المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (03)التزكية - الذكر أكثر العبادات يسرا



أهــل الحـديث
20-07-2014, 08:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





وهو مطلق و مقيد

سبق الكلام عن كثرة الذكر الذي لا حدود له، إذ يكون كل وقت المؤمن مملوءً بذكر الله، بلسانه وقلبه، وهو المطلوب، أو يذكره في قلبه، في أي حالة من حالاته، قاعدا وقائما وعلى جنب، راكبا على دابته أو سيارته، أو طائرته أو دراجته، في مكتبه وفي منزله وفي سمره، داخلا منزله، أو خارجا منه، داخلا مسجده، أو خارجا منه، بادئا تناول طعامه، أو منتهيا منه، داخلا بيت الخلاء، أو خارجا منه، بادئا منامه، أو مستيقظا منه....

أما الذكر باللسان فقط، وقلبه لاه عما يقوله بلسانه، فليس هو الذكر الذي شرع الله الإكثار منه، ولا بأس أن يكثر من ذلك ليسهل على لسانه تكراره، ولعله يتنبه لذلك فيحضر قلبه مع ما يردده لسانه، وعليه أن يجتهد في إحضار قلبه، مع الذكر بلسانه، قال الإمام النووي في كتابه العظيم: "الأذكار": "والأفضلُ منه ما كانَ بالقلب واللسان جميعاً، فإن اقتصرَعلى أحدهما فالقلبُ أفضل، ثم لا ينبغي أن يُتركَ الذكرُ باللسان مع القلب خوفاً منأن يُظنَّ به الرياء، بل يذكرُ بهما جميعاً ويُقصدُ به وجهُ اللّه تعالى" انتهى.

فنطق اللسان بالذكر إنما هو علامة على ما حل في القلب من عظمة الله وتقديسه، الذي يزكيه به ويملؤه به إيمانا ويقينا وحبا للطاعة، وبغضا للمعصية، ويطهره من أمراض النفاق والرياء والحسد والحقد وسائر الآثام التي تحل في القلب فتملؤه بالران: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14).} [المطففين]

ومعلوم أن ذكر الله تعالى، هو أيسر العبادات على المؤمن، سواء كان باللسان، أو بالقلب، أو بهما معا، ولكن في إحضار القلب معه صعوبة على من لم يجاهد نفسه على ذلك، وبخاصة مع كثرة الشواغل التي تشتت الذهن، وتلهي القلوب، لكن إرادة الذاكر الصادقة، كما سبق، في القاعدة الأولى، ومجاهدة نفسه العازمة، وتوكله على الله، طالبا عونه على طاعته، فإنها ستثمر لصاحبها بلوغ غايته حتى تصبح طبيعة له بإذن الله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة]، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} [العنكبوت]

وماعليه إلا أن يبذل جهده المستطاع، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ.. وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)} [الحج]

سهولة ذكر الله تقطع حجة المقصر فيه

وإن سهولة ذكر الله تعالى على المؤمن، سواء كان مطلقا أو مقيدا، لتقطع عذر من قصر فيه، فهو سهل على المثقف والعامي، والصغير والكبير والعالم وغير العالم، وهل يصعب على مسلم أن يكرر كلمة "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" التي قال الرسول عليه الصلاة والسلام عنها كما في رواية أنس، رضي الله تعالى عنه، "أن رسولَ الله عليه الصلاة والسلام، ومعاذ بن جبل رديفه على الرَّحْل، قال: (يا معاذ) قال: لبيك يا رسول الله وسعديك – ثلاثا – ثم قال: (ما من عبد يشهدُ أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبدُه ورسولُه، إلا حرَّمه الله على النار) قال: يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: (إذا يتَّكلو) فأخبر بها معاذ عند موته تأثُّما" [أخرجه البخاري ومسلم.]

وقال: (وأفضل ما قلتُ أنَا والنَّبِيُّونَ من قَبْلي: لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له) [ذكره الألباني في صحيح الجامع].

وكذلك التسبيح، وهو قول: (سبحان الله) والتحميد، وهو قول : (الحمد لله) والتكبير، وهو قول: (الله أكبر)... وغير ذلك، هذا بالنسبة للذكر باللسان، ومن أعظم الذكر تلاوة القرآن الكريم، فتلاوة أيِّ آية منه، يتلوها القارئ بتدبر حسب إمكانه، يكون له بكل حرف منها عشر حسنات,

أما القلب، فكل من ذكر الله في قلبه، بأي تنزيهٍ له، أو ثناءٍ عليه، أو عملَ حسنة لازمة أو متعدية، قاصدا بها وجه الله،كتب الله له ذلك ذكرا عنده... وأي هم يهم به في قلبه، عازما على فعله، ولم يفعله، لمانع خارج عن طاقته، يكتب له حسنة، لأن همه إنما جاء عن ذكر قلبِه ربَّه، وأي سيئة يهم بها ثم يتركها لله، تكتب له حسنة، لأنه لم يتركها، إلا بذكر قلبه ربه.

