المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشروعية الطلاق واحكامه



جميل الثبيتي
03-01-2008, 02:49 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
اخواني واخواتي الأعزاء ومن تزينت بهم ساحات غرابيل من اهل الفكر والقلم وممن يبحثون دوما عن القضايا الهامة والساخنة بغرض تجريدها وتحليلها وإعادة صياغتها بما يتوافق من متطلبات مجتمعنا الكريم القويم القائم بفضل الله على تحكيم الشرع والدين الإسلامي القويم
كثيرا ما نسمع عن قضية الطلاق وتكرارها وحدوثها في مجتماعتنا الإسلامية وغالبا ما تكون لقضية الطلاق احكام واحكام لو أتبعنها وتعرفنا عليه لحدينا من نسب الطلاق

( وهنا اصل المشكلة )

ارجو بطرح جملة الإحكام هذه ان نجعل من الموضوع هدف إيجابيا لكل من المرأة والرجل والرجل والمرأة فقد يتوقف اتمامه على معرفة احكامه وسبله فنكون بذلك قد سلطنا الضوء بقوة على هذه القضية والتي نجهل معظم اطرافها .

قضية الطلاق

وقضية الطلاق كثيراً ما يثيرها الكتاب، وأحياناً المسلسلات الإذاعية أو التلفزيونية، ولا شك أن هناك ممارسات خاطئة من المسلمين في موضوع الطلاق، ولكن الطلاق في حقيقته مشروع ولا يجوز أن يشكك فيه، بل منكره كافر بالدين؛ لأنه متقرر ولا شك، والإسلام دين واقعي، دين الحياة، ودين الفطرة البشرية، فلا يمكن التعامي أو التغافل عن الطبيعة البشرية، لماذا؟

لأنه قد يحصل خلاف، وقد يتبين عدم الوئام والتجانس على الرغم من كل ما وضعه الإسلام من احتياطات في الأسرة، فالأصل في الزواج أنه مبني على أسس تتعلق باختيار الزوجة، وأهمها قضية الدين والخلق، وأمور أخرى تأتي تبعاً، كالجمال ونحو ذلك؛ لكن الأساس هو الدين: {فاظفر بذات الدين تربت يداك } فإذا أخذ الإنسان بضوابط الإسلام في اختيار الزوجة، وكذلك الزوجة في اختيار زوجها؛ فإنه ستقل ولا شك نسبة الطلاق؛ لكن مهما كان فالطلاق مشروع؛ لأنه لا بد منه في بعض الأحوال؛ لأنه قد توجد مشكلة في البيت لا يحلها إلا الطلاق والانفصال؛ وأنتم تعلمون أن بيوتاً تقع فيها مشكلة لا يمكن أن تحل، يصلون فيها إلى حال لا يمكن لأحدهما أن يقبل الآخر، ويكاد بقاؤهما أن يكون كرهاً، وكل واحد سوف يظلم الآخر، وكل واحد سوف يتنكر لحقوق الآخر.

إذاً: تأتي أحوال الطلاق والانفصال فيها هو المخرج، فالأصل في الزواج كما قال الله عز وجل: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]^ فإذا لم توجد المودة ولا الرحمة فهناك حلول إسلامية تسبق الطلاق، وسوف أتكلم في هذا عن ثلاثة أمور:

أولاً: المراحل التي تسبق الطلاق.

والأمر الثاني: الطلاق المشروع.

والأمر الثالث: أخطاء المسلمين في فهم الطلاق أو في إيقاع الطلاق.

المراحل التي تسبق الطلاق:



مبدأ الكراهية ليس مسوغاً للطلاق

أولاً: مبدأ الكراهية ليس مسوغاً للطلاق، يجيء إنسان ويقول: أنا لا أحبها. لماذا؟ هكذا ما أحبها. جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه، فعرض عليه مشكلته مع أهله، فقال: [[أنا لا أحبها، قال: وهل لا تبنى البيوت إلا على الحب؟! ]]^ وهذا حق. ومع الأسف أن الحب مما أساءوا إلينا فيه في وسائل الإعلام منذ عشرات السنين، فلا تكاد وسيلة إعلام إلا وتكلمك عن الحب المشين؛ حتى فسدت الأمزجة، فتجد الشاب يقرأ قصة غرامية، أو يسمع مسلسلاً إذاعياً أو تلفزيونياً، ويأتي إلى أهله وهو لا يرى إلا الذي في التلفزيون أو لا يتخيل إلا الذي في الراديو، ومعلوم أن هذا غير صحيح أبداً، ولا يمكن أن يوجد هذا الذي يُرى أو الذي يُسمع أو الذي يقرأ في الواقع؛ لأن طبيعة الإنسان حينما يعيش مع أهله خمس سنوات، أو عشر سنوات، أو عشرين سنة، فطبيعي أن توجد المشكلات، ولا يمكن تصور هذا الغزل المفسد والكلمات الساقطة التي يعبر عنها بأنها حب، هذا ليس هو الحب، ولهذا لم يعبر الله في القرآن بالحب، بل التعبير القرآني بالمودة، والمودة موجودة ولو بلغ عمر الواحد ستين سنة، كم تلاحظون من آبائكم وآبائنا، الواحد منهم عمره ستون سنة ويحنو بعضهم على بعض، هذه هي المودة، وليس الحب المشبع بالعاطفة التي تصوره الأفلام، فالله عز وجل سماه مودة، ومع هذا أيضاً هذا ليس سبباً إذا لم يحس به الإنسان أن تكون العلاقة مفصولة.أولاً: مبدأ الكراهية ليس مسوغاً للطلاق، فالله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19]^ فلم يقل: فإن كرهتموهن فطلقوهن.
إذاً القضية ليست هي مجرد قولك: أنا لا أحبها، بل القضية أن هناك مسئوليات، من بناء أسرة، ومفاهيم إسلامية واسعة، وكما قال عمر : [[ وهل لا تبنى البيوت إلا على الحب؟! ]] عندك أولاد وعندك المرأة ذات خلق ودين؛ كريمة، عفيفة، حافظة لنفسك، حافظة لنفسها، حافظة لمالك، حافظة لبيتك، أحياناً قد تتزوج صبية جميلة، وتفتن بها بينما هي سبب ضياعك وضياع مالك وأولادك، فليست هذه هي القضية، بل القضية أهداف عليا وعظمى في الأسرة، والله كم من امرأة شوهاء بَنَتْ رجالاً وأعدت أجيالاً، وكم حافظت وقامت.. بل لعلها قومت عوج زوجها وحفظته في سنين فقره وجهله، وحفظته في سنين بأساء مرت عليه، وقد لا يكون هناك حبٌ كبير، وقد لا يكون هناك جمال، وقد لا يكون هناك أشياء.
وليس الخير والمصلحة دائماً فيما يُحب ويشتهى وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [البقرة:216]^ بل قد تكون فيما لا يُحب ولا يشتهى، فالجهاد مثلاً: كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة:216] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {لا يفرك مؤمن مؤمنة }^ لا يفرك، يعني: لا يكره، أو ربما معناه: لا يطلق أو لا يبغض: {إن كره منها خلقاً رضي آخر }^ أنت حينما تكون بأعصابك وهادئاً، وجاء تفكيرك في قضية المفاصلة بينك وبين زوجتك، تنظر محاسنها، غالباً بنو البشر محاسنهم أكثر من مساوئهم، وليس هناك إنسان خالٍ من محاسن، بل لا يكاد يكون إنسان مساوئه (50%) من أخلاقه، فغالباً المساوئ تُعد، لكن المحاسن لا تُعَد، أمانة ودين وخلق وكرم وصبر، لعلكم تجزمون معي أن النساء أصبر من الرجال في كثير من المواقف، تصبر وتتحمل الإهانة، والأذى والإيذاء، واللوم.. تتحمل كثيراً.

إذاً: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن كره منها خلقاً رضي آخر }.

إذاً هذه القضية في الطلاق.

حل الخلافات عن غير طريق الطلاق

قضية ثانية: حل الخلافات عن غير طريق الطلاق، الإسلام شرع طرقاً أخرى غير الطلاق، الطلاق يأتي في آخر القائمة، وآخر الدواء الكي، فحينما تنظر لمشكلاتك البيتية والأسرية تكون نابعة من أمر -أحياناً- لا دخل للزوجين فيه، تجيء مشكلة من أمها، أو من أبيه أو من أمه، أي: ليس لها علاقة بينهما، بإمكان الإنسان الحكيم أن يحل المشكلة.

