المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علم القراءات



أهــل الحـديث
19-07-2014, 03:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم


علم القراءات :


علم من علوم الرواية المحضة والإنسان فيه محتاج إلى كثير من الضبط والدقة في العزو وفائدة التوسع في هذا العلم زيادة الأجر لأن الإنسان كلما قرأ حرفا من كتاب الله كتب له به عشر حسنات (لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)، واختلاف القراءات يقتضي اختلاف عدد الحروف وكذلك اختلاف القراءات قد يكون مؤثرا في المعنى كقول الله تعالى: {قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك) فإن قوله: (من كلِ زوجين اثنين) يصعب فهمها هكذا فإذا قرأت القراءة الأخرى (قلنا احمل فيها من كلٍ زوجين اثنين) تبين لك معنى قوله (من كلِ زوجين اثنين) ونظير هذا كثير جدا في القرآن، وبعض القراءات تفيد معاني جديدة كقوله تعالى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثا) إذا قرأت بالقراءة الأخرى (الذين هم عباد الرحمن) ازددت معنى جديدا وتوسعت مداركك وفهمت إعجاز القرآن حيث لا تختلف الكتابة ولا الرسم وإنما يختلف النطق فقط، وهذا العلم أصل تقعيده قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن أنزل علي على سبعة أحرف فلا تختلفوا فيه» وقد اختلف الناس في معنى قوله «أنزل علي على سبعة أحرف» وأوصل العلماء ذلك إلى أربعين قولا في تفسير هذا الحديث أشهرها وأقواها ثلاثة أقوال: القول الأول أن المقصود بالحرف وجه القراءة أي أن ينزل عليه على وجه يقرأه عليه ثم على وجه آخر ثم على وجه آخر وهذا أقوى ما يفسر به هذا الحديث ودليله أن هشام بن حكيم ابن حزام عندما قرأ سورة الفرقان فسمعها عمر فقال إن هذا قرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم هشاما أن يقرأ فقرأ فقال هكذا انزل ثم أمر عمر أن يقرأ فقرأ فقال هكذا انزل، هذا دليل على أن المقصود بقوله على سبعة أحرف أوجه القراءة وهو دليل واضح جدا وهو سبب ورود الحديث وسبب ورود الحديث مقدم في تفسيره وشرحه، القول الثاني أن المقصود بقوله على سبعة أحرف على سبع مترادفات كأن يأتي بلفظ ثم ما يرادفه وهذا القول شهره كثير من أهل التفسير ويرد عليه كثير من الاعتراضات أولا أنه يندر في لغة العرب أن تجد كلمة لها سبع مترافات بل أنكر بعض أهل اللغة الترادف أصلا فجلس وقعد ليستا مترادفتين بينهما فرق وقام ووقف ليستا مترادفتين بينهما فرق وهكذا، وهذا القول سبب ترجيح كثير من أهل التفسير له أنه رأي ابن مسعود رضي الله ولكن يبدو أنه اجتهاد منه ولا أرى ترجيحه، القول الثالث أن قوله انزل علي على سبعة أحرف أي على سبع لغات من لغات العرب فهي مجتمعة فيه ولا يقتضي ذلك اختلاف النطق بل تأتي كلمة من لغة حمير وكلمة من لغة قريش وكلمة من لغة تميم وكلمة من لغة طيئ وهكذا وهذا الوجه لا منافات بينه وبين الأوجه الأخرى كلها لأنه لا شك أن القرآن نزل بلسان عربي مبين ولم ينزل بلغة قبيلة واحدة من العرب لكن حصر عدد القبائل العربية أو حصر اللهجات العربية واللغات العربية في سبع فقط مشكل لأن قبائل العرب أكثر من هذا والقبائل كذلك لا تختلف لغاتها باختلاف أنسابها وإنما تختلف باختلاف مناطقها وبيئتها ولا يمكن أن تصل إلى هذا العدد وقد اشتهر قديما من لهجات العرب أربع لهجات اللهجة اليمانية وهذه أقواها وأكثرها انتشارا في صدر الإسلام واللهجة الحجازية وهي التي جاءت بها النصوص في أغلبها واللهجة النجدية ثم لهجة أهل الشمال والبادية فهذه أربع لهجات هي التي اشتهرت فلهجة أهل الشمال والبادية قد خالطتها لهجة الأنباط الذين خالطوا الأعاجم من العرب ولهجة أهل نجد تأثرت ببيئتها ولذلك فيها الإمالة وتسهيل الهمزة وغير ذلك ويمكن أن تقول إن أبعد هذه اللهجات عن أن تكون مندثرة أو أن تكون داخلة في غيرها هي اللهجة اليمانية فبينها وبين اللهجة الحجازية فروق واضحة وقد حصلت مناظرات بين أصحاب هذه اللهجات في صدر الإسلام فقد كان في مجلس الرشيد رجل من قريش من بني هاشم ورجل من أهل اليمن ففخر اليماني حتى قال والقرآن قد نزل بلغتنا وعد كثيرا من الكلمات التي هي في القرآن بلغة أهل اليمن ولا يعرف معناها أهل الحجاز وعد منها قوله: (فاكهة وأبا) وقوله: (على تخوف) وغير ذلك من الكلمات فقال الرشيد للهاشمي الذي عنده ما تقول في ما يقول هذا قال لا أدري ما يقول غير أن الله تعالى يقول: (جعلوا أصابعهم في آذانهم) ولم يقل جعلوا شناترهم في صناراتهم فلغة أهل اليمن الأصابع يقولون فيها الشناتر والآذان يقولون فيها الصنارات، ومع ذلك فالكلمات التي جاءت في القرآن على لغة أهل اليمن كثيرة جدا فقد روي أن عمر بن الخطاب كان في مجلسه فجاءته امرأة من اليمن فقالت يا أمير المؤمنين إن بعلي عبد حقي وترك الوصيد رهوا ولي عليه مهيمن فهل لي عليه مسيطر أو من مسيطر فقال عمر ما فهمت ما تقولين فقال بن عباس كلمات كلهن في كتاب الله: قولها إن بعلي أي إن زوجي فقد قال الله تعالى: (وهذا بعلي شيخا)، قولها عبد حقي أي تركه وقد قال الله تعالى: (إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) أي التاركين لعبادته أو لعبادة ذلك الولد، وترك الوصيد رهوا أي ترك الباب مفتوحا (وكلبهم باسط ذراعيه بالوسيط)، (واترك البحر رهوا)، ولي عليه مهيمن أي شاهد (ومهيمنا عليه)، فهل لي عليه من مسيطر أي حاكم (لست عليهم بمسيطر) فاستغرب عمر ذلك، وعموما فإن الأحرف السبعة التي أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم على القول الذي اخترناه أن المقصود بها أوجه القراءة لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم كل وجه من هذه الأحرف السبعة أو هذه الأوجه السبعة في القرآن كله حتى يكون ذلك قراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما روى الناس عنه القرآن بهذه الأحرف كلها ولم يأمر أحدا من الأعراب أو من أهل الحاضرة بتغيير نطقه بالحروف بل كان يأتيه النجدي ويقرأ عليه القرآن فيقرأه هو على هيئة الحروف فلا يأمره بتغيير ذلك ويأتيه اليماني فيقرأ عليه القرآن فيقرأه بطريقة نطقه بالحروف فلا يأمره بترك ذلك وهكذا، وعموما فالقراءات التي لدينا ليست هي