المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (024)الإسلام وضرورات الحياة - المبحث الثالث:



أهــل الحـديث
09-07-2014, 09:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




مفسدات العقل التي يجب حفظه منها

سبق أن العقل نعمة من نعم الله تعالى، وأنه يؤدى وظيفتين:

الوظيفة الأولى: إقامة دين الله الذي يوصل إلى ثوابه ورضاه في الآخرة، وأن هذه الوظيفة هي المقصودة بالدرجة الأولى.

الوظيفة الثانية: استغلال طاقات الأرض وعمارتها مادياً، وهذه وسيلة لأداء الوظيفة الأولى.
ولا يمكن للعقل أن يؤدي الوظيفتين كما أراد الله تعالى إلا إذا حُفظ مما يُفسده، فما مفسدات العقل؟

مفسدات العقل قسمان:

القسم الأول: مفسدات معنوية:

وهى: أن يتلقى العقل تصوره عن الأمور الغيبية والأفكار المتعلقة بتوجيه نشاطه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأخلاقي، إضافة إلى الجانب العبادي، من غير منهج الله سبحانه.

وهو عندئذ إما أن يتصور الغيب تصوراً غير إسلامي كما هو شأن اليهود النصارى بعد أن حرَّفوا دينهم، وجعلوا إلههم ثلاثة ـ تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً ـ وشأن اليهود قبلهم الذين قالوا: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} ـ وإن بدت بين الطائفتين فروق في الجملة ـ ويجتمعون على الكفر بدين الإسلام الذي جاء به محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام من عند ربه، وإما أن يجحد الغيب جحداً صريحاً، فيكون ملحداً لا يؤمن بشيء من أصول الإيمان ولا فروعه.

وإما أن يؤمن بالغيب ويتلقى تصوره لإيمانه وفكره وسلوكه من غير منهج الله أو منه ومن غيره، في ألوهية الله وربوبيته وأسمائه وصفاته.

كما هو شأن من ينتسب إلى الإسلام من غُلاة الصوفية الذين يؤمنون بوحدة الوجود، ويزعمون أنهم حصلوا على العلم اللدني مباشرة من عند الله، وأنهم في غنىً عن شريعة الله التي جاء بها في الكتاب والسنة.

وقد لا يقول بعضهم بوحدة الوجود، ولا يدعى أنه مستغنٍ عن شريعة الله، ولكنهم يؤلهون البشر من دون الله، كعُباد القبور الذين يطوفون بها ويطلبون من أصحابها ما لا يُطلب إلا من الخالق، ويعادون دعوة التوحيد. وقد يزعم بعضهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام، ليس بشراً ومن زعم أنه بشر فقد كفر.

ولا شك أن كل ما مضى كفرٌ مخرج لصاحبه عن ملة الإسلام إذا قامت عليه الحجة وأصرَّ عليه.

وقد يدخل الفساد إلى العقل في أسماء الله وصفاته، كما هو شأن غُلاة الجهمية الذين ينكرون أسماء الله وصفاته، وذلك آيلٌ إلى جحد الصانع نفسه، وهو كسابقه كفرٌ بالنسبة لمن قامت عليه الحجة وأصر على جحده.

وقد يدخل الفساد إلى العقل بسبب تأويل أسماء الله وصفاته وصرفها عما أراد الله بها، وهذا لا يدخل في الكفر، بسبب شبه قامت لدى المتأولين جعلتهم يتمسكون به، والله يغفر لمن علم حسن نيته وعدم عناده في هذا الباب.
وهناك أنواع كثيرة من المبتدعين والمخرفين منهم من يكاد يبلغ ضلاله إلى الكفر، ومنهم من هو دون ذلك. ولا شك أن تلك البدع والخرافات مفسدة للعقول بمقدار بعدها عن منهج الله.

وهناك نظريات وأفكار أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية كالعلمانية، والاشتراكية، والقومية، وغيرها مما أفسد عقول البشر عامة، وعقول كثير من أبناء المسلمين خاصة.

وليس ذكر هذه المذاهب والأفكار هنا لبيان أوجه فسادها والرد عليها، وإنما المراد التنبيه على أنه يجب حفظ العقل من كل ما يفسده بالحجج البينات من قبل علماء الإسلام، وبالزجر والعقاب من قبل ولاة الأمور الذين نجاهم الله من فساد العقول، فآمنوا بالإسلام وارتضوه ديناً.

وفساد العقول بالتصورات الخاطئة والبدع والخرافات والأفكار الفاسدة، أخطر من فسادها بالمسكرات كالخمر ونحوها.