لماذا مشكلة الأم تجعلها على أم أولادك، أو مشكلة أو أبيك أو أبي زوجتك؟

إذاً: أحياناً المشكلة ليست نابعة من نفس البيت، بل من شيء خارجي، بل أحياناً تجدها تافهة، وقد يكون الزوج نفسه مسيئاً، كأن يكون صاحب أسفار، أو صاحب طرق ملتوية، فهذه قضية أخرى، وقد تكون المشكلة نابعة من أمر لا دخل للزوجين فيه، فقد يكون من تدخل أقارب الزوجين أو أحدهما في شئون هذه الأسرة الصغيرة، فما الحل؟

الحل يكون بتفقيه هذه الأسرة بمسئولياتها، والخطأ في تصرفاتها، أحياناً قد يذهب الزوج إلى بعض الوجهاء، أو إلى بعض أقاربه الوقورين، ويحكي له بطريقة معينة مؤدبة؛ ويستشيره في بعض الأشياء، بحيث أن هذا الوقور، وهذا الناضج العاقل، صاحب الكلمة النافذة يذهب إلى الأسرة ويتحدث معها، بحيث تحل القضايا بهذه الطريقة، أيضاً هذه طريق قبل الوصول إلى مرحلة الطلاق.

المراحل التي تسبق الطلاق

فإذاً قد تكون المشكلة غير نابعة من الزوجين، لكن إذا تحقق الخلاف وكان سببه الزوجين، فيؤخذ في ذلك قوله سبحانه: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً *وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً [النساء:34-35] وقضية أخرى في الزوج: وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128] إذاً هذه كلها مراحل قبل الطلاق إذا كانت هناك مشاكل.......

الوعظ

المرحلة الأولى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]^ النشوز: هو الخروج عن الطاعة، فإذا خفت أن زوجتك فيها نوع من النشوز والتعالي وعدم الاستجابة، وإعطاء الحقوق فيبدأ الوعظ، والوعظ قد يكون سلماً طويلاً، وقد يكون طريقاً، وعظاً بنفسك، وعظاً بغيرك، وعظاً عن طريق وسائل جميلة؛ خاصة في وقتنا الحاضر، قد يكون شريطاً، قد يكون كتاباً، هذه طرق للوعظ، تذكرها وتجلب لها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، تجلب لها كتاب رياض الصالحين وتجلب بعض الكتب، خاصة في الوقت الحاضر -أيضاً- ظهرت كتب جميلة في تربية الأولاد، وفي حق الزوجة، ليفقه الزوج وتفقه الزوجة، ويكون ثمَّ حل.

إذًا: الوعظ والتذكير وقد يكون بالتخويف من الله عز وجل، وقد يكون بذكر الأسرة ومصيرها، والأولاد ونحو ذلك، وقد يكون بعرض المشكلة فيما بينهما: الإيجابيات والسلبيات والحلول والأطروحات... إلخ.

الهجر في المضجع

فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34]^.

المرحلة الثانية: الهجر في المضجع، ولاحظ التعبير القرآني.. فما هو المضجع؟

يعني: الفراش، لا تهجرها في البيت أمام الأطفال، ولا أمام أمها، هذه ليست تربية، التربية بينك وبينها، والهجر في المضجع شديد على النساء؛ لأن القضية سرية، ويجب أن تبقى قدر الإمكان سرية؛ وليس إذا حدث حدث رفعت سماعة الهاتف: يا أمي! زوجي فعل وفعل، وهو كذلك يتصل. هذا ليس من مسالك الإسلام، مسالك الإسلام أنه كلما كان سراً كان أقدر على الحل، وإذا خرج زادت المشكلة، ولهذا نعرف فيما يُعرض أن بعض النساء عندها من التحمل ما لا تكاد تذكر لأهلها أي كلمة، ولا يعرفون شيئاً، وهو يحافظ على البيت، ويحافظ على السرية، كما أن بعض الأزواج كذلك يجب أن يحفظ سر بيته ويعالج قضاياه بنفسه قدر ما يستطيع ولا ينقل إلى الآخرين شيئاً أبداً، ولهذا قال: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34] يعني: في الفراش، في غرفة النوم، وليس أمام الأولاد فلا يعرف الأولاد شيئاً، ولا ينبغي، ولهذا من الخطأ رفع الأصوات أمام الأولاد تشاجراً وسباً؛ فضلاً عن أنه يسب الأولاد ويسب أمهم، بل ويسب نفسه ويقول: يابن الفلان، يابن كذا وكذا، وهو يعني نفسه! هذا ليس سلوكاً، ولا تحل به المشكلات، ينشأ الابن وهو يرى أباه سباباً لأمه ولنفسه ولولده وللناس أجمعين.

وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ [النساء:34] هجر في المضجع لا ينبغي أن يتجاوز دائرة الزوجين نفسيهما.


الضـــــــــرب

وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]^ الضرب أيضاً ضرب تأديب لا ضرب تعذيب؛ إذا كان الضرب مفيداً، وإذا كان لا يفيد؛ لا تضرب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {واضربوهن ضرباً غير مبرح }^ غير مؤلم، ومثَّل النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يضرب أحدكم زوجه ضرب العير ثم يأتي من الليل ويعلوها }^ تضربها في الضحى وفي الليل.. !

هذه بهيمية، فإذا كان هناك ضرب؛ فيكون للتأديب، هذا إذا كنت ترى أن الضرب يفيد، أما بعض الناس -فيما ينقل لنا- فإنه يضربها بالعقال أو بسوط، وهذا ليس بضرب، وهو لا يؤدب ولا يفيد، إنما يراد ضربٌ يؤدي -فعلاً- إلى نتيجة، لكن الذي لا يؤدي إلى نتيجة لا يجوز؛ لأنها مسلمة ولا يجوز أن يُعتدى على مسلم بغير حق، ولا يجوز ضرب التعذيب؛ إلا إذا كان حداً شرعياً، فهذا شيء آخر، والحد الشرعي له درجات أيضاً أربعون، ثمانون حتى الموت، وهذا شيء آخر.

حتى التأديب لا يجوز أن يضرب فوق عشر، فينبغي للضرب أن يكون للتأديب لا للإيذاء والتعذيب، هذا إذا احتيج إليه ويكون في آخر المراحل أيضاً؛ لأن المرأة أحياناً من مجرد رفع الصوت تبكي مباشرة، أو حتى قد يكون فوق ذلك بقليل، مع أني أنصح فعلاً أن الإنسان بقدر ما يستطيع عليه أن يلاحظ طبائع النساء وألا يلجأ كثيراً إلى التعنيف؛ لأنك إذا كنت رجلاً كثير اللوم والشكاية، يكون كلامك لا قيمة له، لا مع أولادك ولا مع زوجتك، فالذي يكون كثير الشكاية والكلام، والسب، ولا يأكل إلا ويسب، ولا يدخل إلا وجبينه مقطب وعيناه جاحظتان، هذا ليس بصحيح! إنما ينبغي أنك تتحرى أنك لا تتكلم حتى ولو كان في نفسك شيء، فلا تكن دائماً كثير الشكاية لا مع نفسك ولا مع أولادك.
وهذا فيما يتعلق بالزوجة.


الصلـــــــــــح

أما فيما يتعلق بالزوج، فإن الله عز وجل يقول: وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحا [النساء:128] إذا رأت المرأة أن زوجها هو الذي فيه العلة، والمشكلة منه وليست منها: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً [النساء:128] نشوزاً: بمعنى أنه يقصر في حقها، أو إعراضاً، يعني: ضعف في الميول إليها؛ وقصة سودة هي قصة سبب نزول الآية، وذلك أن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها كبرت وكأنها أحست أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يميل إليها في ليلتها، فأرادت أن تبقي على زوجتيها مع النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: {يا رسول الله! إنني أترك ليلتي لـعائشة وأبقى زوجة } فإن تنازلت -يعني: نوع من الصلح- عن حقها، فهذا نوع من الصلح فأحست بإعراض فتنازلت؛ فجعلت ليلتها لـعائشة ، فأحياناً قد تعمد المرأة إلى هذا؛ لأن المقصود هو المحافظة على الزوجية والبيت والأولاد؛ لأنه لا أشق على الرجل وعلى المرأة أن يكون أرملاً، أو أن يكون من غير زوجة ومن غير زوج، فهو أمر شديد وغير طبيعي، وأمر يؤدي إلى سلبيات كثيرة في المجتمع، فمن هنا ينبغي أن يحافظ عليه الزوجان وأن يعينهما المجتمع، فالمجتمع بنفسه يتعاضد ويتعاون في أن يهيئ الأجواء الكريمة لجميع البيوت وفي أن تعيش في عيشة رضية، فيعيش الزوجان فيما بينهما مع أولادهما.