الأحرف السبع التي انزلت لكن يمكن أن تكون كل قراءة منها ملفقة من الحروف السبعة كلها فمثلا بالإمكان أن نتصور أن الحرف الأول الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه إمالة ولا إشمام ولا وقف بالروم وليس فيه ترقيق للراء ولا تسهيل للهمز ولا نقل للحركة مثلا والحرف الثاني فيه الإمالة وليس فيه بقيتها، الحرف الثالث فيه الإشمام وليس فيه بقيتها، الحرف الرابع فيه نقل الهمزة وليس فيه بقيتها، الحرف الخامس فيه تسهيل الهمزة وليس فيه بقيتها، والحرف السادس فيه اثنان من هذه، والحرف السابع فيه كل هذه وهكذا حتى تجتمع لدينا أوجه القراءة، وقد أمر عثمان الصحابة بكتابة المصاحف فكتبوها فكانت ممكنة من قراءة الأحرف السبعة كلها فقد حوت الأحرف السبعة كلها وهذا هو الراجح، وقد ذهب بعض أهل التفسير إلى أن الأحرف السبعة قد نسخت إلا الحرف الأخير وهو العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفي فيه لكن هذا الذي قالوه مرجوح لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الأحرف السبعة في وجه الامتنان وبيان التوسعة على الأمة قال انزل علي على سبعة أحرف فلا تختلفوا فيه فلو كانت الأحرف الأخرى قد نسخت لما كان لهذا معنى ولا فائدة فلذلك الراجح بقاء الأحرف السبعة وأنها لم تنسخ وما كتبه الصحابة رضوان الله عليهم من المصاحف يمكن أن تقرأ منه هذه الأوجه المختلفة في القراءة وهذا وجه من الإعجاز في القرآن ومع هذا لم يقع الاختلاف في المصاحف التي كتبها الصحابة إلا في حروف معدودة ففي مصحف أهل مكة إثبات من في سورة التوبة ولم يثبتها شيء من المصاحف الأخرى في قول الله تعالى: (جنات تجري تحتها الأنهار) فالمصاحف الأخرى كلها لم تثبت من والمصحف الذي أرسله عثمان إلى أهل مكة فيه إثبات من ولذلك قرأ بها ابن كثير وحده دون بقية القراء كذلك في مصحف أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل مكة إثبات واوات ليست في مصحف أهل المدينة ومصحف عثمان ومصحف أهل الشام هذه الواوات هي قول الله تعالى في سورة آل عمران: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وقوله تعالى في سورة المائدة: (ويقول الذين آمنوا أهاؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين) وقوله تعالى في سورة التوبة: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) وكذلك الفاء في قوله تعالى في سورة الشورى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) وكذلك الواو بدل الفاء في قول الله تعالى في سورة الضحى: (ولا يخاف عقباها) بدل (فلا يخاف عقباها) كذلك إضافة لفظة \"هو\" (إن الله هو الغني الحميد) في سورة الحديد في مصحف الكوفيين والبصريين دون بقية المصاحف فقط هذه الألفاظ التي اختلفت فيها المصاحف أما ما عداها فلا اختلاف بين المصاحف فيه أصلا وهذه الألفاظ التي اختلفت فيها المصاحف لا تأثير لها في المعنى نهائيا ولا علاقة لها به سواء أثبت الواوات أو حذفتها أو أثبت الفاء في قوله: (ما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم) أو حذفتها لا فرق في المعنى (إن الله هو الغني الحميد) (إن الله الغني الحميد) لا فرق في المعنى فلذلك لا شك أن إثباتها حرف من الحروف المنزلة وأن حذفها حرف من الحروف المنزلة فهي قطعا كلها من ما أنزل الله على رسوله سواء بالإثبات أو بالحذف واتفقت المصاحف في ما سوى ذلك على هيأة تمكن من قراءة الأحرف كلها ولهذا فإن الصحابة اجتهدوا في كتابة الكلمات التي أنزلت بالجمع تارة وبالإفراد تارة فكتبوها على طريقة حذفوا منها ألف الجمع وأثبتوا فيها التاء بدل الهاء في الكتابة مثل قول الله تعالى: (وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا) فمنهم من قرأها بالجمع ومنهم من قرأها بالإفراد فكتبوها بالتاء ولم يكتبوها بالهاء وحذفوا الألف فكان ذلك معجزا لأنه ممكن من قراءة الوجهين، ونظير هذا كثير ولم تكن النقاط موجودة في عصر الصحابة ولذلك سهل بأن تقرأ الكلمة على اختلاف النقط مثل قوله: (كيف ننشزها) (كيف ننشرها) ومثل قوله: (الذين هم عند الرحمن) (الذين هم عباد الرحمن) فالفرق فقط هو فرق في النقط دون غيره ولم يكن الضبط موجودا في عصر الصحابة والضبط هو الشكل ولذلك كثر الاختلاف في الضبط، والضبط إما أن يكون مع حذف بعض الحروف أو مع الإضافة أو دون ذلك فمع حذف بعض الحروف حذف بعض الحروف دون تغيير الشكل مثل قوله: (ملك يوم الدين) (مالك يوم الدين) فالضبط كما هو وإنما حصل الاختلاف بإثبات المدة أو حذفها فقط، ومثل ذلك رسم الحرف بوجه يمكن أن ينطق به بأوجه مختلفة مثل (صراط) (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم) أو (اهدنا السراط المستقيم سراط الذين أنعمت عليهم) أو بالإشمام بقرب الزاي، ومثل ذلك (بمسيطر) (بمصيطر) و (يبسط) و (يبصط) ونحو هذا فتكتب بحرف واحد ويقرأ الحرف الآخر لتقاربهما في المخرج ولعدم اختلاف المعنى باختلاف الحرف وأما اختلاف الشكل مع حذف حرف فهو مثل: (وما يخادعون إلا أنفسهم) أو (وما يخدعون إلا أنفسهم) فالشكل يختلف مع إثبات الحرف و حذفه، وأما اختلاف الشكل دون تغير رسمي فمن أمثلته قول الله تعالى: (قال الله هذا يومُ ينفع الصادقين صدقهم) (قال الله هذا يومَ ينفع الصادقين صدقهم) (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) ومثل قوله :(ليحصنكم من بأسكم) و (لتحصنكم من بأسكم) اختلاف النقط فقط ونظير هذا كثير، فهذا إذن فيه تكمن أهمية علم القراءة، والذي يريد أن يحضر درسا في هذا لا بد أن يستوعب أولا تاريخ القراءات وتحديدها فبدايتها كلها من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه واختلافهم في الرواية عنه وكلها راجعة إلى المصاحف المرسومة وهي تنقسم إلى قسمين إلى قراءات متواترة وقراءات شاذة والمقصود بالمتواترة التي رواها أهل الأمصار وثبتت بنقل الكافة عن الكافة ونسبتها لشخص معين لا ينافي ذلك فإذا قلنا هذه قراءة نافع وهذه قراءة عاصم ليس معنى ذلك أنه لم يروها في طبقة من طبقات الإسناد غير هذا القارئ بل المقصود أنها قراءة ذلك البلد قراءة نافع هي القراءة التي اشتهرت في المدينة قراءة عاصم مثلا قراءة أهل الكوفة قراءة أبي عمرو