المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (030)الإسلام وضرورات الحياة - المبحث الخامس: إنفاق المال في الأوجه المشروعة



أهــل الحـديث
21-07-2014, 02:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




إذا كان الشرع الإسلامي قد فتح أبواب فضل الله لابتغاء الرزق وتحصيله على أوسع نطاق، في حدود ما أذن الله فيه. فإنه كذلك قد فتح أبواب إنفاق المال على نطاق واسع، في حدود ما أذن الله فيه.

فللإنسان أن يتمتع بماله هو وأسرته وأقاربه مطعماً، ومشرباً وملبساً ومسكناً، ومركباً، وقرضاً، وتصدقاً، ووقفاً، وغير ذلك مما أباحه الله تعالى، ولم يرد فيه حظر من الكتاب والسنة.

ولكنه إذا تجاوز في إنفاقه الحد الذي أذن الله فيه، فإن ذلك يحرم عليه، ويجب أن يوقف عند حده، تحقيقاً لضرورة حفظ المال الذي جعله الله سبباً في قيام مصالح البشر ومعايشهم.

فلسنا في حاجة إلى تعداد الأوجه المشروعة لإنفاق المال فيها لكثرتها، وإنما نحتاج إلى ضبط الطرق التي إذا أنفق فيها المال حكم عليه بالضياع.

قواعد ضبط إنفاق المال في غير الوجه المشروع:

ويمكن ضبط ذلك بثلاث قواعد:

القاعدة الأولى: إنفاق المال فيما هو محرم:

وهو أن ينفقه فيما ثبت تحريمه شرعاً، كالزنا، وشرب الخمر، والرشوة، والقمار، وغيرها.

القاعدة الثانية: الإسراف والتبذير:

ولا داعي للتفصيل في القاعدة الأولى، لوضوحها، ولا بد من نوع تفصيل في القاعدتين: الثانية والثالثة، لحاجة الناس إلى توضيحهما.


حذر الله تعالى من الإسراف والتبذير في كتابه تحذيراً شديداً، وجعل المبذرين إخواناً للشياطين. كما قال سبحانه: {وَءَاتِ ذَا الْقُربَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ولا تُبَذِّر تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِربِّهِ كَفُورا(27)}[الإسراء].

فقد أمر سبحانه في الآيتين بأداء الحق من المال إلى أهله، ونهى عن التبذير، ومراده سبحانه سلوك العدل وهو الوسط الذي لا بخل فيه ولا إسراف.

كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرفُوا وَلَمْ يَقْتُروا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا(67)}[الفرقان]. ومثله قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْروشَاتٍ وَغَيْر مَعْروشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْر مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرهِ إِذَا أَثْمَر وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ولا تُسْرفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرفِينَ(141}[الأنعام].

وقد رجح القرطبي، رحمه الله أن الخطاب في آية الأنعام هذه موجه لأصحاب الأموال، ورد قول من قال: إنه خطاب للولاة، أي لا تأخذوا من أصحاب الأموال أكثر من الواجب.

قال رحمه الله: "قلت: وهذا ضعيف يرده ما روى ابن عباس، أن ثابت بن قيس بن شماس عمد إلى خمسمائة نخلة فجذها، ثم قسمها في يوم واحد، ولم يترك لأهله شيئاً، فنـزلت: {ولا تُسْرفُوا} أي لا تعطوا كله. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج، قال: جذ معاذ بن جبل نخله فلم يزل يتصدق حتى لم يبقَ منه شيء، فنزل: {ولا تُسْرفُوا}.

وروي عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، قال: الإسراف ما قصرت عن حق الله تعالى، فعلى هذا تكون الصدقة بجميع المال ومنع إخراج حق المساكين داخلَين في حكم السرف، والعدل خلاف هذا، فيتصدق ويُبقى. كما قال عليه الصلاة والسلام: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى. إلا أن يكون قوي النفس غنياً بالله متوكلاً عليه، منفرداً لا عيال له فله أن يتصدق بجميع ماله) [الجامع لأحكام القرآن (7/110).].

وإذا كان النهي عن الإسراف يدخل فيه من تصدق بماله كله أو بأكثره، فلا يبقي لأهله ما يكفيهم، فما بالك في إنفاق الأموال فيما هو مباح في الأصل، ولكنه يبالغ فيه حتى يضيع المال، أو إنفاقه فما هو حرام؟

وقال القرطبي، رحمه الله في تفسير آية الإسراء: {ولا تُبَذِّر} أي لا تسرف في الإنفاق في غير حق، قال الشافعي t: والتبذير إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير وهذا قول الجمهور.

وقال أشهب عن مالك: التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه، وهو الإسراف، وهو حرام، لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}. وقوله: {إِخْوَانَ} يعني أنهم في حكمهم، إذ المبذر ساع في إفساد "كالشياطين" [المرجع السابق (10/247).].

أما آية الفرقان فذكر شيئاً مما قيل فيها عن السلف، ثم قال: "وإنما التأديب في هذه الآية هو في نفقة الطاعات في المباحات، فأدب الشارع فيها أن لا يفرط الإنسان حتى يضيع حقاً آخر أو عيالاً، ونحو هذا، وألا يضيق أيضاً ويقتر حتى يجيع العيال ويفرط في الشح، والحسن في ذلك هو القوام العدل والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله، وخفة ظهره وصبره وجلده على الكسب أو ضد هذه الخصال، وخير الأمور أوسطها" [المرجع السابق (13/72).].

وذهب ابن حزم، رحمه الله أن الإسراف لا يكون إلا في المحرمات أو فيما لا يحتاج إليه ضرورة، فقال: "والسرف حرام، وهو النفقة فما حرم الله تعالى، قلَّت أو كثرت، ولو أنها جزء من قدر جناح بعوضة، أو التبذير فيما لا يحتاج إليه ضرورة، مما لا تبقي للمنفق بعده غنى، أو إضاعة المال وإن قل برمته عبثاً، فما عدا هذا فليس سرفاً، وهو حلال وإن كثرت النفقة فيه" [المحلى (7/428).].

وقال في موضع آخر: "ونحن نفسر بعون الله التبذير والإسراف وبسط اليد كل البسط التي حرم الله تعالى، وزجر عنها. هذه الأعمال المحرمة كلها واحد، ويجمعه: أن كل نفقة أباحها الله تعالى وأمر بها كثرت أم قلت، فليست إسرافاً ولا تبذيراً، ولا بسط اليد كل البسط؛ لأنه تعالى لا يحل ما حرم معاً، فلا شك في أن الذي أباح هو غير الذي نهى عنه. وهو نفس قولنا، ولله الحمد، وكل نفقة نهى الله تعالى عنها قلت أم كثرت، فهي الإسراف والتبذير وبسط اليد كل البسط؛ لأنه لا شك في أن الذي نهى الله تعالى عنه مفسراً هو الذي نهى عنه مجملاً" [المرجع السابق (8/290).].

ولعل القارئ يفهم من كلام ابن حزم أنه خالف ما مضى مما نقله القرطبي، وهو ظاهر فيما يتعلق بالصدقات ونحوها من الطاعات.


أما المباحات فإن قول ابن حزم في النص الذي قبل هذا: "أو التبذير فيما لا يحتاج إليه ضرورة". يظهر منه أنه داخل عنده في التحريم إذا جاوز حده، فإن ما أصله مباح إذا بولغ فيه حتى زاد عن الحاجة، ولم يستفد منه صاحبه ولا غيره يصبح محرماً.

مثل ولائم العرس والضيافات التي تقام في بعض البلدان الإسلامية ولا يؤكل من أطعمة تلك الولائم والضيافات إلا النزر اليسير، ويرمى ما بقى في القمامات، ولا يوجد من يأكله، أو لا يجتهد أهله في إيصاله إلى من يستحقه.

ويوجد في الشعوب الإسلامية وغيرها عشرات الآلاف من المسلمين وغيرهم يموتون من الجوع، ينتظرون من يطعمهم وينفق عليهم. فلا يجد أكثرهم من يلتفت إليه أو يهتم به. مع أن دوافع الإسراف والتبذير عند الأغنياء، هي الفخر في الإنفاق والمبالغة في إظهار الكرم.

وتفصيل القرطبي السابق في الإسراف هو الذي يظهر لي، وأنه يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأهل. وللعرف السليم المتقيد بشرع الله تعالى المبني على الخوف منه والرغبة في ثوابه وزنه في مثل هذه الأمور.

