المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علم علوم القرآن



أهــل الحـديث
19-07-2014, 06:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم



علم علوم القرآن:


هذا العلم في الواقع هو تجميع لعلوم شتى ليس واحد منها كبيرا وإنما هو علم يجمع علوما متفاوتة، هذه العلوم بعضها راجع إلى اللفظ وبعضها راجع إلى المعنى وبعضها تاريخي أي يرجع إلى تاريخ القرآن، فمما يرجع إلى المعنى منها أسباب النزول وهذا باب من أبواب علوم القرآن لكنه قد أفرد وألف فيه بعض الكتب أشهرها كتاب الواحدي النيسابوري ثم كتاب السيوطي كلاهما مسمى بأسباب النزول وقد اهتم أهل التفسير كثيرا بأسباب النزول لما ذكرنا من قبل بأنها تعين على فهم الآيات، ثم مما يتعلق بالمعنى كذلك مناسبات القرآن مثل مناسبات السور بعضها لبعض ومناسبات الآيات بعضها لبعض ومناسبات الكلمات بعضها لبعض فالقرآن معجز في ترتيبه وتنسيقه ولهذا فالترتيب فيه إعجاز عجيب فقد بدأ بعد الفاتحة، الفاتحة ملخص للقرآن بكامله فكل معاني القرآن مجتمعة في الفاتحة جمعت كل ما تناوله القرآن من معاني سواء كان ذلك في التوحيد والثناء على الله وذكر اليوم الآخر أو كان في الأحكام والعبادات والمعاملات أو كان في ما يتعلق بحاجات بني آدم واحتياطياتهم وما يصلح أمور دينهم ودنياهم فقد بدأت الفاتحة أولا بالثناء على الله وتوحيده وتمجيده (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم) ثم ذكر فيها اليوم الآخر وما اشتمل عليه من البعث وفي ما بعده في قوله: (مالك يوم الدين) ثم بعد ذلك ذكرت العبادات كلها في قوله: (إياك نعبد) وذكرت المعاملات كلها في قوله: (وإياك نستعين) وذكرت كذلك احتياجات بني آدم كلها في الدنيا والآخرة في قوله: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم) وذكرت كذلك القصص وأخبار السالفين وأيام الله وإهلاكه للأمم في قوله: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فجمعت الفاتحة ملخصا شاملا للقرآن كله، كل الموضوعات التي تناولها القرآن موجودة في الفاتحة، بعدها جاءت طوال السور التي تتناول كثيرا من المعاني والأحكام وكلما ذهبت مع القرآن كلما قصرت السور حتى تصل إلى نهايته والتناسب بينها واضح كذلك التناسب في الأحكام وفي الأسلوب اللغوي وفي القصص واضح جدا وكذلك التناسب بين الآيات فترتيب الآيات كذلك معجز وهذا التناسب بعضه راجع إلى الفواصل، والفواصل أيضا علم من علوم القرآن المستقلة والمقصود به رؤوس الآي التي يوقف عليها لأن الفاصلة في القرآن مثل السجعة في السجع ومثل القافية في النظم، فالقرآن نوع من الكلام مستقل ليس مثل السجع ولا مثل النظم ففيه فواصل يقابلها في الشعر القوافي ويقابلها في السجع السجعات، وهذه الفواصل إنما كانت تعرف بوقف النبي صلى الله عليه وسلم وبِعَدِه للآيات فقد كان يعد الآيات لأصحابه كما ثبت أن أبيا سأل ابن مسعود فقال كائن تقرؤون سورة الأحزاب آية فقال ثلاث وسبعين فقال قط أي ما كانت كذا قط، فقد كانت مثل سورة البقرة ثم نسخ منها الكثير وكان مما نسخ منها آية الرجم نسخ لفظها وبقي حكمها، والفواصل قد وضع لها أهل العلم قواعد تعرف بها من أهمها قضية التناسب فإذا كانت الفاصلة على حرف معين إذا وجدت حرف معين يمكن الوقف عليه وقبله فاصلة فيها نفس الحرف وبعده فاصلة فيها نفس الحرف فاعلم أن ذلك رأس آية واعلم أنه فاصلة من فواصل القرآن، ومن هنا فمثلا سورة الإسراء فيها مائتا فاصلة كلها على الألف التي هي حرف مد إلا الآية الأولى منها فالفاصلة فيها على حرف الراء الساكنة فقط الساكنة في الوقف (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) فهذه الراء وحدها هي التي ليس بعدها ألف في فواصل السورة كلها ما بعد ذلك كله بالألف (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدا لبني إسرائيل أن لا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا) وهكذا بالألف كلها إلى نهاية السورة، وفي بعض الأحيان تقع المناسبة بين الأحرف التي تقع عليها الفواصل من جهة تشابهها في المخرج أو من جهة تشابهها في الصفة كالنون والميم ونحو ذلك وهذا كثير في القرآن، والفواصل أيضا قد أفردت بالتأليف وأهم المؤلفات المفردة في علم الفواصل \"ناظمة الزهر\" وهي قصيدة للإمام لشاطبي وهي مشروحة مطبوعة وألف فيها عدد من الأئمة بعد الشاطبي فزادوا زيادات على الشاطبي في مواضع الخلاف لأن العد متباين باختلاف القراءات، عد الآي مختلف باختلاف القراءات فقد ذكرنا من قبل أن لأهل المدينة عدين: العد المدني الأول وهو العد الذي يوافق قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع والعد المدني الثاني وهو العد الذي يوافق قراءة نافع، والعد المكي واحد وهو موافق لقراءة ابن كثير والعد الكوفي واحد وهو موافق للقراءات الكوفية الثلاثة، والعد البصري واحد، والعد الشامي واحد فهذه أعداد للآيات وهي متباينة بحسب الاعتبارات فمثلا الفاتحة في العد المكي: (بسم الله الرحمن الرحيم) آية منها و (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) آية واحدة إذ صرح بأنها سبع آيات فإذا عددت البسملة آية منها فلا بد أن تجعل آخرها آية واحدة حتى يتم العدد، ومثل ذلك الفواتح فواتح السور في بعض القراءات تعد آية مستقلة فيقال (الم) آية (المص) آية (الر) آية (المر) آية وهكذا (ق) آية (ن) آية وبعضهم يصلها بما بعدها فيعد ذلك آية واحدة ومن هنا اختلفوا في سورة البقرة على ثلاثة أقوال في عد آياتها فالمشهور أنها مائتان وستة وثمانون آية وبعضهم يجعلها خمس وثمانين آية وبعضهم يجعلها مائتين وأربعة وثمانون آية على هذه الاعتبارات السابقة ولذلك فالعد عد آي القرآن كله على العد الكوفي ستة آلاف ومائتان وأربع وثلاثون آية، وعلى العد المدني الثاني وهو قراءة نافع ستة آلاف ومائتان وأربعة عشرة آية على هذا الخلاف الذي سبق، وقد بينا عناية الناس بالعد في هذا حتى عد النقاط ذكرنا أن النقاط التي وضعها أبو الأسود في القرآن مليون وخمسة وعشرين ألف وستة وثلاثين نقطة في القرآن كله وقد اعتنوا بعد الحروف التي اختف فيها القراء كذلك فالقراء اختلفوا في إثبات الحروف كما ذكرنا في (مالك يوم الدين) و (ملك يوم الدين) و (يخادعون) و (يخدعون) المد المتصل بميم الجمع في قوله (صراط الذين أنعمت عليهِم) (عليهُم) (عليهِمِ) (عليهُمُ) وهكذا فهذا المد حرف فإذا عددته ازداد عدد الحروف ومن هنا اختلفوا في تجزئة القرآن الخلاف المشهور فيما يتعلق بالتحزيب والتثمين والتربيع وغير ذلك كله راجع إلى عد الحروف باختلاف القراءات فتجدون بعض الأجزاء مختلفة في بدأها فمثلا الحزب الأول من القرآن مختلف في نهايته هل بداية الحزب الثاني قوله تعالى: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) أو قوله تعالى: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) محل خلاف تجدونه في المصاحف ومثل ذلك قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) مختلف هل هذا بداية الحزب أو قوله: (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل) بجعل الآيتين تبعا للحزب السابق محل خلاف وهكذا في كل القرآن ونظير هذا في انتصاف القرآن وتربيعه أي أربعاه فالنصف مختلف فيه هل ينتهي عند (وليتلطف) عند هذه الكلمة نصف الحروف قيل ينتهي عند لام (وليتلطف) وقيل عند الفاء منها وأغرب بعض الناس فجعله ينتهي في سورة الحج لأن الكلمات هي التي تنقسم في سورة الحج فذهب بضهم إلى أن الحروف أيضا تنقسم في سورة الحج عند قوله تعالى: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) قال أحد مشايخنا:

