المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقق مخطوطا وأتقن تحقيقه وتخريجه وإن سبقك غيرك لذلك !؟



أهــل الحـديث
02-08-2014, 12:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد ،
فإن العناية بتراثنا الإسلامي، وإخراجه للنور لعمل عظيم وانجاز قويم، فإذا كان علماؤنا الأفاضل قد أفنوا أعمارهم في طلب العلم، وتعليمه للناس بالدعوة والإرشاد والخطب .. إلا أن من أبقى وأقوى الوسائل لاستمرار هذه الدعوة المباركة هو التأليف العلمي - وإن لم يجدوا في ذلك الزمان من المطابع ودور النشر ما هو متوفر في زماننا اليوم مما يعسر عده وإحصاؤه !؟ فإن أنامل النساخ قد جادت بآلالاف من المخطوطات النفيسة والتي لاتقدر بثمن.

وإنه ليحز في النفس أن تسمع طالب علم مجد، وباحثا فاضل مجتهدا يتأسف تأسف المصاب الجلل، أن سبقه غيره إلى تحقيق المخطوطة الفلانية !!؟.
نعم للسبق العلمي سبق إلى الفضل والخير ، والله تعالى قد أثنى على السابقين إلى الخيرات، ولكنه أثنى كذلك على الذين اتبعوهم بإحسان !؟.
لماذا إذا هذا الثناء أيضا !؟.
لأن من العدل كل العدل أن لا يبخس أحد حقه، مهما كان وفي أي ترتيب أتى .

ومن هنا أقول لاتحزن ولا تتأسف أخي طالب العلم إذا سبقك غيرك إلى تحقيق، أو تخريج مخطوطة ما . فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
ولكن المسألة لم تنتهي عند هذا الحد !؟ نعم لم تنتهي عند هذا الحد ، لأنه يمكنك إعادة تحقيقها وإخراجها من جديد للناس، في حلة قشيبة بهية رائقة !؟ وربما أفضل من الأولى وأضبط منها !؟.
وكم رأينا من كتب أهل العلم من تحقيق يفوق جودة واتقانا وخدمة تحقيقا آخر ؟.
ولذلك دأب العلماء حين الإشارة إلى كتاب نفيس الإشارة إلى التحقيق الجيد له !؟.

قيقولون مثلا: " احرص على كتاب كذا بتحقيق الشيخ كذا ".
مثال على ذلك: تحقيق الشيخ أبو الأشبال شاغف حفظه الله تعالى للكتاب القيم " تقريب التهذيب " قد فاق دقة و إحاطة بشتى الفوائد المتناثرة للكتاب بين ثنايا شتى مخطوطاته، بل وأضاف ورجح وحقق وضبط ،ما فاق به تحقيق الشيخ محمد عوامة حغظه الله تعالى ،وفي كل خير وفوائد عظيمة .

وكذلك تحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط حفظه الله تعالى لرياض الصالحين أفضل من سابقيه، وكذلك تحقيق الشيخ الألباني رحمه الله تعالى للرياض، له ميزته الخاصة وإضافته النوعية، ولا ينكر فضل أهل الفضل إلا جاحد أو مكابر للحق الظاهر للعيان !؟.

وقد يتسائل بعض الأفاضل عن سبب ذلك فأقول إن التحقيق والتخريج العلمي لمؤلفات أهل العلم وخاصة المخطوطة منها له شقان أساسيان :

الشق الأول : لا دخل للمحقق فيه إلا مجرد النقل الجيد، مع إستحضار الأمانة بدون زيادة ونقصان لكلام المؤلف. لأنه ترجمة لكلامه من شكله المخطوط إلى شكله المطبوع ، وهنا لابد من الأمانة العلمية والتجرد والورع عن تقويل المؤلف ما لم يقله افتراء عليه !؟. أو يحرف كلامه أو يخفي أجزاء منه فهذه أعمال ظلمات بعضها فوق بعض !!؟.
فلابد للناقل من العلم والأمانة والإتقان لما ينقله حتى يبلغه كما وجده ولذلك قال الله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } { النساء: 57}.
بل لابد للمحقق من الإشارة إلى اختلاف المخطوطات في لفظة أو فكرة أو وجود حدف أو سقط ... ، حتى تبرأ ذمته أمام الله تعالى.

