المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (09)مفتاح باب الريان - رمضان محطة سفر إلى الجنة



أهــل الحـديث
07-07-2014, 07:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





المجال الخامس: اجتماع كلمة المسلمين على الحق

الجماعة فريضة في القرآن والسنة.

لقد أمر الله تعالى المؤمنين أن يعتصموا بحبله، ونهاهم عن التفرق والتنازع، لما في اجتماع كلمتهم على الحق من قوة وعز وسؤدد، وتعاون على البر والتقوى، وإعلاء لراية الإسلام، وهيبة في نفوس الأعداء، ونصر من الله عليهم، ولما في التفرق والتنازع من الضعف والخور والفشل والعدوات والإحن، ومن إطماع الأعداء في العدوان على أرض المسلمين وعرضهم، وأموالهم، ومساجدهم، كما قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم} الآية: آل عمران: 103.

وقال تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} الأنفال: 46.

وقال تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذتحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريدا لآخرة}. آل عمران: 151.

وأمر الرسول عليه الصلاة والسلام-كما أمر الله تعالى-بلزوم الجماعة والاعتصام بحبل الله، كما في حديث حذيفة، رضي الله تعالى عنه، يقول:(كان الناس يسألون رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني-إلى أن قال-: فما تأمرني إن أدر كني ذلك؟-أي زمن الدعاة إلى أبواب جهنم-قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) [اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (ص: 485، رقم: 1211)]"


وسائل اجتماع المسلمين

وقد خص الله هذه الأمة بوسائل شرعها لها، تجتمع بها كلمتها، وتتراص صفوفها، وتنال بها العزة على أعدائها، وهذه الوسائل المشروعة التي خص الله بها هذه الأمة، تفقدها سائر أمم الأرض، وهي كثيرة نذكر منها الوسائل الأربع الآتية:

الوسيلة الأولى: أن الله تعالى حفظ لها مصدر منهاج حياتها، الذي يوجهها دائما إلى الحق، و يجمع كلمتها عليه، وهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه-وكذا سنة رسوله، عليه الصلاة والسلام.

فهي تأخذ توجيهها منه، وكله حق وكل ما خالفه باطل، فإذا تنازعت هذه الأمة في شيء، رجعت إليه فقضى بينها بالحق، وأزال التنازع، وردها إلى الاجتماع والائتلاف، كما قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}. النساء: 59

أما الأمم الأخرى التي حرمت نفسها من الإيمان بهذا المنهج الإلهي-بعد أن حرفت وبدلت ما أنزل الله إليها من هداه، كما هو شأن اليهود والنصارى، أو آثرت ابتداء عبادة غير الله على عبادته، فلم تستجب لتوجيه وحيه، كما هو شأن الملحدين والوثنيين-فإن مناهجها كلها تفقد هذه الميزة الربانية، لأنها من صنع البشر الذين لا قدرة لهم على الإحاطة بما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة.

بل لا يزالون يتخبطون في قوانينهم التي يُسِّيرون بها حياتهم، فما يرونه اليوم حسنا، يلزمون أنفسهم بتعاطيه والعمل به ويعاقبون من خالفه، يصبح عندهم غدا سيئا محظورا، يعاقبون من تعاطاه، بل إنهم ليختلفون في الأمر في وقت واحد، فيرى بعضهم حسنه، ويرى الآخرون قبحه، لذلك تجدهم مختلفين في كل شيء متباغضين متعادين، ولا حاكم بينهم إلا أهواؤهم، وأي هوى أحق بالا تباع من غيره!؟

قال تعالى-مبينا نعمته على هذه الأمة، وحرمان الأمم الأخرى أنفسها من تلك النعمة-: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أو توه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}. البقرة: 213.

وقال تعالى: {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون} المائدة: 14.

الوسيلة الثانية: ما شرعه الله من العبادات الجماعية-وإن كان كل فرد مسئولا مسئولية مباشرة عنها-كصلاة الجماعة والجمع في المساجد، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف والخسوف، وصيام رمضان وقيام الليل فيه، والحج الذي يؤديه المسلمون من كل أنحاء الأرض في وقت واحد ومكان واحد، وكذلك العمرة.

