المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفريغ نصي لتعليقات الشيخ عبدالعزيز الريس على العقيدة الطحاوية



أهــل الحـديث
09-06-2014, 09:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


تعليقات على العقيدة الطحاوية
للشيخ : عبدالعزيز بن ريس الريس
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -أما بعد:
ففي ليلة الخامس عشر من شهر ربيع الأول لعام تسع وعشرين وأربعمئة وألف من هجرة النبي-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- إن شاء الله ألتقيكم بتعليقاتٍ على العقيدة الطحاوية لمدة ثماني جلساتٍ في خلال أسبوعين
وقبل البدء بتعليقات على العقيدة الطحاوية أقدم بمقدماتٍ تتعلق بعلم المعتقد****
المقدمة الأولى :****
****،الدين من حيث الجملة ينقسم إلى قسمين 1-أمورٍ علمية :
وهي المسماة بالاعتقاد 2-وأمورٍ عملية .
والأمور العلمية الخبرية وهي المسماة بالاعتقاد أهم من حيث الجملة من الأمور العملية لذلك أول ما بُعث النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- جاء بالأمور العلمية، أما الأمور العملية فجاءت بعد ذلك رويداً رويداً ويؤكد أهمية الأمور العقدية ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي عبدالله النعمان بن بشيرٍ أن النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- قال : " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ". وثبت عند عبدالرزاق عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : " القلب هو الملك والأعضاء هي جنوده" ، فدل هذا الحديث وغيره على أن الاعتقاد هو الأصل وأنه أهم من حيث الجملة من الأمور العملية ويتعلق بهذه المقدمة تنبيهٌ ألا وهو أنه شاع تسمية الأمور العقدية بالأصول وتسمية الأمور العملية بالفروع ولقد بين أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى وكذا تلميذه ابن القيم في أعلام الموقعين أن تقسيم الدين إلى أصول وفروع وجعل الأمور العقدية هي الأصول والأمور العملية الفقهية هي الفروع. قالوا : هذا تقسيم المعتزلة وأول من أتى به المعتزلة ، وليس معنى كلامهم إنكار تقسيم الدين إلى أصولٍ وفروع بل أبو العباس ابن تيمية- رحمه الله تعالى-**** في مواضع من مجموع الفتاوى أقرَّ تقسيم الدين إلى أصولٍ وفروع لكن بيَّن أن الخطأ هو (حصر الأصولِ في الأمور العقدية وحصر الفروع في الأمور الفقهية ، لمَ ؟ لأن من الأمور الفقهية كالصلاة ما هي أصولٌ في الدين ومن الأمور العقدية ما ليست أصولاً في الدين بل تنازع عليها أئمة الإسلام كما ستأتي الإشارة إلى ذلك إن شاء الله تعالى .
التنبيه الثاني : ليست كل مسائل الاعتقاد مُجمعاً عليها بل هناك مسائلٌ من الاعتقاد مختلفٌ فيها وإن كان أكثرها مجمعٌ عليه بل المختلف فيه قليلٌ جداً وقد أفاد هذا أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في مواضع من مجموع الفتاوى والإمام ابن القيم في أعلام الموقعين وشيخنا الإمام العلامة محمد بن صالح العثيمين-رحمه الله تعالى- في أوائل شرحه على العقيدة الواسطية ، ومثل ابن تيمية على بعض مسائل الاعتقاد المختلف فيها ألا وهو 1- اختلاف الصحابة في رؤية النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- لربه فقد نُقل في المسألة قولان عن الصحابة وإن كان الصحيح أن الصحابة لم يختلفوا في ذلك كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ، لكن من أمثلة ذلك خلاف أئمة السنة : هل إذا نزل ربنا جلَّ جلاله وعظم سلطانه إلى سماء الدنيا يخلو العرش أو لا يخلو العرش أو يتوقف في المسألة ، في المسألة أقوالٌ ثلاثة والذي عليه جماهير أئمة السنة كالإمام أحمد ونعيم بن حماد الخزاعي وإسحاق ابن راهويه : أن العرش لا يخلو ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن العباس بن تيمية رحمه الله تعالى لكن المقصود أنه قد حصل نزاعٌ في هذه المسألة ، وكذلك تنازع أهل العلم كثيراً في بعض أسماء الله ، هل هي اسمٌ له أم لا ؟ إلى غير ذلك من الخلاف في بعض مسائل الاعتقاد ، وسبب ذكر هذا أن كثيراً من البدع في زماننا صاروا يهولون ويبالغون ويقولون: إنكم كثيراً ما توالون على مسائل الاعتقاد وتعادون عليها ، ولا يصح في الحكم هذا ، لأنه هناك من مسائل الاعتقاد ما هو مختلفٌ فيه والرد على هؤلاء يُقال : ولاؤنا وبراؤنا في ما أُجمع عليه أما ما اختلف فيه ولو كان قليلاً فلا يوالى ولا يعادى فيه ، وليس معنى وجود خلافٍ قليلٍ في مسائل الاعتقاد أن يهول منها ، بل يحصر المختلف فيه وما عداه حق الولاء والبراء فيه.
المقدمة الثانية: العقيدة من جملة الدين وداخلةٌ في عموم قوله تعالى****"****اليوم أكملت لكم****دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " سورة المائدة:3، ويدل لذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عمر وثبت في الصحيحين نحوه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث جبريل المشهور لما ذكر الإسلام والإيمان والإحسان ****قال في آخره : هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم ، ومن الأمور التي علمها جبريل صحابة رسول الله -صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم - في هذا الحديث أمر الإسلام والإيمان والإحسان ، والإيمان والإحسان أمورٌ عقدية ، وأطلق على الجميع " ديناً" إذا تبين هذا فالدين يقوم على أدلةٍ هي في الجملة صنفان أو نوعان****:
النوع الأول : هي أدلة يقينية مقطوعٌ بها.
والنوع الثاني : أدلةٌ ظنية من باب الظن الغالب****.
وما لا يفيد أحد هذين الأمرين فلا يُسمى دليلاً ، والدليل على أن ما ****أفاد غلبة الظن فهو دليلٌ معتمدٌ في الشريعة ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم -قال : " إذا شك أحدكم في صلاته فليتحرى الصواب وليتم عليه قوله فليتحرى هذا من باب الظن الغالب ويتعلق بهذه المقدمة تنبيهات:
التنبيه الأول :ذهب المتكلمون -أهل البدع- إلى أنه لا يصح الاستدلال في مسائل الاعتقاد إلا باليقينيات والقطعيات فحصروا مسائل الاعتقاد في الأدلة اليقينية والقطعية ورد عليهم أئمة السنة وممن رد عليهم وبين ضلال فعلهم: ****أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في مجموع الفتاوى وذكر أنه مسائل الاعتقاد يستدل فيها باليقينيات وبغلبة الظن.