والشق الثاني: - وهو مهم أيضا - وهو العناية بالمخطوط ضبطا لألفاظه وشكلا له وعزوا لآياته وتخريجا لأحاديته، مع بيان درجتها من الصحة أو الضعف ، ونسبة الأقوال إلى قائليها في كتبهم ومصنفاتهم، وترجيح الراجح من أقوالهم فيما اختلفوا فيه ... ، وغير ذلك من الخدمات الجليلة التي يقدمها المحقق للمخطوطات الموروثة أو المؤلفات المطبوعة.

فهذا الشق عمل اجتهادي يتفاوت فيه الناس تفاوتا كبيرا بحسب رصانة علمهم وجودة دراستهم وبحثهم ، ومدى جمال أسلوبهم ولغتهم ، بل وحتى مدى صلاح نياتهم وسرائرهم !؟.

فهذا ميدان سباق ولحاق وتنافس ، قال تعالى { وفي ذلك فاليتنافس المتنافسون } {المطففين : 26}.
ولذلك نرى اليوم إقبال الناس على تحقيق العلماء المجدين البارعين في تخصصاتهم العلمية ، والذين عرفوا بالعلم الرصين والتجرد في بيان الحق والعدل في الحكم والمنهج السليم في العمل والديانة ، مثل تحقيقات الشيخ الألباني رحمة الله عليه، مع توافر المحققين في زمانه وسهولة تخريج الأحاديث النبوية ، ولكن شتان بين تحقيق وتحقيق !!؟ .
فالأول يقدم لك العلم مدققا مصفى ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء !؟ إن إقبال الناس على علم عالم ما هبة من الله عز وجل، يمنحها الله تعالى من شاء من عباده !؟.
إن للحق لنورا في القلوب وراحة في الصدور ، بينما الباطل لضيق في الصدر ونفور في النفس فالحق أبلج والباطل لجلج .


ولا شك أن هذا العالم الرباني قد عمر ما بينه وما بين الله تعالى، واجتهد في علمه وتخصصه، فكانت النتيجة العادلة أن يبسط له القبول في الأرض . وعلى قد العزم تأتي العزائم !؟.

أرجع فأقول لا تقل أخي الحبيب : " ما ترك الأول للآخر من شيء " !!؟
ولكن قل واعتقد : " كم ترك الأول للآخر من شيء " .

لو قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى هذا كتاب البخاري ، الصحيح الذي أشرقت الدنيا بتأليفه واشرأبت أعناق العلماء لرؤيته وسماعه فضلا عن لمسه !!؟. موجود فلما أألف كتابا آخر في الحديث الصحيح !!؟ لو كان هذا فكره ورأه لما ألف الصحيح.

ولكنه أدرك أن البخاري لم يستوعب كل الأحاديث الصحيحة ، وأن ساحة العلم والتأليف والتحقيق تسع الكل ، بل قد تمر بها فترات وهي خاوية إلا من رجل أو رجلان على الجادة !؟.
ولو تقوف العلماء عن التأليف لكون غيرهم قد سبقهم إلى ذلك ،لما ظهرت هذه الآلاف المؤلفة من الكتب والمجلدات الضخام !!!؟.

ولكن للأسف تجد اليوم كثيرا من المثبطين والمخدلين لطلبة العلم ، الذين ما إن تظهر عليهم ملامح النجابة ، ومخايل الفطانة والحصافة، حتى ينهالوا عليهم بمعاول التعجيز وسهام التحقير والتشكيك !!؟ .
" أنت لم تنضج بعد في العلم !!؟ ما زلت طويلب علم !!؟ ما أدراك أن تحقيقك صحيح أو تخريجك صواب !!؟ لا زلت مغمورا لا يعرفك أحد...!!؟.
وإلى غير ذلك مما يقعد القائم ، ويفشل المجتهد ، ويقعده مع القاعدين !!!؟.