التحكيم
وإذا لم يجدِ هذا ولا هذا هنا لا يلجأ إلى الطلاق: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35]^ وهذه لا تكاد تكون موجودة أبداً في الناس، إنما في ليلة وعشية إلى طالق بالثلاث وذهبت -نسأل الله السلامة- وتصبح المرأة تذهب إلى بيت أهلها، وزوجها قد قال هذه الكلمة في الليل!!

وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35]^ وعد من الله عز وجل: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] شرط وجزاؤه، وما وعده الله سيقع حتماً: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] وهذه من أهم القضايا، فإذا وصل الحال أنه ما نفع هجر ولا تأديب ولا ضرب ولا وعظ ولا تنازلات ولا غيره، إذاً: يلجأ إلى الحكم من أهله، والحكم من أهلها، وهؤلاء يكونون عقلاء، فاهمين القضية بحيث تُحل: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35]^ طبعاً اختلف المفسرون رحمهم الله فيمن هو المخاطب في قوله: (يريدا) هل هو الزوجان أم الحكمان، على كل حال والحل مطلوب من جميعهم، من الزوجين ومن الحكمين، ولهذا يروى أن عمر رضي الله عنه وضع حكمين في مشكلة عائلية فجاءا فقالا له: [[لم نستطع التوفيق، فقال: ارجعا أصلحا نيتكما ]]^ ما معنى أصلحا نيتكما: غالباً قد يكون أحدهما انحاز، يعني: مال إلى أحد الطرفين، قد يكون مال إلى عائلته أو إلى أهله لأنه واحد من طرف، وواحد من طرف؛ فإذا لم يريدا إصلاحاً لا يكون التوفيق، أما إذا أرادا الإصلاح يكون التوفيق، فقال عمر : [[ارجعا فأصلحا نيتكما صدق الله وكذبتما إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35]^ ]]^ فيقال إنهما رجعا وأعادا القضية فحصل التوفيق.

إذاً هذا وعد من الله عز وجل. إذاً هذه مرحلة.

الطلاق المشروع

إذا لم تجدِ جميع هذه المراحل ولاحظوا طولها وكم سوف تستغرق؟ حينها يُصار إلى الطلاق، وإذا وصلنا إلى الطلاق كيف يكون الطلاق؟

الطلاق المشروع لا يكاد يعرفه أحد من المسلمين العامة، أو لا يفقهه أحد، أو لا يمارسه أحد مع الأسف، الطلاق المشروع: هو الطلاق السني، والطلاق السني: أن يطلقها في طهر لم يطأها فيه طلقة واحدة؛ لأن الطلاق هنا شرع -أيضاً- طريقاً لحل المشكلة من جهتين: إما أنه فعلاً يحلها وتعود، وإما أن يحلها وفعلاً تنتهي، فتكون مفاصلة، فإذاً شرع طلقة؛ لأنها الحل ولا يكون الطلاق سنياً إلا أن يطلقها في طهر لم يطأها فيه طلقة واحدة، ما معنى ذلك؟

مثلاً: اختلف الزوجان، ومروا بالمراحل التي ذكرنا: الوعظ، والهجر، والضرب، والحكمين، وما نفع، إذاً نقول له: طلق، فيجيء فيقول: زوجتي حائض، نقول له: انتظر.. زوجتي نفساء، نقول له: انتظر. إذاً حينما يفكر فعلاً وينتظر وقد تكون طاهراً ويقول: إني وطأتها، فنقول له: انتظر حتى تحيض، ثم تطهر، ثم طلقها، غالباً قد يستغرق هذا عشرين يوماً، فالعشرون يوماً هذه وهو يفكر: والله أنا عندي نية أني أطلق زوجتي، متى؟

بعد عشرين يوماً؛ لأن هذا الطهر قد وطأتها فيه وسوف تحيض، وهي أيضاً تفكر، إذاً أمامكم فرصة، فبعد عشرين يوماً في اليوم الفلاني سيكون كذا؛ لأنه سيكون كذا، إذاً يفكر فيها حقيقة وفرصة للتفكير ماذا سيترتب على الطلاق، الأولاد، البيت، غالباً إذا فكر في الطلاق يتذكر المحاسن، بل حينما يطلق تجده يبكي؛ لأنه تذكر المحاسن، تذكر محاسن زوجته وهي تذكرت محاسن زوجها، وتذكروا الأولاد ومصير الأولاد.......



