المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (02)الإيمان هو الأساس - تمهيد في تعريف الإيمان



أهــل الحـديث
11-06-2014, 06:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




تعريف الإيمان في اللغة:

اشتهر في كتب اللغة أن الإيمان: التصديق. ومعلوم أن التعريف الشرعي قد يتفق مع التعريف اللغوي وقد يختلف؛ بحيث يكون المعنى الشرعي أشمل من اللغوي وهو كذلك هنا، إذ التصديق أحد أجزاء المعنى الشرعي على الصحيح المشهور عند علماء السلف، وعلى ذلك دلت نصوص القرآن والسنة.

تعريف الإيمان في الشرع:

فالإيمان في الشرع هو: (تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان).

وقد ذكر ابن تيمية، أنه قد حكى غير واحد الإجماع على هذا التعريف، وذكر ما نقله أبو عبيد القاسم بن سلام عن مشاهير أهل العلم الذين صرحوا بأن الإيمان قول وعمل ونية، من أهل مكة، والمدينة، واليمن، والكوفة، والبصرة، وأهل واسط والمشرق [راجع مجموع الفتاوى (7/310، 326، 331، 388، 402). وراجع شرح النووي على مسلم (1/149).].

ومما يدل على صحة هذا التعريف الذي عليه جمهور السلف أن الله تعالى عندما يصف المؤمنين يصفهم بالعناصر الثلاثة المذكورة في كثير من آي القرآن الكريم كقوله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(5)}[البقرة].

فالإيمان بالغيب يكون بالقلب وهو التصديق، وإقامة الصلاة تجتمع فيها الأركان الثلاثة: قول اللسان، من تكبير وقراءة وذكر، وعمل الأركان - الجوارح - من قيام وركوع وسجود وقعود وغيرها. وتصديق الجنان - القلب - وذلك يشمل التصديق بما تتضمنه الآيات القرآنية من توحيد وحساب وجنة ونار، وكذلك بقية الأذكار المشروعة في الصلاة. ومثل هذه الآيات: الآيات التسع الأول من سورة المؤمنون، وغيرها..

ومن أوضح الأحاديث الدالة على شمول الإيمان لأعمال الجوارح الحديثان الآتيان:

الحديث الأول: حديث ابن عباس المتفق عليه ـ في قصة وفد عبد قيس ـ أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: (أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟) قالوا الله ورسوله أعلم، قال: (شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان وأن تعطوا من الغنم الخمس)[ صحيح البخاري بشرح فتح الباري (1/129) ومسلم بشرح النووي (1/81).].

الحديث الثاني: حديث أبي هريرة المتفق عليه أيضاً، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)[ صحيح البخاري بشرح الفتح (1/51) وصحيح مسلم بشرح النووي (2/7) واللفظ له.].

هذه النصوص وغيرها كثير تدل على أن هذا التعريف هو الذي يجب المصير إليه؛ لأن المعاني الشرعية يجب أخذها من الشرع، ولا يجوز اطراح ما دلت عليه النصوص بحجة أن اللغة دلت على خلافه، ولو أخذ بهذا الاحتجاج لأصبح كثير من المعاني الشرعية محكوماً باللغة، والعكس هو الصحيح.

ألا ترى أن الصلاة في اللغة الدعاء، وأن الصيام الإمساك عن الكلام.. فهل يجوز أن نعرف الصلاة بأنها الدعاء، ونعرف الصيام بأنه الإمساك عن الكلام في الشرع؟ لا.. بل إن المصطلح الشرعي لينتفى إذا لم يؤت به على الوجه الذي شرعه الله، مع القدرة على ذلك، فقد نفى عليه الصلاة والسلام ، الصلاة الشرعية عمن لم يأت بها على صفتها في سنته قولا وفعلا، كما يدل عليه حديث المسيء صلاته المشهور عند أهل العلم، والذي رواه أبو هريرة، رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد النبي عليه الصلاة والسلام السلام، فقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل) فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، عليه الصلاة والسلام فقال: (ارجع فصل فإنك لم تصل) ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني. قال: (إذا قمت إلى الصلاة...). الحديث. [اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان: (رقم: 224، ص: 81).]

