المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أثر عظمة الله في الخشوع له - القيامة والبعث(05)



أهــل الحـديث
18-06-2014, 11:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



معروف معنى البرزخ وهو الحد الفاصل بين شيئين، ومعلوم مما سبق أن المقابر ليست هي المأوى الذي يخلد فيه الموتى، وإنما هي محل لزيارتهم أي مكوثهم فيها مدة معينة، يخرجون منها عندما يريد الله تعالى بعثهم منها. كما قال تعالى: {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ (2)}. [التكاثر]

وبعثهم من قبورهم يكون يوم القيامة التي لا يعلم وقتها إلا الله تعالى، وإن ظهر للناس بعض علاماتها صغراها ثم كبراها، التي بينتها الأحاديث الصحيحة في كتب الحديث والكتب التي خصصت لعلامات الساعة.

ويوم القيامة يوم له أسماء وأوصاف مخيفة، وفيه أهوال عظيمة، تدعو العقلاء إلى شدة الخوف من أوصافه الرهيبة وأهواله العظيمة، ومن تلك الأسماء: القيامة والواقعة والحاقة والقارعة والغاشية والساعة والطامة الكبرى، ويوم الفصل ويوم الحسرة ويوم الوعيد، ويوم التغابن ويوم الجمع ويوم الخروج ويوم الحساب ويوم التناد، وأحيل القارئ إلى كتاب الله تعالى للاطلاع على تلك الأسماء والأوصاف وغيرها مما ذكره الله تعالى، وبخاصة كثرة تكرر أوصافها بإضافة كلمة يوم إليها، كما أحيله في معانيها إلى كتب التفسير ومفردات القرآن وكلماته، ففي معرفة تلك الأسماء والصفات وتدبر معانيها ما يجعل الإنسان، وبخاصة المسلم يفكر دائماً في ذلك اليوم، وما ينتظره فيه، وما سيكون عليه من سعادة أو شقاوة، وذلك جدير أن يحدث له الخشوع لربه كلما تذكره.

وتأمل هاتين الآيتين القصيرتين التي يصف فيهما ربنا شيئاً من أهوال ذلك اليوم،ـ سواء قصد بما اشتملتا عليه ما يحصل في الكون العلوي والسفلي فيزلزل كل ما فيها وما في غيرها، أم قصد به ما يحصل يوم القيامة بعد انقضاء الدنيا،ـ وصفاً تنخلع له القلوب وتقشعر له الأبدان وتذهل له العقول، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)}.[الحج، وراجع ما ذكره شيخنا العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله عند تفسيره للآيتين.]

وأوصي كل مسلم يتلو كتاب الله تعالى، بتدبر كلمة "يوم" الواردة بكثرة توقظ النائم وتذكر الغافل، هذه الكلمة يضيفها الله تعالى إلى صفة من صفات يوم القيامة أو يصفها بها، وأذكر منها ثلاثاً من تلك الصفات، وصف منها باثنتين، وأضيف إلى واحدة:

قال تعالى عن عباده المقرِّين بحدوث هذا اليوم: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7)}. وقال: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10)}. وقال تعالى عن الجاحدين الغافلين عن أهوال ذلك اليوم: {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27)}. [الآيات الثلاث من سورة الإنسان]

وأنقل ما قاله الإمام القرطبي رحمه الله في المعاني الثلاثة المذكورة في سورة الإنسان، قال رحمه الله: { كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} أي عالياً داهياً فاشياً، وهو في اللغة ممتداً؛ والعرب تقول: استطار الصدع في القارورة والزجاجة واستطال: إذا امتد... ويقال: استطار الحريق: إذا انتشر. واستطار الفجر إذا انتشر الضوء... وكان قتادة يقول: استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض. وقال مقاتل: كان شره فاشياً في السموات فانشقت، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وفي الأرض نسفت الجبال وغارت المياه..". [انتهى باختصار من تفسير القرطبي.]

إن تدبر هذه الآيات الثلاث المذكورة في سورة الإنسان، وما سبق كلاً منها وما تبعها من صفات فريقي عباد الله المؤمنين وثوابهم، وصفات أعدائه من حزب الشيطان وعقابهم، إن تدبر ذلك ليذكر القلب بعظمة الله ويدعو صاحبه إلى غاية الخضوع لهذا الرب العظيم والإخبات والخشوع له.

وأخيرا يجب أن يتذكر كل مكلف من العقلاء - من أهل منصب وجاه يسكنون القصور السامقة إلى أصغر منبوذ من منظفي الشوارع وسكان الكهوف والقبور وهم أحياء - كيف ستكون منزلته عن مالك الملك، الذي تختفي فيه كل المناصب والوظائف والألقاب، فلا رئيس ولا مرؤوس، ولا ملك ولا مملوك، ولا سيد ولا مسود، فالله وحده هو الملك وكل من عداه مملوك، وهو الحاكم وكل من سواه محكوم، وهو السيد وكل من سواه مسود، وهو الغني وكل ما سواه فقير، وقد كانت هذه الفوارق موجودة بينهم في الدنيا.

أما في ذلك اليوم فيعرفون كلهم {مالك يوم الدين} كما قال تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر]

في هذا اليوم يُرى أحقرُ البشر عند الناس في الدنيا -وقد عبد الله حق عبادته - مع تلك الكوكبة العظيمة من أولياء الله: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً (70)} [النساء]

ويُرى فرعون وزمرته العالين في الدنيا، مع شياطِينهم الذين أغروهم بالكبرياء التي زينوها لهم في الحياة الدنيا، { أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئاً (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً (68) ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً (72) (70)} [مريم]

إنه اليوم الذي يرفع فيه الحقير - في الدنيا ويخفض فيه العظيم في الدنيا -: {إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتْ الأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً (6) وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ (9)} [الواقعة]

فهل نتذكر ذلك اليوم ونضع أنفسنا حيث وضعنا الله عبيدا له خاضعين متواضعين مخبتين خاشعين، نرجو رحمته ونخاف عذابه، نكرر في بدايةكل صلا: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)} [الأنعام]

وكل من سواه لا يملكون شيئا من ذلك: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً (3)} [الفرقان].