المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيفية محاسبةُ اللهِ لعباده على الحسنات والسيئات يوم القيامة



أهــل الحـديث
06-08-2014, 10:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم



دلَّ القرآنُ الكريمُ والسنةُ النبويةُ الشريفةُ وإجماعُ السلفِ على الموازنةِ بينَ الحسناتِ والسيئاتِ فهي مذكورةٌ في قوله تعالى ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ) (الأعراف: 8-9)، وفي قوله تعالى ( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ) (المؤمنون: 102-103)، وفي قوله تعالى ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) (القارعة: 6-9)، وفي قوله تعالى ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) (الحاقة: 19) إلى قوله تعالى ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ) (الحاقة: 25). ولمَّا كانت آيات الموازنة في المؤمنين السعداءِ وفي الكافرين الأشقياءِ، دخل فيها المخلطونَ من المؤمنينَ الذين رجحت سيئاتُهم على حسناتِهم لقوله تعالى (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء: 47)، ولقوله تعالى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة: 7-8). فالمؤمنون في الموازنةِ أصنافٌ ثلاثةٌ: الأول: من رجحت حسناتُهم على سيئاتِهم، والثاني: من استوتْ حسناتُهم وسيئاتُهُم، والثالث: من رجحت سيئاتُهُم على حسناتِهِم.

فقد قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم: يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار، ومن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة. ثم قرأ قوله تعالى (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) (الأعراف: 8، 9)، ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة أو يرجح، وقال: ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف (1).

ويقرر العلامة حافظ حكمي رحمه الله أن الذي أثبتته الآيات القرآنيه، والسنن النبوبة، ودرج عليه السلف الصالح،والصدر الأول من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، من أئمة التفسير، والحديث، والسنة أن من عُصاةِ المؤمنين قومٌ لقوا الله تعالى مصرين على كبائر الإثم والفواحش، ومعهم أصل التوحيد والإيمان، فرجحت سيئاتهم بحسناتهم، فهؤلاء هم الذين يدخلون النار بقدر ذنوبهم، وهم الذين يأذن الله تعالى في الشفاعة فيهم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولغيره من بعده من الأنبياء، والأولياء، والملائكة، ومن شاء الله أن يكرمه، فيخرجونهم من النار، ثم يخرج الله تعالى برحمته من لا يعلمه إلا هو سبحانه، فلا يخلد في النار منهم أحد (2).

ويوجد أقوالٌ في الموازنة بين الحسنات والسيئات في هذه الأصناف؛ ففي الصنفِ الأولِ قولان، الأول: أنه إذا كانت الحسنات أرجح من السيئات بواحدة مثلًا، فهل يدفع الراجحُ المرجوحَ جملةً، فيثابُ على الحسناتِ كلِها؟ أما القول الثاني: هل يسقطُ من الحسناتِ ما قابل السيئاتِ، فلا يثابُ عليه، ولا يُعاقب على تلك السيئات، فيبقى القدرُ الزائدُ لا مقابل له، فيثابُ عليه وحدَهُ؟ (3)؛ أمَّا الصنفُ الثالثُ ففيه قولان، الأول: أنَّ من رجحت سيئاتُه على حسناتِه هو تحتَ الموازنةِ تمسُهُ النارُ ثم يخرج منها، وفي هذا القولِ قولان أنَّهُ إذا رجحت السيئات بواحدة هل يدخل النار بتلك الواحدة التي سلمت عن مقابل، أو بكل السيئات التي رجحت؟ (4)، أمَّا القولُ الثاني: أنَّ هذا الصنف تحت المشيئة، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل السنة وعليه استقرَ رأيُ الصحابةِ بعدما كانوا يقولون بالقولِ الأولِ وهو أنَّ من رجحت سيئاتُه على حسناتِه يُعذب بالنارِ ثم يخرج منها (5).

