المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبهات حول البدعة



أهــل الحـديث
16-07-2014, 11:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


قال ابن القيم في مدارج السالكين « مَا أَمَرَ اللَّهُ بِأَمْرٍ إِلَّا وَلِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَزْعَتَانِ إِمَّا إِلَى تَفْرِيطٍ وَإِضَاعَةٍ، وَإِمَّا إِلَى إِفْرَاطٍ وَغُلُوٍّ. وَدِينُ اللَّهِ وَسَطٌ بَيْنَ الْجَافِي عَنْهُ وَالْغَالِي فِيهِ، كَالْوَادِي بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَالْهُدَى بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ وَالْوَسَطِ بَيْنَ طَرَفَيْنِ ذَمِيمَيْنِ فَكَمَا أَنَّ الْجَافِيَ عَنِ الْأَمْرِ مُضَيِّعٌ لَهُ، فَالْغَالِي فِيهِ مُضَيِّعٌ لَهُ هَذَا بِتَقْصِيرِهِ عَنِ الْحَدِّ وَهَذَا بِتَجَاوُزِهِ الْحَدَّ » ، كذلك في التعامل مع البدع انحرف الناس إمّا إلى تفرط وإضاعة وإمّا إلى إفراط وغلوّ نسأل الله لنا ولكم اليللامة والعافية .
1. المتهاونون مع البدعة : ذهب المفرّطون في اتّباع نبينا صلّى الله عليه وسلّم إلى إعمال جمع نصوص الرحمة والشفاعة من جهة ثمّ إلى حسن النية من جهة ثانية، فأمّا الجهة الأولى فمنها نستمدّ خلق الرجاء الذي هو بمثابة أحد جناحي الطائر للسائر إلى الله عزّ وجلّ فالرجاء هو ما يمنع المؤمن من الوقوع ضحية اليأس من رحمة الله وبذل العمل إلى آخر رمق، لكنّ الرجاء لا ينقذ صاحبه إلّا متى اقترن بالخوف من الله عزّ وجلّ قال ابن القيم رحمه الله "القلب في سيره إلى الله عزّ وجلّ بمنزلة الطائر فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه؛ فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر"، فالرجاء لا بد له من العمل الذي تدفع نحوه المحبة والخوف وهذا حال المؤمن الصادق كما قال الله عزّ وجلّ في سورة المؤمنون ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾. أما من جهة النيّة الحسنة فنقول أنّ هذه خصلة كلٌّ يدّعيها ولا ينقص من شأن النية أحد فهي معيار قبول العمل وحصول الأجر ولو كان الانسان صادقا في نيته لحصل له أجر ما حبس عنه العمل كما دلّ على ذلك حديث الأربعة نفر وحديث طالب الشهادة على فراشه وغيرهم. لكنّ حسن النيّة إذا صاحب عملا سيّئا لا يعفي صاحبه من تبعاته إذا ما أضرت بأولى الكماليات الخمس وهي الدين فمن أضاف إلى الدين ما ليس فيه ضلّ وأضلّ لذلك قال بن مسعود لمن كانوا يسبّحون مئة وبرروا ذلك بقولهم "والله يا أبا عبدَ الرَّحمنِ ما أردْنا إلا الخيرَ" قال "وكم من مُريدٍ للخيرِ لن يُصيبَه" وأسوق لكم أمثلة لهذه الفئة من سنّة النبي صلّى الله عليه وسلّم : الأول في صحيح البخاري عن أَنَسٍ بْنَ مَالِكٍ  قال : "جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا" فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم إِلَيْهِمْ فَقَالَ «أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» والمثال الثاني : في صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا "أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ وَلاَ يَسْتَظِلَّ وَلاَ يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ" فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» فهؤلاء لم تشفع لهم نياتهم الحسنة في تعمد مخالفة هديه صلّى الله عليه وسلّم
2. المتشددون في البدعة : ومنهم الغالون المبالغون في التبديع فقد ذهبوا إلى من جهة أولى إعمال قاعدة "الأصل في العبادات المنع" في غير موضعها بحيث عمّموها لتشمل بعض تفصيلات عبادات أصلها مشروع أو لتشمل عادات ومباحات الأصل فيها الحلّ ومن جهة أخرى ذهبوا إلى تأويل قوله صلّى الله عليه وسلّم «لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا» بــ "ما لم أفعله أنا وأصحابي فهو بدعة" وهذا فهم قاصر لأنّ كلمة الأمر هنا تعني الشأن وهي التي تجمع على أمور وليست بمعنى طلب الفعل التي يجمع على أوامر ويشهد لذلك الرواية الأخرى لعائشة رضي الله عنها «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ» ثمّ إنّ هذا الفهم مجحف في حقّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو الذي لم ينكر على من أتو أعمالا لم يعلّمهم إياها بل أقرّهم عليها وأسوق على ذلك أمثلة : الأول في الصحيحين واللفظ لمسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ "نَزَلْنَا مَنْزِلًا فَأَتَتْنَا امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ لُدِغَ فَهَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مِنَّا مَا كُنَّا نَظُنُّهُ يُحْسِنُ رُقْيَةً فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرَأَ فَأَعْطَوْهُ غَنَمًا وَسَقَوْنَا لَبَنًا" فَقُلْنَا "أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً" فَقَالَ "مَا رَقَيْتُهُ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ" فَقُلْتُ "لَا تُحَرِّكُوهَا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ" فَقَالَ «مَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ» والمثال الثاني ممّا روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ فَكَانَ يفْتَتِحُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَقْرَأُ بِسُورَةٍ أُخْرَى مَعَهَا وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا "إِنَّكَ تَقْرَأُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى" قَالَ "مَا أَنَا بِتَارِكِهَا إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِهَا فَعَلْتُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ" وَكَانُوا يَرَوْنَهُ أَفْضَلَهُمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ فَلَمَّا أَتَاهُمْ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ «يَا فُلَانُ مَا يَمْنَعُكَ مِمَّا يَأْمُرُ بِهِ أَصْحَابُكَ وَمَا يَحْمِلُكَ أَنْ تَقْرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» فَقَالَ "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّهَا" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم «إِنَّ حُبَّهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ» والمثال الثالث من صحيح البخاري عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ، قَالَ "كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ "، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ "رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ" فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ صلّى الله عليه وسلّم «مَنِ المُتَكَلِّمُ» قَالَ أَنَا، فَقَالَ صلّى الله عليه وسلّم «رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ»
ومن فوائد هذه الأحاديث : **توقّف أبي سعيد رضي الله عنه لعدم علمه بهدي النبي صلّى الله عليه وسلّم في مسألة الرقية بالفاتحة وهذا أدب عظيم نفتقر إليه في أيامنا وهو ما ميّز الصاحبة الكرام رضي الله عنهم وخاصّة من كانوا أقرب للنبي صلّى الله عليه وسلّم فتراهم لا يتقدّمون بالعمل بين يديه امتثالا لقول الله عزّ وجلّ في سورة الحجرات ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، **وأيضا إقرار النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمل الرّاق بحيث يكون سنة للأولين والآخرين، لكن لابدّ أن ننتبه أنّ إقرار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إقراران : إقرار للمفرد وإقرار للجنس فالأول إقرارٌ من النبي صلّى الله عليه وسلّم للعمل في حدّ ذاته وأمّا إقرار الجنس فيُقصد به قَبول الرسول صلّى الله عليه وسلّم من أصحابه الزيادة رغم افتقارها للدليل المسبق لطالما كانت داخلة في أصل العمل الـمُثبت شرعا وطالما كانت نية صاحبه سليمة أيضا بدليل سؤاله في كل مرّة لصاحب الزيادة عن زيادته **أسلوب النبي صلّى الله عليه وسلّم في التعامل مع الواقع في البدعة في ظاهر الأمر : إذ أن زيادة صفة أو هيئة لعبادة يدرج ضمن ما يسمّى البدعة الإضافية والتي اختلف في دخولها في البدعة الضلالة المحرمة أو لا إلى ثلاثة أقوال الأول عدم دخولها أصلا في باب البدعة المحرّمة وبه قال العزّ بن عبد السلام والقرافي والثاني حرّمها كالشاطبي ومنهم من كرهها من باب الاحتياط للدين، وما ذكرت ذلك لحسم النزاع وإنّما للفت انتبه إخواني إلى أدب النبي صلّى الله عليه وسلّم في تعامله مع من لو كانوا في زماننا لشنّوا عليهم حربا شعواء، لكنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم خاطبهم وتكلّم معم ومن علم ي نيّته انتقاص ما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم نهاه بشدّة كحال الرهط الثلاثة ومن علم منه الجهل مع حسن نيته أرشده للصواب ومن علم حسن عمله مع حسن نيته أقرّه على ذلك.