المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (05)الإيمان هو الأساس - الفصل الأول الإيمان بالله



أهــل الحـديث
16-06-2014, 12:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



وفيه ثلاثة مباحث:

ـ المبحث الأول: الإيمان بأنه خالق الكون ومدبره.

ـ المبحث الثاني: الإيمان بأنه المعبود الحق وحده.

ـ المبحث الثالث: الإيمان بأسمائه وصفاته والتعبد بها.

المبحث الأول: الإيمان بأنه خالق الكون ومدبره

وفيه أربعة مطالب:
ـ المطلب الأول: الإيمان بالغيب يميز الإنسان عن الحيوان.

ـ المطلب الثاني: شذوذ منكر وجود الخالق.

ـ المطلب الثالث: إقامة الله الحجة على من أنكر وجوده.

ـ المطلب الرابع: منطق غريب.

المطلب الأول: الإيمان بالغيب يميز الإنسان عن الحيوان:

سبق أن أساس التسليم المطلق من العبد لربه سبحانه، هو الإيمان بالغيب، وهو كل ما أخبر الله به عباده في كتبه، وعلى ألسنة رسله، عليهم الصلاة والسلام، وذلك شامل لما أخبر به تعالى عن نفسه، أو عن ملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وتلك هي أصول الإيمان، وفي حكمها كل التفاصيل الإيمانية الواردة في الكتاب والسنة - الثابتة - من أخبار الغيب، ما مضى منها وما سيأتي، ولهذا كانت أول صفات المتقين هي الإيمان بالغيب، كما قال تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ..(3)}[البقرة].

والإيمان بالغيب يميز الإنسان عن الحيوان الذي لا يشعر إلا بالمحسوسات المادية، من طعام وشراب ونحوهما - وإن كانت المخلوقات كلها تسبح ربها - ولهذا كان الكافر من البشر أضل في ميزان الله من الحيوان، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ(179)}[الأعراف].

ومن الإيمان بالغيب الإيمان بأن الله تعالى هو وحده خالق الكون بسماواته وأرضيه، وما فيهما وما بينهما، وأنه سيدها ومدبرها، إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون.

المطلب الثاني: شذوذ منكر وجود الخالق:

وقد اتفقت على وجود خالق لهذا الكون ومدبر لشؤونه الأمم كلها، على تعاقب أجيالها - وإن اختلفت تصوراتها لهذا الخالق المدبر = ولهذا كان هذا الإقرار من كل الأمم سبباً في استدلال الرسل عليهم الصلاة والسلام به على كون هذا الخالق المدبر هو وحده الذي يستحق أن يُعبد، ولا يستحق العبادة سواه، وهذا المعنى أي كون الله وحده يستحق العبادة دون سواه ـ هو الذي كان الكفار ينكرونه ـ بخلاف المعنى الأول - وهو كون الله هو الخالق المدبر - فإنهم كانوا يقرون به، وكان هو حجة الرسل عليهم فيما أنكروه.

والذين أنكروا كون الله هو الخالق المدبر، كانوا قلة شاذة في العالمين، وكان إنكارهم صادراً عن جحود ومكابرة - وليس عن شبهة يحتجون بها - كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً(14)}[النمل].

وإنكار هذه الفئة الشاذة لوجود الخالق المدبر، هو أعظم مكابرة من إنكار كون الله تعالى هو المعبود الحق وحده، والذي لا يعترف بوجود الخالق المدبر للكون، لا ينتظر منه أن يقر بوجود معبود واحد من باب أولى، بخلاف من أقر بوجود الخالق المدبر، فإنه - وإن أنكر وجود معبود واحد - لا يستبعد أن يعود عن إنكاره، ويقر بأن الخالق الواحد هو المعبود الحق الواحد، كما وقع ذلك من خلق كثير من المشركين من سائر الأمم، لأن آيات الله الكونية تجبر عقولهم بالإقرار بأنه خالق الكون الذي لا يستحق العبادة سواه.