وأنا هنا في هذا المبحث اجتهد في شرح كيفيةِ محاسبةِ اللهِ لعبادهِ على السيئاتِ والحسناتِ يوم القيامةِ بالجمع بينَ نصوصِ الموازنة، ومغفرةِ الذنوبِ والعفو عنها، ومحوِ السيئاتِ بما يُقابلها من الحسناتِ، والفصلِ بين حقوقِ العبادِ ومظالمهمِ من غيرِ أنْ يوجد تعارضُ بينهم. فأول ما يُحاسب عليه العبدُ هو حقوقُ العبادِ ومظالمُهم لأنَّ اللهَ لا يتركُها أبداً دونَ حسابٍ بينما قد يعفو اللهُ على حقهِ لقوله عليه الصلاة والسلام ( الدَّواوينُ عندَ اللَّهِ ثلاثةٌ ؛ ديوانٌ لا يعبأُ اللَّهُ بِهِ شيئًا ، وديوانٌ لا يترُكُ اللَّهُ منهُ شيئًا ، وديوانٌ لا يغفرُهُ اللَّهُ . فأمَّا الدِّيوانُ الَّذي لايغفرُهُ اللَّهُ ، فالشِّركُ باللَّهِ ، قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ المائدةِ :72 وأمَّا الدِّيوانُ الَّذي لا يعبأُ اللَّهُ بِهِ شيئًا ، فظلمُ العبدِ نفسَهُ فيما بينَهُ وبينَ ربِّهِ ، من صومِ يومٍ تركَهُ ، أو صلاةٍ تركَها ؛ فإنَّ اللَّهَ يغفرُ ذلِكَ ويتجاوزُ إن شاءَ . وأمَّا الدِّيوانُ الَّذي لا يترُكُ اللَّهُ منهُ شيئًا ، فظلمُ العبادِ بعضِهِم بعضًا ؛ القصاصُ لا محالةَ ) ( الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/520 خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح). ما يفيدُ أنَّ ذلكَ يقتضيَ أنْ يتبعَ العفوُ الحسابَ وليس العكس لأنَّه إذا تبعَ الحسابُ العفو أضاعَ رحمته وبهجته وانتقص منها. فيقتصُ اللهُ للمظلومِ من الظالمِ بالأخذِ من حسناتِ الظالمِ للمظلومِ حتى إذا نفذتْ حسناتُ الظالمِ أُخذَ من سيئاتِ المظلومِ وألقيتْ على الظالمِ حتى يستوفيَ المظلومُ حقَهُ لقوله عليه الصلاة والسلام ( أتدرونَ ما المُفلِسُ ? . قالوا المفلِسُ فينا يا رسولَ اللَّهِ من لاَ درْهمَ لَهُ ولاَ متاعَ . قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ : المفلسُ من أمَّتي من يأتي يومَ القيامةِ بصلاتِهِ وصيامِهِ وزَكاتِهِ ، ويأتي قد شتمَ هذا ، وقذفَ هذا ، وأَكلَ مالَ هذا، وسفَكَ دمَ هذا ، وضربَ هذا ، فيقعدُ فيقتَصُّ هذا من حسناتِهِ ، وَهذا من حسناتِهِ ، فإن فنِيَت حسناتُهُ قبلَ أن يُقتصَّ ما عليْهِ منَ الخطايا أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَ عليْهِ ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ) ( . الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2418 خلاصة حكم المحدث: صحيح). إلَّا إذا عفى المظلوم عن حقه على ظالمهِ في الدنيا فيثيبُهُ اللهُ ويؤجرُهُ بأجرٍ وثوابٍ أعظمَ مما يستحقهُ عوضاً عن مظلمتهِ فاللهُ عزوجل هو أكرمُ الأكرمين وأرحمُ الراحمين أو أن يشاءَ اللهُ أن يعَفوَ الظالمُ عن المظلومِ في الآخرة بترغيبهِ بعفوٍ من اللهِ عن ذنوبهِ أعظمَ من عفوه عن ظالمهِ لقوله تعالى (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (النور: 22)، أو بترغيبهِ بحسناتٍ وأجرٍ أعظمَ من الحسناتِ التي قد تقتصُ له من ظالمهِ فيرفعُ اللهُ منزلتَهُ في الجنة ويقربهُ إليهِ بثواب وأجرِ عفوهِ عن ظالمهِ لقوله تعالى ( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: 133-134) فمن يعفو عن الناسِ هو من المتقين والمتقون هم الأقربُ منزلةً إلى الله عزوجل لقوله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ ) (الحجرات: 13). ثم بعد أن يُحاسبَ اللهُ عبادَهُ على حقوقِ ومظالمِ المظلومين، يُحاسبُهم على حقهِ عزوجل عليهم في عبادته وطاعته وفي ذلكَ خمسةُ أحوالٍ هي:

1) من رجحت حسناتُهُ على سيئاتِهِ.
2) من رجحت سيئاتُهُ على حسناتِهِ.
3) حسناتٌ راجحةٌ مع سيئاتٍ قليلةٍ.
4) سيئاتٌ راجحةٌ مع حسناتٍ قليلةٍ.
5) من استوت حسناتُهم وسيئاتُهم.