والبدن بين لامها والألف تناصفت حروف هذا المصحف

هذا اسمه محمد أحيد له ثلاثة وسبعون نظما في علوم القرآن كلها ما ترك علما من علوم القرآن إلا ونظم فيه نظما، والذي يبدو لي أن الجزم بأن (والبدن) هي التي حصل التناصف بين حروفها أن هذا غلط لأن الذي ينتصف في الحج الكلمات لا الحروف، الحروف لا خلاف في ما أعلم أنها تنتصف في سورة الكهف هي نصف القرآن الحقيقي الواقع في سورة الكهف، ولذلك فإن المصاحف أعدلت إلى نهاية سورة الكهف وجعلت الانتصاف عند بداية سورة مريم وكذلك الأرباع الربع الأول عند نهاية الأنعام على الراجح وبعده النصف عند سورة الكهف ثم الربع الآخر نهايته عند نهاية سورة فاطر بداية ياسين وقيل عند نهاية سورة الصافات وبداية ص على خلاف هذا الخلاف فقط في سورتين في سورة ياسين وسورة الصافات هل هما من الربع الثالث أو من الربع الرابع ولا خلاف أن سورة ص من الربع الرابع، أما التسبيع فليس راجعا إلى هذا لأن التسبيع إنما هو راجع إلى أوراد الناس في ما يقرؤونه يوميا من القرآن، فقد روي عن بعض الصحابة هذا التسبيع على التجزئة المعروفة للسور بالأسباع، وطبعا هذه الأسباع غير متفقة من ناحية العدد بعضها أطول من بعض ولذلك ليس راجع إلى عدد الحروف ولا عدد الكلمات التسبيع خارج عما نحن فيه نتكلم هنا عن ما يتعلق بالتربيع والتثمين والتحزيب ونحو ذلك، كذلك مما يتعلق بالألفاظ من علوم القرآن ما يتعلق بغريب القرآن وهو علم مستقل وقد ألف فيه عدد من المؤلفات وأول معجم ألف في الإسلام هو معجم الراغب الأصبهاني الذي سماه المفردات أي مفردات القرآن رتبه على الترتيب المعجمي ويمكن أن يكون بذلك تأثر بأهل الحديث فتابع البخاري وهو أول من ألف على المعاجم أول من ألف على ترتيب المعجم في كتابه التاريخ الذي حين عرضه على إسحاق ابن راهويه قال ما هذا إلا السحر إن فيه ترتيبا ما كان العرب يعرفونه، رتب الأسماء ترتيبا حاصرا على الحروف هو أول من عمل ذلك وبعده تتابعت المعاجم، وأول من ألف معجما في اللغة على هذه الطريقة هو الراغب الأصبهاني وكتابه في مفردات القرآن وهو مشهور مطبوع عدة طبعات، كذلك ألف الإمام مكي بن أبي طالب \"غريب القرآن\" وألف أبو عبيد القاسم بن السلام كتابه \"غريب القرآن\" وألف أبو عبيدة معمر بن المثنى كتاب \"الغريبين\" غريب القرآن وغريب الحديث، وألف الشافعي رحمه الله كذلك \"غريب القرآن\" وعدد كبير من أهل العلم ألفوا في هذا الباب مثل ابن هلال العسكري وغيره ولا شك أن الغرابة متفاوتة ولهذا فالغريب في زماننا هذا يدخل فيه كثير من الكلمات التي لم تكن غريبة لدى السلف لأننا ابتعدنا عن العربية وكلما ابتعدنا ازداد عدد الغريب، كثير من الألفاظ لم تكن غريبة في الزمان الأول وأصبحت غريبة اليوم لندرة استعمالها في كلام الناس المعتاد لأن الناس لا يتكلمون في ما بينهم في العادة بالعربية الفصحى فلذلك يصبح كثير من ألفاظها غريبا في التداول، وعلم الغريب من أهم علوم القرآن لأن به فهم كثير من الألفاظ التي هي وعاء المعاني هي مندرجة فيها ومن لم يكن من أهل الغريب قال أهل العلم لا يحل له التفسير أصلا لأنه سيقدم على القول في الكتاب بغير علم وهذا الذي امتنع منه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولذلك نجد اليوم بعض الذين تجاسروا على دروس التفسير يفسر سورة يوسف فلما بلغ قول الله تعالى: (أرسل معنا أخانا نكتل) قال نكتل اسم أخي يوسف فهذا النوع من الجهل بمفردات القرآن يؤدي إلى القول على الله بغير علم، كذلك من علوم القرآن المتعلقة بالألفاظ ما يتعلق بالتناسب كما ذكرنا ذكرنا التناسب بين السور والتناسب بين الآيات وكذلك التناسب بين الكلمات ونوع آخر من أنواع التناسب وهذا التناسب بين الكلمات معجز وله كثير من الأمثلة في القرآن مثل قول الله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) فجاء ترتيبها ترتيبا لفظيا عجيبا في ما يتعلق بالتشابه بين الحروف في المخارج والصفات قوله: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) فهذا يشترك في الميم التي بدأ بها وتوسطته فالكلمات الأربعة كلها مبدوءة بالميم وتوسطت الميم فيها (المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) كذلك قوله: (والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات) تجتمع في القاف كذلك فالقاف في الكلمات الأربع (والخاشعين والخاشعات) كذلك مع (الصادقين والصادقات) فالدال والشين مخرجهما واحد من شجر الفم فيشتركان في ذلك وكذلك قوله: (والمتصدقين والمتصدقات) فالدال كذلك فيها مناسبة للشين التي قبلها (الخاشعين والخاشعات) و (الصائمين والصائمات) مناسبة ل (المتصدقين والمتصدقات) بالاشتراك في الصاد كذلك و (الحافظين فروجهم والحافظات) فالاستعلاء الذي في الصاد كذلك نظيره في الظاء (الحافظين فروجهم والحافظات) و (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) فالذال أيضا والظاء صفتهما مشتركة فكان هذا تناسبا عجيبا وفيه تدرج أيضا من ناحية المعنى لكن نحن نقصد هنا من ناحية اللفظ، ومثل ذلك من ناحية اللفظ في التناسب قول الله تعالى: (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) فقد اجتمع في هذه الآية أنواع الفعل المضارع كلها الفعل المضارع المجزوم بالسكون والمجزوم بالحذف والمعل والمجزوم بحذف النون كلها مجتمعة في هذه الآية والتناسب في ذلك واضح، وكذلك اجتماع أحكام النون وأحكام الميم في آية واحدة وهي الآية السادسة من سورة الأنعام قوله تعالى: (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين) هذه آية واحدة جمعت جميع أحكام النون والتنوين وجميع أحكام الميم كذلك كلها اجتمعت في آية واحدة من كتاب الله وهي التي سبق الإلغاز بها في البيت السابق:

خبروني عن آية جاء فيها كل حكم قد كان للنونات

واللغز قاصر لأنه لم يذكر الميمات كذلك فالآية فيها أحكام النونات وأحكام الميمات كلها فيها الإدغام الخالص والإدغام بالغنة والإخفاء والإقلاب والإظهار كلها مجتمعة في ما يتعلق بالنون وفيها كذلك فيما يتعلق بالميم الإدغام الشفوي والفك والإخفاء كلها مجتمعة، كذلك من الأحكام المتعلقة بالتاريخ من علوم القرآن أو مما يتعلق بالتاريخ من علوم القرآن المكي والمدني والشتوي والصيفي فهذا راجع إلى التاريخ وبه يعرف الترتب فيما يتعلق بالنسخ والتقييد والإطلاق فليست معرفة التاريخ شرطا في النسخ فقط كما يتوهمه من درس التفسير أو درس الأصول بل إذا عرفنا المتأخر عرفنا كيف جاء التدرج في تشريع الأحكام مثل قول الله تعالى: (تتخذون منه سكرا) هذه أول ما نزل فيه ذكر الخمر امتن الله بها على أنها من الرزق لكنه أفردها على الرزق الحسن فجعلها ليست رزقا حسنا لأنه عطف عليها قوله (ورزقا حسنا) والعطف يقتضي المغايرة فدل هذا على أن الخمر وإن كان رزقا ليس رزقا حسنا ثم جاء بعدها (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فحرمت الخمر في وقت الصلاة فقط ثم بعد ذلك أرشد إلى تركها وبينت مضارها دون أن يجزم في ذلك كقوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)، ثم جاء التحريم البات في قوله تعالى: (إن ما يريد الشيطان ليوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) فحرمها تحريما جازما وهذا أبلغ في التحريم من ما لو قال فانتهوا انه قال (فهل أنتم منتهون) تهديدا ولذلك يقال إن عيينة ابن حصن شرب الخمر فقيل له ألم يحرمها الله فقال لا إنما قال (فهل أنتم منتهون) وسكت وسكتنا فما قلنا نعم ولا قلنا لا، ولكنه أسلم بعد ذلك يعتبر من الصحابة لأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ثم رجع للإسلام بعد ردته.