تنبيهات:

التنبيه الأول: هناك تعريف للإمام أبي حنيفة رحمه الله قد يخالف ظاهره التعريف المذكور، وهو:(أن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان)، فلم يدخل في هذا التعريف عمل الأركان.
ومعنى هذا أن العمل غير داخل في مسمى الإيمان، والذي حققه العلماء أن الخلاف بين أبي حنيفة وجمهور أهل السنة لفظي من حيث النتيجة، لأمرين:

الأمر الأول: أن أصحاب الذنوب داخلون عند أبي حنيفة تحت الذم والوعيد ـ كما هم داخلون كذلك عند الجمهور ـ فلا يستحق المدح المطلق ودخول الجنة ابتداء إلا من جمع بين التصديق والعمل الصالح وابتعد عن الكبائر.

الأمر الثاني: أن من أهل الكبائر من يدخل النار ولكنه لا يخلد فيها، ومنهم من يدخل الجنة ولكن بعفو الله ومغفرته، وهذا هو مذهب السلف رحمهم الله.

فالخلاف إذًا بينه وبينهم هو دخول العمل في مسمى الإيمان عند الجمهور وعدم دخوله فيه عند أبي حنيفة، إذ يرى أن العمل لازم للإيمان وليس جزءاً منه، وبذلك هو لا يوافق غلاة المرجئة الذين قالوا: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان ولا لازمة له، وأنه لا يضر مع الإيمان ذنب.. ولا تتسع هذه الرسالة لإيراد التعريفات الأخرى ومناقشتها [وقد ناقشت تلك التعريفات في بحث مخطوط بعنوان (الإيمان وأثره في حياة الإنسان).]. إذ الهدف معرفة الحق بدليله وقد عرف والحمد لله.

التنبيه الثاني: أن المانعين لدخول الأعمال في مسمى الإيمان أوردوا شبهة ظنوا أنها تؤيد ما ذهبوا إليه وتلزم الجمهور بمذهب الخوارج الذين يكفرون بالمعاصي - الكبائر - قالوا: لو كان الإيمان مركباً من أجزاء للزم زوال جميعه بزوال بعضه.

والجواب على ذلك من وجهين:

الوجه الأول: أن زوال الإيمان بزوال بعض أجزائه يعود الأمر فيه إلى الشارع فما أثبت الشارع زوال الإيمان بزواله - كترك الصلاة جحداً لوجوبها - أثبتناه، وما لم يثبت الشارع زوال الإيمان بزواله - كترك إكرام الضيف، بل كترك أداء الزكاة تساهلاً لا جحداً -ـ لم نحكم بزوال الإيمان بزوال ذلك الجزء، فلا يلزم الجمهور على هذا القول تكفير أهل الكبائر.

الوجه الثاني: أنه لا يلزم دائماً -ـ عقلاً - زوال الكل بزوال الجزء، بل قد يزول الجزء ولا يزول الكل، مثال ذلك: المكيلات والموزونات، فإذا كان عندنا عشرون صاعاً من قمح ونقص منه شئ فإن اسم القمح لا يزول بزوال بعضه، ويقال: هذا قمح ناقص.. وهكذا يقال في مرتكب الكبيرة التي لا تخرج صاحبها من الإيمان: مؤمن ناقص الإيمان [وقد أجاد في مناقشة هذه المسألة وغيرها شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ـ مجلد الإيمان.].

التنبيه الثالث: أن اسم الإيمان إذا أفرد شمل اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح، وإذا اقترن بالإسلام أو بالعمل الصالح اختص الإيمان باعتقاد القلب ـ الذي هو التصديق ـ واختص ما اقترن به بما عداه .

التنبيه الرابع: يجب أن يُعلم أن المقصود بالعمل، هو ما شرع الله تعالى للمؤمن فعله أو تركه، مما يدخل في أحد الأحكام التكليفية الخمسة، التي هي: الواجب والمندوب، والمحرم والمكروه، والمباح، ويدخل في ذلك حقوق الله وحقوق عباده.

فالواجب يثيب الله فاعله ويعاقب تاركه، و المندوب يثيب الله فاعله ولا يعاقب تاركه، و الحرام يعاقب الله فاعله ويثيب تاركه، والمباح يثيب الله فاعله وتاركه، إن كان فعله وتركه لله.

فلا يفهم من معنى العمل أنه قاصر على ما تعارف عليه عامة الناس من الشعائر التعبدية، كالصلاة والصيام والحج والزكاة والذكر وقراءة القرآن والجهاد في سبيل الله.. بل هو شامل لكل تصرفات العبد، وبخاصة ما تعلق بذات الإنسان من عمل، سواء أكان من حقوق الله كإقامة الحدود التي لا يقيمها إلا ولي الأمر، فهي من العمل الذي هو جزء من الإيمان، فإذا قام به فقد أدى ذلك الجزء الإيماني، وإذا لم يقم به فقد ترك جزءً من الإيمان، أو ما تعلق بعباده، كبر الوالدين فمن بر بوالديه فقد أدى عملاً من أعمال الإيمان، ومن لم يبر بهما فقد ترك جزءً من الإيمان.