القاعدة الثالثة: الترف:

قال في القاموس المحيط: "ترف: كفرح، وتنعم، "وأتْرفَتْه النعمة أطغته، أو نعمته كَتَرفَتْه تتريفاً. والمترف، كمكرم المتروك يصنع ما يشاء، لا يمنع. والمتنعم لا يمنع من تنعمه، والجبار، وتترف تنعم [راجع مادة (ترف) في القاموس المحيط للفيروزبادي.]. وقال عن الإسراف: "التبذير، وما أنفق في غير طاعة" [راجع مادة (سرف).].

يظهر من هذا أن الترف والإسراف متقاربان في الجملة؛ إلا أن الترف تنعم طاغ، وصاحبه متروك يصنع ما يشاء.

والظاهر أن ذلك بسبب قوته ونفوذه وتجبره وطغيانه، فهو من صفات الحكام الذين لا يتقيدون بشرع الله، والأغنياء ذوي الثراء الواسع الذين لا يوجد من يمنعهم من الترف.

وهاتان الطائفتان هما سبب الكوارث التي تنزل بالأمم؛ لأنهما يتعاونان على تنفيذ مآربهما، ولا يمتثلان لآمر بمعروف أو ناه عن منكر، بل يقفان له بالمرصاد. وينشران بسبب قوتهما السلطانية والمالية الفساد، فيقتدي بهما من هو دونهما، حتى يعم الفساد وتنزل العقوبة الإلهية التي لا تبقي ولا تذر.

فالترف هو التنعم الذي يحيط بصاحبه من كل جانب، فلا يفكر في المصالح العامة، ولا الخاصة التي تنهض بها الشعوب في مجالات حياتها كلها، ولا في المفاسد والعواقب الوخيمة التي تدمر الأمم داخلية كانت أو خارجية.

وإنما يفكر فقط في المزيد من التنعم بالحلال وبالحرام، كلما تناول من النعم شيئاً ازداد نهمه لما هو أكثر. لا يشبع من شيء. يبحث كل يوم عن الجديد من اللباس، والمركب، والمسكن، والمشرب والمطعم، والأثاث، وأنواع الزينات، فيزيد ترهله، وتكثر فواحشه، وتزول رجولته وتذهب غيرته. ويتساهل في شرفه ومجده، بل يضحى بهما ويضيعهما في سبيل المزيد من الترف. حتى ينزل الله بالأمة المسرفة كوارث ربانية تزلزل قواعدها.

ولقد عني القرآن الكريم بشأن الترف والمترفين، وبيان العواقب الوخيمة التي تلحقهم في الدنيا والآخرة، وما يصاب به غيرهم في الدنيا من البلاء بسببهم.

فقد بيَّن سبحانه أن المسرفين دائماً يقفون في وجه الإصلاح والمصلحين، ويكفرون بالدعوة إلى الله ويحاربونها، ويصدون الناس عنها، للمفارقة الحاصلة بين دعوة الرسل وواقعهم المترف الذي لا قدرة لهم على تركه ومفارقته، لقعود همهم عن سواه.

قال تعالى: {وَمَا أَرسَلْنَا فِي قَريَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرسِلْتُمْ بِهِ كَافِرونَ(34)}[سبأ]. والسبب في ذلك أن ترفهم وتمتعهم، أصبح إمامهم يتبعونه غير مبالين بالفساد المترتب على ذلك. كما قال تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرضِ إِلا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرمِينَ(116)}[هود].

والذي يظهر من الآيات القرآنية أن الظلم يلازم الترف، وأن الترف من أعظم أسباب الظلم. كما في قوله تعالى: {إِلا قَالَ مُتْرفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرسِلْتُمْ بِهِ كَافِرونَ}. وفي الأخرى: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرفُوا فِيهِ}.

وهو أيضاً سبب للعذاب الدنيوي والأخروي. قال الله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَريَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا ءَاخَرينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَركُضُونَ (12) لا تَركُضُوا وَارجِعُوا إِلَى مَا أُتْرفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ(15)}[الأنبياء].

