المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أن كل من تصدى للنظر في صحيح المذاهب وسقيمها، ومعوج الأقوال ومستقيمها، فلا غنى له عن الاحتراز عن خمس آفات.. ابن الوزير



أهــل الحـديث
19-07-2014, 01:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه فائد من كلام ابن الوزير من كتابه القواعد أحببت أن أنقلها لكم:

بسم الله الرحمن الرحيم


ولما كان لكل مركب موادً وأوائل، ولكل مقال قواعد ودلائل، بمعرفتها يتبين خطاؤها من صوابها، ويتميز شرابُها من سرابها، قصدت إيضاح ما أنكره بعض الأصحاب، بذكر بعض من القواعد والأسباب، التي أوجبت مخالفة أهل الزمان، ودعت إلى ملازمة السنة والقرآن، والأدلة والبرهان، مع البقاء على مذاهب الجلة من أئمة الملة وتراجمة الأدلة رضي الله عنهم وأرضاهم، وجلعنا من المهتدين بهداهم.
وقد رأيت أن أقتصر من ذلك على إيراد هذه القواعد،[ب/1/م] وأرجو إن شاء الله أن تتم بها الفوائد، إذ لا يتسع وقتي ولا كتابي، لاستيفاء ما قطعت في [معرفته] شبابي، وقصرت عليه طلبي واكتسابي.
مقدمة أشحذ بها ذهن الناظر في هذه القواعد، وأعدل بها مزاج الواقف على هذه الفوائد.
أعلم أيها الناظر في هذا الكتاب، [أن كل من] تصدى للنظر في صحيح المذاهب وسقيمها، ومعوج الأقوال ومستقيمها، فلا غنى له عن الاحتراز عن خمس آفات، لا يعرف مع أحدها شيئا من الأدلة البينات و[في] الحجج الواضحات، فمن أراد الانتقاء والانتقاد فليحترز منها أعظم الاحتراز:
*الآفة الأولى:
انتقاصه لمن وضع له ذلك الكلام واعتقاده أنَّه لا يمكن أن يختص بمعرفة الصواب، وهذه الآفة لا تمكن من قلوب العارفين، ولا تستقر في [صدور/ قلوب] أهل الدين، وإنما تختص بقلوب أهل الحسد أو بقلوب العامَّة،لأن العارفين يعرفون الرجال بالحق ولا يعرفون الحق بالرجال، كما روي عن أمير المؤمنين، وقالت الحكماء: لا تنظر إلى من قال، و[لكن] انظر إلى ما قال، [أ/2/ب] وأمَّا أهل التقوى فقد شغلتهم عيوبهم عن عيوب الناس، وأنساهم احتقارهم لأنفسهم عن [الاحتقار] للغير والانتقاص، ولقد شرع اللّه الإنصاف للعالمين، فقال في حق من يعلم عدمه للبراهين: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} وفي حق من يعلم أنَّه من [الظالمين/ الضالين] {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}. فكل من لم يستعمل الإنصاف في علمه، ويرزق الاعتدال في طبعه، فقد حرم الحكمة التي من أؤتيها فقد أؤتي خيراً كثيراً، وحرم الدعاء إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة.
الآفة الثانية: اعتقاد الناظر القصور[في] نفسه، ومجاوزته للحد في استصغار قدره، بحيث إذا سمع البرهان الصَّحيح [الذي] يقضي به عقله، ويضطر إلى معرفته قلبُه، جوز [أنَّه/ إنَّما] استحسنه لقلة علمه وضعف فهمه، واعتقد أنَّه لو كان إمامه المقلَّد حياً لأجابه، وهذا خلل عظيم يختص بالمقلدين، ولو تدبروا لعرفوا أن عقولهم لو كانت قد انتهت في عدم التمييز إلى هذه الغاية، لسقط [عليهم/ عنهم] التكليف، ولم يجب عليهم اجتهاد ولا تقليد، و[إلا] فما أمن هذا المقلد أنَّه [لقلة] علمه وضعف فهمه، اختار مذهب إمامه، وحكم بفضله، فإن كان قد وثق بحسن اختياره هنالك فما باله لا يثق بمثله هنا، وإن كان قد شك فيما يقبله عقله هنا فما باله لا يشك فيما [يقبله][عقله] هناك، ومن تمكن منه هذا الخلل وأصرّ عليه فقد سدّ طريق العلم على نفسه، واتجه ترك مناظرته على خصمه، واعلم أن المقلد لو أنصف لعرف أن استعظامه لإمامه لا يمنعه من مخالفته، كما أن استعظامه لإمام غيره [لا/ لم] يمنعه من مخالفته.