فوائد الطلاق المشروع
الطلاق شرعه الإسلام لحل مشكلة وليس لإيجاد مشكلة، ومع الأسف فإن الناس يجعلونه يخلق مشكلة.

إذاً: حينما يطلقها في طهر لم يطأها فيه غالباً يحتاج إلى وقت، فهو غالباً قد يكون في طهر قد وطأها فيه أو تكون حائضاً، حينئذٍ يطلق، وإذا طلق طلقة واحدة، الطلقة الواحدة هذه تكون في العدة، عدة لا تقل على ثلاثة أشهر، ثلاثة أشهر وهو يفكر وهي تفكر كم سيتذكرون المحاسن؟ كم سيتذكرون المشكلات؟ وبعد ذلك كيف ستكون حالهم؟

فإذاً الطلاق المشروع هو الطلاق السني كما قلنا: إذا أراد أن يطلق، يطلق في طهر لم يطأها فيه، فإذا طلقها طلقة واحدة، إذاً تكون العدة إما ثلاث حيضات إذا كانت ممن يحيض، أو ثلاثة أشهر إذا كانت يائسة، أو وضع الحمل إذا كانت حاملة: وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]^ هذه واحدة.

فإذاً: في الإسلام إذا طلقها طلقة واحدة، هي ما زالت زوجة، وتجلس في البيت، لكن كيف يكون شعور الزوج وقد طلق زوجته وهي في البيت داخل غرفة طبعاً غير متحجبة فهي زوجة، أنا أتصور أنه لو كان قريب عهد بوقاع سوف يتعلق بها، ولهذا الله عز وجل يقول: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ [الطلاق:1] فتجلس حتى تكون أمامه؛ فإذا كانت أمامه غالباً يكون الوقاع، ويكون طبعاً مراجعة، حتى يقول بعض الفقهاء: لو قبلها كانت مراجعة.

إذاً: الإسلام أتى بالطلاق لا ليخلق مشاكل، إنما ليتخلص من مشاكل، فهو إما أن يتوب فعلاً إذا كانت المشكلة عويصة، وسوف تنتهي العدة وتستريح بإحسان، وإما أنهما يستعيدان المحاسن والقضايا، وحينئذٍ تعود المياه إلى مجاريها.

فإذاً طلاق واحد، وعدة ثلاثة أشهر، وثلاث حيض، وموجودة في البيت ماذا يبقى؟ اجلسي وراجعناك، فالقضية تعالج بهذا الطريق، بالله من يفقه مثل هذا ومن يمارس مثل هذا إلا من رحم الله، بينما الحاصل أن الرجل لا يجد شيئاً يذكر كأن يجد العشاء مالحاً وهي في الساعة الحادية عشرة من الليل فيقول: ما هذا؟ ثم يطلق بالعشرة أو بالخمسين، ولا تأتي الساعة الثانية عشرة إلا وهي في بيت أبيها وانتهت القضية. أو أن الثوب ليس مكوياً أو الزرار مقطوعاً، أو أن الولد لماذا يبكي أو البنت لماذا تصيح، فهذه ممارسات تعلمون أنها تدل على أكثر من أن نسميها حمقاً، ومعلوم أن الطلاق ما شرع لمثل هذا.

[color=#FF0000]الفهم الخاطئ لتطبيق الطلاق عند المسلمين

إذا كان ما تقدم هو الطلاق السني فظاهره أن المقصود هو علاج مشكلة الخلاف بين الزوجين عن طريق هذا التصرف الذي هو عبارة عن وقف للعلاقة الزوجية، وليس فصلاً لها أو حسماً، فيتوقف وينظر، ومثله هذا إذا أوقفت موظفاً وقلت أوقفوه، يعني: لا فُصِل ولا شيء إنما موقوف حتى يُتحرى في القضية، وليس فصلاً لها أو حسماً لعلاقتهما، إنه أشبه بإيقاف موظف كما قلنا ريثما يُدرس الموضوع.

أما ما يتعاطاه المسلمون في أمور الطلاق أو كثير من المسلمين في أمور الطلاق، فهم بعيدون فيه عن الأحكام الصحيحة، والمقاصد النبيلة لهذه الأحكام.

