المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (017)الإسلام وضرورات الحياة -المبحث الثامن: المصالح العائدة على الأمة من حفظ النسل



أهــل الحـديث
29-06-2014, 09:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


كثرة النسل نعمة من النعم الإلهية على الأمم، يكثرونهم أمام أعدائهم، فيدفعون عنهم عدوان المعتدين وينصرونهم بأموالهم وأنفسهم في ميادين الحرب والمعارك، ويوسعون بهم ملكهم بضم ممالك وشعوب إلى ممالكهم و شعوبهم، ويبعثون بهم الهيبة والرهبة في نفوس من يفكر في غزو بلادهم أو يهم بظلمهم، و يقوونهم بنشاطهم وعملهم في كل ما يحتاجون إليه لبسط سيطرتهم و اتساع عمرانهم، يحرثون لهم الأرض ويشقون بها الأنهار ويحفرون الآبار، فيوفرون لهم الطعام مما يزرعون، ويرعون لهم الأنعام التي منها يأكلون ويشربون، وعليها يحملون أثقالهم ويركبون.

ويبنون لهم المصانع التي تمدهم بما يشيدون به المدن العامرة ويبنون الحصون التي تصد عنهم الجحافل الثائرة، وينشئون القصور العالية الفاخرة، ويعدون لعدوهم عدة العتاد والسلاح القاهرة.

والعدو الفرد يحترمه أعداؤه لقوة قبيلته وعشيرته، كما قال تعالى عن قوم شعيب الذين كفروا به: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ(91)} [هود].

قال شيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في قول الله تعالى عن قوم شعيب: {قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَـٰكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}، قال: "بيَّن تعالى في هذه الآية الكريمة: أن نبيه شعيباً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام منعه الله من الكفار، وأعزَّ جانبه بسبب العواطف العصبية، والأواصر النسبية من قومه الذين هم كفار. وهو دليل على أن المتمسك بدينه قد يعينه الله ويعزه بنصرة قريبه الكافر، كما بيَّنه تعالى في مواضع أخر، كقوله في صالح وقومه: {قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ(49)}[النمل].

ولهذا لما كان نبي الله لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ليس له عصبة في قومه الذين أُرسل إليهم، ظهر فيه أثر عدم العصبة؛ بدليل قوله تعالى عنه: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِىۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ}. وهذه الآيات القرآنية تدل على أن المسلمين قد تنفعهم عصبية إخوانهم الكافرين. ففي الآية دليل على أنهم لا قدرة لهم على أن يفعلوا السوء بصالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلا في حال الخفاء، وأنهم لو فعلوا به ذلك خفاء وسرقة، لكانوا يحلفون لأوليائه الذين هم عصبته أنهم ما فعلوا به سوءاً، ولا شهدوا ذلك ولا حضروه خوفاً من عصبته.
فهو عزيز الجانب بسبب عصبته الكفار، وقد قال تعالى لنبينا صلى الله : {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ} أي آواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب. وذلك بسبب العواطف العصبية، والأواصر النسبية، ولا صلة له بالدين ألبتة؛ فكونه جل وعلا يمتن على رسوله ‘ بإيواء أبي طالب له دليل على أن الله قد ينعم على المتمسك بدينه بنصرة قريبه الكافر.

ومن ثمرات تلك العصبية النسبية قول أبي طالب:


والله لن يصلوا إليك بجمعهم



حتى أوسد في التراب دفينا


فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة



أبشر بذاك وقر منه عيونا




وقوله أيضاً:

ونمنعه حتى نُصرَّع حوله



ونذهل عن أبنائنا والحلائل




وقال ابن كثير رحمه الله في قصة قوم لوط معه: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}: "لو أن لي بكم قوة: أي لكنت نكلت بكم وفعلت بكم الأفاعيل بنفسي وعشيرتي، ولهذا ورد في الحديث من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه صلاة الله وسلامه، قال: {رحمة الله على لوط، لقد كان يأوي إلى ركن شديد - يعني الله U - فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه) [تفسير القرآن العظيم (2/453-454) وفي رواية ذكرها ابن أبي حاتم في تفسيره (6/2064) : (في قوة من قومه)".].

وقال سيد قطب رحمه الله في تفسير آية هود في قصة شعيب: "ففي حسابهم عصبية العشيرة, لا عصبية الاعتقاد, وصلة الدم لا صلة القلب، ثم هم يغفلون عن غَيرة الله على أوليائه فلا يضعونها في الحساب! لا عزة التقدير والكرامة ولا عزة الغلب والقهر، ولكننا نحسب حساب الأهل والعشيرة!

