المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (011)الإسلام وضرورات الحياة - الفصل الثاني: حفظ النفس



أهــل الحـديث
22-06-2014, 10:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



وفيه عشرة مباحث:

المبحث الأول: تحريم الاعتداء على النفس بغير حق.

المبحث الثاني: بيان العلماء خطر قتل النفس بغير حق.

المبحث الثالث: تحريم اعتداء الإنسان على نفسه.

المبحث الرابع: تناول المضطر ما حرم عليه لإنقاذ حياته.

المبحث الخامس: التحقق من وجود شروط القتل فيمن يستحقه.

المبحث السادس: وجوب إقامة البينة في قتل النفس المحرمة.

المبحث السابع: تأخير القتل لمن يخشى من قتله الضرر على غيره.

المبحث الثامن: عدم قتل غير المكلف.

المبحث التاسع: ربط إقامة الحدود بولي الأمر.

المبحث العاشر: سد الذرائع في قتل النفس.

المبحث الأول: تحريم الاعتداء على النفس


قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مؤمنا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا(93)}[النساء].

وهذا الوعيد الذي اشتملت عليه هذه الآية، كافٍ في حرمة النفس وعدم جواز الاعتداء عليها، والآيات المحرمة لقتل النفس بغير حق كثيرة، ولكن وعيد هذه الآية أشد من غيرها من الآيات، فلنكتفِ بها [يراجع تفسير الآية في كتب التفسير، ومنها الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير.].

وقد وردت أحاديث كثيرة في تحريم الاعتداء على النفس والوعيد عليه، من ذلك: حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: (لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) [البخاري (8/38) ومسلم (3/1302).].
فقد حرم عليه الصلاة والسلام، دم المسلم إلا إذا أتى إحدى هذه الثلاث، ومنها قتل النفس بغير حق، ففيه تحريم الاعتداء على النفس بغير حق، وفيه أن جزاء من قتل نفساً بغير حق القتل.

وروى أبو الدرداء، رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام، يقول: (كل ذنب عسى أن يغفره الله، إلا من مات مشركاً، أو مؤمن قتل مؤمناً متعمداً) [أبو داود (4/463) وقال المحشي على جامع الأصول: وإسناده صحيح.لصاحبه]. وفي استثناء قاتل المؤمن عمداً من المغفرة وقرنه بالشرك الذي لا يغفر، غاية الوعيد، وهو في معنى آية النساء السابقة.

وروى عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دماً حراماً). وقال ابن عمر: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله" [البخاري (8/35) وراجع فتح الباري (12/188).].
وفي حديث معاوية، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام :(كل ذنب عسى أن يغفره الله إلا الرجل يقتل المؤمن متعمداً، أو الرجل يموت كافراً) [النسائي (7/75) قال المحشي على جامع الأصول (10/208): وهو حديث حسن.].

وهو كغيره من الأحاديث السابقة التي قرن ذنب قتل النفس بغير حق بالذنب الذي لا يغفره الله تعالى، وهو الشرك.

وفي حديث بريدة، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (قتل المؤمن أعظم من زوال الدنيا) [النسائي (7/76-77) وقال المحشي على جامع الأصول (10/208) وهو حديث حسن.].

وأخبر عليه الصلاة والسلام، أن أي قتل حرام وقع في الأرض يصيب منه ابن آدم الذي سن القتل نصيبه من الإثم، كما في حديث ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه: "أن رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: (ليس من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه سن القتل أولاً) [البخاري (8/35) ومسلم (3/1303).].

وأخبر عليه الصلاة والسلام، عما يصيب قَتَلَةَ الناس طاعة لآمريهم من الطغاة الظلمة. وأن ذلك على نقيض من قتل تنفيذاً لأمر الله ورفع كلمة الحق. كما في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: "قال رسول الله (يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل، فيقول: يا رب هذا قتلني، فيقول الله تعالى: لم قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي، ويجئ الرجل آخذاً بيد الرجل، فيقول: إن هذا قتلني، فيقول الله تعالى: لم قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان، فيقول: فإنها ليست لفلان، فيبوء بإثمه) [النسائي (7/78) قال المحشي على جامع الأصول (10/210) وإسناده حسن.].