إنهم يستخدمون الطلاق كسلاح يشهرونه في وجه المرأة إن لم تفعل كذا، كقولهم: إذا ذهبت لأمك.. إذا ما طبختي.. إذا ما أكلتي.. إذا ما وقفتي.. إذا ما قعدتي.. سبحان الله! إن لم تفعل كذا، أو إن أقدمت على كذا، أو إن لم يفعل فلان كذا، حتى أحياناً يدخلها في مشكلة وهي مسكينة جالسة في البيت وهو في المكتب؛ يا فلان! إذا ما جاء الملف تركتها! ما علاقة بنت الحلال في المطبخ في الملف الذي عند فلان؟!

فمع الأسف أن هذه هي الممارسات الخاطئة! إن لم يفعل فلان كذا فزوجته عليه كذا، وما ذنب هذه المسكينة التي في بيتها مع أطفالها؟!

ومن الفهم الخاطئ كذلك أن المطلقة حينما تسمع هذه الكلمة الثقيلة تخرج من البيت وتذهب إلى أهلها، وهذا خطأ، فحتى المطلقة طلاق السنة تبقى في بيت زوجها، بل سماه القرآن بيتاً لها: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ [الطلاق:1]^.

لعلي أكتفي بهذا القدر وأعرف أن الحديث يطول وينبغي أن يطول؛ ولكن حسب الوقت المتاح وأرجو أن تتاح فرصة أخرى في مناسبات قادمة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

منقول

(* الوفـاء طبعي *)
03-01-2008, 03:44 PM
يعطيك العافية

جواهر عبدالله
03-01-2008, 07:20 PM
جميل

جزاك الله خير على طرح قضية هامة بجميع أسبابها وحلولها

جعل ما قدمت في موازين حسناتك .

جميل الثبيتي
03-01-2008, 09:56 PM
يعطيك العافية

اختنا في الله المربية الفاضلة الوفاء طبعي

جزاكم الله خير الجزاء

جميل الثبيتي
03-01-2008, 09:57 PM
جميل

جزاك الله خير على طرح قضية هامة بجميع أسبابها وحلولها

جعل ما قدمت في موازين حسناتك .

اختنا في الله والفاضلة بجودة تعليقها

جواهر عبدالله

رعاك الله وبارك بكم

و

جزاكم خير الجزاء

الهيلا
04-01-2008, 02:28 AM
الله يعطيك العــافيه ..

اخذت الموضوع من جميع نواااحيه ...

لك كل الاحتــراام والتقــديــر !..

سلطانة بنت السلطان
04-01-2008, 10:27 AM
أثابك الله أخوي وبوركت

لنقلك مثل هذا الموضوع حتى تعم الفائدة

رزقك الجنة وأبعدك عن النار

تحياتي لك

أختك

جميل الثبيتي
04-01-2008, 06:47 PM
أثابك الله أخوي وبوركت

لنقلك مثل هذا الموضوع حتى تعم الفائدة

رزقك الجنة وأبعدك عن النار

تحياتي لك

أختك

اختي الفاضلة سلطانة

اعلم مسبقا أحجام الأخوة والخوات في الدخول لهذه القضية

ولكنني على يقين فيما لو اننا طبقنا شريعتنا الإسلامية الغراء

لقلت نسبة الطلاق بشكل كبير ، ذاك اننا نلجأ للطلاق دون ان نحكم ونمرر

احكام الشرع على المشكلة فلو حدث لكانت الحلول ابسر وأسهل بكثير

اللهم ردنا إليك ردا جميلا

رعاك الله وهنأ وأفرح قلبك

هادي2006
04-01-2008, 10:26 PM
الاخ الفاضل جميل
دائما ماتبهرنا
الله يعطيك العــافيه على هذا النقل الجيد

جميل الثبيتي
05-01-2008, 01:05 AM
الاخ الفاضل جميل
دائما ماتبهرنا
الله يعطيك العــافيه على هذا النقل الجيد

اخي الراقي متواضع الكلم دمث الخلق

هادي 2006

الإبهار هو حضوركم وفيض تعليقكم

سلم الله قلبكم

الـوافـي
08-01-2008, 09:51 AM
http://www.x88x.com/2008/04k97595.gif

جميل الثبيتي
09-01-2008, 06:40 AM
http://www.x88x.com/2008/04k97595.gif



اخي وحبيبي في الله ابو انس

عطرت المتصفح بمرورك وزينته بجمال ذوقك وحسن كلمك

رعاك ربي وحفظك من كل سوء