نعم قد تكون هذه نصيحة طيبة من أخ شفيق يريد الخير لهذا الطالب ، خاصة إذا كان لازال في مرحلة الطلب الأولى والتى لم تؤهله للتأليف بعد .
ولكن هذه العبارات قد تصدر على سبيل التعجيز للمجد ، والإفشال للمجتهد!!؟ ولا ينبغي أن يعامل الناس إلا بالظاهر والله يتولى السرائر .

إن لسان حال هؤلاء القوم يقول : " اعرف الرجال تعرف الحق "!!؟.
والقاعدة الذهبية تقول بالمقابل : " اعرف الحق تعرف الرجال " .
نعم يعرف الحق بقائله ونقلته الأنهم الأعلم به، وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وخلفاؤهم وورثتهم من بعدهم، وهم العلماء الربانيون -خاصة إذا عجز الرجل عن فهم أدلتهم واستخراج الأحكام منها ففرضه التقليد.
وأما من له القدرة على فهم نصوص الكتب والسنة النبوية الصحيحة ، فعليه أن ينظر إلى الحق ليعرف الرجال من أقوال العلماء.
وللإنصاف فإن المشجعين والمسددين لطلبة العلم والباحثين المؤلفين قليل في هذا الزمان، فهم انذر وأعز من الكبريث الأحمر !.

وقد كنت أود أن لا أطيل في هذا الباب ، ولكن ما إن وضعت القلم على الورق الأبيض حتى سال مداده ، وانطلق لسانه ، وأخرج أمهات أفكاره !!.

إنها دعوة أصدح بها لأقول لإخواني إني أحبكم في الله، وإني لأرجوا من الله تعالى أن نتحرر جميعا من هذا العقال ، لنحلق جميعا في سماء المجد بالتأليف والتحقيق والتخريج الرصين العلمي ، الذي يرضي الله تعالى، وتظهر فيه أثار العلم المصفى المحقق المدقق.
ولله در مصعب ابن عمير إذ قال : " أو تجلس فتسمع ؟ فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره ".
إنها دعوة للعقل للتحرر من الأحكام المسبقة ، من التقليد ، من الجمود ، من الأسماء !!؟
والنظر في المحتوى ، في الدليل الصحيح المستدل به في مكانه الصحيح ، فإذا كان الكلام حقا فلابد أن يقبل ولابد أن يظهر ، ولابد أن يهدي إلى الطريق المستقيم ، لأن الله تعالى لم يقم على الباطل دليل كما قال ابن تيمية رحمة الله عليه !!؟.
ولكن المحروم من أغلق أدنيه مخافة أن يتسرب إليها شيء من الحق ، فيملك عليه قلبه وجوارحه !!؟.
أرجع فأقول : يا طالب العلم الحبيب حقق مخطوطا وأتقن تحقيقه وأخلص في عملك لله تعالى ولو سبقك غيرك إلى تحقيقه .
فلعل الله تعالى أن يكتب لتحقيقك القبول ويلهمك الصواب.وفي كل خير .

إذ لو طلب من عالمين حادقين محققين بارعين تحقيق نفس المخطوطة ، لما كان تحقيقهما متشابها فضلا أن يكون متطابقا !!؟.
ولأتى كل واحد منهما بالفوائد والفرائد، التي يتعجب منها المرئ غاية العجب !؟، ويندهش لها كل الإندهاش !!؟.
بل حين مقارنة عملهما بالآخر تجد الفوائد العلمية النفيسة، والدرر المعرفية الفريدة. وفوق كل ذي علم عليم.

والعلم منثور في بطون الكتب، وفي حلق الذكر، والسعيد من المؤلفين من جمع زبدته، وكشف عن جواهره، ونظم فرائده ،وأجاد عرض بضاعته ونفائسه وبسبة الكلام لقائله ، ولله ذر القائل : من بركة العلم نسبته لأهله ".
وصلى الله و سلم وبارك على المصطفى محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.