المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (06)مفتاح باب الريان - رمضان محطة سفر إلى الجنة



أهــل الحـديث
03-07-2014, 07:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





المجال الرابع: الإخلاص.

آيات الصوم بدأها الله بنداء المؤمنين {يا أيها الذين آمنوا} ثم أتبعها بحكم الصيام، فقال: {كتب عليكم الصيام} ومقتضى الإيمان أن يخلص الصائمون نيتهم في صومهم لله الذي فرض عليهم هذه العبادة، كغيرها من العبادات.

والأصل في كل عبادة يؤديها المسلم لربه، أن يكون مخلصا فيها له، لا يشوبها شيء من إرادة غيره تعالى، لأن إرادة غير الله يعتبر نوعا من أنواع الشرك، إما شركا أكبر، كالسجود للأصنام أو القبور، ومثله إراقة دم الحيوان لغير الله على سبيل العبادة، وإما شركا أصغر، كالرياء...

ويشمل ذلك كله قوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} [النساء (31)]
وقد وردت نصوص كثيرة في القرآن والسنة، تحض على الإخلاص بمادته،كقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة (5)]

وقوله تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون} [الأعراف (29)]

وقوله تعالى: {هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب (13) فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (14) [غافر]

وكثير من الناس قد يظن أن الإخلاص لله تعالى أمر سهل لا صعوبة فيه، وهو ظن مبالغ فيه، لأن إخلاص العمل لله يحتاج من العامل إلى مجاهدة نفسه، حتى يُصًفِّيَ عملَه من شوائب إرادة غير الله، إذ النفوس البشرية ترغب في ثناء الناس عليها، وعلى ما تقوم به من أعمال الخير، وقد يغلب حب العبد لذلك على الإخلاص لله، وذلك من أهم عوامل القدح في إخلاصه لربه.

لهذا وردت النصوص في الحث على الإخلاص بصفة عامة، كما مضى، ووردت نصوص في ذم الرياء في الأعمال كذلك، وتشبيه صاحبه بمن لا يؤمن بالله واليوم الآخر، كما قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين} [البقرة (264)]

ونهى تعالى المؤمنين المجاهدين، أن يتشبهوا بالمشركين في ريائهم، فقال تعالى: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط} [الأنفال (47)]

وكثير من العبادات تفتتح بما يذكر العبد بالإخلاص فيها لله تعالى، ويقويه في نفسه.

ومن أمثلة ذلك الصلاة التي تبدأ بتكبيرة الإحرام: (الله أكبر) فالمصلي إذا وفقه الله لمراعاة هذه الجملة وما تحمله من عظمة الله، أُعِينَ على الإخلاص في صلاته من أولها إلى آخرها، فلا يلتفت إلى غيره بل ينجو من الرياء، مع أن الصلاة كلها لا تخلو من ذكر الله، في القيام والقعود والسجود،،،،

وكذلك الحج، الذي يبدأ بقول الحاج أو المعتمر: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) ثم يستمر ذاكرا حتى يودع البيت الحرام ،،، مع حثه على الاستمرار على ذكر الله.

و "الجهاد" قُيِّدَ بهذا القيد "في سبيل الله" فإذا خلا من هذا القيد، لم يعد جهادا شرعيا، كما صحت بذلك الأحاديث.

ومنها، حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي الله العليا فهو في سبيل الله) [البخاري (6/2714) ومسلم (3/1512)]

وجميع العبادات لا يعلم إخلاصَ صاحبِها فيها إلا اللهُ، ومنها الصيام الذي قد يظهر صاحبه أنه صائم لله تعالى، وعلى الناس أن يعاملوه بالظاهر،كالصلاة والحج والجهاد وكل العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله، وقد يكون في علم الله غير صائم، أو انه صام لغرض آخر، وليس لوجه ربه...

ولهذا جاء تكليف الله عباده بالصيام بادئا، بهذا النداء: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} كما مضى.

وأكدت ذلك أحاديثُ صحيحة عن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ، ومنها، حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، قال: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه...) البخاري) (2/534) مسلم (2/729).

واضح من الحديث، أنه لا يترتب على قيام ليلة القدر وصوم رمضان، الثواب الموعود به (غفر له ما تقدم من ذنبه) في الحالين، إلا إذا تحقق في قائم ليلة القدر، وصائم رمضان، أمران:

الأول: أن يكون فعل ذلك إيمانا بالله تعالى وبرسوله وباليوم الآخر، وبأن الله تعالى كلفه القيام بهاتين العبادتين.

الثاني: أن يقصد بقيامه وصيامه وجه الله تعالى، وليس لغرض آخر، كرئاء الناس، من أجل أن يثنوا عليه، فيقال: فلان صائم، أو مجتهد في طلب الأجر من الله في قيام ليلة القدر أو غيرها.

فعلى المسلم أن يجاهد نفسه في أن يكون صيامه وقيامه وقراءته لكتاب الله، وصدقاته، وكل أعمال الخير التي يقوم بها، مرادا بها وجه الله، الذي لا ينفعه ولا يضره إلا الله، ولا يثيبه ويجزيه على عمله إلا هو تعالى، وأنه تعالى مطلع على السر وأخفى.

اللهم وفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك، العمل الذي يجتمع فيه الإخلاص لك، والاتباع لنبيك.