المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (014)الإسلام وضرورات الحياة - الفصل الثالث: حفظ النسل



أهــل الحـديث
26-06-2014, 09:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


وفيه تمهيد واثنا عشر مبحثاً:
المبحث الأول: حب الله لحفظ النسل.
المبحث الثاني: ترغيب الرسول عليه الصلاة والسلام في كثرة النسل.
المبحث الثالث: الترغيب في النكاح.
المبحث الرابع: النهي عن التبتل والرغبة عن النكاح.
المبحث الخامس: تحريم قتل الأولاد وإجهاض الحوامل بلا ضرورة.
المبحث السادس: عناية الإسلام بالنسل وجناية القوانين عليه.
المبحث السابع: المصالح العائدة إلى الآباء من حفظ النسل.
المبحث الثامن: المصالح العائدة على الأمة من حفظ النسل.
المبحث التاسع: الهدف من حفظ النسل والنسب والعلاقة بينهما.
المبحث العاشر: أسباب وجوب حفظ النسب في الإسلام.
المبحث الحادي عشر: تحريم نفي النسب أو إثباته على خلاف الواقع.
المبحث الثاني عشر: حفظ العرض.


تمهيد

إن الله سبحانه خلق الحياة الدنيا لعمارة الأرض على أساس منهجه، ووفقاً لشريعته التي أرسل بها أنبياءه، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وخلق هذا الإنسان فيها ليعمرها ويستغل فيها ما منحه الله من خيراتها، من بركات السماء وكنوز الأرض وخيراتها.

فكانت عمارتها تقتضي وجود هذا الإنسان إلى يوم القيامة، وحيث إن مشيئة الله تعالى اقتضت أن تكون الأعمار محدودة، حيث لا يمر ـ في الغالب ـ مائة عام قبل انقضاء الجيل الذي يعيش على الأرض لهذا كان حفظ النسل ضرورة من ضرورات الحياة.

وقد أودع الله في الحيوانات كلها دوافع التناسل، باجتماع ذكورها بإناثها الذي يثمر التوالد.
ولولا ذلك لانقطع النسل الحيواني في فترة قصيرة من عمر الأرض، وإن كان الله عز جل وعز قادراً على أن يوجد حيواناً يخلف مثيله بلا سبب؛ لأنه هو خالق الأسباب والمسببات.

ولكنه جلت قدرته ربط الأسباب بالمسببات، وجعل المسبب مبنياً على سببه والنتائج مترتبة على مقدماتها، وإن كانا جميعاً بمشيئته وتابعين لقدرته.

وفرَّق تعالى بين الحيوانات والإنسان في كيفية التوالد كما فرَّق بينها وبينه في التكليف الشرعي.

فترك الحيوانات تتوالد بما أودع الله فيها من غريزة، وإن اختلفت أجناس الحيوانات في أساليب تلك الكيفية وإشباع تلك الغريزة، فكان لكل جنس طريقته في اتصال ذكره بأنثاه.

إلا أن كل جنس منها سائر على أسلوبه المفطور عليه بدون تغيير، وكان ذلك كافياً في استمرار تناسل تلك الحيوانات، و قد يتصارع الذكور منها على أنثى واحدة، فإذا غلب عليها أحدها اتجهت الذكور لإناث غيرها.


ولا فرق بين أن تكون الأنثى أماً للذكر أو أختاً أو غيرهما، فالمطلوب لهما جميعاً قضاء شهوة مؤقتة فحسب. أما محافظتها على أولادها بعد ولادتها، فتلك غريزة أخرى أودعها الله فيها، لم تكن في بالها وقت إشباع غريزتها.

أما الإنسان فهو بخلاف ذلك، فقد كلفه الله تعالى تكليفات وقيَّده بنظام لحياته يضبطه شرعُه، ومن ذلك أسلوب توالده الذي هو أفضل سبيل للتناسل وسيأتي مزيد بيان لذلك في المباحث الآتية..

المبحث الأول: امتنان الله بإيجاد النسل وحبه له ولحفظه

فقد امتنَّ الله تعالى على عباده برزقه لهم بالبنين وبأولاد البنين الذين هم جميعاً امتداد لنسلهم، الذين يقومون بخدمتهم وينصرونهم على من يعتدي عليهم، كما امتن عليهم بأطايب الأرزاق الأخرى، من المال والطعام والشراب واللباس وغيرها، فقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يؤمنونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرونَ(72)} [النحل].