البصري قراءة أهل البصرة قراءة ابن كثير قراءة أهل مكة قراءة ابن عامر قراءة أهل الشام وهكذا فهذا نقل الكافة عن الكافة ولكنها اشتهر من مدرسيها بين الكافة هذا القارئ والقارئ الذي اشتهر بين الكافة بالرجوع إليه في عصر التابعين وأتباعهم هو الذي تنسب إليه القراءة بلفظ القارئ يسمى قارئا ومن اشتهر بالنقل عنه سواء كان نقل عنه بالمباشرة أو نقل عنه بالواسطة يسمى راويا ومن اشتهر عن الراوي بالنقل عنه يسمى طريقا فهذا الاصطلاح لا بد من معرفته أن يميز الإنسان بين القراءة والرواية والطريق فالقراءة هي الكبرى وتحتها الرواية وتحت ذلك الطريق، والقراءات المتواترة لم تكن مجموعة في الصدر الأول حتى جمعها ابن مجاهد فاختار منها سبع قراءات هي قراءة نافع بالمدينة وابن كثير بمكة وأبي عمرو بالبصرة وعبد الله بن عامر بدمشق وعاصم بن بهدلة بن أبي النجود بالكوفة و علي الكسائي كذلك وحمزة الزيات كذلك فهذه السبع التي اختارها ابن مجاهد واشتهرت بالقراءات السبع بين الناس وهي قطعا متواترة يجوز التعبد بها والقراءة بها في الصلاة وقراءتها على الملئ بل يطلب ذلك ويثاب الإنسان عليه، هذه السبع قطعا متواترة وهذه السبع اشتهرت رواياتها فعن نافع قالون وورش وهما أشهر من روى عنه وقد روى عن نافع كثير سواهما لكن اشتهرت قراءته من هاتين الروايتين من رواية عيسى ابن ميناء وهو قالون ومن رواية عثمان المشهور بورش وكذلك قراءة ابن كثير اشتهرت من رواية البزي وقنبل ولم يرويا عنه بالمباشرة وإنما رويا عنه بالواسطة ومثل ذلك قراءة أبي عمرو ابن العلاء البصري اشتهرت من رواية حفص الدوري وأبي شعيب السوسي ولم يرويا عنه بالمباشرة وإنما رويا عنه بالإسناد ومثل ذلك قراءة عبد الله بن عامر فقد اشتهرت عنه من رواية هشام الدمشقي وعبد الله بن ذكوان وكذلك قراءة عاصم بن بهدلة اشتهرت عنه من رواية أبي بكر بن عياش المشهور بشعبة ومن رواية حفص وكذلك قراءة الكسائي اشتهرت عنه من رواية أبي الحارث ومن رواية حفص الدوري الذي سبقت روايته عن أبي عمرو وكذلك حمزة اشتهرت قراءته من طريق خلف ومن طريق خلاد فهما اللذان رويا عنه، فيتحصل لدينا هنا سبع قراءات من أربع عشرة رواية وكل رواية كذلك فيها طريقان، فمثلا رواية ورش عن نافع من طريق أبي يعقوب الأزرق ومن طريق الأصبهاني ورواية قالون من طريق ابن نشيط ومن طريق الحلواني وكذلك حفص عن عاصم من طريق عبد الله بن الصباح أو عبيد بن الصباح ومن طريق عمر بن الصباح وهكذا فهذه يحصل لنا منها ثمانية وعشرون طريقا ثم نكمل العشرة فنضيف أبا جعفر يزيد ابن القعقاع بالمدينة فهو شيخ نافع ونضيف كذلك خلفا الذي ذكرناه راويا عن حمزة فله قراءة مستقلة ونضيف كذلك يعقوب الخراساني فله قراءة مستقلة وكل واحد من هؤلاء الثلاثة اشتهر عنه راويان كذلك فيكمل بذلك لدينا عشر قراءات من عشرين رواية وكل رواية فيه طريقان مشتهرتان فتكمل لدينا إذا أربعون طريقا ويمكن أن نضيف ثلاثة إلى العشرة وهم الأعمش وابن محيصن والحسن البصري فلهؤلاء قراءات اشتهرت عنهم أيضا.
عد القراءات المنتشرة في كتب التفسير والتي عليها المعول كذلك في فهم كتاب الله سبحانه وتعالى لأن بعض القرآن يفسر بعضا، ويُقَدَر كذلك تقييده به عند الإطلاق فالقراءات وإن كانت شاذة إلا أنها يؤخذ منها تفسير المتواتر وكذلك يحتج بها في اللغويات مطلقا واختلف في الاحتجاج بالشاذ في الشرعيات في أخذ الأحكام من القراءات الشاذة على ثلاثة أقوال القول الأول أنها حجة مطلقا وبهذا أخذ الشافعية وهو رواية عن الحنابلة أن القراءة إذا صح إسنادها فهي حجة مطلقا ومثال ذلك قراءة ابن مسعود في سورة المائدة قول الله تعالى: (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) فلفظة متتابعات شاذة لأنها ليست موافقة لرسم المصحف وهي قراءة ابن مسعود فأوجب الشافعية والحنابلة في رواية تتابع صيام كفارة اليمين بناء على هذه القراءة الشاذة ومثل ذلك قول الله تعالى في قراءة أبي وابن مسعود: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) فإن القراءة المتواترة أيديهما وهذه القراءة الشاذة فيها تخصيص ذلك بالأيمان ويترتب على هذا عدم القطع ثانية إن سرق بعد القطع معناه إذا سرق قطعت يمينه فإن سرق أخرى لم يترتب على ذلك إلا التعزير انتهى الحد، وعند الجمهور إذا سرق المرة الأولى تقطع يمينه وتحسم ثم إذا سرق الثانية تقطع شماله أو رجله اليسرى ثم يسرى يديه ثم رجله اليمنى كذلك ثم بعد هذا يحبس وينفق عليه من بيت المال، والجمهور يستدلون بأن لهذا جنسا في الشرع لأن التدرج في إقامة الحد شرعي بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إذا زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إذا زنت الثالثة فلجليدها الحد ولا يثرب عليها ثم إذا زنت الرابعة فليبعها ولو بحبل» فالتدرج في مثل هذا مقصد شرعي وموجود في الحدود عموما، القول الثاني أن القراءات الشاذة ليست حجة مطلقا لأنها ليست قرآنا إذ ليست بين دفتي المصحف ولا هي حديث لأنها لم تنسب إلى النبي صلى الله عليه من قوله وهذا القول هو مذهب مالك ولذلك فإن المالكية يرون أن الرضاع لا يحتاج فيه إلى خمس رضعات معلومات حيث قال مالك هذا الذي روته عائشة كان مما يتلى عليكم عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مما يتلى عليكم ليس بقرآن لأنه ليس في المصحف ولا هو حديث لأنها لم تنسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قوله والحجة إنما هي بالكتاب أو بالسنة وليس هذا كتابا ولا سنة وقد احتج بهذا الشافعية والحنابلة على أن نصاب الرضاعة المحرم هو خمس رضعات معلومات على خلاف بينهم في تحقق الرضعات الخمس هل تحصل بالمصات أو بالرضعة حتى ينتزع فاه من الثدي وكذلك في ضبط ما إذا احتلبت له فشرب كم يعتبر خمس رضعات من ذلك، وهذا الخلاف يقتضي تضعيفا لهذا القول لأنه يبدوا فيه عدم الانضباط، القول الثالث أن القراءات الشاذة حجة كحجية الأحاديث لا كحجية القرآن معناه أنها مثل أخبار الآحاد من الحديث لا تعارض المتواتر من الكتاب أو السنة لكن يمكن أن يخصص بها أو يقيد وتعارض ما دون المتواتر إذا ساواها في المتربة وهذا القول هو اختيار الشافعي وإليه إشارة السيوطي رحمه الله بقوله:

