المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجامع في ليلة القدر .. لـلشيخ/ فايز العريني



أهــل الحـديث
15-07-2014, 11:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




الجامع في ليلة القدر ..

لـلشيخ/ فايز العريني


* تمهيد :

جعل الله لأمة الإسلام مواسم وأوقات ومناسبات تتضاعف فيها الأعمال والحسنات،ويتجاوز فيها عن الذنوب والسيئات،ومن أعظم هذه المواسم "ليلة القدر" . ويكفي هذه الليلة من شرفها ومكانتها أن أنزل الله تبارك وتعالى فيها القرآن، وأنزل سورة كاملة وخاصة في فضلها وعلو قدرها، فهي أعظم ليلة في الموسم . وهي خاصة في رمضان في كل عام (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) وهذه الليلة تحديدا هي التي أنزل فيها القرآن (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) .

* تسمية ليلة القدر :
وتسميتها ليلة القدر وجهان كلاهما صحيح: فالقدر هو الشرف والرفعة، وهي ذو شرف ورفعة، والثاني:أن الله قدر فيها المقادير (فيها يفرق كل أمر حكيم) .

* بركتها :
وبركتها خير من أكثر من ثلاث وثمانين سنة، أي أن الساعة فيها خير من ثمانية أيام، أكثر من متوسط أعمار هذه الأمة (ليلة القدر خير من ألف شهر) .
يقول تعالى : (تنزل الملائكة والروح فيها) والروح هو جبريل، من كل أمر قضاه الله من المقادير كما جاء عن ابن عباس وقتادة وهم لا ينزلون إلا بالخير والرحمة والبركة .

الأقوال في تحديد ليلة القدر :
اعلم رعاك الله أن الأقوال في تحديد ليلة القدر كثيرة ، بل أكثر مما أوصلها ابن حجر في الفتح لأكثر من أربعين قول ، وأكثر هذه الأقوال لا يعتد بها . ولا عبرة لمن قال انها ليست خاصة في رمضان أو أنها في منتصف شعبان أو أنها اول ليلة من رمضان أو أنها ليست في العشر ، فالعبرة بالدليل وصحيح النص .

وصحيح السنة الثابتة أنها في رمضان وفي العشر اﻷواخر منه ، بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، ولا معنى ﻷي خلاف بعدهم ، بل بإجماع المحدثين والفقهاء .

* ليلة القدر في ليالي رمضان :
وهي في رمضان في العشر الاواخر من الوتر وهذا ماصح عنه عليه الصلاة والسلام ، عن عائشة وابن عمر وابن عباس وأبي بن كعب وعبادة و أنس وأبي هريرة رضي الله عنهم . اعلم وفقك الله أنه لا يصح حديث مرفوع في تحديد ليلة القدر بعينها ، إنما هو اجتهاد من الصحابة بأمارة أو علامة أخبر بها عليه الصلاة والسلام .
فالنصوص تواترت عنه ﷺ بأن نتحراها في العشر الاواخر من رمضان في وترها ، وحاشاه ﷺ أن يأمرنا بتحري معدوم ، كما تزعم الرافضة أنها ليست في رمضان خاص .
الناظر للنصوص الثابته في ليلة القدر يعلم أنه لم يرد فيها علامة وامارة على ليلة القدر في بداية الليلة ، إنما الورد في صبيحتها من امارة وعلامة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال : من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه . متفق عليه .

* ليالي الوتر في العشر :
عن عائشة أن النبي ﷺ يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول تحروا ليلة القدر في العشر الاواخر من رمضان . متفق عليه . وعن ابن عباس أن النبي ﷺ قال : التمسوها في العشر الاواخر في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى . رواه البخاري ، وعن عبادة بن الصامت بنحوه .

* أرجى ليلة في العشر الاواخر :
وهي أرجى أن تكون في السبع الأواخر من العشر كما ثبت عن النبي ﷺ ، من حديث ابن عمر :
( أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الاواخر فتحروها في السبع ) البخاري .