المطلب الثالث: إقامة الله الحجة على من أنكر وجوده:

ومع أن الرسل - عليهم الصلاة والسلام - لم يكونوا في حاجة إلى دعوة الناس إلى الإقرار بهذا التوحيد ـ أي أن الله هو الخالق المدبر ـ ولا إلى إقامة الحجة عليه، لإقرار عامة الناس به ـ وتنزيل الفئة الشاذة منزلة العدم ـ فإن الله تعالى قد أقام الحجة، على من يحتمل أن يكابر وينكر وجوده في أي زمان، أقام الله الحجة بالأدلة والبراهين القاطعة، على وجوده وتدبيره للكون وأنه المالك المتصرف فيه على مقتضى حكمته، وتلك الحجج والبراهين من الكثرة بحيث لا يمكن أن يحصيها إلا من استطاع أن يحصي كل ما خلق الله وأبدع في هذا الكون العظيم، ومن ذا الذي سيقول: أنا لها؟! فالكون كله كتاب مفتوح، لكل البشر، وكل شيء فيه دليل على الخالق المدبر الواحد.

وفي كل شيء له آية،،،،،،،،،،،،،،تدل على أنه واحد

والقرآن الكريم مليء بهذه الحجج والبراهين في هذا الباب، وهو ينتزع تلك الحجج والبراهين من هذا الكون المفتوح، بحيث يستطيع أن يرى تلك الحجج ويعقلها كل الناس، القارئ والأمي، والعالم والجاهل، بمجرد التأمل القليل الذي لا يحتاج إلى جهد جهيد، وليس من السهل استقصاء تلك الحجج والبراهين التي نصبها الله للدلالة على وجوده وتدبيره للكون، في القرآن الكريم، في هذه الرسالة، ولكنا سنذكر شيئاً منها، والقرآن الكريم موجود ميسر لمن أراد المزيد في هذا الباب.

قال تعالى: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنْ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)}[الزمر].

وقال تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(64)}[النمل].

وقال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ(36)}[الطور].

وقال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ(34)}[الشعراء].

وإذا كان عامة الناس في غابر الزمان وحاضره قد أقروا بأن الله هو الخالق المدبر لهذا الكون، وكان دعاة التوحيد - من الأنبياء وأتباعهم - يدعون من أقر بذلك إلى ما كانوا ينكرونه - وهو توحيد الألوهية - ويستدلون عليهم فيما أنكروه من هذا التوحيد بما أقروا به من توحيد الربوبية انسجاماً مع الفطرة التي تلزمهم من ذلك الإقرار، فإن فطر كثير من الناس قد فسدت في هذا العصر، حتى بلغ بها تلاعب الشيطان وإضلاله إلى إنكار براهين هذا التوحيد - توحيد الربوبية - التي لا توازيها براهين، إذ هي قمة البراهين، بل أصبحت دول كبرى في العالم تقوم على أساس هذا الإلحاد، وهو إنكار وجود الخالق ومحاربة من يقربه، والأنكى من ذلك أن أنظمة تحكم شعوباً إسلامية قامت على هذا الأساس، وحاربت دعاة الإسلام وعلماءه الذين قاموا بتبصير الناس بانحرافهم وإلحادهم، ووالتهم أنظمة أخرى في بلدان المسلين علمانية أو شبه علمانية.

المطلب الرابع: منطق غريب:

