المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هدم المسجد المحتوي على قبر؛ بدعة ضلالة؟!



أهــل الحـديث
01-08-2014, 02:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هدم المسجد المحتوي على قبر؛ بدعة ضلالة؟! بقلم الشيخ عداب الحمش
أجل إنها والله لبدعة منكرة، ووحشية قبيحة، وجهل في الدين، وإهدار لمال الأمة!
أخرج البخاري (130) ومسلم (531) من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي انتقل فيه إلى جنان ربّه قال: (لعن الله اليهود والنصارى، اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
ودعوى تواتر الحديث؛ جهل من قائلها، فقد صح إسناد الحديث إلى عائشة، وكلّ من صحّ الإسناد إليه من الصحابة؛ فعنها أخذ الحديث، ولذلك نقول: الحديث مشهور عن عائشة رضي الله عنها، رواه عنها عبدالله بن عباس، وأبو هريرة، وسعيد ابن المسيب، وعروة بن الزبير، وغيرهم.
لأنّ عائشة أمّ المؤمنين لم تكن تظهر على عبدالله بن عباس، فكيف يكون معها في الحجرة، ناهيك عن رجال بني هاشم وغيرهم الذين كانوا يردون على حجرتها لرؤية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
من مجموع الأحاديث الواردة في بيان الساعات الأخيرة من حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الدنيا؛ أنه يكون تحت رعاية عائشة رضي الله عنها.
فإذا حضر رجال بني هاشم وغيرهم؛ تركت لهم الغرفة وخرجت.
ولهذا فأنا أرجّح أنّ عائشة وحدها هي التي سمعت كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والحديث صحيح إلى عائشة رضي الله عنها سنداً ومتناً في نقدي.
لكن الإشكال في فهم الحديث لدى بعض المتنطعين من مدّعي العلم.
وسأعرض ذلك في نقاط عديدة.
الأولى: لم يكن لبني إسرائيل أماكن للعبادة، اسمها المساجد، إنما قال الله تعالى:
(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضٍ لهُدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً).
فالمساجد للمسلمين، وبقية تلك الأسماء لمن كان قبلنا من الأمم.
لكنّ كلمة (مسجد) تعني مكان السجود، أو جهته، والراجح المعنى الأول؛ لأنّ المشاهد حتى اليوم أنّ من عادات اليهود والنصارى؛ أنهم يسجدون على القبر البارز، ويمرغون وجوههم عليه، أو يسجدون له تعظيماً.
وهذا وذاك لا صلة له بمسألة دعوى بطلان الصلاة مع وجود قبر في المسجد.
والثانية: أن عائشة راوية الحديث رضي الله عنها أين كانت تصلي؟
أخرج الإمام البخاري (3568) ومسلم (2493) من حديث عروة بن الزبير قال: كان أبو هريرة يحدّث ويقول: اسمعي يا ربّة الحُجرة، اسمعي يا ربّة الحجرة، وعائشة تصلّي، فلما قضت صلاتها قالت لعروة: ألا تسمع لهذا ومقالته آنفاً؟
إنما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدّث حديثاً، لو عدّه العادّ؛ لأحصاه).
والشاهد من الحديث أنّ أبا هريرة ينادي عائشة وهي تصلي في حجرتها ويقول: يا ربّة الحُجرة، وفي الحُجرة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبر أبيها أبي بكر وقبر عمر رضي الله عنهم.
هذا.. لأن أبا هريرة لم يكن يحدّث إلا بعد وفاة عمر، ولم تكن له حلقة في المسجد إلا في عصر بني أمية؛ لأنه واحدٌ من رجالهم.
وهذا يعني أن راوية الحديث نفسها؛ كانت تصلي في جوار ثلاثة قبور - لا قبرٍ واحدٍ- في حُجرة صغيرة، يعرفها كلّ من زارَ مرقدَ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الثالثة: لم يفهم علماء الإسلام الراسخون أنّ الصلاة في موضع فيه قبر باطلة، ولا حتى بطلانَ الصلاة إلى جهة القبر!
قال الإمام أبو عمر بن عبدالبرّ الأندلسي في كتابه التمهيد (6: 383) ما لفظه:
«في هذا الحديث؛ إباحةُ الدعاء على أهل الكفر، وتحريم السجودِ [انتبه لطفاً] (على) قبور الأنبياء.
وفي معنى هذا أنه لا يحل السجود لغير الله عز وجلّ.