* ليالي يُرجى فيها ليلة القدر :

- ليلة الحادي والعشرين :
جاء من حديث أبي سعيد في الصحيحين ، في أمر اعتكاف النبي ﷺ وأمره من كان معتكف معه أن يعود وأنه رأى أنه يسجد على ماء وطين .

- ليلة الثالث والعشرين :
جاء من حديث بن أنيس عند مسلم ، عندما أمره ﷺ أن يصلي معه تلك الليلة ، وفيه نفس الأمارة في حديث أبي سعيد السجود على ماء وطين .

- ليلة الرابع والعشرين :
جاء عن أنس عند ابن أبي شيبة وعبدالرزاق بسند حسن ، وقال به بعض أهل البصرة كثابت البناني وحميد الطويل ، وهو قول أيوب .

- ليلة السابع والعشرين :
وجاء في ليلة سبع وعشرين كما في الصحيح عن أبي بن كعب وكان يحلف بالأمارة التي أخبر بها ﷺ أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها وفي رواية بيضاء . وفي ليلة سبع وعشرين عن عمر وابن مسعود وابن عمر وابن عباس ومعاوية وهو قول طائفة من السلف وهو الجادة عند أحمد و رواية عن أبي حنيفة وابو ثور .

* نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا :
واﻵثار في نزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا الصحيح منها ما بين الموقوف والمقطوع وليس منها ما يصح رفعه للنبي ﷺ . وممن جاء عنهم : ابن عباس والشعبي ومجاهد وعكرمة وسعيد وقتادة .

ونزول القرآن( لأربع وعشرين خلت من رمضان ) جاء مرفوعا من حديث واثلة بن الاسقع ، عند الطبري و أحمد وعبدالرزاق والطبراني والبيهقي ولا يصح مرفوعا . وحديث واثلة تفرد به عمران القطان ولا يحتمل تفرده ضعفه أبو داود والنسائي والعقيلي وابن معين وقال البخاري صدوق يهم وقال الدارقطني كثير الوهم .

* الأثار الصحيحة في نزول القرآن :
فقد جاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس .
وعن يزيد بن هارون عن داود بن ابي هند عن عكرمة عن ابن عباس .
وعن حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس .

كما صح عن جماعة من التابعين و المفسرين في قوله تعالى ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) وقوله ( انا أنزلناه في ليلة القدر ) . ومما يقوي قول ابن عباس رضي الله عنه وقول جماعة من التابعين أنه - نزول القرآن جملة - خبر غيبي لا مدخل للاجتهاد و الرأي فيه .

* منزلة تفسير الصحابي :

تفسير الصحابي في حكم المرفوع أصوليا .

يقول العراقي في ألفيته:
وعد ما فسره الصحابي ** رفعاً فمحمول على الأسباب

وقال الحاكم:
ليعلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل حديث مسند .

قال ابن حجر في النكت:
ما يعد مسندا من تفسير الصحابي ما قيل من أن تفسير الصحابي مسند إنما هو في تفسير يتعلق بسبب نزول آية أو نحو لاراي فيه .

والضابط فيما يفسره الصحابي إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه ولا منقولا فحكمه الرفع وإلا فلا. كالاخبار عن بدء الخلق والملاحم والفتن والبعث .

وتفسير الصحابي الذي ليس له مخالف . معتبر سواء فيما هو بأسباب النزول أو غيره . ولذلك يلزم الرجوع إلى الصحابة لأنهم شاهدوا التنزيل والتأويل .

الذي صح واشتهر عن ابن عباس وجمع من التابعين في بيان معنى الخبر الوارد في القرآن بأنزال الله تعالى القرآن جملة في ليلة القدر الى السماء .

