المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (010) السباق إلى العقول - الغاية الثامنة غرس الأخلاق الفاضلة في النفوس



أهــل الحـديث
02-07-2014, 01:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



ثامنا: غرس الأخلاق الفاضلة في النفوس.

الجانب الخلقي الفعلي في الإنسان هو الذي يحدد موقع صاحبه أهو إنسان حقا أم أنه أحط من رتبة الحيوان؟!

ولهذا كان أئمة أهل الحق الذين يسابقون غيرهم من أهل الباطل بالحق إلى العقول، هم مصدر الأخلاق الفاضلة وقدوة البشر فيها، ولهذا وصف الله تعالى خاتم رسله محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف العالي: {وإنك لعلى خلق عظيم}. [القلم 4] وعندما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم؟ لم تزد السائل على قولها له: [كان خلقه القرآن]. [صحيح مسلم (1/513) بلفظ: " فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن ".]

وهذا الجواب المختصر جامع مانع (والسنة وحي كالقرآن إلا أنها غير متلوة) يدل على أن تصرفات الرسول عليه الصلاة والسلام في حياته سواء في علاقته مع ربه أو مع الناس قريبهم وبعيدهم كان محكومة بالقرآن، فإذا سمع الناس قوله أو رأوا فعله، علموا معاني القرآن الكريم فيما قال أو فعل، فكأن القرآن ينطق بلسانه ويتحرك بحركته، ولهذا كان القدوة الحسنة لأمته: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا }. [الأحزاب 21]

والأخلاق الفاضلة في الإسلام شاملة لنشاط المؤمن كله باطنه وظاهره، وليست مقصورة على تصرفات محدودة، ويدل على هذا الشمول جواب عائشة السابق: "كان خلقه القرآن.." ولو تتبعنا خلق الرسول وسلوكه في كل باب ونشاط إنساني، فردي أو أسري أو جماعي أو ولاية أمر أو غير ذلك من حياته صلى الله تعالى عليه وسلم، لشمل سلوكه وشمائله كل حياة الإنسان.

ويمتاز اتصاف أهل الحق بالأخلاق الفاضلة عن سواهم من أهل الباطل بأمور:

الأمر الأول: إيمان أهل الحق بمشروعية تلك الأخلاق الفاضلة إيمانا صادرا عن شرع رباني، أي إنها أخلاق مشروعة من عند الله تعالى، فهو الذي شرعها ورضي الاتصاف بها، وإن كانت العقول السليمة تقر بأن تلك الأخلاق حميدة والاتصاف بها خير، وقد يكون عند غير المسلمين بعض الأخلاق الكريمة، قبل الإسلام أو بعده، ولكن الإسلام لم يدع خلقا كريما، إلا شرعه، أمرا به أو مدحا له، أو لصاحبه، أو رتب على فعله ثوابا، ولا ترك خلقا سيئا، إلا نهي عنه أو ذمه، أو ذم صاحبه، أو رتب على فعله عقابا، وقد روى أن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) [صححه ابن عبد البر في التمهيد، والهيثمي في مجمع الزوائد، والسيوطي في الجامع الصغير، والعجلوني في كشف الخفاء، وابن باز في مجموع الفتاوى...]

الأمر الثاني: أن أهل الحق يتصفون بتلك الأخلاق طمعا في رضا الله وهربا من سخطه تعالى، ويرجون عليها ثوابه بدخول الجنة، والنجاة من النار. وهذان من أهم الأسباب التي تجعلهم يحرصون على التزام الاتصاف بالأخلاق الفاضلة.

الأمر الثالث: أن أهل الحق يثبتون على الالتزام بتلك الأخلاق على كل حال ويتخذون اتصافهم بها عبادة لربهم، فاتصافهم بالأخلاق الفاضلة ثابت ودائم، وقد أصل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، لجميع الأعمال الصالحة، قاعدة الدوام والثبات، كما في حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، أنه قال: (إن أحب العمل على الله تعالى أدومه، وإن قل) [صححه السيوطي الجامع الصغير، والألباني في صحيح الجامع وصحيح ابي داود] وليست أخلاق المسلمين الصالحين، تابعة للأهواء وحوادث الظروف تتقلب بتقلبها {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم }. [الأحزاب 36]

الأمر الرابع: أن أهل الحق الذين يتصفون بتلك الأخلاق الفاضلة، يحبون لجميع الناس أن يتصفوا بها مثلهم من أجل سعادتهم بها، ولذلك يسعى أهل الحق سعيا حثيثا للسباق بها إلى عقول الناس وقلوبهم، ودعوتهم المستمرة إلى الاتصاف بها والتمتع بثمراتها، كما يسعون إلى إزالة كل خلق سيئ يفسد حياة البشر وينشر بينهم الضلال والفحش والمنكر، لأن الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أهم ما جاء به منهاج الله الذي يؤمنون به، فهم يأمرون بكل خير، وينهون عن كل شر، وهذا الأمر والنهي بهذا العموم والشمول، لا يوجد عند الأمم الأخرى غيرهم.

ذكر هذا المعنى ابن تيمية رحمه الله، اتصاف هذه الأمة به في أكثر من موضع، مستدلا عليه من القرآن الكريم، قال رحمه الله: "ولهذا كان إجماع هذه الأمة حجة، لأن الله تعالى أخبر أنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر، فلو اتفقوا على إباحة محرم أو إسقاط واجب، أو تحريم حلال أو إخبار عن الله تعالى، أو خلقه بباطل‏:‏ لكانوا متصفين بالأمر بمنكر والنهي عن معروف‏:‏ من الكلم الطيب والعمل الصالح، بل الآية تقتضي أن ما لم تأمر به الأمة فليس من المعروف وما لم تنه عنه فليس من المنكر‏، وإذا كانت آمرة بكل معروف ناهية عن كل منكر‏،‏ فكيف يجوز أن تأمر كلها بمنكر أو تنهى كلها عن معروف‏؟‏ والله تعالى كما أخبر بأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فقد أوجب ذلك على الكفاية منها بقوله‏:‏ ‏{‏وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 104‏]‏‏

وقال في موضع آخر: "وأما إجماع الأمة فهو حق، لا تجتمع الأمة ـ ولله الحمد ـ على ضلالة، كما وصفها الله بذلك في الكتاب والسنة، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 110‏]‏

وهذا وصف لهم بأنهم يأمرون بكل معروف، وينهون عن كل منكر، كما وصف نبيهم بذلك في قوله‏:‏ ‏}{‏الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 157‏]‏، ... فلو قالت الأمة في الدين بما هو ضلال؛ لكانت لم تأمر بالمعروف في ذلك ولم تنه عن المنكر فيه.." [انتهى من مجموع الفتاوى]

والسباق إلى العقول بالأخلاق الفاضلة، من قبل الأمة المسلمة، يكون بالقول والفعل، والفعل أقوى من القول، لأن الناس يرون الخلق يتحرك بحركة صاحبه، ولهذا طمأن نبي الله شعيب قومه، بأنه لا يخالف ما يأمرهم به من عند ربه، كما قال تعالى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ...} [هود (88)] أما القول، وحده فقد يحصل عند الناس شك في وجود مضمونه في حياة أي أمة، فكيف إذا رأى الناس، في فعل كثير منها ما يتعارض مع قولها، وهذا ما أنكره القرآن الكريم على من قبلنا من بني إسرائيل، في كتابه القرآن الكريم: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)} [البقرة]

كما أنكر سبحانه على هذه الأمة إنكارا شديدا، أن تقول ما لا تفعل، فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف]