المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المبحث الثاني الإيمان بأن الله هو المعبود الحق وحده



أهــل الحـديث
17-06-2014, 10:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



1 ـ شمول العبادة لحياة الإنسان.
2 ـ أساس صلاح العالم عبادة الله.
3 ـ أساس فساد العالم اتباع الهوى.

الإيمان بأن الله تعالى هو المعبود الحق هو أساس المطالب والعلوم الإلهية كلها، وهو الذي بعث الله تعالى به رسله، وأنزل به عليهم كتبه، وأمرهم أن يدعوا خلقه إلى الإقرار به وأن يبينوه لهم غاية البيان، وهو أساس كل صلاح في الأرض بل في الكون كله ولا صلاح ولا خير ولا سعادة ولا استقامة ولا طمأنينة في الحياة إلا بهذا الإيمان، بل لا يوجد بدونه إلا الفساد والشر والانحراف والقلق والاضطراب.

وهذا الإيمان لازم لكل من آمن بأن الله تعالى هو الخالق المدبر لأمر الكون، دون من سواه؛ لأن الذي يختص بالخلق والتدبير لهذا الكون - ومنه الإنسان - يجب عند ذوي العقول السليمة أن يكون هو وحده الإله المعبود، الذي يأمر فيطاع أمره، وينهى فيجتنب نهيه، كما أنه يقول للشيء كن فيكون خلقاً وإيجاداً، فيجب أن يطاع أمره شرعاً واختياراً.

( 1 ) شمول العبادة لحياة الإنسان:

وهذا شامل لحياة الإنسان كلها، ولهذا قصر تعالى الحكمة في خلقه الجن والإنس على عبادته، أي إنه تعالى إنما أوجدهم في هذه الأرض من أجل أن يعبدوه، وليس لشيء آخر غير عبادته، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(56)}[الذاريات].

وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(63)}[الأنعام].

وبعبادته تعالى وأمره ونهيه - وهما ركنا عبادته اللذين تضمنتهما كلمة التوحيد - يبتلي الله تعالى عباده، كما قال عزوجل: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)}[الملك]. وتلك - أي الدعوة إلى أن يكون الله وحده هو المعبود الحق - هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ(6)}[النحل].

ولشمول العبادة - التي هي لب توحيد الألوهية - لكل تصرفات الإنسان كانت الأحكام التكليفية التي لا يشذ عنها أي نشاط يقوم به العبد داخلة في معنى العبادة، فمن فعل الواجب امتثالاً لأمر الله، وهكذا المندوب، أو ترك المحرم طاعة لله، وكذا المكروه، أثابه الله على ذلك كله، وهكذا إذا فعل المباح قاصداً شكر ربه عليه والتقوِّي به على طاعته، أو تركه خشية أن يوقعه في ما به بأس فإنه يثاب عند الله على فعله وتركه، وإن ترك الواجب أو فعل المحرم كان آثماً، ومن رحمة الله بعبده عدم مؤاخذته بفعل المكروه، أو ترك المندوب.

وهذا كله يدل على شمول العبادة لحياة الإنسان كلها، وهو ما فهمه علماء الإسلام من معنى العبادة وبينوه بعبارات متنوعة، مؤداها واحد، ومن أجمع تعريفاتهم وأشملها قول شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة" [مجموع الفتاوى (10/149).].

( 2 ) أساس صلاح العالم عبادة الله:

وإذا كان هذا هو معنى العبادة في الإسلام - وهي حقيقة التوحيد ولبه وجوهره - وكان قلب العبد وجوارحه كلها لله تعالى، فعَلِمَ العبدُ ذلك وآمن به وعمل بمقتضاه فإنه لا يترك أمراً يأتيه من ربه ولا يرتكب نهياً من نواهيه، سواء تعلق ذلك بقلبه أو بجوارحه، وسواء تعلق بحق الله أو بحقوق عباده، وهذا هو أساس صلاح الأمة في الأرض وصلاح أحوالها.
والذي لا يفهم هذا المعنى، ولا يؤمن به فإنه سيتبع في تصرفاته غير أمر ربه ونهيه - أي إنه سيطبق غير شرع الله - وذلك هو عين اتباع الهوى، هوى نفسه أو هوى غيره، كما قال تعالى في الفريقين: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123)} وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} [طه]

( 3 ) أساس فساد العالم هو اتباع الهوى:

