المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (09)الإيمان هو الأساس- التدريس الفِرَقِي وأثره في التزكية



أهــل الحـديث
23-06-2014, 10:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



سبق الكلام على بعض الأمثلة في مناسبة أسماء الله وصفاته، للسياقات التي تذكر فيها، وأن المقصود من دراسة أسماء الله وصفاته، هو التعبد بها، والتأثر بذلك في طاعة الله والبعد عن معاصيه، وتزكية النفوس بالتعبد بها.

وهنا لابد من التنبيه على أمر مهم جداً، وهو أن الواجب على العلماء الذين يقومون بتدريس الإيمان (العقيدة)، وبخاصة أسماء الله وصفاته، أن يجعلوا جُلَّ اهتمامهم تزكية طلابهم بمعاني هذه الأسماء والصفات، بحيث يغرسون تلك المعاني في نفوسهم، ويفقهونهم فيها، تزكيةً وتفقيهاً يحدثان في حياتهم آثار تلك المعاني، من محبة الله وطاعته والطمع في ثوابه، ومن إجلاله وجبروته وعظمته والهيبة منه وخشيته والبعد عن معاصيه وتوقي عقابه.

ولا ينبغي أن يكون الهدف الأول من تدريس أسماء الله وصفاته، ذكر اختلاف الفرق فيها والمقارنة بين ذلك الاختلاف، من إثبات ونفي، وتأويل وتحريف.

فالأصل في التعرف على الله بأسمائه وصفاته أن يتعبد المتعرفُ ربه بهذه الأسماء والصفات، ويملأ قلبه بمعانيها ويهتدي بها ليكون صالحاً مصلحاً في الأرض، محارباً للفساد والإفساد.

أما ذكر مذاهب الفرق في أسماء الله وصفاته فذلك أمر طارئ لا ينبغي أن يكون هو الأساس في تدريسها ودراستها؛ لأنه لا يؤدي إلى المقصود من العلم بها والتعرف عليها وهو التعبد بها الذي أمر الله عباده به، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.

فعلى من يريد التصدي لتدريس طلابه أسماء الله وصفاته، أن يهتم هو أولاً فيتفقه فيها ويعلم المقصود من التعرف عليها، ويزكي نفسه بمعانيها، حتى تحدث فيه الأثر الذي أراد الله أن تحدثه في النفوس، وبذلك يكون معلماً ومزكياً ربانياً وقدوةً حسنة يؤثر في طلابه بسلوكه قبل التأثير فيهم بتدريسه، ثم ينقل تلك المعاني التي أثَّرت فيه إلى طلابه بادئ ذي بدء، ولا يتعرض لمذاهب الفرق فيها إلا بعد أن يشعر بأنه قد غرس تلك المعاني في نفوسهم، وفقههم فيها تفقيها قرآنياً نبوياً، وليس تفقيها فِرَقِيّاً، فالعلم بها، والإيمان بمقتضاها، والتعبد بها، هو المقصود الأول من دراستها.

ثم يأتي بعد ذلك التنبيه على ما وقع من انحراف في منهج بعض الفرق في أسماء الله وصفاته، فيبين الحق من الباطل بأدلته، حتى يكون الدارس على علم بزلل تلك الفرق وانحرافها، سواء أكان ذلك تشبيهاً، أو تحريفاً، أو تأويلاً، مع بيان الأسباب التي أوجدت تلك الانحرافات، والحجج الدامغة لها.

وإن الطالب الذي يتبع في تدريسه هذا المنهج الرباني للأسماء والصفات، لجدير أن يرفض كل انحراف فِرَقِيٍّ فيها، لما وقر في نفسه وقلبه من معانيها العظيمة، ولما أحدثته في حياته من استقامة على صراط الله المستقيم. وتنبيهه بعد ذلك على تلك الانحرافات ما هو إلا تزويده بالحجج والبراهين التي تدحض تلك الانحرافات وشُبه أهلها.

أما ما يسير عليه الآن كثير من مدرسي أصول الإيمان (العقيدة) من الاهتمام أولاً بمذاهب الفرق في الأسماء والصفات، وعدم اتباع المنهج الرباني الذي سلكه القرآن الكريم وسار عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، وأصحابه والتابعون من علماء السلف الصالح، من التزكية الإيمانية بالأسماء والصفات والتعبد بها، فهو منهج فِرَقِي جافٌّ مخالف لذلك المنهج الرباني و ينبغي إعادة النظر فيه، ووضعه في مكانه اللائق به، كما مضى.

وبهذا نعلم السبب وراء الجفاف الروحي الذي يتصف به كثير من الطلاب الدارسين للأسماء والصفات على المنهج الفرقي الجاف، فهو منهج يفقد صاحبه التزكية الربانية التي أراد الباري سبحانه من عباده بلوغها من التعبد له بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا.