المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (021)الإسلام وضرورات الحياة - المبحث الثاني عشر: حفظ العرض



أهــل الحـديث
04-07-2014, 01:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




المراد بالعرض الشرف، والأصل أن المؤمن مصون شرفه لا يجوز تناوله بما يقدح فيه؛ فلا يجوز سبُّ المؤمن أخاه المؤمن، بل يجب تنزيه لسانه عن السب واللعن والشتم، حتى لغير المسلم، كما تدل على ذلك عموم الأدلة.

روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله عليه صلاة الله وسلامه، قال: (لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً) [مسلم (4/2005).]. وفي حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله، عليه صلاة الله وسلامه، قال: (ليس المؤمن بالطعَّان، ولا اللعَّان ولا الفاحش، ولا البذيء) [الترمذي (4/350) وقال هذا حديث حسن غريب" وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/57) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا بهؤلاء الرواة عن آخرهم ثم لم يخرجاه".].

ولذلك نهى الله سبحانه عن التنابز بالألقاب والسخرية والغيبة والنميمة. كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا يَسْخَر قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرا مِنْهُمْ ولا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرا مِنْهُنَّ ولا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ولا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ولا تَجَسَّسُوا ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رحِيمٌ(12)﴾[الحجرات].

وقد حرم الله سبحانه الأعراض كما حرم الدماء والأموال، وخطب بذلك الرسول ‘ في آخر حياته والمسلمون في أعظم اجتماع لهم في حجة الوداع.

ومما قال في خطبته تلك: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، فليبلغ الشاهد الغائب) [البخاري (1/37) ومسلم (3/1306).].

ومن أشدّ السب ما يمس العرض من القذف بالزنا الذي هو من كبائر الذنوب، حرمه الله تعالى وحرمه رسوله عليه صلاة الله وسلامه، وفرض الله على متعاطيه عقوبة زاجرة في الدنيا؛ وهى جلد القاذف ثمانين جلدة، إذا لم يأت بأربعة شهودٍ عدلٍ يشهدون على صدق ما يقول، وإهانته بين الأمة بالحكم عليه بالفسق وعدم قبول شهادته لسقوط عدالته. فأصبح هو فاقداً للشرف، بدلاً ممن أراد الطعن في شرفه، جزاءً وفاقاً. كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَربَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ولا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(4)}[النور].

وحذر الله سبحانه المؤمنين من الوقوع في عرض المسلم ورميه بما ليس فيه، وبيَّن أن مرتكب ذلك ينال جزاءه في الآخرة وليس في الدنيا فقط. فقال تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مؤمنينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(19)}[النور].

وهذه الآيات نزلت في قصة أم المؤمنين التي رماها رأس النفاق عبد الله بن أبي وقلة ممن تبعه من الصحابة الذين تابوا إلى الله، وهي توجب على الحاكم المسلم أن يقيم الحدين على من يتهمها رضي الله عنهـا بما برأها الله منه: حد القذف وحد الكفر بآيات الله الصريحة في تبرئتها رضي الله عنهـا.

والقذف فيه جناية على الرجل والمرأة المتهمين، وعلى أسرتهما وأقاربهما وعلى المجتمع بأسره، وفيه طعن في نسب الولد الذي اتهمت أمه بالزنا، ولذلك ناسب ذكر هذا المبحث في نهاية هذا الفصل بعد إثبات أن حفظ العرض ضروري يجب حفظه، كما يجب حفظ النسل.

قال ابن قدامة، رحمه الله: "القذف هو الرمي بالزنا، وهو محرم بإجماع الأمة. والأصل في تحريمه الكتاب والسنة.

أما الكتاب فقول الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَرمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمؤمناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(23)}[النور].

وأما السنة فقول النبي عليه الصلاة والسلام: (اجتنبوا السبع الموبقات). قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) [المغني (9/83) والحديث في البخاري (3/195) ومسلم (1/92).].

فحفظ العرض ضرورة لما فيه من صيانة شرف الفرد والأسرة والأمة، ولما في الاعتداء عليه من طعن في الدين والعدالة والنسب، ومن إشاعة الفاحشة.