تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : (011)مفتاح باب الريان - رمضان محطة سفر إلى الجنة بذل العون للمستحقين



أهــل الحـديث
10-07-2014, 08:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





المجال السادس: بذل العون للمستحقين

بذل المال عبادة لله كإقامة الصلاة والصيام والحج والجهاد، وكلها تنقسم قسمين:
القسم الأول: فرض يجب القيام به، ويأثم تاركه...

ومن هذا القسم الزكاة، كما هو معلوم، ومنه نذر المسلم المشروع، بشيء من ماله، وإغاثة من لم يجد ما يأكله من الطعام، أو يلبسه من الثياب، أو يسكنه من المنزل...... لأن هذه الأمور من ضرورات حياة الإنسان أو حاجاته القريبة من الضرورة

وبذل المال لمستحقيه في شهر رمضان، فيه أجر عظيم، لأن الحسنات تضاعف في الأماكن والأوقات الفاضلة، كما هو الحال في المساجد الثلاثة، وشهر رمضان، والعشر من ذي الحجة...

ولهذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام، مع كثرة جوده في كل الأوقات – أكثر جودا في شهر رمضان، كما في حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة" [البخاري رقم (6)]

وقد اعتاد كثير من أغنياء المسلمين أن يخرجوا زكاة أموالهم في هذا الشهر المبارك، وهي عادة حسنة مباركة...

وينبغي أن يعلم أن في المال حقا غير الزكاة، خلافا لمن قال: ليس فيه حق إلا الزكاة، مستدلين بحديثين:

الحديث الأول: ما ورد في قصة إسلام ضمام بن ثعلبة، الذي ذكر فيه بعض أركان الإسلام، وقوله "والله لا أزيد عليها ولا أنقص" وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أفلح إن صدق) وهو في الصحيحين.

الحديث الثاني: ما روي عن فاطمة بنت قيس، أنها سمعته - تعني النبي صلى الله عليه وسلم – يقول: (ليس في المال حق سوى الزكاة) [ابن ماجه رقم 1788]

ويجاب عن حديث ضمام رضي الله تعالى عنه، بجوابين:

الجواب الأول: أنه كان في أول الإسلام، قبل أن تفرض كثير من الفرائض، وتحرم كثير من المعاصي، وقد وجبت بعد ذلك أمور كثيرة، وحرمت أمور كذلك، فلو اقتصر المسلم على ما ذكر في حديث ضمام، لكان تاركا لكثير من الواجبات، ومرتكبا لكثير من المحرمات.

قال الشوكاني رحمه الله: "وفي جعل هذا الحديث دليلا على عدم وجوب ما ذكر نظر عندي، لأن ما وقع في مبادئ التعاليم، لا يصح التعلق به في صرف ما ورد بعده، وإلا لزم قصر واجبات الشريعة بأسرها على الخمس المذكورة، وأنه خرق للإجماع وإبطال لجمهور الشريعة.

فالحق أنه يؤخذ بالدليل المتأخر إذا ورد موردا صحيحا، ويعمل بما يقتضيه من وجوب أو ندب أو نحوهما، وفي المسألة خلاف وهذا أرجح القولين. والبحث مما ينبغي لطالب الحق أن يمعن النظر فيه، ويطيل التدبر، فإن معرفة الحق فيه من أهم المطالب العلمية، لما ينبني عليه من المسائل البالغة إلى حد يقصر عنها العد، وقد أعان الله وله الحمد، على جمع رسالة في خصوص هذا المبحث وقد أشرت إلى هذه القاعدة في عدة مباحث" [انتهى كلامه رحمه الله من كتابه نيل الأوطار(1/364)]

الجواب الثاني: ما ورد في بعض ألفاظ الحديث، "... فأخبره رسول الله عليه الصلاة والسلام بشرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا. فقال: رسول الله عليه الصلاة والسلام: (أفلح إن صدق، أو أدخل الجنة إن صدق) البخاري رقم (6556)

قال الحافظ: "فإن قيل كيف أثبت له الفلاح بمجرد ما ذكر، مع أنه لم يذكر المنهيات، أجاب بن بطال باحتمال أن يكون ذلك وقع قبل ورود فرائض النهي، وهو عجيب منه، لأنه جزم بأن السائل ضمام، وأقدم ما قيل فيه أنه وفد سنة خمس، وقيل بعد ذلك، وقد كان أكثر المنهيات واقعا قبل ذلك، والصواب أن ذلك داخل في عموم قوله فأخبره بشرائع الإسلام كما أشرنا إليه" [فتح الباري (1/108)]

