المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (07)الإيمان هو الأساس - 6 مناسبة الأسماء والصفات للسياقات التي تذكر فيها



أهــل الحـديث
18-06-2014, 08:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



كما أن كل اسم من أسماء الله، أو صفة من صفاته، يكون ذكرها مناسباً للسياق الذي ذكرت فيه غاية المناسبة، فإذا كان السياق يقتضي رحمة الله ومغفرته، ذكر فيه ما يناسب ذلك كأسمائه: الرحمن الرحيم الغفور، وإذا كان السياق يقتضي إشعار العبد بما يعمل في سره وعلنه، ذكرت الأسماء الدالة على كمال علم الله وإحاطته بكل شيء، كأسمائه: العليم البصير السميع العليم الخبير، وإذا كان السياق يقتضي قدرة الله وجبروته وعظمته، ذكر من أسمائه ما يناسب ذلك، كأسمائه: العظيم الجبار المتكبر القهار، والمقصود من ذلك - والله أعلم - أن يعبد الإنسان ربه حق عبادته بأسمائه وصفاته، فيكون في كل أفعاله مرتبطاً بربه - فعلاً وتركاً - مخلصاً أعماله لله، مطيعاً له طاعة كاملة، محباً لما يحبه الله، مبغضاً لما يبغضه الله.

7 ـ أمثلة يتضح بها المقصود:

سياقات تقتضي رحمة الله ومغفرته ورأفته ، وهي كثيرة جداً، نذكر شيئاً منها باختصار: من ذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ(143)}[البقرة]. وقد ذكر في سبب نزولها أن بعض أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، كانوا يصلون إلى بيت المقدس ثم ماتوا قبل الأمر باستقبال الكعبة، فتساءل الناس: ما حال صلاة أولئك؟ فأنزل الله هذه الآية، ليعلم الناس أنه تعالى أرأف بعباده وأرحم بهم من أنفسهم، وأن رحمته تقتضي عدم ضياع أعمالهم الصالحة [راجع تفسير الآية في تفسير القرآن العظيم لابن كثير.].

وبصرف النظر عن سبب النزول، فإنه تعالى لا يضيع عملا من أعمال عباده المؤمنين القلبية والجسمانية مطلقا، وكذلك غير المؤمنين، كل يجزيه تعالى بعمله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8)} [الزلزلة]

وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(173)} [البقرة].

فمن رحمة الله بعباده أن لا يوقعهم - فيما شرع لهم - في حرج لذلك أحل لهم ما حرم عليهم عند الضرورة، ورفع عنهم الإثم. وقوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(192)} [سورة البقرة:191 ـ 192، وراجع المصدر المذكور في الحاشية السابقة.].

إن أعداء الله من الكفار، يحادونه ويحاربون دينه ويناصبون أولياءه العداء ويقاتلونهم بسبب عبادتهم لربهم، فإذا تابوا إلى الله وأنابوا فأسلموا له نالتهم رحمة الله فوراً وجَبَّ إسلامُهم ما قبله، وأصبحوا من أوليائه بعد أن كانوا قبل وقت لحظة من أعدائه، وأذهب الله من قلوب المؤمنين الذين آذوهم وقاتلوهم الغيظ الذي كان بها، فأصبحوا إخوانهم، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً(29)}[النساء].

إن حفظ الأموال وحفظ الأنفس من الضرورات التي لا حياة للناس بدونه، لذلك اقتضت رحمة الله وحكمته أن يشرع لعباده حفظ أموالهم وأنفسهم بتحريم الاعتداء عليهما، لما يترتب على الاعتداء عليهما من الفتن والمصائب، فناسب السياق ذكر رحمة الله بعباده حيث شرع لهم ذلك.

وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً(64)}[النساء].

إن المنافقين الذين لا يفتأون يكيدون للمسلمين في كل زمان، ويفسدون في الأرض خلافاً لمراد الله من إصلاحها، ويصدون عن سبيل الله، ومع ذلك يدعوهم الله للأوبة إليه ليغمرهم برحمته، وهذا يدعو العصاة من الكفار والمنافقين والفسقة أن لا ييأسوا من رحمة الله ومغفرته مهما كثرت ذنوبهم فرحمة الله واسعة يقبل التوبة ويبدل سيئات أهلها حسنات، كما قال تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً(24)}[الأحزاب].

سياقات تقتضي الجمع بين الرحمة والأمن والعزة والجبروت والقدرة:

كما هو الحال في سورة الحشر التي ذكر الله فيها ما جرى من نصره وتأييده، لعباده المؤمنين، على أعدائهم اليهود والمنافقين الذين تواطؤا على الكيد للرسول عليه الصلاة والسلام، وأصحابه فاقتضى السياق أن يذكر من أسمائه ما فيه من رحمة وأمن وسلامة ونصر وعزة، لعباده المؤمنين، وما فيه من هيمنة وكبرياء وعظمة وإذلال، للكافرين، فختم تعالى السورة بقوله: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(24)}[الحشر].