وأجمعوا أن الشواذ لم تبح قراءة بها ولكن الأصح

كخبر في الاحتجاج تجري وأنها التي وراء العشر

وأجمعوا أن الشواذ لم تبح قراءة بها أي في الصلاة أو القراءة لتعليم القرآن ولكن الأصح كخبر في الاحتجاج تجري أنها كخبر الآحاد في الاحتجاج تجري وأنها التي وراء العشري، ثم القراءات الشاذة اجمع على أن ما زاد على الثلاثة عشر شاذ الثلاثة عشر التي ذكرناها ما زاد عليها حتى لو نسب إلى صحابي وثبت إسناده عنه يعتبر شاذا واختلف فأجمع كذلك على أن السبعة متواترة، القراءات السبع الأولى التي عددناها أولا بالإجماع متواترة وبين هاتين المنزلتين سنذكر إنشاء الله في الفقه أننا عند ذكر المسائل الخلافية خطوات ذلك أن تذكر الأقوال ثم تحرر محل النزاع ثم تذكر الثمرة المترتبة على الخلاف فتحرير محل النزاع أن تقول لا خلاف أن ما زاد على الثلاثة عشر غير متواتر إلا خلافا ضعيفا في القراءة الرابعة عشرة لبعض الأصوليين ولا خلاف كذلك أن السبعة متواترة إلا خلافا يسيرا وهو الخلاف في ما اختلف فيه القراء وفي هيأة الأداء هل هي متواترة أم لا فمثلا هيأة الأداء التي يسمعها الإنسان عند المشارقة غير هيأة الأداء عند المغاربة وذلك راجع إلى النغمات والتأثر بأصوات الأشخاص ومراعاة التفاصح ونحوه فاختلف هل هذا متواتر أو غير متواتر نظرا لتباين الناس فيه وكذلك ما اختلف فيه القراء من الألفاظ فيه خلاف هل هو متواتر أم لا ما حصل الاختلاف فيه اللفظ نفسه الذي حصل الاختلاف فيه فيه خلاف هل متواتر أم لا وهذان الخلافان أشار إليهما السيوطي رحمه الله في قوله: ...................... والسبع قطعا للتواتر انتما

وقيل إلا هيأة الأداء قيل وخلف اللفظ للقراء

ثم الخلاف في مرتبتين: المرتبة الأولى الثلاث المتممة للعشر وهذه الراجح فيها التواتر إنشاء الله وقد جزم بها الجزري ومع ذلك فقد رأى عدد من أهل العلم عدم تواترها ومنهم الإمام الشاطبي رحمه الله فإنه لم ينظمها في الشاطبية نظم في الشاطبية السبعة فقط ولذلك قال في مقدمتها:

جزى الله بالإحسان عنا أئمة هموا نقلوا القرآن عذبا وسلسلا

فمنهم بدور سبعة قد توسطت سماء العلا والعدل زهرا وكملا

لها شهب عنها استنارت فنورت سواد الدجى حتى تفرق وانجلا

فذكر السبعة ولم يذكر تمام العشرة، ونظم ابن الجزري الثلاثة المتممة للعشرة في الدرة التي تتمها على وزن الشاطبية وجعل لها رموزا كرموز الشاطبية لكن هذه الرموز من حفظها مع الشاطبية التبست عليه لأنه يرمز بنفس الرموز التي رمز بها الشاطبي من قبل للقراء لأن الشاطبي يقول: جعلت أبا جاد على كل قارئ دليلا على المذكور في النظم أولا أو على الترتيب أول أولا فما ذكره مرتب على هذه الحروف فالألف لنافع والباء لورش والجيم لقالون والدال لابن كثير وهكذا حتى يتم الأحرف إلا أن الواو لم يجعلها رمزا لأنها تأتي عاطفة فتخلص منها والرموز الجمعية مثل الثاء التي جعلها رمزا جمعيا ومثل لفظة سماء ومثل لفظة الحرمي ومثل لفظة حصن وبعض الألفاظ التي يجمع بها عددا من القراء على اصطلاحه وقد بينه في المقدمة هذه لا لبس فيها لكن الحروف التي رتب عليها ابن الجزري الدرة هي نفس أبا جاد في بداية الترتيب عند الشاطبي ثم إن ابن الجزري رحمه الله عندما ألف مختصره للتيسير، التيسير كتاب الإمام أبي عمرو الداني ضمنه القراءات السبع فقط أضاف إليه ابن الجزري الثلاثة المكملة للعشر ولخصه في كتابه تحبير التيسير فيضيف القراءات الثلاثة دائما عندما يغفلها الداني يذكرها هو ونظم ذلك في أرجوزته الموسعة التي سماها طيبة النشر وقد ذكر فيها الطرق التي ليست في الشاطبية والدرة ووسعها أراد بها تقريبا استيعاب أشهر ما ذكره في النشر لأن النشر ذكر فيه ألف طريق وطريق واحد وهذه الطرق كلها من طريق أبي داوود سليمان ابن نجيح عن أبي عمرو الداني فلهذا الراجح أن الثلاثة المتممة للعشرة متواترة أما الثلاثة الزائدة على العشرة متممة للثلاثة عشرة فإنما قال بتواترها بعض المشارقة وبعض الأصوليين بعض المشارقة من القراء وبعض الأصوليين والراجح فيها عدم التواتر الراجح فيها أنها ليست متواترة وعليه تندب الإعادة في الوقت لمن صلى بها أما إذا خرج الوقت فلا تندب له الإعادة مراعاة للخلاف لأن بعض أهل العلم يرى أنها متواترة وقد ثبت إسنادها وقد استشكل بعض أهل العلم التواتر في بعض القراءات السبعية نظرا لمخالفته للعربية لأن الضابط الذي ذكره بن الجزري رحمه الله في التواتر هو قوله:

