المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (012)أثر فقه عظمة الله في الخشوع له - عظم رحمته بإنزال كتبه وإرسال رسله.



أهــل الحـديث
17-07-2014, 02:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



وإن أعظم رحمة منحها الله تعالى البشر في الدنيا، وفي الآخرة لمن قَبِلَها واهتدى بها، وحيه الذي أنزله لهداية عباده، ورسله الذين كلفهم تبليغهم، وآخر ما أنزله من الوحي وأكمله القرآن الكريم، وآخر الرسل وخاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً...(3)}.[المائدة] وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، مرفوعا، قال: (وأنا خاتم النبيين). [متفق عليه.]

قال تعالى مبيناً أن وحيه رحمة لمن آمن به: {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(203)}. [الأعراف]

ورسوله رحمة بأمته:

فرسالته تعالى رحمة كوحيه لكل من اهتدى بهما، وإنما خصَّ المؤمنين بكونه رحمةً لهم لانتفاعهم به، بخلاف الكافرين، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام، شديد العطف والرحمة والرأفة بأمته، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)}.[الأنبياء]

وكان عليه الصلاة والسلام، لشدة حرصه على إيمان الناس كلهم بما جاء به من عند ربه، وشفقته عليهم، يحزن حزناً شديداً على عدم استجابتهم، خوفاً عليهم من سوء عاقبتهم عند ربهم، ولهذا كان الله تعالى يسليه بما ينزل عليه من آياته، مثل قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ(33)}. [الأنعام] وقال تعالى: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)}. [النمل] وقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً(6)}.[الكهف]

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية الكهف هذه: {بِهَذَا الْحَدِيثِ} يعني القرآن {أَسَفاً} يقول: لا تهلك نفسك أسفاً.... أي لا تأسف عليهم, بل أبلغهم رسالة الله, فمن اهتدى فلنفسه, ومن ضلَّ فإنما يضل عليها, ولا تذهب نفسك عليهم حسرات".
وكان يحزنه عليه الصلاة والسلام، ويعظم عليه ما يصيب أمته المؤمنة من مشقة وعنت، كما قال تعالى عنه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)}.[التوبة]

وتأمَّل شدة رحمته عليه الصلاة والسلام ورأفته، على أمته، المثل الذي اتضمنه حديث جابرٍ رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام: (مثَلِي ومثَلُكُمْ كَمَثَل رجُلٍ أَوْقَدَ نَاراً فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَراشُ يَقَعْنَ فيهَا وهُوَ يذُبُّهُنَّ عَنهَا، وأَنَا آخذٌ بحُجَزِكُمْ عَنِ النارِ، وأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ منْ يَدِي). [رواه مسلم]

رحماء بينهم:

والمؤمنون الصادقون يهتدون بهدي رسولهم عليه الصلاة والسلام ، ويقتدون به، فتمتلئ قلوب بعضهم لبعض رحمة وشفقة، كما قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...(29)}.[الفتح]

وقد ضرب رسول الله عليه الصلاة والسلام لهم مثلا، في قوة تراحمهم فيما بينهم، في حديث النُّعْمَانِ بنِ بشِيرٍ رضي الله عنـما قال: قال رسولُ اللَّه عليه الصلاة والسلام: (مثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعَى لهُ سائِرُ الْجسدِ بالسهَرِ والْحُمَّى). [صحيح البخاري (1/101) وصحيح مسلم (16/119).] وهذا المثل يدل على بعد القساة على إخوانهم المؤمنين عن صدق الإيمان.

إنكار الرسول عليه الصلاة والسلام، على فقدت قلوبهم الرحمة:

ولقد أنكر الرسول عليه الصلاة والسلام، على من فقدوا الرحمة من الأعراب الذين يأنفون عن تقبيل صبيانهم وذمَّهم على ذلك، كما روت عائشةَ رضي الله عنهـا قالت: "قدِم ناسٌ مِن الأَعْرابِ عَلَى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقالوا: "أَتُقبِّلونَ صِبيْانَكُمْ؟" فقال: (نَعَمْ) قالوا: "لَكِنَّا واللَّه ما نُقَبِّلُ" فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أَوَ أَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّه نَزعَ مِنْ قُلُوبِكُمْ الرَّحمَةَ؟). [البخاري في كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله، رقم5652 ومسلم (15/64).]
وفي حديث جرير بن عبد اللَّه رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام: (مَنْ لا يرْحَم النَّاس لا يرْحمْهُ اللَّه). [متفق عليه وهو صحيح مسلم (15/65).]

تُرى هل يليق بعاقل من البشر عَلِمَ عظمة الله في رحمته الشاملة لخلقه كلهم في الدنيا ولعباده المؤمنين في الآخرة، وآثار تلك الصفة في تراحم خلقه فيما بينهم، هل يليق بمخلوق من العقلاء، ولا سيما من آمن بالله وباليوم الآخر، أن يفقد قلبه الرهبة من ربه وخشيته والإخبات والخشوع له؟!