وحين تفرغ النفوس من العقيدة القويمة والقيم الرفيعة والمثل العالية; فإنها تقبع على الأرض ومصالحها القريبة وقيمها الدنيا; فلا ترى حرمة يومئذ لدعوة كريمة, ولا لحقيقة كبيرة; ولا تتحرج عن البطش بالداعية إلا أن تكون له عصبة تؤويه; وإلا أن تكون معه قوة مادية تحميه.

أما حرمة العقيدة والحق والدعوة فلا وزن لها ولا ظل في تلك النفوس الفارغة الخاوية". [في ظلال القرآن].

ولما كان لوط عليه الصلاة والسلام، ليس له قبلة يهابها أعداؤه، تمنى عندما خاف على ضيفه من عدوانهم، لو كان له قبيلة تحميه من عدوانهم، كما قال تعالى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ(80)}[هود].

ولقد كانت الأمم تفتخر حين تكفر بدعوة الرسل، وتدعي الفضل لنفسها وتزعم أنها لا ينالها العذاب الذي أنذرها به الرسل، معللة ذلك بكثرة الأولاد والأموال، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(35)}[فاطر].

وقد وصف الله تعالى من يتفاخرون بكثرة النسل والمال، ويستغلون ذلك في العلو في الأرض، لا في عمارة الأرض عمارة ترضي الله تعالى وصفاً دقيقاً يضعهم في الموضع اللائق بهم، وبين ما يستحقونه من عقاب في الآخرة، كما قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ(20)}[الحديد].

وهكذا كانت قبائل العرب تفتخر وتفاخر بكثرة عددها وتبالغ في ذلك غاية المبالغة، ويقرضون في ذلك الأشعار، وهذه طائفة مما قيل في ذلك:

قال عمر بن كلثوم:


ملأنا البر حتى ضاق عنا



كذاك البحر نملأه سفينا



وقال الأخطل:


فقُلْ للنّاسِ إنْ هُمُ فاضَلونا



يعدّوا مثلهنّ لهمْ جلالا


ألَسْنا مِنْ دِمَشْقَ إلى عُمانٍ



ملأنا البر أحياءً حلالا


ودجلة َ والفراتَ وكلّ وادٍ



إلى أن خالطَ النَّعَمُ الجِبالا


وشارَفْنا المدائن في جُنودٍ



لَنا مِنْهُنَّ أكثرُها رِجالا





قال ابن خلدون رحمه الله:
"الفصل الثامن في أن عظم الدولة واتساع نطاقها وطول أمدها على نسبة القائمين بها في القلة والكثرة.
والسبب في ذلك أن الملك إنما يكون بالعصبية، وأهل العصبية هم الحامية الذين ينزلون بممالك الدولة وأقطارها وينقسمون عليها.

فما كان من الدولة العامة قبيلها و أهل عصابتها أكثر، كانت أقوى وأكثر ممالك وأوطاناً، و كان ملكها أوسع لذلك.

واعتبر ذلك بالدولة الإسلامية، لما ألف الله كلمة العرب على الإسلام وكان عدد المسلمين في غزوة تبوك آخر غزوات النبي صلى الله عليه و سلم مائة ألف وعشرة آلاف من مضر وقحطان ما بين فارس وراجل إلى من أسلم منهم بعد ذلك إلى الوفاة.

فلما توجهوا لطلب ما في أيدي الأمم من الملك، لم يكن دونه حمىً و لا وَزَر، فاستبيح حمى فارس و الروم أهل الدولتين العظيمتين في العالم لعهدهم، والترك بالمشرق والإفرنجة والبربر بالمغرب، و القوط بالأندلس، وخطوا من الحجاز إلى السوس الأقصى، ومن اليمن إلى الترك بأقصى الشمال واستولوا على الأقاليم السبعة" [المقدمة].

وقال في موضع آخر: "واعلم أنه إذا فقدت الأعمال أو قلت بانتقاص العمران، تأذن الله برفع الكسب ألا ترى إلى الأمصار القليلة الساكن كيف يقل الرزق والكسب فيها أو يفقد لقلة الأعمال الإنسانية، وكذلك الأمصار التي يكون عمرانها أكثر يكون أهلها أوسع أحوالاً وأشد رفاهية كما قدمناه قبل" [المقدمة].

وفي القرآن شاهد لما ذكره ابن خلدون رحمه الله، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(105)﴾[آل عمران].

وقال تعالى: ﴿وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(63)﴾[الأنفال].

فحفظ النسل وكثرته من نعم الله تعالى على الأمم، فالأمة التي تشكره على ذلك وتستغل نعمته به في عمارة الأرض ونشر الخير العدل فيها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يؤيدها الله تعالى بالتمكين والعزة في الدنيا ويثيبها برضاه وجنة الفردوس في الأخرى.