وكل ما وافق وجها نحو وكان للرسم احتمالا يحوي

وصح إسنادا هو القرآن فهذه الثلاثة الأركان

قوله صح إسنادا يقصد به ما تواتر فهذه القيود الثلاثة تقريبا مخرجة لسكتات خلاد على أل القمرية ونحوها فخلاد يسكت سكتات، مثلها سكتات البزي عن ابن كثير هذه السكتات لا تكاد توافق العربية وبالأخص ما كان منها بين المد وسببه فالمد هو حرف المد الذي يمد به الصوت وسببه الهمزة أو السكون فعند خلاد تقف على المد قبل الهمزة تقول: (سيقول السفهاء) بسكت يسير وهذا لا يوافق العربية في الأصل لا يوافق الوجه النحوي لكن مع ذلك يدخل في الخلاف السابق في ما ذكرنا في المسائل التي انفرد بها كل قارئ هل تعتبر شاذة أو متواترة من السبع، وأما ما روي عن الإمام أحمد أنه أنكر تواتر قراءة حمزة وكره القراءة بها في الصلاة فلعلها لم تصل إليه متواترة أو لم تكن متواترة في زمانه ثم تواترت بعد ذلك والتواتر يمكن على التعريف الذي سقناه من قبل أن يتجدد ولعل أحمد رحمه الله إنما أنكر تقعر بعض القراء بها لأن كثيرا من القراء يقع في التقعر ولهذا فإن الذهبي رحمه الله في كتابه الصغير زغل العلم ذكر ملحوظة على القراء هي التقعر وعد الأوجه ومثل لذلك مثلا بأوجه التوسط في مد البدل في: (آلآن وقد عصيت قبل) آلآن في قراءة ورش له في هذه الكلمة اثنا عشر وجه كلمة واحدة فيها اثنا عشر وجها لورش وحده في المدين فأنكر الذهبي هذا وقال هذا من التقعر والتكلف الذي نهي عنه محمد صلى لله عليه وسلم في قوله تعالى: (وما أنا من المتكلفين) ومثل ذلك لعل أحمد أنكر كثرة الإمالات المحضة في قراءة حمزة لأن حمزة اجتمع في قراءته أربع إمالات في كلمة واحدة (كهيعص) إمالتان محضتان وإمالتان بالتقليل كاف ها يا عين صاد أربع إمالات في كلمة واحدة وهذه التي ألغز بها أحد القراء بقوله:

أخبروني عن آية جاء فيها كل حكم قد كان للنونات

وإمالات أربع بمحل قد عزوها لحمزة الزيات



هذا ما يتعلق بالحكم على هذه القراءات، بقي من آداب الذي يدرس القراءات ومن ما ينبغي له أن يراجع ويحضر دائما وأن لا يتكل على حفظه في ما يتعلق باختلاف الأوجه لأن من النادر أن تستوي ذاكرة الإنسان في قراءات متعددة يمكن أن يكون الإنسان حاضر الذاكرة في قراءتين في ثلاث لكن ما زاد على ذلك يصعب عليه استحضاره دائما ومن هنا يحسن به قبل الدرس أن يراجع كتب القراءات في ما يتعلق بالدرس نفسه دائما بهيئة دائمة كذلك من واجباته أن يقرأ بكل وجه ذكره حتى يسمع الطالب ذلك من نطقه هو لأن الأصل في القراءات أنها سنة متبعة وأنها تؤخذ من أفواه الرجال لا من ألفاظ الكتب ولذلك فكثير من الأمور لا تحقق في القراءات إلا عن طريق السماع كالإمالة والإشمام والوقف بالروم والتقليل وغير ذلك من الأوجه التي لا يمكن أن تدرك بمجرد قراءتها مكتوبة فلو قارنا هذا بالمهارات العلمية اليوم المدروسة لطرق التدريس فإنما يسميه أهل طرق التدريس بالقراءة الصامتة ويقصد بها تدبر الكلمات استخراج الكلمات العويصة لشرحها واستنباط الفوائد من النص هذا أيضا فيما يتعلق بالقراءة الناطقة مهارة من مهارات تدريس القراءات وأمر لا بد منه وهذه القراءة مختلف في هيأتها على قولين القول الأول أنها يجوز فيها الجمع والفرق القول الثاني أنها لا بد فيها من الفرق ولا يجوز فيها الجمع والجمع هو أن يقرأ الإنسان آية في الأصل بقراءة واحدة من رواية واحدة ثم يبين من اندرج مع ذلك الراوي في تلك القراءة يبين من اندرج معه وإذا حصل انفراد أو زيادة يتمم القراءات في تلك القراءة ثم يتركها ويذهب إلى ما بعدها وبهذا يكون في