فذكر أسمائه: الرحمن الرحيم، السلام المؤمن، يناسب أن تذكر في سياق ما أنعم به على المؤمنين ورحمهم ولطف بهم من كيد عدوهم، وفي ضمن ذلك دعوة أعدائهم إلى الرجوع إليه وإلى طاعة رسوله، ليغمرهم برحمته بالتوبة عليهم ومغفرة ذنوبه،كما أن ذكر أسمائه: الملك العزيز الجبار المتكبر، يناسب ذلك أيضاً؛ لأنها تدل على أنه قادر على نصرهم على عدوهم، في كل زمان كما نصرهم آنذاك، ويناسب أيضاً أن تذكر في سياق عتوِّ المشركين وتكبرهم عن الإيمان بالله وعن طاعته، وأنه تعالى قد أذلهم ونصر المؤمنين عليهم، وهو تهديد لهم ولأمثالهم، حتى يكفوا عن إيذاء عباده، ويتوبوا إلى الله من عتوِّهم، وإلا فهو لهم بالمرصاد.

ومن ذلك قوله تعالى: {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمْ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(37)}[الجاثية]. فذكر كبريائه تعالى، واسميه العزيز، وهو القوي الغالب، والحكيم، وهو الذي يضع الأمور في مواضعها ومن ذلك إنزال عقابه بمن ذكر، يناسبان سياق أولئك الذي اتخذوا آياته هزواً واغتروا بالحياة الدنيا وعصوا أمره ونهيه ورسله الكرام.

وقوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(209)}[البقرة]. وقوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40)}[الحج]. والقوة والعزة يناسب ذكرهما النصر لأن من كان قوياً عزيزاً كانت له الغلبة. ومثله قوله تعالى: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(74)}[الحج]. وقوله تعالى: {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ(42)}[القمر]. فذكر اسميه العزيز والمقتدر يناسب ذكر عقابه وأخذه المكذبين آياته.

وقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ(25)}[الحديدي. وفي ذكر اسميه الكريمين هنا: قوي عزيز، ما يناسب وعد أوليائه بالنصر ووعيد أعدائه بالهزيمة . وكذا قوله تعالى: {فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ(47)}[إبراهيم].

وقال تعالى في ختام آية الكرسي - بعد أن ذكر بعض صفاته العظيمة، كالحياة والقيومية والملك وإحاطة علمه بكل شيء، ونفى عن نفسه ما يضاد ذلك من صفات النقص، كالسِّنة والنوم - قال: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ255)}[البقرة]. لأن علوه وعظمته يناسبان ما وصف به نفسه في الآية.

وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ(62)}[الحج]. فذكر اسميه العلي والكبير، يناسب سياق ذكر ما يدعو المشركون من دونه، لأمرين:

الأمر الأول: الإشارة إلى حقارة ما يعبد من دونه، وحقارة العابدين له.

الأمر الثاني: أنه المعبود تعالى وحده لأنه أعلى وأكبر من كل مخلوقاته، فهو وحده الذي يستحق أن يُعبد.

وقوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً(34)}[النساء].

تأمل كيف شرع الله للرجل تأديب زوجه عند الحاجة إلى تأديبها، ثم نهاه عن البغي عليها، ثم ذكره أنه - أي الرجل - وإن كان أقوى من المرأة، وقد شرع له تأديبها عند الحاجة، فإنه لا يجوز له أن يستغل قوته ويظلم زوجه، فإن فعل فليعلم أن الله أقوى منه وعلوه يقتضي أن يعاقبه على عدوانه، وفي ذلك تهديد وزجر له عن الاعتداء. فالمخلوق مهما علا وتجبر فالله أقوى منه.

وإذا كان في آيات الرحمة والرأفة والمغفرة ما يدعو العبد إلى محبة الله والطمع فيما عنده والإسراع إلى رضاه بفعل طاعته واجتناب معصيته، فإن في ذكر آيات الجبروت والعظمة والعزة والقوة ما يدعو العبد إلى الخوف من الله ومن عذابه، والثقة في حفظه ونصره على أعدائه، وبذلك يكون العبد دائماً متقلباً بين الرجاء والخوف، فالرجاء يحفزه على الإسراع إلى طاعة الله، والخوف يحجزه من ارتكاب معصية الله، بل كل منهما يحفزه على الطاعة، ويحجزه عن المعصية. وفي ذلك يكمن صلاح الفرد والأسرة والأمة.