ويحتمل الحديث أن لا تجعلَ قبور الأنبياء قبلةً يصلى إليها.
وكلُّ ما احتمله الحديث في اللسان العربيّ؛ فممنوع منه؛ لأنه إنما دعا على اليهود مُحذّراً لأمته عليه السلام من أن يفعلوا فعلَهم.
[انتبه لطفاً] وقد زعم قوم أن في هذا الحديث ما يدل على كراهية الصلاة في المقبرة، وإلى القبور، وليس في ذلك عندي حجةٌ» انتهى كلامه.
قال العلاّمة الطِّيبي في (شرح المشكاة) (2: 235): «لمّا كان اليهود والنّصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لشأنهم ، ويجعلونها قبلة ، ويتوجّهون في الصّلاة نحوها فاتّخذوها أوثاناً ، لعنهم ، ومنع المسلمين عن مثل ذلك ، ونهاهم عنه.
أمّا مَن اتّخذ مسجداً في جوار صالح ، أو صلّى في مقبرته ، وقصد به الاستظهار بروحه أو وصول أثرٍ مِن آثار عبادته إليه ، لا لتعظيم له والتّوجّه نحوه ، فلا حرج عليه». انتهى
وقال العلامة التُّوربُشْتي في (المرعاة شرح المشكاة) (2: 419):
«هذا الحديث مُخرج على وجهين:
أحدهما: أنّهم كانوا يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لهم وقصد العبادة في ذلك
وثانيهما: أنّهم كانوا يتحرّون الصّلاة في مدافن الأنبياء ، والتّوجُّه إلى قبورهم في حالة الصّلاة والعبادة نظراً منهم أنّ ذلك الصنيع أعظم وقعاً عند الله».
فأولئك القوم الذين يحرّمون الصلاة إلى جوار قبرٍ، أو إلى جهة القبر، إذا ضاق المكان، أو يوجبون إخراج القبر من المسجد كما دعا إلى ذلك الشيخ الألباني والشيخ مقبل الوادعي وغيرهما؛ فهذا غلوّ قبيحٌ، لا مسوّغ له، ولا دليل عليه.
وأما هدم القبور؛ فاستدلوا لها بحديثٍ أخرجه الإمام مسلم (969) والترمذيّ (531) من حديث أبي الهيّاج الأسديّ قال: قال لي عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم؟
ألا تدعَ تمثالاً إلا طمستَه، ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته» وقد بيّن الدارقطني في العلل (4: 173) فما بعد الاختلاف في سند هذا الحديث، مما جعل البخاريّ يعرض عن تخريجه في صحيحه، وقال الترمذيّ: حديث حسن، فقط!
وقال الترمذيّ عقب تخريج الحديث: «والعملُ على هذا عند بعض أهل العلم، يكرهون أن يرفع القبر فوق الأرض.
قال الشافعيّ: أكره أن يُرفع القبرُ، إلا بقدر ما يُعرف أنه قبر؛ لكيلا يوطأ، أو يجلَس عليه».
ولو أنّنا أخذنا بظاهر هذا الحديث الحسن، الذي لا يفيد أكثرَ من الكراهة التنزيهية؛ أفيجوز أن نهدم المسجد الذي يوجد فيه قبر؟ أم المطلوب هو تسوية القبر بالأرض؟ أليس من بدع الضلالة أن يهدمَ بيت من بيوت الله تعالى لمجرّد تنطّع أعرابيّ جلف، ويهدر من مال الأمة أموال طائلة؟!
وليس هذا فحسب، فكم من السنين حتى يعود بناء ذلك المسجد، بعد إبعاده عن القبر، وكم من تعطيل للصلاة ولذكر الله وتلاوة القرآن.
قال الله تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها؟ أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين، لهم في الدنيا خزيٌ، ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم).
إنني لست من المهتمين كثيراً بمسألة التراث الإنسانيّ، لكني طيلة عمري لم أرَ مسلماً واحداً يقف في قلعة حماة، أو قلعة دمشق مثلاً، ويقدسها أو يعبد أحجارها!
(فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا)
قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى: «التشدّد يحسنه كلّ أحد، إنما الفقه رخصةٌ من عالم».
جمعتكم مباركة أحبابي، ولا تنسوا الدعاء لأهلنا في غزة وفي سوريا والعراق وليبيا وكل بلد مسلم منكوب، ومبتلى بالطغاة الظالمين