الآية الواحدة أو في المقطع الواحد قد جمع القراءات كلها على طريقة الاندراج لأنك في الأصل مثلا تقرأ بقالون ثم يقال لك من اندرج معه فتقول فلان وفلان وفلان إلا في كذا فقد قرأ قالون مثلا ميم الجمع بالتخيير بين الضم والإسكان \"وقالون بتخييره تلا\" وكذلك في ما يتعلق بالإمالة في التوراة فيها وجهان لقالون وكذلك ما يتعلق بالإبدال بالذئب وفي بئر معطلة وفي \"المؤتفكات\" فإذا أردت أن تقرأ به تبين من اندرج معه في الوجه الأول من أوجهه مثلا ثم تأتي بالوجه الثاني وتبين من اندرج معه وكثيرا ما تستوعب القراءات إذا كان المقطع قصيرا بهذا الوجه الثاني هو الفرق هذا القراءة بالجمع هذا ما ذكرناه، الوجه الثاني القراءة بالفرق أو بالإفراد وهو أن تقرأ ختمة لكل قارئ على حدة ولا شك أن هذه أسلم وأقرب لمنهج السلف فيما يتعلق بتعلم القراءات وأيضا فإن الذي يقرأ بالفرق هو الذي يمهر ويتقن خلافا لمن يقرأ بالجمع دائما الماهر هو الذي يقرأ بالفرق بالنسبة للرجوع إلى المراجع الأصلية في هذا العلم فإن مراجعه التي ينبغي حفظها لمن اشتغل بهذا العلم أو يجب حفظها لمن يشتغل بعلم القراءات أهمها متن الشاطبية ولابد أن يتقن الإنسان رموزها ويحفظ هذه الرموز وأن يتقن كذلك إصطلاح كلماتها ففيها كثير من الكلمات الغريبة في اللغة وكثير من الكلمات التي يشق ضبطها فيحتاج الإنسان إلى مراجعة الشروح، وشروح الشاطبية من أعظمها وأهمها كتاب سراج القارئ فهو من أكثرها نفعا من أكثر المطبوع منها نفعا وقد طبع لها ثلاثة شروح لكن أهمها هذا الشرح وطبع معه كذلك كتب نافعة مثل \"غيث النفع\" وغيره مطبوعة على الهامش وكذلك الدرة التي هي تكملة الشاطبية فينبغي للقراء بالعشر أن يحفظها وكذلك طيبة النشر لمن أراد التوسع في هذه القراءات العشر وكذلك نظم ابن بري المسمى \"بالدرر اللوامع في مقرئ الإمام نافع\" وهو نظم نافع جدا كما سماه مؤلفه فهو درر لوامع في الواقع وهذا الكتاب له شروح متعددة أحسنها \"النجوم الطوالع\" وهو مطبوع شرح متوسع جيد وله شروح أخرى وعليه منظومات وإضافات، والذي يبتدئ في علم القراءات ينبغي أن يبدأ به لسهولته ويسره ولأن أول ما يبدأ به في القراءات قراءة نافع فهي أول القراءات دائما عند كل المؤلفين في القراءات جميعا وهو قد أتقنها أتقن روايتي ورش وقالون، ورش من طريق أبي يعقوب الأزرق وقالون من طريق أبي نشيط ثم الكتب التي هي للمطالعة من أيسرها تحبير التيسير وهذا الكتاب ينبغي أن يكون دائما مع كل شخص في حقيبته الخاصة لأنه يحل له إشكالات القراءات بسرعة ويسر وسهولة ليس فيه رموز ولا إشكالات يبين لك القواعد المطلقة ثم يردفها بالفرش ويرتب ذلك على ترتيب المصحف للسور وهو في حجمه لطيف وكذلك لغته واضحة وسهلة ثم بعد هذا النشر وهو بحر لا ساحل له ومشكلته العويصة رداءة الطبعة فقد طبع طبعة واحدة فيها كثير من الأخطاء ومن ليس من أهل القراءات كثيرا ما يلتبس عليه الأمر لأنه يحذف من هذه الطبعة \"لا\" النافية فيقال يجوز عند فلان كذا بدل لا يجوز ونحو هذا فلذلك هذا الكتاب ينبغي فيه الرجوع إلى أهل القراءات ومن كان لديه منه نسخة لابد في الحكم أن يصححها على مراجع أخرى أو على من كان مختصا، وكذلك كتب الإمام الداني فهي أصل هذا العلم كله وهي المرجع عند الاختلاف وأعظمها التيسير وهو أيضا قد طبع طبعة فيها أخطاء فادحة وفيها سقط بين بعض الأحيان تتجاوز ثلاثة أسطر بين سطرين ونحو هذا لكنه متوفر مخطوطا ويحقق الآن وسينشر إنشاء الله وملخصاته كثيرة، الكتب التي هي اختصارات له أو شروح طبع منها عدد.

