المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (026)الإسلام وضرورات الحياة - الفصل الخامس: حفظ المال



أهــل الحـديث
12-07-2014, 01:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



وفيه سبعة مباحث:

المبحث الأول: المال مال الله استخلف فيه عباده.

المبحث الثاني: مشروعية السعي في جمع المال واقتنائه.

المبحث الثالث: التزام السعي المشروع في طلب المال وكسبه.

المبحث الرابع: اجتناب المكاسب المحرمة.

المبحث الخامس: إنفاق المال في الأوجه المشروعة.

المبحث السادس: أداء الحقوق المالية إلى أهلها.

المبحث السابع: حماية الأموال من السفهاء والمبذرين.

المبحث الأول: المال مال الله، استخلف فيه عباده

إن الله تعالى هو الذي خلق الكون وسخَّره للبشر، فهو خَلْقه وملكه، كما أن البشر كذلك خلقه وعبيده. وهو تعالى الذي أقدرهم على جمع المال وغيره، بما منحهم من العقل والتدبير وآلات التصرف والنشاط التي لا قدرة لهم بدونها.

قال تعالى: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُريحُونَ وَحِينَ تَسْرحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ ربَّكُمْ لَرءُوفٌ رحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِير لِتَركَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِر وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَر فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ (11) وَسَخَّر لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار وَالشَّمْسَ وَالْقَمَر وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرأَ لَكُمْ فِي الأَرضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّر الْبَحْر لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَريًّا وَتَسْتَخْرجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرى الْفُلْكَ مَوَاخِر فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرونَ (14) وَأَلْقَى فِي الأَرضِ روَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارا وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفلا تَذَكَّرونَ(17)}[النحل].

فالله تعالى هو الذي خلق الإنسان، وخلق له السماء بما فيها من مصالح لا حياة له بدونها، كالشمس والقمر والليل والنهار والنجوم. وخلق له الأرض بما فيها كذلك من منافع، كالأنهار والمياه المخزونة في جوف الأرض. والبحار وما فيها من رزق والجبال والأنعام والثمار المختلفة. ومهَّد له الأرض ويسَّر له فيها السُبل.

وكل نعمة يحصل عليها الإنسان، فإنما هي من الله تعالى، لا قدرة للإنسان على إيجادها ولا حمايتها من الزوال، ولا استغلالها إلا بقدرة الله تعالى وتوفيقه. ومن ذلك المال فهو مال الله.

فالبشر مستخلفون في المال ومالكه الحقيقي هو الله تعالى، لذلك ذكر الله تعالى عباده المؤمنين عندما أمرهم بالإنفاق بأنهم مستخلفون في هذا المال، والمستخلف يعلم بأن المال ـ في الأصل ـ لمن استخلفه، وليس له منه إلا التصرف بإذن المستخلِف. قال تعالى: {ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْر كَبِير(7)}[الحديد].

قال القرطبي، رحمه الله في تفسير الآية: "دليل على أن أصل الملك لله سبحانه، وأن العبد ليس له فيه إلا التصرف الذي يرضي الله، فيثيبه على ذلك الجنة..إلى أن قال: وقال الحسن: {مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} بوراثتكم إياه عمن كان قبلكم، وهذا يدل على أنها ليست بأموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة النواب والوكلاء، فاغتنموا الفرصة فيها بإقامة الحق قبل أن تزال عنكم إلى من بعدكم" [الجامع لأحكام القرآن (17/238).].

ولما أمر الله سبحانه السادة بإيتاء عبيدهم المكاتبين شيئاً من المال، أضاف المال إلى نفسه، فقال {ءَامِنُوا
بِاللَّهِ وَرسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْر كَبِير(33)}[ النور].

فالمال ماله، وهو الذي أعطاهم وليس غيره.

وهكذا تجد آيات القرآن الكريم، عندما يذكر فيها الرزق تبين أن الله هو الذي رزق عباده.
كما قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلاةَ وَمِمَّا رزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(3)}[البقرة]. وقوله تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رزَقَكُمُ اللَّهُ حلالاً طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤمِنُونَ(88)}[المائدة]. والآيات في ذلك كثيرة يكفي منها ما ذكر.

والمقصود أن الذي يقع بيده المال، وهو يعلم أن المالك في الأصل هو الله تعالى، وأنه مستخلف فيه، فلا ينفقه إلا فما يرضيه، ولا يجمعه إلا من حيث يرضيه، وأن أي تصرف يخرج عما يرضي الله في المال يكون تصرفاً غير مشروع.

إن الذي يعلم ذلك ويلتزم بإذن الله في جمع المال وإنفاقه، هو الجدير بحفظه، بخلاف الذي يغنيه الله، ولا يشعر بهذه القاعدة، فانه يتصرف في المال تصرف السفيه، وهو جدير بإضاعة المال، وإن زعم أنه يحفظه.