وممن ثبت عنهم خبر أن القرآن نزل جملة ابن عباس وسعيد ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن جريج والشعبي وابراهيم النخعي، وهو قول الطبري وابن ابي حاتم وابن عطية وجمع من المفسرين . وعليه فإن القرآن أنزل في ليلة ثابتة إلى السماء الدنيا، وهي الليلة التي نزل فيها الروح جبريل على النبي ﷺ في الغار يوم الاثنين في رمضان. فعند مسلم من حديث أبي قتادة أن النبي ﷺ سئل عن يوم الأثنين،فقال: فيه ولدت وفيه أنزل علي.في رواية: ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه او أنزل علي فيه.

* ليلة القدر متنقلة أم ثابتة ؟

القول الأول :
ليلة متنقلة ليست ثابتة للجمع بين النصوص المتعارضة تعارض ظاهر لا تعارض حقيقي ، فلا يوجد حديثين متعارضان تعارض حقيقي . وهذا القول عن أبي حنيفة خلاف صاحبيه ويروى عن مالك وليس المذهب والثوري و رواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور .

واكثر اهل العلم ممن تأخر ذهب إلى أنها تتنقل قالوا لأنه لايمكن الجمع بين الأحاديث الواردة إلا بهذا القول . وذهب الى هذا جمهور المتأخرين .

القول الثاني :
ومن سبر أقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين وأهل الحديث والأثر واهل الفقه والنظر علم ان هذا القول ليس بقول الجمهور من ائمة اصحاب المذاهب .

والقول انها ليلة ثابتة قول جمع من الائمة كمالك وابن عيينة والشافعي وأيوب ورواية عن أحمد وبعض اهل الحديث وداود ومذهب الشافعية وبعض الاحناف

قال ابن حزم : ليلة القدر واحدة في العام في كل عام ، في شهر رمضان خاصة، في العشر الاواخر خاصة، في ليلة واحدة بعينها لا تنتقل أبدا .

قال النووي : مذهب الشافعي وجمهور أصحابنا أنها منحصرة في العشر الاواخر مبهمة ولكنها في ليلة معينة لا تنتقل عنها ولا تزال إلي يوم القيامة .

وجمهور ممن تقدم إلى أنها ثابتة في ليلة معينة وهو عندي أرجح ، فهي إنما اكتسبت شرفها بنزول القرآن فيها ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) .

ثم أن النبي عليه الصلاة والسلام علمها ثم أنسيها او نساها ، فكيف تتنقل وأنسي بوقتها ، ثم لم يصح عن أحد من الصحابة القول بتنقلها .

فالناظر للنصوص ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) وقوله : ( إنا أنزلنا في ليلة القدر ) ليعلم أن نزوله إلى السماء الدنيا في ليلة معينة ، إنما المتغير الزمان .

والقول أنها ليلة ثابتة إنما الزمان هو المتغير هو قول جمع من الأئمة كابن عطية وابن أبي حاتم والقرطبي والعراقي والعيني ، قالوا بتغير الاشهر

* حساب الوتر من ليالي العشر :
ونحن لانعلم بداية العشر حتى يهل هلال شوال أن يكون الشهر ثلاثين فتكون ليلة واحد وعشرين أولى ليالي العشر والوتر ليالي ( 21, 23, 25, 27, 29 ).
و أن يكون شهر شوال تسعة وعشرين فتكون ليلة عشرين أولى ليالي العشر وتكون ليالي الوتر من ليالي العشر ليلة ( 20 ،22 ،24 ،26 ،28 ،30 ).
قال ابن تيمية:
الوتر يكون باعتبار الماضي باعتبار ما بقي كما قال النبي ﷺ ( لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى )

قال ابن حزم:
أنها في وتر منه ولابد ان كان الشهر ناقصًا فأول العشر ليلة عشرين منه ، وان كان الشهر ثلاثين فأول العشر بلاشك ليلة احدى وعشرين .