ففي الحال الأول: يمحو اللهُ السيئاتِ المرجوحةِ بما يماثلها من حسناتٍ بدلاً أن يعذبهُ عليها وإن كان في ذلكَ نقصانٌ من الحسناتِ، فهذا من رأفته ورحمته سبحانه و تعالى بعبادهِ لأنَّ العبدَ لا يقوى ولا يتحملُ عذابَ جهنمَ فتنجيتهُ من النارِ أرحمُ له من الزيادةُ في نعيمِ الجنةِ. ثمُ يدخلُهُ سبحانه و تعالى بما تبقى له من حسناتٍ راجحةٍ المنزلةَ التي شاء اللهُ أن ينعمَ عليه بها في الجنةِ، فلا بد من عمل صالحٍ يُدخِلُ اللهُ عبدَهُ الجنةَ بثوابه وبأجره من حسناتٍ لقوله تعالى (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (يس: 54)، ولقوله تعالى (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ *وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ) (النجم 39-41). لأنَّ الإيمانَ لا بدَّ أن يصحَبهُ عملٌ فالإيمانُ في القلبِ وهو سلطانُ الأعضاءِ فما في القلبِ يجبُ أن يظهرَ على الجوارحِ لقوله عليه الصلاة والسلام (ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً : إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ( . ( الراوي: النعمان بن بشير- المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 52 خلاصة حكم المحدث: صحيح)، كما أنَّ العملَ الصالحُ لا بدَّ أن يكون مع إيمانٍ لقوله عليه الصلاة والسلام (إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيُبها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه) ( الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1 خلاصة حكم المحدث: صحيح ) فلو لم يكنْ العملُ الصالحُ مع إيمانٍ لكان نفاقاً. ما يفيد أنَّهُ من الضروري أن يكون للمؤمنِ عملٌ صالحٌ يرحَمهُ اللهُ بهِ ويدخلهُ بحسناتهِ الجنةَ ولذلكَ تجد آياتٍ كثيرةً الإيمانُ فيها مقترنٌ بالعملِ الصالحِ كقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) (الكهف: 107)، وكقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (يونس:9)، وكقوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۙ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (المائدة:9) وغيرها من الآياتِ الكريمة. وفي هذا الحالُ ثلاثةُ أحوالٍ هي:
أ) يمحو اللهُ سيئاتِ العبدِ المرجوحةِ بما يماثلها من حسناتِهِ ثم يدخلهُ اللهُ عزوجل المنزلة التي شاء اللهُ لهُ إياها بما تبقى له من حسناتٍ راجحةٍ.

ب) إذا نقصت حسناتهُ كثيراً بسبب محو سيئاتهِ بقسمٍ كبيرٍ منها، فإنَّ اللهُ الرحيم الكريم قد يعفو عن قسمٍ من سيئاتِهِ التي لم يتبْ منها في الدنيا لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ) (النساء: 48) كي لا تنقص حسناتهُ كثيراً فيرفعُ منزلتَهُ في الجنة بفضلهِ ومنتهِ سبحانه وتعالى، أو عندما تنقصُ حسناتهُ كثيراً بسببِ محو سيئاتِهِ بقسمٍ كبيرٍ منها قد يضاعف اللهُ عزوجل له الأجرَ في ما تبقى من حسناتهِ الراجحةِ أضعافاً مضاعفةً ليرفعَ منزلتَهُ في الجنة بفضله ومنتهِ سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 261)، ولقوله عليه الصلاة والسلام (... فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعمَلْها كتبها اللهُ له عنده حسنةً كاملةً ، فإن هو همَّ بها وعمِلها كتبها اللهُ له عنده عشرَ حسناتٍ إلى سبعِمائةِ ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ ...) (الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم:6491 خلاصة حكم المحدث: صحيح).

ج) قد يمحو اللهُ قسماً من سيئاتِ عبدهِ بما يماثلها من حسناتهِ ثم يعفو الله عمَّا تبقى من سيئاتهِ وأيضاً يُضاعف له الأجرَ فيما تبقى له من حسناتهِ الراحجةِ كي يكرمهُ سبحانه وتعالى ويرفعُ درجتَهُ بفضلهِ ومنتهِ سبحانه وتعالى.

أمَّا الحال الثاني: فإنْ رجحتْ سيئاتُهُ على حسناتِهِ فإنَّ عدلَ اللهِ ورحمتَهُ يقتضيانِ أن يُعاقبَهُ اللهُ بالنارِ على ما شاء من سيئاتِهِ حتى تصير حسناتُهُ راجحةً على سيئاتِهِ ثم يدخلهُ اللهُ الجنةَ بحسناتِهِ الراجحةَ وفي ذلكَ رحمةٌ من اللهِ لعبدهِ لأنَّهُ لو محى اللهُ سيئاتهِ الراجحةَ بحسناتِهِ المرجوحةِ لنفذتْ حسناتُهُ دون أن تُمحى جميعُ سيئاتِهِ فَيُوجَبُ تَعذيبُهُ على ما تبقى له من سيئاتٍ ثم لا يجد لنفسهِ حسناتٍ يدخلهُ اللهُ بها الجنةَ فما أعظمُ رحمةِ اللهِ لعبادهِ؛ وفي هذا الحال ثلاثةُ أحوالٍ هي:

أ) أن يعفو الله العفو الكريم عما شاء من سيئاتهِ حتى تصيرَ حسناتُهُ راجحةً على سيئاتِهِ ثم يمحو اللهُ ما تبقى من سيئاتِهِ بما يُماثلها من حسناتِهِ فيدخله الجنةَ بما تبقى له من حسناتٍ راجحةً.

ب) أن يعاقبَهُ الله بالنارِ على ما شاء من سيئاتِهِ حتى تصيرَ حسناتُهُ راجحةً على سيئاتِهِ ثم يمحو اللهُ ما تبقى من سيئاتِهِ بما يُماثلها من حسناتِهِ فيدخله الجنةَ بما تبقى له من حسناتٍ راجحةً.

ج) أن يعفو الله العفو الكريم عما شاء من سيئاتهِ وكذلك يعاقبَهُ الله بالنارِ على ما شاء من سيئاتِهِ حتى تصيرَ حسناتُهُ راجحةً على سيئاتِهِ ثم يمحو اللهُ ما تبقى من سيئاتِهِ بما يُماثلها من حسناتِهِ فيدخله الجنةَ بما تبقى له من حسناتٍ راجحةً.

أمَّا الحالُ الثالثُ: من كانت حسناتُهُ راجحةً مع قليلٍ من السيئاتِ، فهؤلاءِ يُكرمهم اللهُ عزوجل وينعمُ عليهم بالمنازلِ الرفيعةِ في الجنة؛ لقوله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ ) (الحجرات: 13) فهم اتقوا اللهَ بأداءِ فرائضهِ واجتنابِ نواهيهِ والمتقون هم أكرم الناسِ عند اللهِ عزوجل كما أنَّ أداءَ الفرائضِ أحبُ الأعمال إلى اللهِ عزوجل لقوله عليه الصلاة والسلام ( إنَّ اللهَ قال : من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه ، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه ، فإذا أحببتُه : كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به ، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به ، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها ، ورِجلَه الَّتي يمشي بها ، وإن سألني لأُعطينَّه ، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه ، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ترَدُّدي عن نفسِ المؤمنِ ، يكرهُ الموتَ وأنا أكرهُ مُساءتَه ) ( الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6502 خلاصة حكم المحدث: صحيح )، فالمؤدِّيُ للفرائضِ يؤجره ويثيبهُ اللهُ بالحسناتِ والتاركُ لها يعاقبُهُ اللهُ ويُجازيهُ بالسيئاتِ وهؤلاء سيئاتُهم قليلةٌ ما يعني أنَّهم مُؤدونَ للفرائض مواظبون عليها والمداومةُ والمواظبةُ على الفرائضِ هي أيضاً أحبُ الأعمالِ إلى اللهِ عزوجل وإن قلتْ أي وإن كانتْ حسناتُهم قليلةٌ لقوله عليه الصلاة والسلام ( سدِّدوا وقارِبوا ، واعلموا أنَّه لن يُدخِلَ أحدُكم عملُه الجنَّةَ ، أنَّ أحبَّ الأعمالِ أدوَمُها إلى اللهِ وإن قلَّ) ( الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6464 خلاصة حكم المحدث: صحيح ).