الوسيلة الثالثة: أن الله تعالى تفضل على هذه الأمة بالتشريع الحاسم، الذي لا يقبل الاختلاف والاجتهاد في أصول الدين، وأسس الفرائض، وأمهات المحرمات، وعقوبات الجرائم الكبرى، والقواعد العامة للسياسة الشرعية، والأحكام الأسرية، لعلم الله تعالى أن عقول خلقه غير قادرة على ضبط مصالحهم فيها، وأنه لا بد من تشريع ثابت لها.

وترك تعالى للأمة علمائها وأمرائها وعقلائها وذوي الخبرة فيها، الاجتهاد فيما لا يضر الاختلاف فيه، بحسب الأزمنة والأمكنة، واختلاف الأحوال والأشخاص، مما يندرج في نصوص عامة، أو قياس معتبر صحيح.

الوسيلة الرابعة: الجهاد في سبيل الله، الذي شرعه الله لإعلاء كلمته، وهو لا يقوم به إلا جماعة مطيعة، لأمير شرعي، يتكاتف فيه المسلمون ويتعاونون بالمال والنفس والرأي، لإحقاق الحق وإبطال الباطل في الأرض.

وقد أهمل غالب حكام الشعوب الإسلامية، كثيرا من مضامين الوسيلة الثانية كما هو معلوم، وأما الوسيلة الرابعة، وهي وسيلة الجهاد، فقد تواطئوا على محاربتها ومحاربة القائمين بها، ولو كانوا يدفعون بذلك عدوان المعتدين، الذين احتلوا أرضهم و أزهقوا أرواحهم، وأخرجوهم من ديارهم، ودنسوا مقدساتهم، كما هو الحال في فلسطين، وأفغانستان والشيشان، وغيرها.

وسبب محاربتهم تلك، عدم التزامهم بتطبيق شرع الله، وخضوعهم لأعداء الإسلام، من اليهود والنصارى والوثنيين.

فأما رجال الله المؤمنون المجاهدون، فهم ثابتون صابرون على الابتلاء والمحنة، طمعا في الشهادة واحتسابا للأجر، ودفعا للعدوان، وهم مع قلتهم عَدَدا، وضعفهم عُدَدا، قد أرعبوا أعداءهم، كثيري العَدَد، قويي العُدد، وستكون العاقبة لهؤلاء المجاهدين بإذن الله، كما كانت لأسلافهم: {قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} [البقرة(249)]

وأما أعداء الله من ذوي العدوان على الإسلام والمسلمين، الذين يقول لسان حالهم: {من أشد منا قوة}؟ فلهم في سلفهم سنن: {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون} [فصلت (15)]

{إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون} [الأنفال (36)]

وأما المحاربون للجهاد في سبيل الله، ممن ابتغوا العزة عند غير الله من اليهود والصليبيين والوثنيين، فنهايتهم الذلة لمن طلبوا منهم العزة، {الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا} [النساء (139)]

وجزاؤهم الندم يوم لا ينفع الندم، وتلك هي سنة الله أيضا في أمثالهم: {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} [المائدة (52)]

ولولا بقاء الوسيلة الأولى، وهي استمرار المصدر الإلهي المحارَب، محفوظا بحفظ الله له، يرجع إليه من يحرص على طاعة الله بالعمل بما يرضيه، مما تضمنه من تشريع، ولولا ما بقي من عبادات جماعية، وهي الوسيلة الثانية، التي تربط بين المسلمين، ولم يستطع أعداء الإسلام القضاء عليها-مع محاولتهم الجادة للتقليل من شأنها وتقليص وظائفها- كصلاة الجماعة والْجُمَع في المساجد، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، وصلاة الكسوف والخسوف، وصيام رمضان وقيام الليل فيه، والحج، مما أبقى الله به على الصِّلات الاجتماعية والأسرية، ولولا أولو بقية من دعاة الحق الذين لازالوا يحدون بالأمة إلى المحبة والإخاء، لولا ذلك كله وهو من فضل الله وتوفيقه، ومن محاسن هذا الدين وفضائله، لولا ذلك لانحلت البقية الباقية من الروابط الخيرة، التي لا زال المسلمون يتمتعون بها، كما انحلت روابط الأمم الأخرى.

والذي يهمنا هنا هو دور شهر رمضان المبارك في توحيد المسلمين وجمع كلمتهم، وفي الحلقة القادمة بيان لجمع الأمة التي يحدث فيها تقوى الله: {لعلكم تتقون}.