المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (018)مفتاح باب الريان - لا تيأس من رحمة ربك مهما كثرت ذنوبك!



أهــل الحـديث
21-07-2014, 02:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





تصور أن ملكا ظالما جبارا قويا، لا يتردد في إيذاء من يريد من رعيته، بأي نوع من أنواع الإيذاء بحق وبدون حق: السجن والاعتقال، الضرب المبرح، غصب الأموال، تخريب الديار، تشريد الناس ونفيهم.

وقد قرب إليه بعض الفقراء الخاملين الضعفاء من رعيته، فرفع منزلته، بما أغدق عليه من الأموال، وبما منحه من الجاه والسلطان، ووضع له منهجا يسير عليه في تصرفاته، بحيث لا يتعدى الحدود التي رسمها له...

ولكن الرجل طغى وأعطى نفسه الحق في الخروج على ما حدده له الملك، وبالغ في عصيانه إلى الحد الذي اعتدى فيه على بعض أقارب الملك، بالقتل والسخرية والإهانات، وعلى أمواله، بالسلب والنهب والسرقة، وعلى عرضه بالقذف والسب....

وأصدر ذلك الملك أوامره لرجال شرطته وجيشه واستخباراته بالقبض عليه، لينزل به ما يشفي غيظه من العقوبات، فلم يتمكن من القبض عليه، لقدرته على الاختفاء والهرب... ثم بدا لهذا الرجل أن يعود إلى الملك الجبار الظالم، مستسلما له طالبا عفوه ورحمته.

تُرَى ماذا سيكون مصير الرجل عند هذا الملك الجبار؟

هل تظنه سيعفو عنه؟ أو تظنه سيوبخه ثم يطرده من عمله ويكتفي بذلك؟ أو تظنه سيأمر بضربه وإهانته ثم يدعه وشأنه؟

كلا! إنه سينزل به من الإهانات والخزي أمام الملأ، ما لم يكن يتصوره الرجل ولا غيره من الرعية، وقد يصلبه بعد الضرب والإهانات، وهو حي في أكبر ميادين بلده، حتى يموت، ليراه الناس بتلك الحال، وقد يأمر بتقطيعه إرْبا إرباً.

هذا مثال واحد يوضح شأن مواقف الجبارين، في ولاياتهم، ممن خرج عن طاعتهم، وجنى عليهم.

بل إن الجبارين ليعتدون على من خالفهم – وإن كان على حق - بكل أنواع العدوان، من ضرب وسجن وحرق ورجم و طرد وقتل، كما فعلت الأمم السابقة مع الأنبياء والرسل، حتى لو طلب أهل الحق المهادنة بين الفريقين، حتى يحكم الله بينهم، فلا يرضون بالمسالمة والمهادنة، إلا بإكراه أهل الحق على ترك دينهم والدخول في ملة الكفر.

ومن أمثلة ذلك ما بينه الله تعالى من موقف قوم شعيب منه، في قوله تعالى:

{وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين(87)قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين} [الأعراف (88)]

والأمثلة كثيرة جدا، في القرآن وفي السنة، و في قصة أصحاب الأخدود عبرة.
هذه طبيعة جبابرة المخلوقين.

فكيف يستقبل الله تعالى الجبار القادر على قصم كل جبار من المخلوقين، مَن رجع إليه نادما، طالبا عفوه ورحمته، وقد ارتكب كل أنواع المعاصي التي نهاه عنها، من أكبر الكبائر الذي هو الشرك الأكبر، إلى أصغرها، كوضع قليل من الأذى في طريق الناس؟

وقبل الإجابة على هذا السؤال، ينبغي أن يلتفت الإنسان إلى الوراء، ليتذكر نعم الله تعالى عليه، ابتداء من إيجاده بعد العدم، ومرورا بكل أطوار حياته، التي لا يجد نفسه في أي لحظة من لحظات عمره، مستغنيا عن فضل الله عليه، ونعمه التي لا يحصيها إلا هو تعالى:

{هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} [الإنسان (1)]

{وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم... (18)... وما بكم من نعمة فمن الله (53)... والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} (78) [ الآيات كلها من سورة النحل]

وقد اختصر القرآن الكريم للإنسان رحلته في الدنيا والآخرة، في خمس آيات من كتابه، فقال:
{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (13) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (14) ثم إنكم بعد ذلك لميتون (15) ثم إنكم يوم القيامة تبعثون (16) [المؤمنون]

هذا الإنسان الذي تلك حاله، ينسى ربه الذي أوجده من العدم، وينسى نعمه التي لا حياة له بدونها، إضافة إلى نعمة هدايته إلى ما ينفعه في دنياه وآخرته، بإرسال رسله بوحيه، ينسى هذا الإنسان، خالقه ونعمه عليه، فإذا هو كما وصفه خالق: {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} [النحل (4)] {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين} [(77) يس]

ومع ذلك ينادي الخالق العظيم، عبده الآبق المسرف في معاصيه، ليعود إليه بكل ذنوبه ومعاصيه، ليغفرها له، وينهاه عن القنوط واليأس من تلك المغفرة والرحمة، فقال تعالى:

{قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر (53)]

ومعلوم عند أهل السنة والجماعة، أن جميع الذنوب، ما عدا الشرك بالله، هي تحت مشيئته تعالى، إن شاء غفرها وأدخل صاحبها الجنة، بدون أن يدخله النار، وإن شاء أدخله النار وعذبه ليطهره، ثم يدخله الجنة، كما قال تعال: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} [النساء (48)]

ولكن المسلم العاقل الذي يعلم أن الله تعالى قد لا يغفر له ذنوبه، بل قد يعذبه بالنار، قبل أن يدخله الجنة، هذا المسلم يحرص على البعد عن معاصي الله، وإذا وقع في شيء منها، رجع إلى ربه فتاب توبة نصوحا، لينجو من العذاب، ويفوز بدخول الجنة ابتداء.

دعوة الله عبده إلى التوبة وفرحه بها

فقد دعا رسل الله تعالى قومهم، إلى التوبة، كما قال تعالى عن هود عليه السلام لقومه: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} [هود (52)].

وقال تعالى عن صالح: {وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب} (61)]

وقال تعالى عن شعيب: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود} [هود (90)]

وأمر الله تعالى المؤمنين من هذه الأمة بالتوبة، فقال تعالى: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} [هود (3)]

وقال تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور(31)]
وقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير} [التحريم (8)]

عبد الله بن مسعود، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (لَلَّهُ أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن، من رجل في أرض دوية مهلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجعُ إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده) [البخاري (5950) من حديث أنس مختصرا، مسلم رقم (2744) واللفظ له، و"الدوية" بتشديد الدال المفتوحة، والياء المشددة: الأرض القفر.]

ولهذا الموضوع بقية.