ثم بيَّن تعالى في الآيات التالية للآيات المتقدمة أن الترف يجعل صاحبه هازلاً لاعباً في الحياة، تصرفاته ونشاطه متلبسان بالباطل، وذلك غير ما أراد الله من خلق الإنسان في الأرض.

قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (16) لَوْ أَردْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ(18)}[الأنبياء]. فلا تجد مترفاً إلا وجدته ظالماً عابثاً لاعباً لاهياً، يسعى إلى الباطل سعياً حثيثاً، ويفر من الحق فراراً.

وإن الترف إذا بلغ بقوم قمته ففشا فسوقهم، أنزل الله بهم بأسه فعمهم بعقابه المدمر الذي لا مناص منه.
كما قال تعالى: {وَإِذَا أَردْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَريَةً أَمَرنَا مُتْرفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرنَاهَا تَدْمِيرا(16)}[الإسراء].

وهذا يدل أن الضرورات التي لا يحفظها البشر في المصالح التي أرادها الخالق سبحانه، ولا تصان عن عبث العابثين بها، فإن عاقبة عدم حفظها الدمار والهلاك في الدنيا، والخسارة في الآخرة.

وهذا أمر مشاهد لا يحتاج إلى برهان، فوقوعه هو دليل البرهان عليه، فالترف سبب لزوال النعم وحلول النقم.

وكم من بلد بات أهله آمنين وهم يفسقون، فأصبحوا والأنهار تجري في أرضهم لا يجدون شربة ماء صافية. لشدة الخوف ونزول المصائب.

وقد جعل ابن خلدون، رحمه الله، الترف من عوائق الملك، وصدق، فإن الملك يحتاج إلى همم عالية، يسهر أصحابها إذا نام الناس، للتفكير في مصالح الدولة، ودرء المفاسد عنها، ويتعبون إذا ارتاح الناس، حفظاً لأمنهم واستقرارهم، والمترف ليس من هذه القافلة في شيء. وعلى قدر ترفهم وتنعمهم يكون الإشراف على الفناء، فضلاً عن الملك، فإن عوارض الترف والغرق في النعيم، كاسر من سورة العصبية التي بها التغلب[راجع المقدمة 140-141.].

وقال سيد قطب، رحمه الله في ظلال آية الإسراء الماضية: "والمترفون في كل أمة هم طبقة الكبراء الناعمين الذين يجدون المال والخدم، ويجدون الراحة، فينعمون بالراحة والدعة وبالسيادة، حتى تترهل نفوسهم وتأسن وترتع في الفسق والمجانة، وتستهتر بالقيم والمقدسات والكرامات، وتَلِغ في الأعراض والحرمات. وهم إذا لم يجدوا من يضرب على أيديهم، عاثوا في الأرض فساداً ونشروا الفاحشة في الأمة وأشاعوها، وأرخصوا القيم العليا التي لا تعيش الشعوب إلا بها ولها. ومن ثم تتحلل الأمة وتسترخي وتفقد حيويتها وعناصر قوتها وأسباب بقائها، فتهلك وتطوى صفحتها" [في ظلال القرآن (15/2217).].

فليعِ المسلمون هذه الضرورة، ضرورة حفظ المال من العبث بها، إن أرادوا أن ينجوا من البلاء والهلاك في الدنيا والآخرة، التي هي أشد نكالاً وخوفاً من هلاك الدنيا و نكالها على المترفين.

كما قال سبحانه: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بَاردٍ ولا كَريمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ(46)} [الواقعة]. فالجزاء في الآخرة نقيض الترف في الدنيا.

وإذا سلم المال من المسرفين والمترفين، كان إلى الحفظ أقرب؛ لأن المسرفين والمترفين هم الذين ينفقونه في أوجه الحرام في الغالب، سواء كان في الفسق والمعاصي الذاتية، أو في العدوان على غيرهم.

وفي ذلك اعتداء على الضرورات الأخرى، وهي الدين والنسل والنسب والعرض والعقل والنفس، لتمكنهم من ذلك كله عن طريق المال الوفير والسلطة العاتية، ولهذا تجدهم يحرصون على الاستئثار بالأموال الكثيرة، ويحاربون وجود الأموال بيد أهل الخير الذين يأخذون منها ما ينفعهم، ويصلحون بها أحوال الأمة.