* امارات وعلمات لليلة القدر :

اعلم وفقك الله انه لا يصح من علاماتها واماراتها القبلية شيء
وماجاء عند ابن خزيمة من حديث ابن عباس "انها ليلة طلقة لا حارة ولا باردة " صححه ابن خزيمة في صحيحه.
وحسنه بعض اهل العلم . وفي تحسينه نظر .
وجاء في المسند من حديث عبادة ابن الصامت مرفوعا " إنها صافية بلجة كان فيها قمرا ساطعا ساكنة ساجية لابرد فيها ولا حر ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى الصبح " فهذا خبر معلول .
واقوى ماجاء في هذا مارواه ابن حبان عن ابن خزيمة من حديث بن خثيم عن ابي الزبير عن جابر مرفوعا " اني اريت ليلة القدر قم نسيتها وهي في العشر الاواخر وهي طلقة بلجة لا حارة ولا باردة كأن فيها قمرا يفضح كواكبها لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها " والحديث صححه بعض المتأخرين .
وعبدالله بن عثمان بن خيثم وإن كان من رجال مسلم ووثقه البعض إلا انه في حديثه عن ابي الزبير بعض الغلط.
ولينه النسائي وقال الدارقطني لينوه وقال ابن المديني منكر الحديث.
وهو مختلف فيه ولا يقبل تفرده .

واما مايذكره بعض اهل العلم وانتشر بين العامة ومنه:
1-ان الانوار فيها ساطعة في الاماكن المظلمة.
2-وان الكلاب في تلك الليلة لا نباح لها.
3-وان كل شي فيها ساجد حتى الاشجار والجماد.
4-وان ماء البحار والانهار تكون فيها حلوة.
فكل هذا لا شيء فيه مرفوعا صحيحا إنما هو قول بعض اهل العلم ولا اصل له.
* الصحيح الثابة من علاماتها واماراتها.
اعلم وفقك الله انه لا يصح من اماراتها البعدية إلا ثلاث علامات فقط.
1- وأصح هذه العلامات كما في الاحاديث الصحيحة المرفوعة ان الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها ، وفي رواية كأنها طست ، وفي رواية عند احمد حمراء لا شعاع فيها.
وهذه الامارة ثابتة صحيحة .

كما في حديث أبي بن كعب عند مسلم وكان يحلف عليها ، وجاء عن ابن عباس ومعاوية وعمر وابن عمر وعائشة وغيرهم .
2-العلامة الثانية كما جاء من حديث ابي سعيد في الصحيحين وحديث عبدالله بن أنيس عند مسلم انه رأى عليه الصلاة والسلام انه في صبيحتها اي في صلاة الصبح انه يسجد على ماء وطين.
3- العلامة الثالثة ماجاء عند مسلم من حديث ابي حازم عن ابي هريرة قال : " تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : "اياكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شق جفنة " وشق جفنة هو النصف من القصعة .
قال القاضي : فيه اشارة إلى انها تكون في اخر الشهر لان القمر لا يكون كذلك إلا في أخر الشهر .

الرؤى :
وما ينتشر الان بين بعض الناس في ذكر الرؤى والمنامات فيها .
فلاشك ان الصحابة تواطأت رؤياهم على انها في السبع الاواخر كما هو ثابت من حديث ابن عمر في الصحيح ، ويستفاد من هذا ان ليلة القدر ترى في المنام ، بل قد يشعر بها ويراها البعض في اليقضة كما ذكر شيخ الإسلام .
ويستفاد ان الرؤيا اذا تواطأت على شي فهو دليل على صدقها.
" لكن يجب ان نعلم ان الرؤيا تسر المؤمن ولكن لا تغره ويستأنس بها ولكن هي ليس شرعا من عند الله إلا اذا اقرها النبي صلى الله عليه وسلم "

"و الرؤيا في الاصل مظانها الظن لا العلم اليقيني" .

والرؤيا اما يتعظ بها المسلم او يأنس بها ، فلا ينبغي الاعتماد بل ونشر مثل هذه بين الناس .

والله اعلى واعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

كتبه / فايز الفايز العريني