هذا، ومع وجود هذا الإلحاد وانتشاره وقيام دول على أساسه، وبخاصة في بعض البلدان الإسلامية، لقد انهارت دولة الإلحاد الكبرى ـ الاتحاد السوفييتي، وبدأت دولة الصين في التراجع المتدرج عن هذا المبدأ البغيض ـ وتمزقت، وأضحت تتقاتل فيما بينها، وتتسمى بأسماء أخرى ـ كالاشتراكية، بدلاً من الشيوعية والماركسية، لتوهم الناس أنها تخلت عن العار الذي حكمتهم به ما يقارب قرناً من الزمن، ليحافظ أربابها على كراسي حكمهم، وهم في الحقيقة ما زالوا ملحدين، وإذا قدروا مرة أخرى - وما إخالهم بإذن الله قادرين - فلا أظنهم يترددون في إعادة إلحادهم الصريح إلى سابق عهده المنهار. ونحمد لله الذي قضى على دول الإلحاد في بلدان المسلمين وأخزى زعماءهم فتركوا قصورهم التي أورثها الله الذين ظلموهم لما يقرب من ثلاثة عقود. ونسأل الله أن يهدي من بقي من أتباعهم للحق أو يفرق جمعهم، ويشتت شملهم حتى لا تقوم لهم قائمة أبداً، هذا مع العلم أن كثيرا من أبناء المسلمين، في العالم لا زالزا متمسكين بالإلحاد، وغالب أهل الكتاب، والوثنيين ينكرون وجود الله!

ومع ذلك يرى بعض المنتسبين إلى العلم، أنه لا حاجة إلى دعوة الناس إلى توحيد الربوبية هذا الذي أنكره كثير من أبناء المسلمين - فضلاً عمن سواهم - بحجة أن الرسل عليهم الصلاة والسلام، لم يكونوا يدعون أممهم، إلى الإقرار بوجود الخالق المدبر للكون وهذا - في الحقيقة - منطق غريب، ودعوى فاسدة وحجة أو قياس أفسد، وما هو والله بمنطق يتوقع صدوره من طالب علم صغير، بله من يحمل مؤهلاً في الشريعة الإسلامية، وقد يكون ممن تخصصه الدراسي في أصول الدين!

كيف يستوي في ميزان العلم والعلماء، قوم يقرون بوجود الخالق، فلا يحتاج الداعية إلى إضاعة الوقتٍ في دعوتهم إلى الإقرار بما هم به مقرون، مع حاجته ـ وحاجة المدعوين - إلى دعوتهم إلى الإقرار بما هم له منكرون، وهو توحيد الألوهية، الذي يدل ما اعترفوا به من توحيد الربوبية، على ما أنكروه من توحيد الألوهية، كيف يستوي هؤلاء وقوم أنكروا هذا التوحيد ـ الذي هو الدليل - أشد الإنكار ولا يمكن أن يؤمنوا بألوهية الله وأنه المعبود الحق وحده، وهو المدلول في دعوة الأنبياء، إلا إذا أقروا أولاً بوجود الخالق المدبر وحده لهذا الكون؟!

والرسل عليهم السلام ـ وإن لم يكونوا يدعون الناس إلى الإقرار بوجود خالق مدبر للكون، لإقرارهم بذلك أصلاً ـ لم يكونوا يترددون في إقامة الحجة على من كابر وجحد ـ ولو كان في حقيقة الأمر موقناً بما جحد ـ فعندما قال فرعون لموسى عليه السلام: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} أجابه موسى فوراً بقوله: {رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ}، واستمر فرعون في جحوده واستمر موسى في إقامة الحجة والبرهان عليه، كما قال تعالى: {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ(30)}[الشعراء].

ولم يقل موسى لفرعون: إن سؤالك لا يحتاج إلى جواب وأنت تعلم من هو رب العالمين.

ومع هذا فإنا نحمد الله تعالى على أن إنكار هذا التوحيد الذي لا يوجد أظهر منه في فطر الناس حتى عند الذين يكفرون بدين الإسلام، أو غيره من الأديان، قد أصبح إنكاره خرافة عند أطفال المسلمين الذين لم تدنس فطرهم ولم تجتلهم الشياطين، بل عند غير المسلمين من علماء الكون كالأطباء والفلكيين والجيولوجيين، وغيرهم ممن تجاوزوا موضوع الإقرار بوجود الخالق، إلى الإقرار برسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن القرآن وحي من عند الله، بناء على ما بهرهم من المعجزات الكونية والآفاقية والنفسية التي أشار إليها القرآن الكريم، والتي لم يكن أحد في ذلك الوقت يخطر له ذلك على بال، ولم توجد وسائل تمكن البشر من اكتشاف ما أشار إليه القرآن إلا في السنوات القريبة جداً ـ مع ما يمتاز به القرآن من الدقة في التعبير والمصطلحات كما هو الحال في علم الأجنة ـ.