الآفة الثالثة: أن يتقرر عنده ضعفٌ في بعض مسائل ذلك الكتاب، فيثور من ذلك سوء ظن بصاحبه، ويتهم الناظر فيه العصبية في صاحب [ذلك] الكلام الضعيف، [أ/2/م] فينفر عن بقية كلامه، وهذه آفة يُحرَم صاحبها بسببها معرفة خير كثير وعلم غزير، فإنك [قلّ ما] تجد [كتاباً أو كلاماً] لا يستضعف بعض ما فيه، ولهذا قال الله سبحانه في الكتاب العزيز: {ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} وهذه الآية تدل على أن البشر كلهم لا يكادون يسلمون من الخطأ والمناقضة، إلا من عصمه الله، وإنما يكون المُحِق منهم قليل الخطأ لا [معدُومه/ عديمه]، وقريب [عزيز] الغلط لا بعيده، ولهذا قيل في كل كلام خطأ وصواب، [وجميعَ] كل كمام قشر ولباب،ولا يستبعد أن يكون الحق مع الباطل في [كلام] كتاب واحد، فإن معدن الذهب الرغام،والدواء النافع قد يستخرج من الحيَّة القاتلة.
الآفة الرابعة: أن يعرض لك [سؤالاً]أوتسمعه من غيرك يقدح في الكلام الذي تنظر فيه، وهذه من أعظم الآفات، لاحتياجها إلى الاعتدال والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، فإنك [إذا/ إن] اعتقدت بطلان ذلك [السؤال] [بمجرد] حسن الظن بمن ورد ذلك السؤال عليه، [ب/2/ب] كنت قد أفرطت في جَنبةِ القبول، وإن اعتقدت صحته ببادي الرأي من غير تحقيق، كنت مفرطا في جنبة الرد، فيحتاج من صاحب هذه الآفة إلى أن يكون منطقي الذهن أو منطقي الفن، [ولا/لا] والله ما يغني الفن المنطقي مع الخلو عن المنطق الذهني، الذي هو عبارة عن اعتدال المزاج، وصفاء الذهن، وصحة الفهم، وكمال الإنصاف، [والخلوص/ الخوض] [الخالي] عن شائبة الهوى والعصبية، فإن هذه الأوصاف الحميدة، هي أبواب العلم وأسباب الخير.
الآفة الخامسة: القطع بصحة ما ينظر فيه أو بفساده ولا خلاف أن من قَطَعَ بصحة أمرٍ أو فساده لم يمكنه النظر فيه، وأصل هذه الآفة أن يكون قد رسخ في نفسك بطلان أمرٍ أو قبحه، وأنت لم تحط خبراً بمعرفة أدلة من [تـعتقد/ يعتقد] صحته [أو/ و]حسنه، فحين تراه في الكتاب مصححاً محسناً، وهو عندك ظاهر البطلان واضح القبح لا [تغر] كما هو عادة البشر. قال الخضر لموسى صلوات اللّه عليهما [وسلم]: {إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً} و[هو] فيما قص الله من [خبرهما/ أمرهما] عبره لأولي الألباب، وتبصرةً للعارفين بآداب الكتاب.
هذا وأوصيك أيها الناظر بكثرة الدعاء إلى اللّه تعالى، والالتجاء إليه في الأوقات الفاضلة، من الأسحار وأدبار الصلوات، وعند رقة القلب أن يفتح عليك أبواب الفهم، ويهديك إلى مناهج الحق، ثُمَّ بكثر[ة] مراجعة العلماء الفضلاء أهل التواضع والإنصاف دون غيرهم، ثُمَّ بتكرار النظر [في] الفينة بعد الفينة، وإياك إذا عميت عليك مسالك الفهم أن تضرب عن النظر صفحاً، فإن الفهم يصفو بعد [التكدر/الكدر]، وينشط بعد السائمة، فمتى [أحسيت/أحسست] فهمك قد كل، [وجدك/ وجده] قد [فل /أفتل]، فلا تعاود النظر في المسئلة وأرح خاطرك وفرح قلبك حتى تجد النشاط قد عاد [عليك /إليك]، والفهم قد [ثاب /تاب] إليك، وإياك أن تضجر متى قطعت بصحة أمرٍ، ثُمَّ بان لك فساده فلن يصيب الرامي حتى يخطئ، ولن يحكم الفارس حتى يصرع، فاسمع هذه النصائح، وأطعمها وأحفظها ولا تضعها.
وإذ قد تم الكلام في المقدمة فلنشرع في [سياقة] القواعد مستعيناً[نستعين] بالله تعالى ونعم المعين.