من المسؤول عن استمرار مقتل شهيدات الواجب على الطرقات؟
--------------------------------------------------------------------------------
د. فوزية أبو خالد
لا بد أن أصارحكم أننا كلنا مجتمع وأفراد ومؤسسات رسمية وأهلية مسؤولون اليوم بلا استثناء عن دم النساء السعوديات من المعلمات الشابات والأمهات اللواتي يذهب دمهن هدرا على الطرقات العاثرة الممتدة ثعابين تخطف الحياة بين مناطقهن البعيدة وبين المناطق النائية لمدارس البنات.
ولذا لا أستطيع كمواطنة وككاتبة تحمل أمانة الكلمة والقضايا الإنسانية والوطنية على قلة حيلة ما أحمله من أدوات أن أفعل ما يفعله بعض من هم في موقع المسؤولية ويجب أن يكونوا في موقع المساءلة فأكتفي بالحوقلة - وكلنا بطبيعة الحال نسير بحول الله وقوته - أن أمسح يدي من دم هؤلاء المواطنات بورق الصحف ثم أقلب الصفحة التالية أو صفحة المنشيتات لأقرأ على سبيل المثال تصريحات كبار المسؤولين عن الإنجازات المزمعة وما إليه من أخبار منتخبة عن جهود مجلس الشورى في تجاهل فتح ملف القضايا العاجلة التي تهم المواطن من الغلاء المعيشي إلى تفشي الفساد في عدد من القطاعات أو أتابع إعلانات عيادات التجميل وبيع الخرد أو القصور والمميز من أرقام السيارات والجوالات.
فهل يعقل أن يصبح خبراً عادياً أن يموت سنوياً هذا العدد من المربيات والمعلمات في طريقهن لتأدية واجب العلم ونستمر نحن كل عام في ترديد ومضغ نفس الملامات وتبادل الاتهامات المبطنة أو الصريحة ثم يغلق (ملف قضية ملحة وحارة مثل هذه تتصل بأرواح مواطنين ومواطنات وتيتم جيل من الأطفال) على لوم الضحية (السائق الشايب) أو (السائق المستقدم) أي لوم أحد الضحايا أو لوم (الحافلات المتهالكة المتهربة من الفحص الدوري).
لقد صعقني ورفع ضغطي حد التميز من الغيظ أن أقرأ على الصفحة الأولى لجريدة الحياة مما تناقلته (بحبر بارد) معظم صحفنا بنفس الصيغة ونفس المسببات خبر موت باقة المعلمات على طريق تبوك في غبشة فجر نهاري دراسي الشهر الماضي مسوغ بسبب باهت غير منطقي وغير إنساني يبرر إزهاق تلك الأرواح المشرئبة بقول إن سبب الحادث هو (محاولة التجاوز غير النظامي لسائق سيارة المعلمات لشاحنة كانت تمشي أمام سيارة المعلمات فاصطدمت سيارة المعلمات بسيارة قادمة على نفس الطريق). تخيلوا معي وقد تخيلت ماذا لو قامت إحدى المقتولات وقرأت الخبر هل سترى استهانة واستخفافا بالحياة والعقول معا أكثر من هذا التبرير.
ولنفترض هنا أنه من المسموح به أن نطرح بعض الأسئلة عن مسؤوليتنا الاجتماعية الفادحة في مثل هذه الحوادث المروعة علنا بقليل من الأسئلة لا نعتادها أو على الأقل نفعل شيئا ونحدد المسؤول عن استمرارها والذي عليه دفع الدية ولو من قبيل المسؤولية الأدبية بإخلاء منصب لم يحل فيه أو يربط في مسلسل غيلة المعلمات السنوية التي يكاد يتجاوز عمرها اليوم عشر سنوات.
ولنبدأ وإن على استحياء بطرح بعض الأسئلة وأبدأ مثل الصحف بمساءلة الضحية:
فنسأل أولاً سائق حافلة المعلمات والمعلمات أيضاً السؤال التالي باعتبار أنهن يشاركن في القيادة من المقعد الخلفي بحسب التعبير البالغ الجارح للكاتبة فوزية الجارالله.