والذي يتتبع نشاط مؤتمرات وندوات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة المنبثقة عن هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة التي أنشأها الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني اليمني في مقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة يتضح له أن إنكار وجود الخالق المدبر لهذا الكون قد أصبح خرافة وإن أصر المكابرون على إنكاره.

لكن ما دام يوجد في الأرض من يظهر عدم الإيمان بهذا التوحيد ـ سواء أكان من الملحدين الأجانب أم من أذنابهم الذين اتبعوهم من ذراري المسلمين، وسواء أكانوا صادقين في إنكارهم أم كاذبين فلابد من إقامة الحجة عليهم، ولابد من دعوتهم إلى الإقرار بتوحيد الربوبية الذي هو الدليل على توحيد الألوهية.

وقد أبرز علماء الإسلام - قديماً وحديثاً - الأدلة والبراهين على وجود الخالق المدبر للكون، ومن الكتب النفيسة التي عنيت بهذا الأمر: كتاب "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة" للعلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله الذي جال في أبوابه وفصوله جولات واسعة في الكون الفسيح بسماواته وأرضه وما بينهما وفي الأنفس التي أودع الله فيها ما يحيي القلوب من الموت ويشفي الأبصار من العمى، وإنه ليذكر رحمه الله أموراً مفصلة في الكون والإنسان، حتى كأنه يعيش في هذا العصر الذي يسمى عصر الاكتشافات العلمية، وفيه ظهر من الحجج والبراهين الكونية والنفسية ما لم يظهر كثير منه في العصور السابقة، بسبب الوسائل والإمكانات التي توافرت فيه ولم تتوافر في غيره، فظهر فيه كثير مما أشار الله إليه أو أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، تحقيقاً لوعد الله القائل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(53)}[فصلت].

وإذا استقر في نفس الإنسان أن الكون كله أوجده خالق واحد لا يشاركه في هذا الإيجاد أحد، وأن هذا الخالق هو المالك لجميع المخلوقات؛ لأنه هو وحده خالقها ومدبرها، علم هذا الإنسان أنه مخلوق مملوك مدبَّر لهذا الخالق المالك المدبِّر، كغيره من المخلوقات.

والمخلوق المملوك المدبر لابد أن يخضع لخالقه ومالكه ومدبره، فيمتثل أمره الذي هو فيه مختار، كما يخضع لإرادته في ما هو مضطر، وبطاعته الاختيارية لأمر الخالق يمتاز الإنسان - ومثله الجن - عن سائر المخلوقات المسيرة بأمر ربها القدري، كالشمس والقمر، وسائر الكواكب والأفلاك، والحيوانات والبحار والأنهار والجبال، وغيرها. كما قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ(54)}[الأعراف]. وقال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(68)}[القصص].

فالأثر المترتب على الإيمان بأن الله هو الخالق المالك المدبر هو خضوع العبد المخلوق المملوك المدبر، خضوعاً مطلقاً لأمر الخالق فيما يختار كخضوعه له فيما لا اختيار له فيه، فكما يمرض ويصح، ويحيا ويموت، خاضعاً لأمر الله القدري بدون اختيار منه، فإنه يجب أن يؤمن بالله ويصلي ويصوم ويحج ويتصدق، ويحكم بما أنزل الله، ويفعل كلما يحب الله منه أن يفعل، ويترك كلما يحب الله أن يترك، مختاراً خاضعاً لأمر الله الشرعي كخضوعه لأمر الله القدري.
ولهذا يترتب على الإقرار بأن الله هو الخالق المدبر المالك الرازق المحيي المميت وحده، الإقرار بأنه تعالى الإله المعبود بحق وحده لا شريك له.