والمسلمون اليوم يرون بأم أعينهم، كيف يُضَيِّع أموالَهم من يتولون شؤونهم، فيجعلونهم فقراء مع ما تحويه أرضهم من الخيرات الكثيرة في باطن الأرض وظاهرها، والسبب في ذلك اختلال القاعدة الإسلامية العظيمة (المال مال الله) في نفوس من ضيعوا مال الله وحقوق عباده فيه.

المبحث الثاني: مشروعية السعي في جمع المال واقتنائه

إن الفرد الذي لا مال له يقيم به حياته، يعيش حياة مهينة ينتظر فيها لقمة عيشه من مخلوق مثله يمنُّ بها عليه، أو الهلاك، أين يسكن؟ ماذا يلبس؟ ماذا يأكل؟ كيف ينتقل من مكان إلى آخر؟ كيف يحصن نفسه بالزواج؟ ومن أين ينفق على أهله وأسرته؟

وكذلك الأُمة التي لا مال لها أُمة فقيرة معدمة، تستجدي ضروراتها من سواها، أمة جائعة، عارية، غير مستقرة، أرضها موات، وعمرانها خراب، وأمنها مختل، يقودها أمم الأرض القوية لحاجتها إليهم في كل شؤون حياتها، يسيطر الجهل على أبنائها، ويقتلهم المرض، أمة تنتظر الزوال لعزوفها عن تحقيق مراد الله من تسخير الكون للبشر، وهو استغلاله وعمارة الأرض به.

وقد أمر الله تعالى بطلب الرزق، كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور(15)}[الملك].

قال ابن كثير، رحمه الله: "أي فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها، في أنواع المكاسب، والتجارات، واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئاً إلا أن ييسره الله" [تفسير القرآن العظيم (4/397).].

والأمر هنا: {فامشوا}، {وكلوا} يقصد به الإباحة في الجملة، أي أن الفرد لا يجب عليه أن يمشي في مناكب الأرض طالباً للرزق، بل يباح له ذلك. إلا انه إذا ترك السعي في طلب الرزق، وترتب على ذلك فقره واضطراره لسؤال الناس واستجدائهم، كان آثماً ووجب عليه حفظ ماء وجهه بطلب الرزق الحلال بكسب يده ما دام قادراً على ذلك.

أما ترك الأمة كلها للمكاسب، فانه لا يجوز؛ لأنه خلاف مقصود الله من عمارة الأرض. قال الإمام الشاطبي، رحمه الله: "فالمباح يكون مباحاً بالجزء، مطلوباً بالكل على جهة الندب أو الوجوب.

فالأول كالتمتع بالطيبات، من المأكل والمشرب والمركب والملبس، مما سوى الواجب من ذلك، والمندوب المطلوب في محاسن العبادات.

والثاني كالأكل والشرب ووطء الزوجات والبيع والشراء ووجوه الاكتسابات الجائزة. كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الربَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الربَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرمَ الربَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ ربِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(275)}[البقرة]. ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْر وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارةِ وَحُرمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَر مَا دُمْتُمْ حُرمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرونَ(96)}[المائدة].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْر مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُريدُ(1)}[المائدة].

وكثير من ذلك، كل هذه الأسباب مباحة بالجزء، أي إذا اختار أحد من هذه الأشياء على ما سواها فذلك جائز، أو تركها الرجل في بعض الأحوال والأزمان، أو تركها بعض الناس، لم يقدح ذلك. فلو فرضنا ترك الناس كلهم لكان تركاً لما هو من الضروريات المأمور بها، فكان الدخول فيها واجبا بالكل" [الموافقات (1/130-132).].

ومن الآيات الدالة دلالة قوية على وجوب سعى الأمة في تحصيل المال. قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ ربَاطِ الْخَيْلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ(60)}[الأنفال].

فإن المال يدخل دخولاً أولياً في إعداد العدة للعدو، ولعل ذكر الإنفاق في الآية يشير إلى هذا المعنى، وإلا فما معنى الإعداد بدون مال؟ وكيف الحصول على الخيل والسلاح المناسب لكل عصر بدون مال؟
فالسعي في طلب المال مشروع، وهو وإن كان مباحاً بالجزء، كما قال الشاطبي فانه ضروري بالكل.

مصادر المال العام:

ومصادر المال التي عن طريقها يُجمع كثيرة، منها الزكاة والغنائم والفيء والخراج، والأوقاف العامة، والمواريث التي لا وارث لها، والرِّكاز، والمعادن العامة التي توجد في الأرض التي لا يملكها أحد، وأرباح التجارات المملوكة للدولة وغير ذلك مما لا يملكه أحد ملكاً خاصاً، وإنما هو حق المجتمع والدولة تشرف على جمعه وصرفه في وجوهه.