وهذا ما يفسر لنا بعض أسباب مكث الرسالة الخاتمة ثلاثة عشر عاماً، تصفي فيها العقول من الشرك والوثنية والخرافات، وعدم تعرضها لكثير من الأحكام الفرعية التي منها شرب الخمر. والذي يتأمل القرآن الكريم في الفترة المكية يجد ذلك واضحاً كل الوضوح.

ولقد كان للجن صولاتٌ وجولاتٌ في إفساد العقولِ قبل الإسلام، بسبب ما كانوا يحصلون عليه من استراق السمع من السماء، وكانوا يضيفون إلى الكلمة الواحدة من الصدق تسعاً وتسعين كذبة، فيصدقهم الناس.

فلما جاء الإسلام حرس الله السماء بالشهب التي كانوا يُرمَون بها، ليحفظ العقول من فسادهم، إضافة إلى حفظ العقول بالوحي المنزل من السماء.

قال تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رصَدًا (9) وَأَنَّا لا نَدْري أَشَرٌ أُريدَ بِمَنْ فِي الأَرضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ ربُّهُمْ رشَدًا(10)}.
وفي حديث ابن عباس، رضي الله عنهـما، قال: انطلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين، وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب.

فرجعت الشياطين، فقالوا: مالكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، قال: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا أمر ما حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث؟

فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء.

قال: فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بنخلة، وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر.

فلما سمعوا القرآن تسمعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهناك رجعوا إلى قومهم.

فقالوا: يا قومنا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرءَانًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْركَ بِربِّنَا أَحَدًا(2)}.

وأنزل الله جل وعز على نبيه عليه الصلاة والسلام: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَر مِنَ الْجِنِّ} وأوحى إليه قول الجن) [البخاري (6/73) ومسلم (1/331).].

وفي حديث عبد الله بن عباس أيضاً قال: كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا عليها تسعاً وتسعين، فأما الكلمة فتكون حقاً، وأما ما زادوا فيكون باطلاً، فلما بُعث رسول الله عليه الصلاة والسلام، مُنعت الجن مقاعدها من السماء بالشهب، قال: ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبليس: ما هذا إلا من أمر قد حدث في أرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله ‘ قائماً يصلى بين جبلين بمكة، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الذي حدث في الأرض" [الترمذي (5/427-428) وقال هذا حديث حسن صحيح. وذكره ابن منده في كتابه "الإيمان" (2/703) وقال: إسناده صحيح.].

والشاهد من هذه النصوص أن الله تعالى عندما أنزل وحيه لهداية البشر، حفظ عقولهم من العقائد والخرافات التي تفسدها من قبل الجن.

وإذا كان تعالى قد حفظ العقول من خرافات الجن بالشهب، فانه قد أمر العلماء بأن يرموا من يخالف الإسلام من شياطين الإنس بشهب القرآن والسنة. وأمر الحكام أن يرموا من أراد أن يفسد هذا الدين كذلك بشهب الحديد.

كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرسَلْنَا رسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرهُ وَرسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ(25)}.

ويدخل في ذلك سؤال المنجمين والعرافين وتصديقهم في قولهم. وقد روى بعض أزواج النبي ‘ عنه أنه قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) [مسلم (4/1751).].

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قَال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فيما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام) [الحاكم في المستدرك، (1/ 49) وقال: "هذا حديث صحيح على شرطهما جميعاً من حديث بن سيرين ولم يخرجاه".].

ومن أجل صيانة العقول وحفظها من التصورات الفاسدة، رأى العلماء من فقهاء الإسلام إحراق الكتب المضلة وعدم ضمانها.

قال ابن القيم، رحمه الله: "وكذلك لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها، قال المروذي: قلت لأحمد: استعرت كتاباً فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: نعم. وقد رأى النبي عليه الصلاة والسلام، بيد عمر كتاباً اكتتبه من التوراة، وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعَّر وجه رسول الله عليه الصلاة والسلام، حتى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه.

فكيف لو رأي النبي عليه الصلاة والسلام ما صنف بعده من الكتب التي يعارض بها ما في القرآن والسنة، والله المستعان. وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام، من كتب عنه شيئاً، غير القرآن، أن يمحوه، ثم أذن في كتابة سنته، ولم يأذن في غير ذلك.