والآباء إذا قاموا بحقوق أبنائهم من تربية وتعليم وتغذية... فقد أدوا عملاً من أعمال الإيمان، وإلاّ نقص من إيمانهم مقدار تقصيرهم في ذلك.

والزوجان إذا قام كل منهما بحق زوجه، فقيامه بذلك من الإيمان، ومن لم يقم بذلك فقد ترك جزءاً من الإيمان.

وهكذا من أدى الشهادة الواجب أداؤها عليه فإن أداءه للشهادة من الإيمان، ومن لم يؤدها فقد جزءً واجباً من الإيمان.

والقضاة، إذا حكموا بشرع الله بين المتخاصمين مع العدل، فحكمهم بذلك وعدلهم من الإيمان، وإذا جاروا وظلموا فجورهم وظلمهم نقص من إيمانهم.

والعالم إذا أدى حقوق تلاميذه، فحضر درسه تحضيراً جيداً ليفيدهم بعلم محقق ففعله ذلك إيمان، وإذا قصر في أداء حقهم عليه نقص من إيمانه مقدار تقصيره.

والطلاب إذا قاموا بما يجب عليهم مما فرغوا له من تحصيل العلم والاستفادة من العلماء كان ما قاموا به من الإيمان، وإذا تساهلوا وتركوا القيام بما يجب عليهم فقد نقص من إيمانهم مقدار ما تساهلوا فيه.

والموظف في عمل إداري أسس لمصالح المسلمين إذا قام بعمله في إدارته وأدى الحقوق إلى أهلها في وقتها ففعله ذلك من الإيمان، وإذا أخر حقوق الناس بدون عذر أو نقص من الوقت الواجب عليه شغله، فقد نقص من إيمانه قدر ما قصر فيه.

وولي أمر المسلمين إذا نصح لرعيته وعدل بينهم وأدى إليهم حقوقهم، وولى عليهم الأكفاء الذين يصلحون أمورهم، ففعله ذلك إيمان، وإذا غشهم أو ظلمهم أو ولى عليهم من يشق عليهم، فقد نقص من إيمانه مقدار ما أضر به رعيته.

والرعية إذا نصحت لولي أمرها المسلم فأطاعته في طاعة الله، ونصرته على الخارجين عليه وأمرته بالمعروف ونهته عن المنكر فنصحها له إيمان، وعدم نصحها فسوق ونقص من إيمانها.
والتاجر إذا سلك في تجارته سلوكاً شرعياً فباع واشترى مراعياً ما أحله الله له وما حرمه عليه، فصدق في بيعه وشرائه، وبيَّن ما يجب عليه بيانه من عيب أو غيره مما يجب بيانه، وابتعد عن أخذ الربا فسلوكه ذلك من الإيمان، وإذا سلك في تجارته سلوك الغاش المرابي الآكل حقوق الناس بغير حق علموا أم لم يعلموا، فقد فسق ونقص إيمانه.

ومن اؤتمن على مال أو سر مما لا يجوز له الإباحة به فأدى أمانته فأداؤه للأمانة إيمان، فإذا خان أمانته فخيانته فسق ونقص في إيمانه.

والذي يوصل إلى الناس الخير، فيكرمهم، ويصلهم ويعود مريضهم، ويشمت عاطسهم، ويسلم عليهم، ويتبع جنائزهم، ويواسي محتاجهم، وينصح لهم ويحب لهم ما يحب لنفسه، ويدفع عنهم الأذى ـ وبخاصة في حال غيابهم ـ ويمسك لسانه عن الولوغ في أعراضهم فلا يغتابهم ولا يتجسس عليهم، ولا يسعى بالنميمة بينهم، ففعله ذلك كله من الإيمان، والذي يسعى إلى الناس بالشر والقطيعة، فيغتابهم أو يرضى باغتيابهم، أو يسعى بالنميمة بينهم ليوغر صدور بعضهم على بعض، أو يتجسس عليهم لكشف عوراتهم، أو الإضرار بهم، فإيمانه ناقص، وفسقه ظاهر.

والذي يتناول ما أباحه الله له من الطعام والشراب واللباس والنكاح وغيرها من المباحات، مبتغياً بذلك وجه الله فأعماله المباحة تصبح من الإيمان من الإيمان بهذا القصد، وإذا ترك شيئاً من المباحات ورعاً وخوفاً من الوقوع في محرم فإن تركه ذلك من الإيمان، وهو مثاب في كلتا الحالتين. وهكذا تقاس كل الأعمال.

