المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (012)السباق إلى العقول - نماذج من الأخلاق الفاضلة.



أهــل الحـديث
09-07-2014, 08:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





ولنذكر شيئا من الأخلاق الفاضلة التي يتصف بها أهل الحق، وقد يتصف ببعضها أهل الباطل، ولكن ليس كاتصاف أهل الحق بها، لأن أهل الحق يمتازون عن سواهم في الاتصاف بالأخلاق الفاضلة بميزات لا توجد في غيرهم، كما مضى. ومن تلك الأخلاق:


أولا: الإخلاص في الأعمال.


أي إنهم يريدون بأعمالهم وجه الله وحده، فلا يتصفون بخلق ولا يعملون عملا يريدون من ورائه مدحا ولا ثناء من غير الله، ولا جاها أو منصبا أو مالا أو غير ذلك من المخلوقين، كما قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين..}. [البينة 5] والذي يعمل العمل مخلصا لله، لا يترك عمله من أجل هوى أو شهوة أو تقربٍ لأحدٍ من الخلق [وقد فصلت القول في أهمية الإخلاص وصعوبته والأسباب المعينة على الاتصاف به في كتاب: الإيمان هو الأساس، في مبحث: الإيمان باليوم الآخر، فليراجعه من شاء…]

http://www.al-rawdah.net/r.php?sub0=allbooks&sub1=ikhlas&p=1 (http://www.al-rawdah.net/r.php?sub0=allbooks&sub1=ikhlas&p=1)

وما أكثر إلحاح الكتاب في شئون الإدارة، والشركات، وغيرها على الإخلاص لتلك المؤسسات، ويقصدون به الوفاء بالعقد والعهد والتفاني في العمل، ولكن ذلك الإخلاص الذي يلحون عليه، غالبا ما يفقدونه في أعمال الموظفين بها، لأن الإخلاص المطلوب منهم، ليس هو الإخلاص لله، الذي إذا اتصف به العامل اتصافا صادقا، يحرص كل الحرص على استصحابه في كل أعماله.

وإذا كان الكاتبون في الشئون الإسلامية يذكرون الإخلاص لله تعالى في عبادات المسلم لربه، فإن المسلم الصادق الذي يصدر منه ذلك الإخلاص في العبادات، بلا رياء ولا سمعة، فإنه غالبا يعتبر أعماله المباحة أو الواجبة لغيره عليه من أمور الدنيا، يعتبر ذلك عبادة، من أجل أن تكثر حسناته فيما يبتغي به وجه الله، ومن جهة أخرى فإن المخلص الصادق لله في عباداته، تجده تقيا ورعا، فلا يخدع ولا يغش من عمل معه بأجر أو بغير أجر، وبخاصة إذا تعاقد معه أو عاهده أو وعده، فالمخلص الصادق مع الله ينفعه إخلاصه في الآخرة، وينفعه وينفع غيره في الدنيا، ولذلك يجب أن يسابق أهل الحق من المسلمين من العلماء وغيرهم أهل الباطل، إلى عقول الناس وقلوبهم، بغرس الإخلاص في قلوبهم ونفوسهم.


ثانيا: التزام الصدق.


وخلق الصدق في الإنسان يجعله مستقيم السيرة مع ربه ومع الخلق: يصدق في إيمانه وفي عبادته، وفي معاملاته مع أسرته، ومع جيرانه ومع مجتمعه كله، وباستقامة الناس على هذه السيرة المبنية على الصدق تستقيم الحياة.

والصدق شرط أساسي في أهل الحق الذين يسابقون أهل الباطل إلى العقول بحقهم، فلا يقبل الحقَّ الإلهيَّ إلا الصادقون، ولا يحمله إلا الصادقون، ولا يدعو إليه ويثابر في الدعوة إليه إلا الصادقون، ولا يصبر على البلاء في السباق إلى العقول بالحق إلا الصادقون.

فالصادقون هم أهل الحق الذين يَحْيَونَ صادقين، مهما كلفهم الصدق من تبعات، ويموتون على الصدق بإذن ربهم، لأنهم يعلمون أنه لا ينفع عند الله إلا الصدق، ولا يبقى الحق في الأرض إلا بالصدق، ولا حق بدون صدق، كما أنه لا صدق بدون حق.