كل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة غير مأذون فيها، بل مأذون في محقها وإتلافها، وما على الأمة أضر منها. وقد حرق الصحابة جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان لما خافوا على الأمة من الاختلاف، فكيف لو رأوا هذه الكتب التي أوقعت الخلاف والتفرق بين الأمة؟
وقال الخلال: أخبرني محمد بن هارون أن أبا الحارث حدثهم، قال: قال أبو عبد الله: أهلكهم وضع الكتب، تركوا آثار رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأقبلوا على الكلام" [انتهى كلام ابن القيم من الطرق الحكمية ص275.].

وهكذا يجب أن تحفظ عقول الناس، وبخاصة المسلمين من جميع المذاهب الهدامة، والأفكار الفاسدة التي تفسد العقول سواء كان ذلك عن طريق الكتب، أو الصحف والمجلات، أو الإذاعة أو التلفاز أو الفيديو أو الشريط، أو عن أعظم فتنة وجدت على ظهر الأرض إلى الآن، يمكن إفساد العقول والدين والحق عن طريقها، وهي الشبكة العالمية...

وإذا كان حرق الكتب وإتلاف الآلات فيهما صعوبة اليوم بسبب كثرة المطابع المتقدمة ذات السرعة الهائلة، ومثلها صناعة الآلات، وهى غير متمحضة للشر. كما كانت آلات اللهو في الأزمنة الماضية.

فإن الواجب أن تغمر الكتب والمجلات والصحف والأشرطة الإسلامية، وشاشاة التلفزة ومواقع الإنترنت بالحق من أهل الحق بالحقائق التي توضح منهج الإسلام ومحاسنه وتبين زيف المناهج المخالفة، في بلدان المسلمين وأسواق العالم كله بلغاته السائدة، فالكتب التي كان يرى العلماء حرقها، ذهب وقت فائدة رأيهم في وقتهم.

واليوم لا يقارع الحجة إلا الحجة، وما يفعله بعض الناست من حجب بعض مواقع الإنترنت اليوم لم يعد يجدي نفعا، لأن وسائل اختراق ذلك الحجب أكثر من وسائل الحجب.

فيجب أن تخصص فضائيات ومواقع كبيرة قوية في الشبكة العالمية "الإنترنت" يشرف عليها متخصصون، ويتعاون معهم العلماء الأكفياء الذين يجمعون بين الفقه في الدين والخبرة بواقع العصر ومشكلاته، مع القدرة على إقامة الحجج المقنعة بالحق وتزييف الباطل بالأساليب المعاصرة المؤثرة.

وأن تهتم مناهج تعليم أبناء المسلمين، وتتضمن كتبهم الدراسة في جميع مراحلها ما يوضح الحق ويدفع الباطل.

حفظ عقول غير المسلمين من الفساد المعنوي:

وكذلك يجب على القادرين في هذه الأمة، أن يهيئوا وسائل إعلام واتصال قادرة على إيصال الحق الذي جاء به الإسلام إلى عقول غير المسلمين في العالم، وكشف ما علق بتلك العقول من الباطل والفساد، ليحققوا بذلك رسالتهم التي كلفهم الله القيام بها، وهي دعوة الناس إلى هذا الدين الذي لم يبق في الأرض حق سواه مما خالفه.

فإن حفظ عقول الناس بإيصال الحق إليها، وحفظها من الباطل، من أهم الأسباب التي تطهر الأرض من الفساد والظلم والعدوان اللذين نشاهد انتشارهما في الأرض ممن ملكوا القوة المادية على المستضعفين في الأرض.

ومعلوم أن غالب الناس مهما بُيِّن لهم الحق وأقيمت عليهم الحجة، لا يستجيبون للإيمان بهذا الحق، ولكن البيان وإقامة الحجة عليهم، قد يخفف من شرهم الذي يريدون إيقاعه بغيرهم؛ لأن البرهان يأسر النفوس ويجعلها تفكر في تصرفاتها التي تعلم أنها باطل غير مشروع.

ومن عجب أن نرى كثيراً ممن بيدهم مقاليد أمور الأمة الإسلامية، قد هيئوا وسائل الإعلام في بلدانهم، لإفساد عقول أبناء المسلمين بكل أنواع الفساد، فدمروا حياتهم بإفساد عقولهم، بالعقائد والأفكار والمبادئ المخالفة لدينهم، بدلاً من حفظها من ذلك.

فتعاونت على إفساد عقول أبناء المسلمين، أجهزة وسائل الإعلام في بلدانهم، وأجهزة وسائل أعداء المسلمين، فكان لذلك أثر خطير غير خافٍ على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!

وقد اهتمت بهذا القسم كتب العقيدة والفكر، ولا يذكر غالباً في كتب الفقه عند الكلام على ضرورة حفظ العقل، وإن كان قد يشمله حفظ الدين، لذلك وجب التنبيه عليه.