- لماذا أردتم أيها السائق وأيها المعلمات تجاوز الشاحنة والطريق ضيق ووعر ويعاني من شح الإسفلت في طول وعرض البلاد ومخزونها النفطي في الأسواق العالمية ويسير باتجاهين متعاكسين على خط واحد؟
- هل أيها السائق فعلت ذلك من قبيل التفحيط واختراق نظام المرور واستعراض قدراتك القيادية وتسلية المعلمات من مشقة الطريق بلعبة رعب حوادث السيارات على الطريق؟
نسأل أيضاً:
لماذا أيتها السيارة الأخرى المنكوبة القادمة على نفس خط سير الطريق الذاهب كنت تسيرين بالاتجاه المعاكس هل من قبيل مخالفة أنظمة المرور واستعراض العاب الخفة على الصبح؟
ونسأل أيضاً:
لماذا أيتها الشاحنة العارمة كنت تسيرين بذلك البطء الشديد بمعدل 40 أو 60 كيلو مترا في الساعة في تلك الساعة من الصبح وعلى ذلك الطريق بالذات وسائقك يعلم أن خلفه حافلة معلمات عليها أن تنهب الطريق بما لا يقل عن 120 كيلو متراً في الساعة ليصل المعلمات إلى المدارس قبل بدء الحصة الدراسية الأولى, هل كان ذلك من قبيل مداعبة المعلمات واختبار قدرتهن على الصبر أو الإمعان في لعبة الموت؟
ونسأل أيضاً من يدلنا بالله عليكم عن المسؤول:
- هناك عينة عشوائية مكونة من عدد من المواطنين طرحت هذا السؤال وتعمدت أن أسأل أيضا عن بعض مقترحات الحلول. فتعددت الإجابات على النحو التالي:
- المسؤول الطرقات الرديئة جدا ذات (الخط الواحد للمجيء والذهاب) بين المراكز والأطراف المتمثلة في عدد كبير من القرى والهجر التي لم تصل إليها بعد ما يزيد على 30 عاماً من انطلاقة خطط التنمية 1975م أي من مشاريع تأسيس البنية التحتية للمجتمع السعودي مما تملئ أخباره الصحف المحلية صباح مساء.
- وهنا لا بد أن نحاول التخمين ليس إلا, من تراه المسؤول عن رداءة الطرقات, وزارة التخطيط, وزارة النقل والمواصلات, شح ميزانية هذه الوزارات, ضعف التخطيط, ضياع مشاريع التنفيذ, بخس المناقصات؟
- هل جرب أحد الوزراء المعنيين بالطرقات أو التخطيط أو سواهم من المسؤولين وهم أعرف مني بمواقعهم أن يسافر برا على أحد هذه الطرقات ويجرب بؤسها وفزعها مثلا الطريق من عرعر إلى الحديثة؟
لقد قمت بذلك من قبيل المعايشة ولا يزال الدم يجف في عروقي كلما تذكرت رعب ووعورة تلك الطرقات التي يمر بها يوميا الكثير من المعلمات.
- من تراه المسؤول هل هو سير ناقلات البشر السيارات الصغيرة وناقلات البضائع وما إليه من الحافلات الضخمة على نفس خط السير ذي الاتجاه الواحد وفي نفس الأوقات؟ هل جرب أحد المعنيين من المسؤولين الكبار أن يسير ساعة خلف تلك الشاحنات؟
- هل المسؤول خروج المعلمات المتأخر من منطقة إلى أخرى كما يبرر عادة مع العلم أن الكثير من أسر المعلمات المنكوبة تؤكد أنهن يخرجن إلى طرقات المنايا قبل الخامسة فجراً ليصلن المدارس البعيدة تمام السابعة؟
- هل الحل في تأخير وقت بدء الدوام المدرسي لمعلمات القرى البعيدة كما قيل في عينتي وكتب أيضاً في الصحف, هل هذا حل جوهري لموت الزهرات على الطرقات؟
- هل المسؤول رداءة حافلات المعلمات وعدم خضوعها للفحص الدوري وعدم الوعي المروري لدى سائقيها؟ كما أجابت عينتي.
- ومن المسئول في هذه الحالة وزارة التربية والتعليم التي يقع على عاتقها تأمين وسائط مواصلات آمنة ومضمونة الجودة بسائقين مدربين بدل تلك (الستمائة ريال) الشحيحة التي تدفع كبدل مواصلات وحياة؟
- هل نحتاج إلى إعادة نظر شاملة في الوضع البائس لوسائل النقل العامة بمجتمعنا وما ينعكس منها على وسائل نقل المعلمات؟
- هل المسؤول جهاز الإسكان والبلديات الرسمي وأمراء المناطق ليقوم بإعادة توزيع الحراك الاجتماعي الأفقي، فلا تتناثر قرى لا يزيد حجمها السكاني على بضع آلاف، ويعاد تجميعها في نقاط حضرية يجري تأهيلها بالأساسي من الخدمات في وحدة اجتماعية سكانية جديدة؟
أترك للقراء التفكير في أسئلة وحلول إضافية وتحديد جهة/ جهات المسؤولية بشجاعة فلا بد من حل جذري لمسألة الاغتيالات المجانية لمجموعات لا تحمل من الأسلحة إلا العلم والأحلام الأسرية الدافئة في طريقهن لدور المعرفة. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
[email protected]
http://www.al-jazirah.com/416475/ar7d.htm