كما أنَّهم لهم درجاتٌ ومنازلٌ أعلى في الجنة ممَّن يماثلهم في الحسناتِ ويزيد عليهم في السيئاتِ لأنَّهم اتقوا اللهَ باجتناب السيئاتِ بينما أولئك لم يتقوا اللهَ مثلَهُم باجتناب السيئاتِ، إلاَّ أن يبتليهم الله بالمصائب والشدائد في الدنيا كي يكفرَ عنهم سيئاتهم فيدخلهم منازلَ ودرجاتِ الذين ماثلوهم بالحسناتِ واجتنبوا السيئاتِ.

أمَّا الحال الرابع: من كانت سيئاتُهُ راجحةً مع قليلٍ من الحسناتِ، كتاركِ الفرائض تارةً ومؤدياً لها تارةً مع تركها أكثرَ من أدائِها فتكتبُ عليه سيئاتٌ كثيرةٌ لتركهِ الفرائضَ غالباً وتكتبُ له حسناتٌ قليلةٌ لأدائِهِ لها قليلاً، فتكون حسناتُهم القليلة مُقابلَ سيئاتِهم الكثيرةِ قليلةً معدومةً والله أعلم. وهؤلاء الذين يدخلهم اللهُ الناربقدر ذنوبهم، وهم الذين يأذن الله تعالى في الشفاعة فيهم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولغيره من بعده من الأنبياء، والأولياء، والملائكة، ومن شاء الله أن يكرمه، فيخرجونهم من النار، ثم يخرج الله تعالى برحمته من لا يعلمه إلا هو سبحانه، فلا يخلد في النار منهم أحد لأنَّهم موحدون مؤمنون بالله عزوجل لقوله عليه الصلاة والسلام (...ثم يقول : ارجِعوا . فمن وجدتم في قلبِه مِثقالَ ذرةٍ من خيرٍ فَأَخْرِجوه . فيُخْرِجون خَلْقًا كثيرًا . ثم يقولونَ : ربَّنا ! لم نَذَرْ فيها خيرًا . وكان أبو سعيدٍ الخُدْرِيِّ يقول : إن لم تُصَدِّقُوني بهذا الحديثِ فاقرؤوا إن شِئْتُم : { إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } [ 4 / النساء / الآية - 4 ] فيقولُ اللهُ عز وجل : شَفَعَتِ الملائكةُ وشَفَعَ النَّبِيُّونَ وشَفَعَ المؤمِنونَ. ولم يَبْقَ إلا أَرْحَمُ الراحِمِينَ . فَيَقْبِضُ قَبْضَةً من النارِ فيُخْرِجُ منها قومًا لم يَعْمَلُوا خيرًا قَطُّ . قد عادوا حِمَمًا . فَيُلْقِيهِم في نهرٍ في أَفْوَاهِ الجنةِ يُقالُ له نهرُ الحياةِ . فيَخْرُجونَ كما تَخْرُجُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ . ألا تَرَوْنَها تكونُ إلى الحَجَرِ أو إلى الشَّجَرِ . ما يكونُ إلى الشمسِ أُصَيْفِرُ وأُخَيْضِرُ . وما يكونُ منها إلى الظِّلِّ يكونُ أبيضَ ؟ فقالوا : يا رسولَ اللهِ ! كأنك كنتَ تَرْعَى بالباديةِ . قال فيَخْرُجون كاللُّؤْلُؤِ في رقابِهم الخواتِمُ . يعرِفُهم أهلُ الجنةِ . هؤلاءِ عُتَقَاءُ اللهِ الذين أدخلهم اللهُ الجنةَ بغيرِ عَمَلٍ عمِلوه ولا خيرٍ قَدَّمُوهُ . ثم يقولُ : ادخُلُوا الجنةَ فما رأيتُموه فهو لكم . فيقولونَ : ربَّنا ! أعطيتَنا ما لم تُعْطِ أحدًا من العالمينَ . فيقولُ : لكم عندي أفضلُ مِن هذا . فيقولونَ : يا ربَّنا ! أيُّ شيءٍ أفضلُ من هذا ؟ فيقول : رِضَايَ . فلا أَسْخَطُ عليكم بعدَه أبدًا ....) (الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 183خلاصة حكم المحدث: صحيح).

وفي رواية أخرى (حتى إذا فرغ اللهُ من القضاءِ بينَ العبادِ، وأراد أن يُخرِجَ برحمتِه مَن أراد من أهلِ النارِ، أمر الملائكةَ أن يُخرِجوا من النارِ من كان لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا، مِمَّن أراد اللهُ تعالى أن يَرْحَمَهُ، ممن يقولُ : لا إله إلا اللهُ . فَيَعْرِفونهم في النارِ . يَعْرِفونهم بِأَثَرِالسجودِ . تأكلُ النارُ من ابنِ آدمَ إلا أَثَرَ السجودِ . حرم اللهُ على النارِ أن تأكلَ أَثَرَ السجودِ . فَيَخرُجُونَ من النارِ وَقَدِ امتُحِشُوا . فَيُصَبُّ عليهم ماءُ الحياةِ . فَيَنْبُتُون منه كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ . ثم يَفرُغُ اللهُ تعالى من القضاءِ بينَ العبادِ . ويبقَى رجلٌ مُقْبِلٌ بوجهِه على النارِ . وهو آخِرُ أهلِ الجنةِ دخولًا الجنةَ . ) (الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 182
خلاصة حكم المحدث: صحيح)

ففي الروايتين ذُكرَ أنَّ اللهَ يخرجُ برحمته من لم يفعل خيراً قط وقد يكون المقصودُ به أنَّهم لم يعملوا خيراً قط بقصد طاعة اللهِ كأن تكون أعمالُهم رياءً أو تقليداً أو مفتقرةً إلى الإخلاصِ وما شابه ذلك ولكنَّهم معهُم أصلُ التوحيدِ فيرحمهم الله الرحمن الرحيم به أو أن تكون أعمالهم قليلةً جداً فكأنَّها معدومةٌ، وكذا يخرجُ برحمتهِ من يقول لا إله إلا الله فيعرفونهم بأثر السجودِ وهذا يدلُ على أنهم كانوا يصلون مع عدم المداومة على ذلك ما يفيد بأنَّ أعمالهم كانت أيضاً قليلةً. إذًا هؤلاء أصحابُ الحسناتِ القليلة والسيئاتِ الكثيرةِ يدخلون النار ثم يخرجون منها ولا يخلدون فيها لما معهم من أصل التوحيدِ.

أمَّا الحال الخامس: فمن استوت حسناتُهم وسيئاتُهم هم أصحابُ الأعرافِ، وقد ذهب أكثرُ المفسرين من الصحابة والتابعين إلى أن مصير أصحاب الأعراف هو الجنة، وهو الأقرب إلى ظاهر القرآن الكريم، كما جاء عن الحسن البصري رحمه الله: أنه تلا هذه الآية: (لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) قال: والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم، إلا لكرامة يريدها بهم. وورد نحوه عن ابن عباس ومجاهد والضحاك وغيره من المفسرين. والله أعلم.

أمَّا عفوه سبحانه وتعالى عمَّن يشاء من عباده مع عدم توبتهم من ذنوبهم، فإنَّه معلقٌ بمشيئة الله عزوجل لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ) (النساء: 48)، وبحال العبد أي بحالِ قلبهِ لأنَّه من صَلُح قلبهُ صلح جسدُهُ فالقلبُ هو سلطانُ الأعضاءِ؛ لقوله تعالى (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء: 88-89). فمن كان قلبه خالصاً من الرياءِ، والله ورسوله أحب إليه من غيرهما لقوله عليه الصلاة والسلام (لا يَجِدُ أحَدٌ حَلاوةَ الإيمانِ حتَّى يُحِبَّ المرءَ لا يحبُّهُ إلَّا للَّهِ ، وحتَّى أن يُقذَفَ في النَّارِ أحبُّ إليهِ مِن أن يَرجعَ إلى الكفرِ بعدَ إذ أنقذَه اللَّهُ ، وحتَّى يَكونَ اللَّهُ ورسولُهُ أحبَّ إليهِ مِمَّا سواهُما ) ( الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6041 خلاصة حكم المحدث: صحيح)، ومن كان يحب لأخيه ما يحب لنفسه لقوله عليه الصلاة والسلام (لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه ) ( الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري – المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 13 خلاصة حكم المحدث: صحيح )، ومن كان يحدث نفسَه بالغزو في سبيل الله لقوله عليه الصلاة والسلام ( مَن ماتَ ولم يغزُ ولم يحدِّث نَفسَهُ بالغَزوِ ماتَ علَى شُعبةٍ من نفاقٍ ) ( الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم : 2502 خلاصة حكم المحدث: صحيح)، ومن كان ملتزماً بالفرائض مداوماً عليها مُكثراً من النوافلِ خاصةً المستحبُ منها لقوله عليه الصلاة والسلام (وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه ، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه) ( الراوي : أبو هريرة المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6502 خلاصة حكم المحدث: صحيح )، فإنَّ اللهَ عزوجل يُكرمُهُ ويُدخلهُ في رحمتهِ. أمَّا من كان يرائي في بعض أعماله، ولم يكن اللهُ ورسولهُ أحب إليه من غيرهما، ولم يُحب لإخوته المؤمنين ما أحبَّ لنفسه، ولم يُحدثْ نفسَهُ بالغزو في سبيل اللهِ، فإن اللهَ عزوجل قد لا يُدخله في رحمتهِ واللهُ أعلم.

إذًا الخلاصة إنَّ اللهَ عزوجل لا يتركُ المحاسبةَ على السيئات والحسناتِ لقوله تعالى (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة: 7-8)، فيؤجرُ المُحسنَ على حسناتِهِ لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) (الكهف: 30)، ويُعاقبُ المُسيءَ على ذنوبه لقوله تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (العنكبوت:4). إلاَّ أن يعفو اللهُ عمَّن يشاء من عباده مع عدم توبته لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ) (النساء: 48). كما أنَّ في محو السيئاتِ بالحسناتِ في حال رجحانِ الحسناتُ على السيئاتِ تخفيفٌ من اللهِ ورحمةٌ عظيمة لأنَّ نقصَ الأجرِ والثوابِ أخفُ وأهونُ وأرحمُ من العذابِ بالنارِ فعذابُ جهنَّمَ لا يقوى عليه أحدٌ من العباد كما أنَّ أهلَ الجنةِ جميعُهم راضون عن نعيمها رُغم تفاوت درجاتهم لقوله تعالى (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) (يس: 55). أمَّا إذا رجحتْ سيئاتهُ على حسناتهِ فمن رحمتهِ وعدلهِ سبحانه و تعالى أن يُعذبه اللهُ على سيئاتِهِ حتى تصيرَ حسناته راجحةً لأنَّه طالما حسناتهُ مرجوحةٌ فإنها غيرُ كافيةٍ لمحو سيئاتِه الراجحة فإذا صارت راجحةً محى اللهُ بقسمٍ منها ما يماثلهُ من السيئات كي يخفف عنه عذاب النار وقد يعفو كذلك الله عمَّا يشاء مما تبقى من سيئاتِهِ لينجيه من النار؛ فسبحان اللهِ ما أعظمه!! وما أعدله!! وما أرحمه!! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المراجع:

1- رواه عن ابن مسعود ابن المبارك في الزهد (زوائد نعيم بن حماد) 123- 124 رقم 411، وابن جرير في جامع البيان 8/ 226، وينظر : معالم التنزيل 2/ 105، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 6/ 309، والدر المنثور 3/ 461. ورواه عن ابن عباس ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور 3/ 418- 419، ولم أقف عليه في المطبوع من تفسير ابن أبي حاتم، وينظر: طريق الهجرتين 2/.

2- ينظر: معارج القبول 2/ 346- 347، وأعلام السنة المنشورة 213- 214.

3- وأما الأشاعرة فإنهم يردون الأمر إلى محض المشيئة، ينظر: مدارج السالكين 1/305، وطريق الهجرتين 2/837، ويراجع توثيق ذلك من كتبهم في المبحث الثاني من الفصل الأول (مذهب الأشاعرة).

4- ينظر: مدارج السالكين 1/304-305، وطريق الهجرتين 2/828-829، ويراجع ما تقدم في شرح مذهب المعتزلة.

5- ينظر: موانع إنفاذ الوعيد 208، ومنهج الإمام الشوكاني في العقيدة 2/626،627، والوعد والوعيد بين أهل السنة ومخالفيهم 2/250-258.

الكاتب: أخوكم خالد صالح أبودياك