بهذا نكون قد أتينا على ما كنا نريد قوله فيما يتعلق بعلم القراءات ونضيف إليه علم علوم القرآن وهذا العلم في الواقع هو تجميع لعلوم شتى ليس واحد منها كبيرا وإنما هو علم يجمع علوما متفاوتة، هذه العلوم بعضها راجع إلى اللفظ وبعضها راجع إلى المعنى وبعضها تاريخي أي يرجع إلى تاريخ القرآن، فمما يرجع إلى المعنى منها أسباب النزول وهذا باب من أبواب علوم القرآن لكنه قد أفرد وألف فيه بعض الكتب أشهرها كتاب الواحدي النيسابوري ثم كتاب السيوطي كلاهما مسمى بأسباب النزول وقد اهتم أهل التفسير كثيرا بأسباب النزول لما ذكرنا من قبل بأنها تعين على فهم الآيات، ثم مما يتعلق بالمعنى كذلك مناسبات القرآن مثل مناسبات السور بعضها لبعض ومناسبات الآيات بعضها لبعض ومناسبات الكلمات بعضها لبعض فالقرآن معجز في ترتيبه وتنسيقه ولهذا فالترتيب فيه إعجاز عجيب فقد بدأ بعد الفاتحة، الفاتحة ملخص للقرآن بكامله فكل معاني القرآن مجتمعة في الفاتحة جمعت كل ما تناوله القرآن من معاني سواء كان ذلك في التوحيد والثناء على الله وذكر اليوم الآخر أو كان في الأحكام والعبادات والمعاملات أو كان في ما يتعلق بحاجات بني آدم واحتياطياتهم وما يصلح أمور دينهم ودنياهم فقد بدأت الفاتحة أولا بالثناء على الله وتوحيده وتمجيده (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم) ثم ذكر فيها اليوم الآخر وما اشتمل عليه من البعث وفي ما بعده في قوله: (مالك يوم الدين) ثم بعد ذلك ذكرت العبادات كلها في قوله: (إياك نعبد) وذكرت المعاملات كلها في قوله: (وإياك نستعين) وذكرت كذلك احتياجات بني آدم كلها في الدنيا والآخرة في قوله: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم) وذكرت كذلك القصص وأخبار السالفين وأيام الله وإهلاكه للأمم في قوله: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فجمعت الفاتحة ملخصا شاملا للقرآن كله، كل الموضوعات التي تناولها القرآن موجودة في الفاتحة، بعدها جاءت طوال السور التي تتناول كثيرا من المعاني والأحكام وكلما ذهبت مع القرآن كلما قصرت السور حتى تصل إلى نهايته والتناسب بينها واضح كذلك التناسب في الأحكام وفي الأسلوب اللغوي وفي القصص واضح جدا وكذلك التناسب بين الآيات فترتيب الآيات كذلك معجز وهذا التناسب بعضه راجع إلى الفواصل، والفواصل أيضا علم من علوم القرآن المستقلة والمقصود به رؤوس الآي التي يوقف عليها لأن الفاصلة في القرآن مثل السجعة في السجع ومثل القافية في النظم، فالقرآن نوع من الكلام مستقل ليس مثل السجع ولا مثل النظم ففيه فواصل يقابلها في الشعر القوافي ويقابلها في السجع السجعات، وهذه الفواصل إنما كانت تعرف بوقف النبي صلى الله عليه وسلم وبِعَدِه للآيات فقد كان يعد الآيات لأصحابه كما ثبت أن أبيا سأل ابن مسعود فقال كائن تقرؤون سورة الأحزاب آية فقال ثلاث وسبعين فقال قط أي ما كانت كذا قط، فقد كانت مثل سورة البقرة ثم نسخ منها الكثير وكان مما نسخ منها آية الرجم نسخ لفظها وبقي حكمها، والفواصل قد وضع لها أهل العلم قواعد تعرف بها من أهمها قضية التناسب فإذا كانت الفاصلة على حرف معين إذا وجدت حرف معين يمكن الوقف عليه وقبله فاصلة فيها نفس الحرف وبعده فاصلة فيها نفس الحرف فاعلم أن ذلك رأس آية واعلم أنه فاصلة من فواصل القرآن، ومن هنا فمثلا سورة الإسراء فيها مائتا فاصلة كلها على الألف التي هي حرف مد إلا الآية الأولى منها فالفاصلة فيها على حرف الراء الساكنة فقط الساكنة في الوقف (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) فهذه الراء وحدها هي التي ليس بعدها ألف في فواصل السورة كلها ما بعد ذلك كله بالألف (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدا لبني إسرائيل أن لا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا) وهكذا بالألف كلها إلى نهاية السورة، وفي بعض الأحيان تقع المناسبة بين الأحرف التي تقع عليها الفواصل من جهة تشابهها في المخرج أو من جهة تشابهها في الصفة كالنون والميم ونحو ذلك وهذا كثير في القرآن، والفواصل أيضا قد أفردت بالتأليف وأهم المؤلفات المفردة في علم الفواصل \"ناظمة الزهر\" وهي قصيدة للإمام لشاطبي وهي مشروحة مطبوعة وألف فيها عدد من الأئمة بعد الشاطبي فزادوا زيادات على الشاطبي في مواضع الخلاف لأن العد متباين باختلاف القراءات، عد الآي مختلف باختلاف القراءات فقد ذكرنا من قبل أن لأهل المدينة عدين: العد المدني الأول وهو العد الذي يوافق قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع والعد المدني الثاني وهو العد الذي يوافق قراءة نافع، والعد المكي واحد وهو موافق لقراءة ابن كثير والعد الكوفي واحد وهو موافق للقراءات الكوفية الثلاثة، والعد البصري واحد، والعد الشامي واحد فهذه أعداد للآيات وهي متباينة بحسب الاعتبارات فمثلا الفاتحة في العد المكي: (بسم الله الرحمن الرحيم) آية منها و (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) آية واحدة إذ صرح بأنها سبع آيات فإذا عددت البسملة آية منها فلا بد أن تجعل آخرها آية واحدة حتى يتم العدد، ومثل ذلك الفواتح فواتح السور في بعض القراءات تعد آية مستقلة فيقال (الم) آية (المص) آية (الر) آية (المر) آية وهكذا (ق) آية (ن) آية وبعضهم يصلها بما بعدها فيعد ذلك آية واحدة ومن هنا اختلفوا في سورة البقرة على ثلاثة أقوال في عد آياتها فالمشهور أنها مائتان وستة وثمانون آية وبعضهم يجعلها خمس وثمانين آية وبعضهم يجعلها مائتين وأربعة وثمانون آية على هذه الاعتبارات السابقة ولذلك فالعد عد آي القرآن كله على العد الكوفي ستة آلاف ومائتان وأربع وثلاثون آية، وعلى العد المدني الثاني وهو قراءة نافع ستة آلاف ومائتان وأربعة عشرة آية على هذا الخلاف الذي سبق، وقد بينا عناية الناس بالعد في هذا حتى عد النقاط ذكرنا أن النقاط التي وضعها أبو الأسود في القرآن مليون وخمسة وعشرين ألف وستة وثلاثين نقطة في القرآن كله وقد اعتنوا بعد الحروف التي اختف فيها القراء كذلك فالقراء اختلفوا في إثبات الحروف كما ذكرنا في (مالك يوم الدين) و (ملك يوم الدين) و (يخادعون) و (يخدعون) المد المتصل بميم الجمع في قوله (صراط الذين أنعمت عليهِم) (عليهُم) (عليهِمِ) (عليهُمُ) وهكذا فهذا المد حرف فإذا عددته ازداد عدد الحروف ومن هنا اختلفوا في تجزئة القرآن الخلاف المشهور فيما يتعلق بالتحزيب والتثمين والتربيع وغير ذلك كله راجع إلى عد الحروف باختلاف القراءات فتجدون بعض الأجزاء مختلفة في بدأها فمثلا الحزب الأول من القرآن مختلف في نهايته هل بداية الحزب الثاني قوله تعالى: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) أو قوله تعالى: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) محل خلاف تجدونه في المصاحف ومثل ذلك قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) مختلف هل هذا بداية الحزب أو قوله: (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل) بجعل الآيتين تبعا للحزب السابق محل خلاف وهكذا في كل القرآن ونظير هذا في انتصاف القرآن وتربيعه أي أربعاه فالنصف مختلف فيه هل ينتهي عند (وليتلطف) عند هذه الكلمة نصف الحروف قيل ينتهي عند لام (وليتلطف) وقيل عند الفاء منها وأغرب بعض الناس فجعله ينتهي في سورة الحج لأن الكلمات هي التي تنقسم في سورة الحج فذهب بضهم إلى أن الحروف أيضا تنقسم في سورة الحج عند قوله تعالى: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) قال أحد مشايخنا:

