المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكم الخالق



مروان قدري
23-12-2007, 02:24 AM
حكم الخالق

جرياً على عادته اعتاد السلطان ( إبراهيم ) أن يخفي معالمه ويغيِّر من هيئته ،

ويتجوَّل في الأسواق بعد صلاة الفجر ، قبل أن ترسل الشمس أشعتها الدافئة ،

ليقف على أحوال رعيته بنفسه ، دون أن يعرفه أحد ، ويرى بعين بصره وبصيرته

هموم الناس فيسعى في إزالتها ، وليدرك متاعب الحياة ومصاعبها فيحاول تذليلها .

وفي أحد الأيام وقف على باب دكان صغيرة في إحدى الحواري ،

كانت لرجل حائك يحوك على قطعتين من الخشب ويترنم بأبيات من الشعر :



ربي أنت الرازقْ =للعاصي و الآبقْ
تعطي من ترضاه =ذهباً في صنادقْ
وأنا عبدٌ أشكو=فقراً ، لا يفارقْ
إنْ تمنحني مالاً=أشكرْ شكرَ الصادقْ
أو تتركني صِفراً=أرضَ حكم الخالقْ
دخل السلطان دكان الحائك بعدما سمع كلماته وقد اخترقت نياط قلبه ،

فوجدها صغيرة جداً لا يكاد المرء فيها يستطيع بسط ذراعيه .

ـ السلام عليكم ورحمة الله .

ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . هل تريد بساطاً أقوم لك بحياكته ؟

ـ لا ، وإنما أريد التعرف عليك والحديث إليك .

ـ ومنْ أنا يا رجل حتى تتعرف علي وتتحدَّث إلي ؟ أنا عبدٌ من عباد الله طواه النسيان

وعضَّته الأيام ، وقلاه الغنى ، و آخاه الحرمان .

ـ سمعتك تشدو بأبيات شعرية ، فهل هي من قرضك ؟

ـ إنما هي كلمات مبعثرة تجري على لساني كلما ضاقت بي الدنيا .

ـ هل تسمح لي أن أساعدك ؟

ـ كيف ؟

ـ ( وأدخل السلطان يده في جيبه وأخرج كيساً من الدراهم ) خذ هذا المال واستعن
به على الأيام .

ـ معاذ الله أن أمدَّ يدي إلى مخلوق مثلي ، إنما أشكو أمري إلى الخالق وحده ،

شكراً لك ، خذ مالك وانصرف .

ـ يا رجل خذ هذا المال طوِّرْ فيه عملك ، وارقَ بحالك ، فأنا أخوك .

ـ أخي ؟ أين رجال السلطان ينقلون إليه حال العباد ؟ أم أنهم في ملذاتهم غارقون ؟

ـ ما رأيك لو عرفت أني أنا السلطان ؟

ـ وتسخر مني ؟ سامحك الله .

وبعد كثير من الكلام اضطر السلطان أن يكشف له أمره ، فبهت الحائك ،

وأخذته الدهشة كلَّ مأخذ ، وانكبَّ على يد السلطان يريد تقبيلها ..

ثم أخذ الدراهم ودعا للسلطان بطول البقاء .

غادر السلطان دكان الحائك وقد اعترته نشوة إيمانية حيث استطاع انتشال رجل

من مخالب الفقر ، وحمد الله تعالى على ذلك .

لكن الحائك بدأت محنته ، كيف يدخل بالمال على زوجته ؟ وهل لها أن تصدقه ؟

وإنْ صدَّقته هل تستطيع ضبط أعصابها ؟ وإنْ ضبطتها هل تستطيع لجم لسانها وإبقاء الأمر طيَّ الكتمان حتى لا يشعر الجيران بالأمر ؟

فكَّر كثيراً ، ثم قاده تفكيره إلى أن يخفي المال في جرة قديمة في قبو المنزل

ريثما يؤلف لها رواية مقنعة . وهذا ما فعله ،

وكان كل يوم يدخل القبو ويطمئن على الجرة وما فيها إلى أن حدثت الكارثة .

رجع إلى بيته فلم يجد الجرة ، صرخ بأعلى صوته كالمجنون : يا امرأة أين الجرة التي كانت هنا ؟

ـ عفوك يا صابر ، كنت أنظف القبو فتعثرتْ رجلي ووقعت عل الجرة فانكسرت ،

فألقيت بها خارجاً ، انظر إلى رأسي كيف تحطم .

خرج كالشهاب الثاقب خارج المنزل يبحث عن جرته لكنه عاد بخفي حنين .

استسلم لقضاء الله وقدره ، ورضي بقسمته سبحانه ،

وقال في نفسه : (( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ))

وبعد بضعة أشهر أراد السلطان أن يرى آثار نعمة الله على صابر ،

كيف تحسَّنت حاله و تبدَّلت معيشته ؟ فانطلق إلى دكانه ،

ولما بلغها ترامى إلى أذنيه صوته وهو يشدو بالأبيات التي سمعها سابقاً .

فتملكته الحيرة الممزوجة بالغضب .دخل عليه قائلاً

ـ السلام عليكم ورحمة الله .

ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . أهلاً بك سيدي السلطان ( ثم أطرق خجلا )

ـ ما بك يا رجل ؟ أراك على حالتك التي تركتك عليها قبل مدة .

ـ أتصدقني إنْ حدثتك يا سيدي ؟ ( قالها ودموعه تسبق حروفه المتقطعة )

ـ نعم أصدقك ، فالمسلم لا يكذب أبداً .

وقصَّ عليه الأمر بدقائقه وثوانيه .

قال السلطان : هاك كيس من الدراهم آخر ، ولكن حذار من أن تضعه في جرة هذه المرة ، بل سارع في تنمية نفسك وعملك وتجارتك . ثم انصرف .

قال العم صابر : هذه المرة سأضعه في جيب معطفي الوحيد الذي ألبسه في الشتاء ،

فهو في الخزانة قابع ، ونحن في فصل الصيف ، وحتى يحين الشتاء أكون قد تصرَّفت

وأخرجته واستثمرته .

ولكنه لم يهنأ به أيضاً ، رجع إلى داره وعلى عادته فتح الخزانة فلم يجد المعطف ،

نادى زوجته وسألها عنه فأجابته : لقد طرق بابنا هذا الصباح رجل متسول عار من الملابس فأشفقت عليه وأعطيته المعطف ، وقلت في نفسي :
لعل الله يرزقك معطفاً جديداً ـ إذا ما داهمنا الشتاء ـ خيرا من معطفك القديم .

ويعود صابر إلى شعره وآهاته بنفس راضية بحكم الله ، ويأتيه السلطان ثالثة فيجده

على ما تركه عليه ، ولما عرف منه الأمر قال له : إذا كان فجر الغد فائتني القصر ،

ولا تتأخر فإني أريدك في أمر يجب قضاؤه قبل أن يفتح التجار متاجرهم .

لم ينم صابر هذه الليلة ، وأمسى يسبح بخياله في عالم الآمال والأحلام ،

ترى ماذا يريد منه السلطان ؟ بل ماذا يخبئ له من مفاجآت ؟

فالسلطان حسن السيرة سخي اليد كثير العطاء ..

ولأول مرة يدخل صابر قصر السلطان ، فيجده بانتظاره ، ثم ينطلق به مع حاشيته

إلى أحد أسواق المدينة المسقوفة ، وعند مدخل السوق يقف السلطان في موكبه ،

ثم يومئ لأحد مرافقيه فيتقدم نحو صابر ويعطيه كرة من حديد ثم يتراجع .

ـ ماذا أفعل يا سيدي بكرة الحديد هذه ؟

ـ هذا السوق يا صابر هو من أملاك الدولة ، اقذف الكرة إلى أقصى ما تستطيع ،

وعند استقرارها سيكون ريع المحال التجارية عن يمين السوق ويساره لك أنت .

اختلطت على صابر مشاعر الفرح والدهشة والذهول ، ولوَّح بالكرة ثم ألقى بها بكل ما أوتي من قوة .

ارتطمت الكرة بالسقف ثم هوت على رأس صابر فقتلته .

لا تسلني عن الألم الذي اعتصر فؤاد السلطان ، فلقد أحسَّ بضيق في صدره

جعله يعتزل الناس ، وكان يلوم نفسه ويؤنبها على ما اقترفت ، ويستغفر ربه

ويقرُّ بضعفه ، ثم أمر لأسرة صابر بمنزل جديد و مرتب شهري ،

وبينما هو في ضيقه وكربه إذ غفا غفوة فجاءه في المنام عبد صالح يخفف عنه ،

وقال له : أيها السلطان الصالح : لم الحزن ؟ أفقره ربه فأردتَ أن تغنيه .

أماته فهل لك أن تحييه ؟؟ ثم تلا عليه من سورة فاطر : (( ما يفتح الله للناس

من رحمة فلا ممسك لها ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو

العزيز الحكيم ))

بقلم مروان قدري

عاشقة الفردوس الأعلى
19-03-2008, 04:34 AM
نعم

إنه حكم الخالق

أمره نافذ

أبتي سلمك الله من كل سوء

أحببتها كثيرة

دمت بخير

سود العيون
31-03-2008, 11:47 PM
\
سبحان الله

وما قلوب الفقراء إلا القنــاعـة


من البدايــة اقتنع بحالـه


وشكر ربــه وحمد نعمه ، ورضي بحالـــه ..


وحينمـا ابتسم له القدر ، وضحك له الفــرج ..


سرعان ما عبس بوجهه مرات ومرات

لكن


وما يلقاها إلا الذين صبروا ، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم


مروان قدري


عظيــــم


إبداع لا حدود لــه ..


أمتعتنـا ، أمتعتنـا ، أمتعتنــا


أبتــي


القديــر



لك الشكر..


مثل سماء


لا حدّ لهــا ,,





كن بالقرب..



سود

مروان قدري
26-04-2008, 08:58 PM
شكراً من الأعماق

لكل الذين شرفوني بوقوفهم الثمين

عند محطتي هذه

دمتم بخير