والذي لا يقوم بأعمال الإيمان التي هي - أصلاً وظيفته - فهو أشد الناس جرماً وأقلهم ديناً؛ لأنه فرط في عبودية خاصة لله عليه، غير العبودية العامة التي يتساوى فيها مع الناس، كالقاضي في قضائه، والعالم في علمه، والمدير في إدارته، وإن أكثر من الصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن والصدقات.

وعلى أمثال هؤلاء نعى ابن القيم - رحمه الله - النكير فقال: (ولله سبحانه على كل أحد عبودية بحسب مرتبته، سِوى العبودية العامة التي سوى بين عباده فيها.

فعلى العالِم من عبوديته نشر السنة والعلم الذي بعث الله به رسوله ما ليس على الجاهل، وعليه من عبودية الصبر على ذلك ما ليس على غيره.

وعلى الحاكم من عبودية إقامة الحق وتنفيذه وإلزامه من هو عليه به والصبر على ذلك والجهاد عليه ما ليس على المفتي.

وعلى الغني من عبودية أداء الحقوق التي في ماله ما ليس على الفقير.

وعلى القادر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيده ولسانه ما ليس على العاجز عنهما.

وقد غرَّ إبليس أكثر الخلق بأن حسَّن لهم القيام بنوع من الذكر والقراءة والصلاة والصيام والزهد في الدنيا والانقطاع، وعطلوا هذه العبوديات فلم يحدثوا قلوبهم بها، وهؤلاء عند ورثة الأنبياء من أقل الناس دينا، فإن الدين هو القيام لله بما أمر به، فتارك حقوق الله التي تجب عليه أسوأ حالاً عند الله ورسوله من مرتكب المعاصي.

ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى عليه الصلاة والسلام هو وأصحابه، رأى أن أكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس ديناً.

وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام يرغب عنها، وهو بارد القلب ساكت اللسان! شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق.

وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم، فلا مبالاة بما جرى على الدين، وخيرهم المتحزن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله، بذل وتبذل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه.

وهؤلاء - مع سقوطهم في عين الله ومقت الله لهم - قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل) [إعلام الموقعين عن رب العالمين عن رب العالمين (2/176 ـ 177).]. انتهى كلام ابن القيم.

التنبيه الخامس: أن الإيمان يزيد بالفقه في الدين والعمل به، وينقص بالجهل بالدين، والمعاصي، وقد دلت على ذلك الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية.

فمن الآيات قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(2)}[الأنفال].

وقوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى(76)}[مريم]. وقوله: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً(31)}[المدثر]. وقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ(4)}[الفتح]. وقوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173)}[آل عمران].

ومن الأحاديث حديث أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: قال رسول الله: (الإيمان بضع وسبعون - أو بضع وستون - شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) [البخاري (1/51) بشرح فتح الباري، ومسلم (2/5) بشرح النووي، واللفظ له.].

وحديث أنس، رضي الله تعالى عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير). وفي رواية: (من إيمان) مكان (من خير) [البخاري (1/103) بشرح فتح الباري.].

وحديث أبي سعيد الخدري، رضي الله تعالى عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: (يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان..) [متفق عليه، وهو في: اللؤلؤ والمرجان برقم: 116، ص: 47.].

قال الإمام النووي، رحمه الله، بعد أن ذكر مذاهب العلماء في زيادة الإيمان ونقصانه ـ: "فإذا تقرر ما ذكرناه من مذاهب السلف وأئمة الخلف، فهي متظاهرة متطابقة على كون الإيمان يزيد وينقص، وهذا مذهب السلف والمحدثين، وجماعة من المتكلمين... قال المحققون من أصحابنا المتكلمين: نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، والإيمان الشرعي يزيد وينقص، بزيادة ثمراته وهي الأعمال، ونقصانها...

إلى أن قال: فالأظهر والله أعلم أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم، بحيث لا تعتريهم الشُّبه، ولا يتزلزل إيمانهم بعارض، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة، وإن اختلفت عليهم الأحوال، وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم، فليسوا كذلك، فهذا مما لا يمكن إنكاره، ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، لا يساويه تصديق آحاد الناس.." [شرح النووي على مسلم: (1/148). وراجع الفتاوى، لابن تيمية (7/223، 562) فقد ذكر ـ بالتفصيل ـ الوجوه التي يكون بها زيادة الإيمان ونقصانه، وهو بحث مفيد جداً، ومنطقي.].