى منه
في هذا الوقت ولابد من الرحيل.


ولحظة لمحت البشر (بشناطها) تجري =يم القطار وتداعت صيحـة الداعـي

يقول المثل (قطعت جُهيزة قول كل خطيب) 1
انتهى كل شيء و تتوقف في هذه اللحظة كل الآمال فلا وقت للتراجع عن الرحيل.
فالمشاعر التي كانت تلح عليه بالبقاء.تداعت عندما حان وقت الرحيل
والمتمثل بهروع المسافرين إلى القطار حاملين حقائبهم.


والريح صوته قسى و ْبسمعي يهذري =وانا احضن الندم واعض باصباعي
هنا تحول برد الليل إلى ريح قاسية وأصبح لها صوت غير مفهوم وكأنها تهذري دلالة على تزاحم المشاعر وتسارع الوقت الذي أدى إلى
إخفاق الشعور في تفسير مايحدث.
وفي هذه اللحظة يحتضن شاعرنا الندم وإحتضانه يعني إحتوائه فلاينقص أو يتسرب منه شيئا
والعض على الإصبع من الحركات السلوكيه التي تصاحب الإنفعالات الشعوريه عندما تصل إلى
ذروتها وعض الإصبع دلالة على الخوف أوالحيرة أو الندم كما في قول الله تعالى(ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا )2
أوالغيظ كما في قول الله تعالى (هاانتم اولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون
بالكتاب كله واذا لقوكم قالوا امنا واذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم ان الله عليم بذات الصدور )3
ولكن شاعرنا أورد ذلك دلالة على الندم


طرى على خاطري اشياء ماتطري =هو ليه ماحد بكى في ليلة وداعي
في خضم تسارع ورود المشاعر وانعكاساتها ومداهمة الوقت إيذاناً بالرحيل بدأ يستدرك شاعرنا
مالم يكن يفكر به عادة ومنه تقييم مشاعر الآخرين تجاهه.وقد يكون السبب استشعاره للوحدة المقبلة.


ضعفت وانا الرجل واحترت وش امري=محتاج احْـدٍ يجـي ويشـد بذراعـي
منح الله عز وجل الرجل مقدار من الشدة والصبر لمواجهة نوائب الدهر وصروفه ولكن قد تخور القوى أمام بعض المواقف التي تثور
معها المشاعر وكأنها بركان عنيف.عندها يصبح العقل تحت سيطرة
العاطفة ، فتبدأ الحيرة وتتبعثر الرؤى ويقف الإنسان عند مفترق الطرق.
ولذلك احتاج شاعرنا من باب التمني لمن يحضر في هذا الوقت ويشد
بذراعه مؤازرة لعله ينقذه من حيرته التي يشعر بها .


ابكي لأن الوجع ماهوب من كبـري=موجوع لان البكا اصغر من اوجاعي
منتهى البلاغة في تصوير الأسى في هذا البيت الباكي والمبكي
والذي يشعرنا الشاعر فيه بأن أوجاعه تفوق تحمله وأن حجم الألم كبير جداً وسبب وجعه قاس أيضاً لأن من أكبر أوجاع الرجل أن يبكي، فإذا
بكى علم الناس أنه بلغ أقصى الأوجاع وأشدها ولكن شاعرنا
كان بكاؤه أصغر من أوجاعه دليل على أن ماهو أكبر منه يفوق التحمل والصبر.وانتهى النص بتفريغ شحنة نفسية بمشاعر صادقة متفجرة وإنفعالات
مناسبة للحدث .

وقفة عند مجمل النص:
تمكن الشاعر من صنع نص رومانسي متقن للغاية مفعم بالأحاسيس
متوشح بالشجن .متأثر بالطبيعة التي ارتبطت بالمشاعر الرومانسية
مثل الليل وصوت الريح، كما استخدم مفردات لها علاقة
بمشاعر الإنسان ساعدت على رومانسية النص أيضا كاالصوت وحضن الأم والبكاء والنشيج والوجع والصياح.
كما استطاع الشاعر الحفاظ على الرتم الرومانسي المتصاعد تدرجاً لينقل
المتلقي إلى قمة الرومانسية دون ملل .
وتميز النص بأن المشاعر التي وصفها الشاعر حدثت في وقت وجيز. وهنا يبرزتمكن الشاعر
بأسلوب لا يجيده الكثير من خلق التوازن بين تغيرات الحدث وارتقاء المشاعر في زمن ضيق وهو بقدر وقفة في محطة القطار .
وبملكة فريدة استطاع الشاعر أيضا استخدام الرمزية المجملة التي ألقت
بظلها الخفيف على النص برموز ذات معان تعكس معاناة الشاعر وهمومه
دون أن تؤثر على مفردات النص ورومانسيته.
وكان لتسلسل مفردات وأبيات القصيدة وجوده الواضح والمعتنى به كما أن المفردات أختيرت بعناية فائقة.

الخلاصة:
يعتبر هذا النص من وجهة نظري الخاصة من النصوص المتميزة جداً
والنادرة فرغم سهولته يظهر لنا تمنعه وهنا يكمن الإبداع.
كما أن شاعر هذا النص أعتبره من القلة المميزة التي تتوفر لديها ملكات فطرية ومكتسبة قد لا تتوفر في كثير من الشعراء .

(1)قصة المثل أن قوماً اجتمعوا يخطبون في صلح بين حيين قتل أحدهما
من الآخر قتيلاً، ويسألون أن يرضوا بالدية، فبينما هم في ذلك، إذ جاءت
أمة يقال لها «جهيزة» فقالت: إن القاتل قد ظفر به بعض أولياء المقتول، فقالوا عند
ذلك «قطعت جهيزة قول كل خطيب»، أي قد استغني عن الخطب.
(2) سورة الفرقان - آية 27
(3) سورة آلعمران - آية 119



منقول

طيف
18-02-2008, 09:25 PM
رحله رااائعه مع شااعر مبدع

يعطيك العافيه اخوي

موضوع متميز

حســــام
19-02-2008, 08:42 PM
يعطيك العافيه يالغالي

سود العيون
09-03-2008, 04:03 AM
رحـلة رائعـــة


مع شاعر رائع


انسلت في تقاسيمه في الذاكـــرة


شاعرنا الكريم منور العونـــي


لكَ جُــلّ التحايا ...


وأعطر الباقات ...


كـن بالقرب يا جزل ...


وافر الود


.

.

خلف عايش
22-03-2008, 01:30 AM
اخي منور

رحلة رائعة في رحاب هذه القصيدة الرائعة للشاعر المبدع اسعد الروابة
شكراً للناقد عبد الرحمن البجيدي على هذا اه الدراسة القيمة