أما حديث فاطمة بنت قيس، فيجاب عنه بثلاثة أجوابة:

الجواب الأول: أن الحديث رواه كثير من المحدثين، بعكس رواية ابن ماجه، ولفظه: عن فاطمة بنت قيس، عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (إن في المال حقا سوى الزكاة) [وقد ترجم له الترمذي بقوله: "باب ما جاء أن المال حقا سوى الزكاة" وهو برقم (659)، ورواه الدارمي، برقم 1637، وهو في سنن البيهقي الكبرى، برقم 7034، وفي سنن الدارقطني، برقم 11]

الجواب الثاني: ما وقع في الحديث من الاضطراب، الموجب لضعفه، قال المناوي رحمه الله: "وقال الحافظ ابن حجر: "هذا حديث مضطرب المتن، والاضطراب موجب للضعف، وذلك لأن فاطمة روته بلفظ: (إن في المال حقا سوى الزكاة) فرواه عنها الترمذي هكذا، وروته بلفظ: (ليس في المال حق سوى الزكاة فرواه عنها ابن ماجه كذلك..." فيض القدير (5/375)

الجواب الثالث: حمل النفي على وجوب شيء في المال لذاته، كما هو الحال في الزكاة، فإنها واجبة في المال لذاته بشروطها، وحمل الإثبات على ما قد يعرض من الحاجة إلى إيجاب إخراج شيء من المال، كما قال المناوي أيضا:(ليس في المال حق سوى الزكاة): "يعني ليس فيه حق سواها بطريق الأصالة، وقد يعرض ما يوجب فيه حقا، كوجود مضطر، فلا تناقض بينه وبين الخبر" [نفس المصدر، ونفس الجزء والصفحة]

وقال في موضع آخر: (إن في المال لحقا سوى الزكاة): "كفكاك الأسير، وإطعام المضطر، وسقي الظمآن، وعدم منع الماء والملح والنار، وإنقاذ محترم أشرف على الهلاك" ونحو ذلك. قال عبد الحق: "فهذه حقوق قام الإجماع على وجوبها وإجبار الأغنياء عليها، فقول الضحاك: نسخت الزكاة كل حق مالي، ليس في محله، وما تقرر من حمل الحقوق الخارجة عن الزكاة على ما ذكر، هو اللائق الموافق لمذهب الجمهور" [فيض القدير (2/472)]

والنصوص الواردة في وجوب شيء في المال غير الزكاة، كثيرة، نذكر منها ما يأتي:

حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (دخلت امرأة النار في هرة، ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض) [البخاري رقم (3140) ومسلم رقم (2242)]

فقد دل الحديث على أن هذه المرأة دخلت النار، لحبس الهرة، وعدم إطعامها وسقيها، ومعنى هذا أن إطعام الهرة – ومثلها بقية الحيوانات – واجب على من حبسها، والإطعام إنما يكون من مال الحابس، فثبت أن في المال حقا غير الزكاة.

وهو حق عارض، وليس بالأصالة.

ومنها حدبث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به) رواه الطبراني والبزار وإسناد البزار حسن.

وعن ابن عباس، أنه قال، وهو ينْحَل ابنَ الزبير: قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع) رواه الطبراني وأبو يعلى، ورجاله ثقات. [مجمع الزوائد (8/167)]

ونفي الإيمان هنا لا يراد به الإيمان المندوب، وإنما يراد به الإيمان الواجب، الذي يأثم صاحبه، فدل الحديث على وجوب حق في المال غير الزكاة، عند الضرورة أو الحاجة.

ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه، مات على شعبة من نفاق). [ مسلم برقم1910]

هذا الحديث بظاهره لا دليل فيه على أن في المال حقا غير الزكاة، لأنه لم يذكر فيه المال، ولكن حديثا آخر، رواه أبو أمامة، رضي الله تعالى عنه عن الرسول عليه الصلاة والسلام ، قال: (من لم يغز، ولم يجهز غازيا، أو يخلف غازيا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة) [سنن الدارمي برقم (2418) وأبو داود برقم (2503)] يدل على أن من جهز غازيا، سلم من النفاق الذي ذكر في حديث أبي هريرة، ومعنى ذلك أنه تجهيز الغازي بالمال، أحد الواجبات على المسلم، وهي: أن يغزو، أو يحدث نفسه بالغزو، أو يخلف أهل الغازي بخير، أو يجهز غازيا، ليسلم من النفاق.


ولهذا المجال بقية.