المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أثر عظمة الله في الخشوع له - عظمة الله في ملكه(8)



أهــل الحـديث
22-06-2014, 11:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



إن تدبر العقلاء أسماء الله تعالى وتدبر بعض ما يدخل في كل اسم منها من معان مما يظهر للمتدبر، ليظهر من عظمة الله تعالى ما يجعل القلوب تخشع وتذل له سبحانه وتوجل هيبة ورهبة وخشية من جلاله، ورغبةً إليه ومحبةً له وطمعاً في رحماته وتوفيقه وهداه.

إن رجلا يُمَلِّكه الله تعالى قطعةً في الأرض تشتمل على خيرات من الأرزاق في ظاهرها وباطنها، يتربع على سرير الرئاسة أو الملك يسيطر على شعب متنوع الأصناف: فقير وغني وجاهل وعالم، وقوي وضعيف، يحيط به الجيوش الكثيرة، والخدم والحشم الوفيره، يتسابقون في السمع له والطاعة، تجد الناس ينظرون إليه نظرة احترام وهيبة، وخوف ورهبة، لا يعصون له أمراً، ولا يرتكبون له زجراً، يرجون منه الكرم والفضل، ويخافون الحرمان والعزل، يدعونه بصاحب الفخامة أوالجلاله احتراماً له وتعظيماً، وتقرباً إليه وتسليماً، مع أن ملكه مجاز وليس حقيقة؛ لأن الذي منحه ذلك الملك هو خالقه ومالكه الذي يعطي ويمنع ويعز ويذل، ويميت ويحيي، الذي قال لنبيه ولكل من يصلح لتوجيه الخطاب إليه: {قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)}. [آل عمران]

وملك غير الله من المخلوقين مع كونه نسبياً في الزمن الذي قد يمتد لصاحبه مدة حياته، وقد يسلب منه قبل ذلك، هو نسبي في المضمون كذلك؛ لأنه مهما عظم في نظر المخلوق يعد شيئاً ضئيلاً بجانب ملك الخالق العظيم، فهو ملك مضمحل باطل في حقيقة الأمر؛ لأن الله تعالى مالك كل شيء في الدنيا وفي الآخرة، وغيره مالك ما ملكه الملك الحق في وقت دون وقت، كما قال تعالى عن نفسه: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ...(114)}. [طه]

قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "أي وجوده وملكه وكماله حق، فصفات الكمال، لا تكون حقيقة إلا لذي الجلال، ومن ذلك: الملك، فإن غيره من الخلق، وإن كان له ملك في بعض الأوقات، على بعض الأشياء، فإنه ملك قاصر باطل يزول، وأما الرب، فلا يزال ولا يزال ملكاً حياً قيوماً جليلاً". انتهى.

فهو تعالى وحده الذي يخفض ويرفع، ويهب ويمنع، ويذل ويعز، لا يملك أحد من خلقه شيئاً إلا ما ملكه إياه تمليكاً مؤقتاً يهبه متى شاء لمن يشاء على ما يشاء، ويسلبه متى شاء.

هذا في الدنيا؛ أما في الآخرة فهو تعالى وحده مالك يوم الدين، يخاطب فيه عباده الذين برزوا من قبورهم للجزاء العادل الذي لا يتميز فيه أحد عن أحد، بل ينال كل منهم جزاء ما قدم، كما قال تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)}. [غافر]

ترى ألا تجعل عظمة الله تعالى في ملكه في الدنيا والآخرة، جلود العقلاء من البشر تقشعر، وقلوبهم ترتجف وتخبت وتخشى وتخشع لهذا الرب العظيم؟

كررت في هذا البحث ذكر "عقلاء البشر" عن قصد، مع أن المسلمين وحدهم هم المنتفعون بعقولهم التي تجعلهم يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويخبتون لله تعالى؛ لأن آيات الله الكونية قد أخضعت عقول كثير من علماء الكون غير المسلمين من ذوي التخصصات المتنوعة، من فلك وطب وجيولوجيا وفيزياء، إلى الإيمان بأن هذا الكون لا بد له من خالق مدبر، إذ أدهشهم ما في الكون العلوي والسفلي من دقة ونظام، دال على أنه من المستحيل أن يكون هذا الكون وُجد بدون خالق، ومن البحوث التي ألفت في ذلك كتاب "العلم يدعو إلى الإيمان". وقد أسلم بعض هؤلاء العلماء بناء على ذلك، وبعضهم اعترف بوجود الله بعد أن كان ملحداً