(011): المبحث الثاني: بيان العلماء خطر قتل النفس بغير حق


سبق قول ابن عمررضي الله تعالى عنهـما: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله.

قال ابن الأثير، رحمه الله: "ورطات" جمع ورطة، وهى الهلاك، وأصل الورطة أرض مطمئنة لا طريق فيها، أَوْرَطَهُ، أي أوقعه في الورطة [جامع الأصول (10/205).].

ولشدة الوعيد الوارد في القرآن والسنة ـ كما مضى في المبحث السابق ـ رأى بعض السلف أن القاتل عمداً لا توبة له. قال ابن كثير، رحمه الله: "وقال الإمام أحمد ـ وساق سنده إلى سالم بن أبى الجعد ـ عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، أن رجلاً أتى إليه، فقال: أرأيت رجلاً قتل رجلاً عمداً فقال: { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا}﴾ الآية.

قال: لقد نزلت من آخر ما نزل ما نسخها شيء حتى قبض رسول الله ‘، وما نزل وحي بعد رسول الله.
قال: أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحاً، ثم اهتدى؟ قال: وأنى له التوبة وقد سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام، يقول: {ثكلته أمه، رجل قتل رجلاً متعمداً، يجيء يوم القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره. تشخب أوداجه دماً، من قبل العرش، يقول: يا رب سل عبدك فيم قتلني؟). وقد رواه النسائي عن قتيبة، وابن ماجه، عن محمد بن الصباح عن سفيان بن عينية عن عمار الذهبي ويحيى الجابري وثابت الثمالي عن سالم بن أبى الجعد عن ابن عباس، فذكره، وقد روي هذا عن ابن عباس من طرق كثيرة [الترمذي، وقال: هذا حديث حسن، والنسائي (7/78)]

وممن ذهب إلى أنه لا توبة له زيد بن ثابت، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد بن عمير، والحسن، وقتادة والضحاك بن مزاحم" [تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/536).].

ولا شك أن وعيد قاتل المسلم عمداً شديدٌ جداً، ولكن النصوص الأخرى في الكتاب والسنة تدل على أن الله تعالى يقبل التوبة من أي ذنب اقترفه العبد، وأنه تعالى يغفر لمن شاء ممن مات ولم يتب إلا الشرك فانه لا يغفره إلا بالتوبة.

كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِر أَنْ يُشْركَ بِهِ وَيَغْفِر مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْركْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْمًاً عَظِيمًا(48)}[النساء]. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَر ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ولا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَملا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا(71)}.

وغاية ما يقتضيه الوعيد الشديد في قتل المسلم عمداً أن الله تعالى لا يغفر لفاعله، بل يعذبه بقدر ذنبه ثم يدخله الجنة بعد ذلك، كما دلَّت الأحاديث أنه يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، والتخليد المذكور في القتل عمداً، قد يراد به طول الإقامة لا دوامها، وقد يراد به أن ذلك جزاؤه إذا كان مستحلاً؛ لأن استحلال ما علم تحريمه من الدين بالضرورة كفر أكبر، لا يغفره الله إلا بالتوبة منه.

وقد ناقش ابن كثير رحمه الله هذه المسألة وذكر أدلتها بعد ذكره رأي ابن عباس ومن ذكر معه، وذَكَر قصةَ الإسرائيلي الواردة في الصحيحين، الذي قتل مائة نفس، ثم سأل عالماً، هل له توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة. وليس هذا المقام مقام تفصيل في هذه المسألة وإنما ا المراد التنبيه على خطر قتل النفس بغير حق.

وقال ابن حزم، رحمه الله: "لا ذنب عند الله تعالى بعد الشرك أعظم من شيئين: أحدهما تركُ صلاةِ فرضٍ حتى يخرج وقتها، والثاني: قتل مؤمن أو مؤمنة عمداً بغير حق" [المحلى (10/342) وراجع نيل الأوطار للشوكاني (7/50).].

إن حفظ النفس - مع كونها من أعظم ضرورات حياة الناس وما لها من أهمية عند الله[- قد أصبحت عند من يحاربون شريعة الله مستباحة، بقوانين تصادم القرآن الكريم وسنة الرسول عله الصلاة والسلام، وإجماع علماء الأمة، فلينتظروا وعيد الله الذي سيصلونه يوم الدين.