اتباع الهوى الشاذ عن هدى الله، هو أساس الفساد في الأرض وأهواء الناس تختلف وتتضارب لا يضبطها ضابط، بل إن هوى الإنسان الواحد يختلف بين وقت وآخر، فقد يرى الشيء الآن حسناً فيفعله ويدعو إلى فعله ويرغِّب فيه، وقد يرى هذا الإنسان نفسه ذلك الشيء بذاته في وقت آخر - قَرُب أم بَعُدـ - قبيحاً يكرهه ويبتعد عنه وينفر منه ويعادي من يفعله، بدون ضابط من دين أو خلق أو مصلحة راجحة في الحالين، إلا اتباع الهوى، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص]

فالهوى لمتبعه إمام يقود حيث شاء، فإن كان إمامه كتاب الله وسنة رسوله، قاده إلى رضا الله وطاعته وجزيل ثوابه، وعاش سعيدا في دنياه وآخرته، وإن كان إمامه الشيطان عاش شقيا ومات شقيا، وبعث يوم القيامة في أسوأ شقاء.

وصور بعض الشعراء متبع الهوى الذي يعمل العمل، بغير هدى من الله ولا هدف يفيده تحقيقه، بل يتصرف كما يتصرف المجانين، فقال:

لا تمدحن ابن عباد وإن هطلت،،،،،،،،،،،يداه كالمزن حتى تخجل الديما
فإنها فلتات من وساوسه،،،،،،،،،،،،،،،،،يع طي ويمنع لا بخلا ولا كرما

وبذلك تتصادم الأهواء، وتتعارض الرغبات، ويتنافس أصحابها في إشباعها، كل يريد أن يشبع هواه ورغبته، ضد شهوات الآخرين ورغباتهم، فيعم الأرض الفساد وتهدر فيها الضرورات التي اتفقت الشرائع على وجوب حفظها - ولا حفظ لها بدون اتباع أمر الله ونهيه - ويصبح التنازع والخصام والظلم والحروب هي القاعدة التي يتعامل بها الناس، كما هو شأن العالم اليوم.

لذلك لابد أن يكون هذا المعنى واضحاً في أذهان الناس - وبخاصة المسلمين - أفراداً وأسراً وشعوباً، حكاماً ومحكومين؛ لأن كل تصرف يبنى على هذا المعنى يكون صلاحاً، وكل تصرف يبنى على غيره، يكون فساداً، ومن هنا نفى الله سبحانه تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم، أن ينطق في ما جاء به من رسالته عن هواه غير المحكوم بالوحي، بل أكد تعالى أنه لا ينطق إلا عن وحي منه، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4)}[النجم].

وأخبر سبحانه أن الذين يخالفون وحيه، ويتركون اتباع رسوله المبرأ من الهوى، ويصرون على الكفر به وبما جاء به من عند ربه، وعلى الاستهزاء به واعتقاد أن ما هم عليه من الضلال هو الحق وما جاء به من الهدى هو الضلال، أخبر تعالى أن سبب ذلك كله هو اتباع الهوى الذي لا مطمع في اهتداء صاحبه؛ لأنه اتخذ إلهه هواه، فقال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (42) أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً(44)}[الفرقان].

وأخبر تعالى أن اتباع الهوى يورث الفساد في الكون كله، وأنه - تعالى وتنزه - لو راعى في تدبير الكون أهواء أعداء الحق وأنصار الباطل لعم هذا الكونَ الفسادُ، قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ(71)}[المؤمنون].

قال ابن جرير رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: ولو عمل الرب تعالى ذكره بما يهوى هؤلاء المشركون، وأجرى التدبير على مشيئتهم وإرادتهم وترك الحق الذي هم له كارهون لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، وذلك أنهم لا يعرفون عواقب الأمور والصحيح من التدبير والفاسد، فلو كانت الأمور جارية على مشيئتهم وأهوائهم، مع إيثار أكثرهم الباطل على الحق، لم تقر السماوات والأرض ومن فيهن من خلق الله" [جامع البيان عن تأويل آي القرآن، في تفسير الآية المذكورة.].

فإذا قام العبد بطاعة ربه على أساس أمره ونهيه، الذين تضمنهما هذا التوحيد، وخالف هواه وهوى غيره، المخالفَين لوحيه، تحققت له ولأمته السالكة مسلكه السعادة والصلاح في الدنيا والآخرة، وزالت من حياتهم الشقاوة التي لا تزول إلا باتباع أمر الله، وذلك هو تطبيق شريعته المبني على الإقرار بألوهيته والعمل بمقتضاها وإلا عم الكونَ كلَّه الفسادُ باتباع الهوى، جزاءً وفاقاً.