ولسهولة الذكر وكثرة صيغه التي لا تكلف المسلم عناء بتكرارها والإكثار منها، تكرر في القرآن الكريم، أمر الله تعالى بالذكر، ووصفه بالكثرة، مثل قوله تعالى لزكريا، صلى الله عليه وسلم: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (41)} [آل عمران].

وأمر به المؤمنين بعد أمرهم بالثبات، في أشد المواقف عليهم ضيقا وحرجا، ليكون لهم معينا ومخرجا مما يصيبهم من الضيق والحرج، وهم يواجهون عدوا أقوى منهم عَددا وأكثر عُددا، في معركة فاصلة، سماها تعالى: "يوم الفرقان" وأطمعهم بالفوز والفلاح، فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)} [الأنفال]

وطلب موسى عليه السلام من ربه، أن يقويه في رسالته إلى فرعون العاتي المتجبر، بإرسال أخيه "هارون" عليه السلام، وذكر من أهداف هذا الطلب، تعاونهما على كثرة ذكر الله الذي يمدهما بالصبر على البلوى التي يعلم أن فرعون وحزبه، سيبلونهما بها، ووصف ذلك بالكثرة مرتين: المرة الأولى في التسبيح، والمرة الثانية في الذكر، مع أن التسبيح هو ذكر، فقال تعالى عنه: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34)} [طه]

وقال تعالى في دفع أهل الفساد عن الإفساد في الأرض، وتدمير المقدسات، التي يقوم أهل الأديان كلهم بعبادتهم فيها، بأهل الصلاح والإصلاح الذين يعمرون الأرض، ويكافحون الفساد والمفسدين،: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} [الحج]

وذم الله سبحانه الشعراء الذين ليس لهم منهج مستقر مستقيم ثابت، على هدى الله تعالى، بل يسيرون وفق أهوائهم المتغيرة من شأن إلى آخر، فقال سبحانه: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ (224)} الآيات ... إلى قوله: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227)} [الشعراء]

وذكر من صفات المؤمنين الذين هم أهل للاقتداء برسوله الكريم، الذي أكد الائتساء به بالقسم، كثرة ذكرهم لله تعالى، الذي كان هو صلى الله عليه وسلم، على ذكر دائم له، فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)} [الأحزاب]

وفي حديث عبد الله بن بسر - رضي الله عنه -: (أَن رجلا قال : يا رسول الله، إِن أبوابَ الخير كثيرة، ولا أستطيع القيام بكُلِّها، فأخبرْني بشيءٍ أتَشَبَّثُ به، ولا تُكْثِرْ عليَّ فأنْسى، وفي رواية: إِن شرائع الإِسلام قد كَثُرَت ، وأنا قد كَبِرْتُ، فأخبرني بشيءٍ أتشبَّث به، ولا تُكثِر عليَّ فأْنسى - قال: (لا يَزَالُ لسانُكَ رَطْبا بذِكر الله تعالى).[أخرجه الترمذي، وقال: "قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، مِنْ هَذَا الْوَجْهِ"، والحاكم في المستدرك، وقال: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.]

وقد دل القرآن الذي وصف الذكر بالكثرة، والسنة الصحيحة على معنى هذا الحديث، فلا يضره ما ذكر بعض العلماء من ضعف فيه.

وعن ربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله عنه - قال: "كنتُ أبيتُ مع رسولِ الله، فآتيه بوَضوئه وبحاجته" فقال لي: (اسألني) فقلتُ: "إني أسألك مرافَقتكَ في الجنة" قال (أوَ غيرَ ذلك؟) قلتُ: "هو ذاك" قال: (فأعِنِّي على نَفْسِك بكثرةِ السجود). [أخرجه مسلم وأبو داود.]

والمراد كثرة السجود في الصلاة، وهي كما مضى في كل حركاتها، أذكار، قال النووي رحمه الله في شرحه للحديث: "فِيهِ الْحَثّ عَلَى كَثْرَة السُّجُود، وَالتَّرْغِيب، وَالْمُرَاد بِهِ السُّجُود فِي الصَّلَاة، ..." إلى أن قال:"وَسَبَب الْحَثّ عَلَيْهِ مَا سَبَقَ فِي الْحَدِيث الْمَاضِي (أَقْرَب مَا يَكُون الْعَبْد مِنْ رَبّه وَهُوَ سَاجِد) وَهُوَ مُوَافِق لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} وَلِأَنَّ السُّجُود غَايَة التَّوَاضُع وَالْعُبُودِيَّة لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِيهِ تَمْكِين أَعَزِّ أَعْضَاء الْإِنْسَان وَأَعْلَاهَا وَهُوَ وَجْهه مِنْ التُّرَاب الَّذِي يُدَاس وَيُمْتَهَن." انتهى.