المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (022)الإسلام وضرورات الحياة - الفصل الرابع: حفظ العقل



أهــل الحـديث
04-07-2014, 12:11 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: العقل من أعظم نعم الله على الإنسان.

المبحث الثاني: العقل مناط التكليف.

المبحث الثالث: مفسدات العقل التي يجب حفظه منها.

المبحث الأول: العقل من أعظم نعم الله على الإنسان


العقل من أعظم نعم الله على العبد، جعله الله فرقاً بينه وبين الحيوان بما أودع فيه من طاقة للحكم على الأمور، واستخلاص النتائج من مقدماتها، والغوص إلى معرفة الحقائق الكونية والاستدلال بها على عظمة الخالق سبحانه، وكمال قدرته وحكمته من خلال رؤية إتقان المخلوقات وإحكامها. وتمكينه من استغلال ما أودع الله في الكون من المصالح وفق مراد الله تعالى.

والواجب أن يشكر الإنسان ربه سبحانه على تلك النعمة العظيمة، التي لولاها لكان نوعاً من أنواع الحيوانات.

ولقد أكثر الله تعالى من ذكر العقل أو ما يدل عليه كالأفئدة والقلوب، أو ما هو من وظائفه، كالتفكر للدلالة على ضرورته. وأنه هو الأداة التي يستفيد بها الإنسان من فضل الله تعالى الذي منحه أهل الأرض، سواء كان ذلك الفضل متعلقاً بمعيشته المادية بما يجنيه من بركات السماء وكنوز الأرض، أم بنشاطه الإنساني المستند إلى المنهج الإلهي الذي أنزله الله في كتابه أو بعث به رسوله عليه الصلاة والسلام.

وأن الذي لا يهتدي بهذا المنهج، لا يستفيد بعقله من هذا الكون وما فيه من آيات، إلا كما يستفيد الحيوان من طعامه وشرابه، دون أن يدري من أين جاءه ذلك الطعام والشراب؟ ومن صانعهما؟ وما الحكمة التي اشتمل عليها وجود الإنسان نفسه؟ والفرق بينهما - أي الإنسان الذي لم يهتد بمنهج الله والحيوان - أن الإنسان خلق الله له عقلاً وكلفه وظيفتين:

وظيفة معاشه في الدنيا، من طعام وشراب ولباس ومسكن ومركب وغيرها، وإدارة وتنظيم حياته بما يقيمها

ووظيفة القيام بعبادة الله طبقاً لمنهجه الإلهي.

فقام الإنسان بوظيفته الأولى التي تشبه وظيفة الحيوان، في كونها وظيفة حسية تفي بحاجته، مهما تطورت فإنها إلى زوال، وترك وظيفته الأخرى التي تميزه عن الحيوان وتكسبه رضا الله ومثوبته في دار كرامته.

واستعراض الآيات القرآنية في هذا المعنى، يطول ولذا نكتفي بالإشارة إلى شيء منها:

قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْر عَمَدٍ تَروْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرشِ وَسَخَّر الشَّمْسَ وَالْقَمَر كُلٌّ يَجْري لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّر الأَمْر يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ ربِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرضَ وَجَعَلَ فِيهَا روَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَار إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ (3) وَفِي الأَرضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْر صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(4)}[الرعد].

وقال جل وعز: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَر فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ (11) وَسَخَّر لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار وَالشَّمْسَ وَالْقَمَر وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(12)}.
وقال تعالى: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ يُريكُمُ الْبَرقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 24].

ما معنى هذه الآيات وعلى أي شيء تدل أهل العقول؟

الآيات العلامات التي أودعها الله تعالى في مخلوقات لمن تدبرها وتأملها، وأول ما تدل عليه تلك الآيات وأعظمها هو أن لهذا الكون رباً وخالقاً. ولا يمكن للبشر رؤيته بالعين الباصرة في هذه الدنيا.

ولكن تلك الآيات تدلهم على ربوبيته وعظمته وآثار أسمائه وصفاته، وأنه الذي يستحق أن يُعبد ويُطاع ويُشكر على ما أنعم.

وإن الإنسان مهما بلغ من العلم بحقائق الكون المادية واستغلال ما فيه من مصالح، في سماواته وأرضه، وبحاره وقفاره، وسهوله وجباله وما على وجه الأرض وما في باطنها، إن لم يستعمل عقله في التفكر في تلك الآيات التي تدله على الخالق وتوصله إلى طاعته وشكره، فانه لا عقل له في واقع الأمر؛ لأن الآلة التي لا تؤدي وظيفتها يكون وجودها وعدمها سواء.

كما قال تعالى: ﴿أَرأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً(44)﴾[الفرقان].

وقال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْربُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ(43)﴾[العنكبوت]. وقال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّار الآخِرةُ خَيْر لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفلا تَعْقِلُونَ(32)}[الأنعام].

في هذه الآيات دلالة واضحة أن من يسمون بالعلماء الذين بلغ صيتهم الآفاق، وذللوا للناس بعقولهم المادية في الحياة المعيشية الصعاب، في المساكن والمآكل والمشارب والمراكب ووسائل الاتصال السمعية والبصرية والجسمية والكتابية وغيرها ما يدهش العقول.. إن هؤلاء الذين هذه صفتهم، ولكنهم لم يصلوا إلى الاستدلال بما في الكون من آيات وعبر، على الخالق ووجوب طاعته وشكره، بل أخذ الكِبْر عن طاعته منهم مأخذه، واغتروا بتلك العقول المادية.

إن هؤلاء لا عقول لهم تفيدهم عند ربهم، بل هم أضل من الأنعام في ميزان الله، كما أن نشاطهم المادي المفيد أو الضار شبيه بلعب الأطفال الذي يستغرق أوقاتهم ويملأ نفوسهم بالفرح والارتياح إليه وهو لعب. لأن نتيجته - وإن أفادت الناس في حياتهم المادية - إضاعة الوقت الذي فرض الله عليهم فيه استعمال عقولهم فيما كلفهم إياه، والغفلة عن الهدف الذي أوجد الله من أجله الإنسان، وهو عبادته والسعي في رضاه، وأنهم على الرغم من تسميتهم بالعلماء، فهم غير علماء عند الله لأنهم لم يعقلوا آيات الله: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ﴾. والذين يعقلون آيات الله الكونية هم الذين يعقلون آيات الله الشرعية. كما قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة].

فالعقل من أعظم نعم الله على الإنسان؛ لأنه أداة التفكير التي يعمر بها الكون وتدبر الحياة ويتلقى به شرع الله، وإذا عدم هذا العقل اختل نظام الحياة، لذا كان حفظ العقل ضرورة تجب مراعاته وعدم التفريط فيه.[لمزيد من أهمية العقل راجع كتاب "السباق إلى العقول" للكاتب].