المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (01)التزكية-معناها



أهــل الحـديث
19-07-2014, 02:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




معنى التزكية في اللغة: مأخوذ من الزكاء، ويطلق على النماء، والطهارة، والشيء الطيب، والصلاح، ويقال للرجل التقي: زكي، وللقوم الأتقياء: أزكياء، والزكاة الطهارة، يقال: زكى ماله، أي طهره بإخراج زكاته منه. راجع لسان العرب وغيره من القواميس.

وهي في الشرع: تطهير الإنسان نفسه وقلبه: من الشركيات والعقائد الباطلة، والأعمال الفاسدة، والأخلاق السيئة، بالإيمان الصادق، والأعمال الصالحة، والأخلاق الحسنة التي تقربه إلى الله تعالى، وتجعله مؤديا لما أمره به ونهاه عنه، ليلقاه طاهرا نقيا، يدخله في جنته التي لا يعلم إلا الله ما أعده فيها لعباده المؤمنين المتطهرين: كما روى سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه عنه، عن الرسول عليه الصلاة والسلام، قَال: شَهِدْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مجْلِساً وَصفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَال في آخِرِ حدِيثِهِ: (فِيهَا ما لاَ عيْنٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سمِعَتْ، ولاَ خَطَر عَلى قَلْبِ بشَرٍ) ثُمَّ قَرأَ {تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضَاجِعِ} إِلى قَوْلِهِ تَعالَى: {فَلاَ تعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْينٍ}. [البخاري]

وسميت تزكية، لأنها تزكي النفس وتنمي الإيمان وما يترتب عليه من طاعات الله ورسوله، وتطهر القلوب من معاصيها، كالحسد والحقد والبغضاء، وتطهر الأعضاء من ارتكاب الفواحش والمنكرات.

والأصل في الإنسان أن الله تعالى خلقه على فطرته سليما من كل شوائب الشرك والمعاصي ومسببات الآثام، ولا يخرجه عن تلك الفطرة، إلا من يفسدها بحرفه عنها إلى ما يكدرها،

كما في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء). ثم يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}. [البخاري ومسلم]

وقد بدأ الشيطان الرجيم، بمحاولة إفساد فطرة أبي البشر "آدم" وأمهم "حواء" فأغواهما بالأكل من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عنها، وحذرهما من وسوسة عدوهما لهما وإغوائه، ولكنهما رجعا إلى ربهما، وتابا من معصيتهما، فكانت توبتهما تزكية لهما وتطهيرا، نجاهما الله تعالى بهما من مصير عدوهما، الذي استمر في عصيانه، فكان جزاؤه اللعنة والطرد من رحمته في الدنيا وجزاءه المضاعف في نار جهنم، وكان جزاء آدم وحواء أن تاب الله عليهما، وآواهما إليه في الدنيا وفي دار نعيمه في الآخرة.

لذلك أنعم الله تعالى على ذرية آدم عليه السلام، في كل أجيالهم، بهداه الذي أنزله مع ملائكته في كتبه، إلى رسله، ليهدوهم به إلى صراطه المستقيم، فمن اتبع هداه وآمن به وصدق رسله، آواه إليه وهداه ووفقه لسلوك ذلك الصراط، ونجاه من الضلال عنه في الدنيا، ومن الشقاء والعذاب في الآخرة، وأسكنه جنته خالدا مخلدا فيها، ومن عصاه منهم فكفر به، استحق من الله التخليد في نار جهنم يوم القيامة، والشقاء والضيق في الدنيا، فلا يعيش عيشة راضية مطمئنة، مهما أوتي من الغنى والملك، كما قال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)} [البقرة] وقال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} الآية [طه]

فما هي القواعد الشرعية التي ينطلق منها المؤمن لتزكية نفسه وقلبه؟

اعلم أولا: أن أساس مصادر التزكية كلها، هو الإيمان بالغيب بأركانه الستة المذكورة في حديث جبريل، وفروعه المفصلة في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، هو الإيمان الصادق الذي أشارت إليه آية الحجرات، وآيات كثيرة في القرآن الكريم، والسنة النبوية، الإيمان الذي يؤهل صاحبه للانطلاق منه إلى قواعد التزكيةالتي شرعها الله تعالى له، وليس الإيمان الذي يدعيه صاحبه بلسانه، من أجل مصالح يجلبها لنفسه به، وهو في باطنه أشد كفرا من الكفار الظاهرين، كما حصل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يزال يحصل إلى اليوم، وهو الذي بينه الله تعالى بيانا لا لبس فيه، كما في قوله عز وجل: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} [المنافقون]

وليس هو الإيمان الضعيف الذي لا يخلو صاحبه من شعبة أوشعب من النفاق، العملي، من الكذب في الحديث، والخلف في الوعد، والغدر في العهد، والفجور في الخصومة، وهو ما يسميه العلماء بالنفاق العملي، لأن هذه الخلال ناشئة من قلب مريض، قد ينحرف صاحبها إلى نفاق اعتقادي إذا أصر عليها ودام.

وقد فصلت آيات القرآن الكريم، وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام صفاتهم، فليس الإيمان هو إيمانهم المدعى الذي يخلو مما أراده الله في كتابه، ولقد أرشد الله بعض المسلمين الضعيفي الإيمان في عهد نزول الوحي، عندما ادعوا الإيمان قبل أن يتمكن في قلوبهم تمكنا يستحقون به صفة الإيمان الحق، أن يقولوا: "أسلمنا" ولا يقولوا: آمنا، لأن الإسلام في هذه الحالة هو إظهار الاستسلام الذي لا يخفى على الناس، مثل: قول لا إله الله، وفعل بعض الشعائر التعبدية، ولا تظهر للناس حقيقته، لأنه في القلب لا يعلمه إلا الله، وبين لهم حقيقة الإيمان وعلامته، وهو أولا اليقين الراسخ في القلب، الذي لا يعتريه شك ولا ريب، ثم بذل الأنفس والأموال وكل ما يملكه المؤمن في حياته، في سبيل الله.

فقال تعالى: {قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15)} [الحجرات]

أصحاب هذا الإيمان الراسخ، هم الذين يجاهدون في الله حق جهاده، لتزكية قلوبهم وأنفسهم بطاعة الله ورسوله، وهم الذين يحققون هذه التزكية وهذا التطهير، وضعفاء الإيمان إذا عزموا عزما صادقا، وسألوا الله تعالى، أن يوفقهم ويعينهم على تزكية أنفسهم، فإن الله عز وجل يوفقهم، إذا علم منهم الصدق والعزم المصمم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)} [الأنفال]