وقد اختلف المفسرون في "الحفدة" فقال بعضهم: هم أولاد الأولاد، وقال بعضهم: الأصهار، وأصل "الْحَفْد" الخدمة؛ فحفدة الرجل هم الذين يسرعون في خدمته وطاعة أمره، ولا شك أن أولاد البنين يدخلون في ذلك دخولاً أولياً؛ لأنهم في الغالب أكثر حدباً وخدمةً وطاعةً من غيرهم.

ولهذا رجح بعض المفسرين أنهم أولاد البنين، كما قال القرطبي رحمه الله: "قلت: ما قاله الأزهري من أن الحفدة أولاد الأولاد هو ظاهر القرآن بل نصه، ألا ترى أنه قال: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} فجعل الحفدة والبنين منهن.

وقال ابن العربي: الأظهر عندي في قوله بنين وحفدة، أن البنين أولاد الرجل لصلبه، والحفدة أولاد ولده وليس في قوة اللفظ أكثر من هذا، ويكون تقدير الآية على هذا وجعل لكم من أزواجكم بنين ومن البنين حفدة وقال معناه الحسن" [تفسير القرطبي (10/144.].

ومما يدل على حب الله تعالى لكثرة النسل، حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه الآتي قريباً، وفيه حث الرسول عليه الصلاة والسلام، المسلمين على نكاح النساء الكثيرات الإنجاب.

وقال حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، رحمه الله: "وفي التوصل إلى الولد قربة من أربعة أوجه:

الأول موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد، لإبقاء جنس الإنسان - إلى أن قال -: " أما الوجه الأول فهو أدقَّ الوجوه وأبعدها عن أفهام الجماهير، وهو أحقها وأقواها عند ذوي البصائر النافذة، في عجائب صنع الله تعالى ومجاري حكمه. وبيانه أن السيد إذ أسلم إلى عبده البذر وآلات الحرث، وهيأ له أرضاً مهيأة للحراثة، وكان العبد قادراً على الحراثة، ووكل به من يتقاضاه عليها، فإن تكاسل وعطل آلة الحرث وترك البذر ضائعاً حتى فسد ودفع الموكل عن نفسه بنوع من الحيلة، كان مستحقاً للمقت والعقاب من سيده.

والله تعالى خلق الزوجين وخلق الذكر والأنثى، وخلق النطفة في الفِقار، وهيأ لها في الأنثى عروقاً ومجاري، وخلق الرحم قراراً ومستودعاً للنطفة.

وسلط متقاضي الشهوة على كل واحد من الذكر والأنثى، فهذه الأفعال والآلات تشهد بلسان ذلق في الإعراب عن مراد خالقها، وتنادي أرباب الألباب بتعريف ما أعدت له. هذا إذا لم يصرح به الخالق تعالى.

فكيف وقد صرح بالأمر وباح بالسر، فكل ممتنع عن النكاح مُعْرض عن الحراثة، مُضيع للبذر، مُعطل لما خلق الله من الآلات المعدة، وجانٍ على مقصود الفطرة والحكمة المفهومة من شواهد الخلقة. فالناكح ساعٍ في إتمام ما أحب الله إتمامه، والمُعرض معطل ومضيع لما كره الله ضياعه" [إحياء علوم الدين (2/24-25) وراجع كتاب التبيان في أقسام القرآن لابن القيم ص205 وما بعدها.].

فترك النكاح إذن يخل بمراد الله من خلق الذكر والأنثى على الهيئة التي خلقهما الله تعالى عليها، وتعاطي النكاح بصفة تعطل حفظ النسل معارض للمصلحة التي أرادها الله تعالى من ذلك الخلق وتلك التهيئة الربانية العظيمة.

وذلك مما يبغضه الله تعالى. وتعاطي النكاح بصفة مشروعة تؤدي إلى حفظ النسل كما أراد الله سبحانه، محبوب له سبحانه.

لذلك كان لا بد من توجيه رباني وشرع إلهي ينظم اجتماع الذكر والأنثى، ليؤدي ذلك إلى الغاية التي أرادها الله تعالى من هذا الاجتماع و هو النكاح الذي شرعه الله تعالى لعباده.