ولما كان الله تعالى هو الحق، وهو مصدر الحق أسند إلى نفسه الصدق، ونفى أن يكون أحد أصدق منه، كما قال تعالى: {قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}. [آل عمران 95] وقال تعالى: {ومن أصدق من الله حديثا}. [النساء 87]وقال تعالى: {وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا}. [النساء 122]

والصدق من صفات أولي العزم من الرسل – وفيهم قدوة لأهل الحق من المسلمين -الذين يسألهم الله يوم القيامة عن صدقهم إقامة للحجة على من كذب بالصدق، ولا يكذب بالصدق إلا الكاذبون، كما قال تعالى: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا، ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما}. [الأحزاب 8]وقال تعالى: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون}. [الزمر 33]

وأهل الحق الصادقون ينفعهم صدقهم عند الله يوم يلقونه في الدار الآخرة، كما قال تعالى: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم}. [المائدة 119]

وإنما كان للصدق هذه المنزلة العظيمة لما يترتب عليه من الآثار السامية، فإن صاحبه يَصْدُق ربَّه في إيمانه وفي عبادته، فلا يكون منافقا يظهر خلاف ما يبطن، ولا مرائيا يعمل العمل الذي ظاهره الصلاح من أجل أن يراه الناس فيحمدونه، فإذا خلا بنفسه بارز الله بخلاف ذلك، ويَصْدُق الناسَ الذين يتعامل معهم في أي موقع كان، حاكما كان أو محكوما، خادما كان أو مخدوما، أبا كان أو ولدا، يُصَدِّق فعلُه قولَه، فتسري الثقة بين الناس بالصدق، ولا يتوجس أحد من آخر خيفة بسبب الكذب. إيمانه صادق وجهاده بأعز ما يملك: (ماله ونفسه)، صادق كما قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} [الحجرات 15]

ويظهر هذه المنزلةَ العظيمة للصدق، الكذبُ - وبضدها تتميز الأشياء - الذي هو من أبرز صفات أعداء الله من الكافرين والمنافقين، وإمام الكاذبين هو إبليس الذي يعدهم ويمنيهم ويكذب عليهم ويغريهم بالكذب، مسابقا به إلى عقولهم، فيضلهم عن الحق حتى يكذبوا به ويصدقوا الباطل، فإذا جاء اليوم الذي لا ينفع فيه إلا الصدق وعاينوا جزاء التكذيب بالصدق، بث حقده عليهم وأظهر ازدراءه لهم، وخطب تلك الخطبة العظيمة الصادقة، لينزل الحسرة في قلوبهم ويتبرأ منهم.
فهناك يعرفونه على حقيقته التي حذرهم الله منها في الدنيا، فلم يحذروها، كما قال تعالى:{وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شئ قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص، وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي [أصل الصراخ: الصوت الشديد، والصارخ: المستغيث. والمصرخ-على وزن المكرم-المغيث.] إني كفرت بما أشركتمونِ من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم} [إبراهيم 22]

تأمل قوله: {إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم} أي إن الله الحق أمركم بالحق ووعدكم على الإيمان به وفعله وعدا حقا، وهو رضاه عمن آمن بالحق وفَعَلَه، وصدَق الله في وعده فأثاب أولياءه رضاه وجنته، كما قال تعالى بعد الآية السابقة: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ (23)} [إبراهيم]

أما إبليس فقد صدهم عن الحق وأغراهم بالباطل، ووعدهم في الدنيا بالسعادة إذا هم اتبعوه، وذلك كله كذب وافتراء، فلم يُعْمِلوا عقولهم ويفكروا بها ليعرفوا صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وكذب الشيطان، فاتبعوا خطوات الشيطان، فكانت تلك عاقبتهم في الآخرة: عذاب الله الذي لا يغني عنهم منه أحد من قادة الكفر والاستكبار الذين كان خطاب إبليس خيبة أمل لهم جميعا في ذلك الموقف الرهيب.

وهذا هو جزاء كل من اتبع أهل الباطل من زعماء الضلال المحاربين لله ولرسوله، الذين دأبهم الكذب على أتباعهم في دينهم ودنياهم يكفرون بالله ويحاربون شريعته، ويحلفون الإيمان المغلظة بأنهم هم المؤمنون: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون، اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كنوا يعملون}. [المنافقون 1-2]

ويفسدون في الأرض بتأييد الكفر والكافرين وموالاتهم، ونشر الفسق والفجور وتيسير سبل ارتكاب الفواحش والمنكرات والمحرمات، ومناصرة الظلم والظالمين، وحجب العدل عن الضعفاء، والانغماس في الترف المهلك الذي يعينهم عليه السلطان والمال، ومحاربة أهل الحق والصلاح الذين يدعون الناس إلى الحق والصلاح، ويحذرونهم من المنكر والفساد، ويضلل أولئك المفسدون جماهير الناس المغفلين بقلب الحقائق، وبالكذب المتكرر منهم على تلك الجماهير مزينين لهم أعمالهم منفرين لهم من سماع ما يدعوهم إليه أهل الحق، ويدَّعون أن فسادهم صلاح وصلاح أهل الحق فساد، كما قال تعالى:

{وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)} [البقرة]. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12)}. البقرة]

وإذا كان يترتب على الكذب واتباع أهله ذلك الجزاء الأخروي، فإنه يترتب عليه في الدنيا أيضا الفوضى والاضطراب وسوء العاقبة والمحن التي تزلزل البشر زلزالا شديدا في كل شؤون حياتهم، وسيأتي لذلك مزيد بيان.