قال تعالى: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ(42)}[الحج].

والأمة التي تتخذ كثرة نسلها وقوتها في التكبر على غيرها من الأمم ونشر الظلم والعدوان في الأرض، تكون عاقبتها أن ينزل الله بها بأسه ويهزمها كما هزم الأحزاب من قبلها في الدنيا، وتنال منه عقابها الشديد في الآخرة.

قال تعالى: {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(86)}[الأعراف].

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(9)}[الروم].

وقال تعالى في الرد على الذين قالوا: {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ(37)}[سبأ].

استمرار سنة فائدة حفظ النسل وكثرته:
وهذه السنة مستمرة في الأرض فكل أمة حافظت على نسلها وكثرته، وأحسنت إدارته وأحاطته بنظام يضبط تصرفاته وينوع تخصصاته، واستغلت نشاطه استغلالاً يمكنها من جعله يحقق مصالحها وأهدافها التي رسمتها لنفسها، لا بد أن تقطف ثمرة ما أعدت أبناءها له، وهذا أمر مشاهد في واقع الأمم.

وها هي دول الغرب: أوربا وأمريكا والدول التي دارت في فلكها، كأستراليا واليابان وغيرها تسيطر على العالم الخامل الذي يسمى في المصطلح السياسي والاقتصادي الحديث بـ"الجنوب" أو الدول "النامية" في كل مجال من مجالات حياتها: السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية والاجتماعية.. وغيرها.

وعندما أصاب دول الغرب خلل ما في حفظ النسل، وقلت نسبة سكانه، وأحست بالخطر، أخذت في السباق إلى العقول التي سميت بالمهاجرة لتعوض النقص الذي حصل في معدلات نموها السكاني.

وبهذا تكون الدول الغربية قد نجحت في السباقَين إلى عقول الناس؛ السباق المعنوي، وهو العقائد والمبادئ والأفكار والسلوك ـ وقد ألفتُ في ذلك كتاباً خاصاً سميته "السباق إلى العقول" ـ، والسباق المادي، وهو جر العقول التي تنوعت تخصصات أصحابها، في كل العلوم الكونية، من كل الشعوب الأخرى، بما فيها الشعوب الإسلامية.

ولم تزل تواصل ذلك في غالب شهور السنة، وتحقق بمن توافق على هجرتهم أهدافها وقوتها التي استغلتها في العدوان على البلدان الإسلامية وبخاصة الشعوب العربية لمحاولة السيطرة الظالمة عليها [راجع لهذا الموضوع على سبيل المثال: البيان الإماراتية 30 أيار 2006م وافتح هذا الرابط في الشبكة العالمية "إنترنت": http://www.atassiforum.org/main.php?...art&artid=1104 (http://www.atassiforum.org/main.php?page=viewart&artid=1104).].

كثرة العدد وقلة فائدته:

وإذا كثر عدد أي أمة في أي دولة، ولم يكن له أثر في تقدمها ورقيها، فلا بد أن يقارنه خلل إداري وضعف في التنظيم، وفوضى في الانضباط، وسوء في التصرفات والتدبير، وعدم وضع ذوي التخصصات في أماكنهم المناسبة لتخصصاتهم.

وتمتاز الأمة الإسلامية عندما تسوء إدارتها ويتخلخل نظامها الذي تشترك فيه مع غيرها أن يكون ذلك ناشئاً عن ضعف في إيمانها ضعفاً يجعلها تفرط في إقامة أحكام الدين والحكم بما أنزل الله، وتحكم ما يخالفه، وتفقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنغمس في فيما يغضب الله من المعاصي والمنكرات، وأنواع من الظلم الذي يفقدها العدل والمساواة بين أفرادها وأسرها كما هو واقع اليوم في غالب البلدان الإسلامية، فتكون مع كثرة أعدادها "غثاء" كغثاء السيل الذي وصفها به الرسول ‘.

روى ثوبان رضي الله تعالى عنه، قال قَال رسول عليه الصلاة والسلام: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها) فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: (بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن) فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت) [أبو داود، كتاب الملاحم ج/2 ص250. وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، وفي السلسلة الصحيحة].

وروى الحديث أبو هريرة، قال سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام: يقول لثوبان: (كيف بك يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم كتداعيكم على قصعة الطعام تصيبون منه؟). قال ثوبان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أمن قلة بنا؟ قال: (لا، أنتم يومئذ كثير ولكن يلقي في قلوبكم الوهن) قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: (حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال) [قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/287) دار الريان للتراث العربي، دار الكتاب العربي : "رواه أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه وإسناد أحمد جيد".].