والبدن بين لامها والألف تناصفت حروف هذا المصحف

هذا اسمه محمد أحيد له ثلاثة وسبعون نظما في علوم القرآن كلها ما ترك علما من علوم القرآن إلا ونظم فيه نظما، والذي يبدو لي أن الجزم بأن (والبدن) هي التي حصل التناصف بين حروفها أن هذا غلط لأن الذي ينتصف في الحج الكلمات لا الحروف، الحروف لا خلاف في ما أعلم أنها تنتصف في سورة الكهف هي نصف القرآن الحقيقي الواقع في سورة الكهف، ولذلك فإن المصاحف أعدلت إلى نهاية سورة الكهف وجعلت الانتصاف عند بداية سورة مريم وكذلك الأرباع الربع الأول عند نهاية الأنعام على الراجح وبعده النصف عند سورة الكهف ثم الربع الآخر نهايته عند نهاية سورة فاطر بداية ياسين وقيل عند نهاية سورة الصافات وبداية ص على خلاف هذا الخلاف فقط في سورتين في سورة ياسين وسورة الصافات هل هما من الربع الثالث أو من الربع الرابع ولا خلاف أن سورة ص من الربع الرابع، أما التسبيع فليس راجعا إلى هذا لأن التسبيع إنما هو راجع إلى أوراد الناس في ما يقرؤونه يوميا من القرآن، فقد روي عن بعض الصحابة هذا التسبيع على التجزئة المعروفة للسور بالأسباع، وطبعا هذه الأسباع غير متفقة من ناحية العدد بعضها أطول من بعض ولذلك ليس راجع إلى عدد الحروف ولا عدد الكلمات التسبيع خارج عما نحن فيه نتكلم هنا عن ما يتعلق بالتربيع والتثمين والتحزيب ونحو ذلك، كذلك مما يتعلق بالألفاظ من علوم القرآن ما يتعلق بغريب القرآن وهو علم مستقل وقد ألف فيه عدد من المؤلفات وأول معجم ألف في الإسلام هو معجم الراغب الأصبهاني الذي سماه المفردات أي مفردات القرآن رتبه على الترتيب المعجمي ويمكن أن يكون بذلك تأثر بأهل الحديث فتابع البخاري وهو أول من ألف على المعاجم أول من ألف على ترتيب المعجم في كتابه التاريخ الذي حين عرضه على إسحاق ابن راهويه قال ما هذا إلا السحر إن فيه ترتيبا ما كان العرب يعرفونه، رتب الأسماء ترتيبا حاصرا على الحروف هو أول من عمل ذلك وبعده تتابعت المعاجم، وأول من ألف معجما في اللغة على هذه الطريقة هو الراغب الأصبهاني وكتابه في مفردات القرآن وهو مشهور مطبوع عدة طبعات، كذلك ألف الإمام مكي بن أبي طالب \"غريب القرآن\" وألف أبو عبيد القاسم بن السلام كتابه \"غريب القرآن\" وألف أبو عبيدة معمر بن المثنى كتاب \"الغريبين\" غريب القرآن وغريب الحديث، وألف الشافعي رحمه الله كذلك \"غريب القرآن\" وعدد كبير من أهل العلم ألفوا في هذا الباب مثل ابن هلال العسكري وغيره ولا شك أن الغرابة متفاوتة ولهذا فالغريب في زماننا هذا يدخل فيه كثير من الكلمات التي لم تكن غريبة لدى السلف لأننا ابتعدنا عن العربية وكلما ابتعدنا ازداد عدد الغريب، كثير من الألفاظ لم تكن غريبة في الزمان الأول وأصبحت غريبة اليوم لندرة استعمالها في كلام الناس المعتاد لأن الناس لا يتكلمون في ما بينهم في العادة بالعربية الفصحى فلذلك يصبح كثير من ألفاظها غريبا في التداول، وعلم الغريب من أهم علوم القرآن لأن به فهم كثير من الألفاظ التي هي وعاء المعاني هي مندرجة فيها ومن لم يكن من أهل الغريب قال أهل العلم لا يحل له التفسير أصلا لأنه سيقدم على القول في الكتاب بغير علم وهذا الذي امتنع منه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولذلك نجد اليوم بعض الذين تجاسروا على دروس التفسير يفسر سورة يوسف فلما بلغ قول الله تعالى: (أرسل معنا أخانا نكتل) قال نكتل اسم أخي يوسف فهذا النوع من الجهل بمفردات القرآن يؤدي إلى القول على الله بغير علم، كذلك من علوم القرآن المتعلقة بالألفاظ ما يتعلق بالتناسب كما ذكرنا ذكرنا التناسب بين السور والتناسب بين الآيات وكذلك التناسب بين الكلمات ونوع آخر من أنواع التناسب وهذا التناسب بين الكلمات معجز وله كثير من الأمثلة في القرآن مثل قول الله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) فجاء ترتيبها ترتيبا لفظيا عجيبا في ما يتعلق بالتشابه بين الحروف في المخارج والصفات قوله: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) فهذا يشترك في الميم التي بدأ بها وتوسطته فالكلمات الأربعة كلها مبدوءة بالميم وتوسطت الميم فيها (المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) كذلك قوله: (والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات) تجتمع في القاف كذلك فالقاف في الكلمات الأربع (والخاشعين والخاشعات) كذلك مع (الصادقين والصادقات) فالدال والشين مخرجهما واحد من شجر الفم فيشتركان في ذلك وكذلك قوله: (والمتصدقين والمتصدقات) فالدال كذلك فيها مناسبة للشين التي قبلها (الخاشعين والخاشعات) و (الصائمين والصائمات) مناسبة ل (المتصدقين والمتصدقات) بالاشتراك في الصاد كذلك و (الحافظين فروجهم والحافظات) فالاستعلاء الذي في الصاد كذلك نظيره في الظاء (الحافظين فروجهم والحافظات) و (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) فالذال أيضا والظاء صفتهما مشتركة فكان هذا تناسبا عجيبا وفيه تدرج أيضا من ناحية المعنى لكن نحن نقصد هنا من ناحية اللفظ، ومثل ذلك من ناحية اللفظ في التناسب قول الله تعالى: (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) فقد اجتمع في هذه الآية أنواع الفعل المضارع كلها الفعل المضارع المجزوم بالسكون والمجزوم بالحذف والمعل والمجزوم بحذف النون كلها مجتمعة في هذه الآية والتناسب في ذلك واضح، وكذلك اجتماع أحكام النون وأحكام الميم في آية واحدة وهي الآية السادسة من سورة الأنعام قوله تعالى: (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين) هذه آية واحدة جمعت جميع أحكام النون والتنوين وجميع أحكام الميم كذلك كلها اجتمعت في آية واحدة من كتاب الله وهي التي سبق الإلغاز بها في البيت السابق:

خبروني عن آية جاء فيها كل حكم قد كان للنونات

واللغز قاصر لأنه لم يذكر الميمات كذلك فالآية فيها أحكام النونات وأحكام الميمات كلها فيها الإدغام الخالص والإدغام بالغنة والإخفاء والإقلاب والإظهار كلها مجتمعة في ما يتعلق بالنون وفيها كذلك فيما يتعلق بالميم الإدغام الشفوي والفك والإخفاء كلها مجتمعة، كذلك من الأحكام المتعلقة بالتاريخ من علوم القرآن أو مما يتعلق بالتاريخ من علوم القرآن المكي والمدني والشتوي والصيفي فهذا راجع إلى التاريخ وبه يعرف الترتب فيما يتعلق بالنسخ والتقييد والإطلاق فليست معرفة التاريخ شرطا في النسخ فقط كما يتوهمه من درس التفسير أو درس الأصول بل إذا عرفنا المتأخر عرفنا كيف جاء التدرج في تشريع الأحكام مثل قول الله تعالى: (تتخذون منه سكرا) هذه أول ما نزل فيه ذكر الخمر امتن الله بها على أنها من الرزق لكنه أفردها على الرزق الحسن فجعلها ليست رزقا حسنا لأنه عطف عليها قوله (ورزقا حسنا) والعطف يقتضي المغايرة فدل هذا على أن الخمر وإن كان رزقا ليس رزقا حسنا ثم جاء بعدها (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فحرمت الخمر في وقت الصلاة فقط ثم بعد ذلك أرشد إلى تركها وبينت مضارها دون أن يجزم في ذلك كقوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)، ثم جاء التحريم البات في قوله تعالى: (إن ما يريد الشيطان ليوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) فحرمها تحريما جازما وهذا أبلغ في التحريم من ما لو قال فانتهوا انه قال (فهل أنتم منتهون) تهديدا ولذلك يقال إن عيينة ابن حصن شرب الخمر فقيل له ألم يحرمها الله فقال لا إنما قال (فهل أنتم منتهون) وسكت وسكتنا فما قلنا نعم ولا قلنا لا، ولكنه أسلم بعد ذلك يعتبر من الصحابة لأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ثم رجع للإسلام بعد ردته.