التنبيه الثاني : شاع تعريفٌ للاعتقاد عند كثيرٍ من المتأخرين وهو قولهم ( الاعتقاد هو حكم الذهن الجازم فإن طابق الواقع فهو صحيح وإن لم يطابق الواقع فهو فاسد ) وهذا التعريف فيه نظر لأن لازم هذا التعريف أن يُحصر في أدلة الاعتقاد الأدلة اليقينية القطعية دون ما أفاد غلبة الظن، لذا قال ( حكم الذهن الجازم) فإن قيل إذا تبين خطأ هذا التعريف ، فما التعريف الصحيح للاعتقاد ؟ فيقال : الاعتقاد كل من عقد عليه القلب يُسمى اعتقاداً إما أن يكون بدليلٍ قطعي أو بدليلٍ مظنونٍ ظناً راجحاً.

التنبيه الثالث : كثيرٌ من المتكلمين من أهل البدع كالمعتزلة والأشاعرة لا يرون صحة الاستدلال بخبر الآحاد ، يقولون أنه يفيد الظن الغالب ولا يفيد القطع والرد عليهم من أوجه:
الوجه الأول : أن النبي -صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم - قد أقام الحجة على أقوام بأخبار آحادٍ لا بأخبار تواتر فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم- أرسل معاذاً إلى اليمن يدعوهم إلى دين الله وأول ذلك الدعوة إلى التوحيد وخبر معاذٍ ومن معه لا يفيد التواتر.
الرد الثاني أن ****يُقال : سبب ردهم لخبر الآحاد أنه لا يفيد القطع واليقين لذاته فيُقال لو سلم لهذا على الإطلاق فإنه يُفيد غلبة الظن وما أفاد غلبة الظن فهو حُجةٌ في الدين ومنه الاعتقاد ومن أراد أن يُخرج الاعتقاد فيلزمه الدليل ،ولا دليل.
الرد الثالث أن يُقال: ما أفاده الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى كما في مختصر الصواعق وهو أنه قال****-وأرجو أن تنتبه إلى هذا الدليل- قال : ما من أمرٍ عمليٍ في الدين إلا وهو متضمنٌ للاعتقاد كالذي يصلي ركعتين قبل صلاة الفجر الفريضة ، هاتان الركعتان مستحبتان فمن صلاهما فإنه صلاها بالأدلة الشرعية كحديث ابن عمر وغيره. وهي أمورٌ عملية ، المتكلمون لا ينازعون في صحة التعبد بها لأجل خبر الآحاد ، لكن يقال لهم: الذي صلى هاتين الركعتين اعتقد استحبابها فرجع عمله إلى الاعتقاد ، فما من أمرٍ عمليٍ إلا وهو مبنيٌ على الاعتقاد ، الذي يستاك عند كل وضوء لحديث أبي هريرة لم يستك إلا لاعتقاده أن هذا العمل مستحبٌ فرجع إلى الاعتقاد ، فما من أمرٍ عمليٍ إلا وهو مبنيٌ على الاعتقاد ، فمن لم يقبل حديث الآحاد في الأمور العقدية يلزمه ألا يقبلها في الأمور العملية كما تقدم .
المقدمة الثالثة : لا بد أن يُضبط كل أمرٍ دينيٍ ومنه الاعتقاد بما عليه سلف هذه الأمة لقوله تعالى "فَإِنْ****آمَنُوا****بِمِثْلِ مَا****آمَنْتُمْ بِهِ****فَقَدِ اهْتَدَوْا" قال الإمام ****ابن القيم كما في أعلام الموقعين : مفهوم المخالفة إن لم يُؤمنوا بمثل ما آمنتم به فقد ضلوا ، ولقوله تعالى "****وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ****مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" فهاتان الآيتان وغيرهما تدل على أنه لا بد أن يُقيد فهم الشرع بفهم سلف هذه الأمة ولا فرق في ذلك بين الأمور العقدية والأمور العملية فإن الأدلة لم تفرق بينها****.
قال الإمام ابن تيمية ****كما في اقتضاء الصراط المستقيم : إنما المُتبَعُ ****بإثبات أحكام الله كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم- وسبيل السابقين أوالأولين لا يجوز إثبات حكمٍ شرعي بدون هذه الأصول الثلاثة لا نصاً ولا استنباطاً بحال.انتهى كلامه رحمه الله تعالى
وأؤكد على أنه لا فرق في ذلك بين المسائل العلمية والعملية ويتعلق بهذه المقدمة تنبيهٌ ألا وهو: أن مسائل الشريعة تنقسم قسمين:****
القسم الأول :مسائل يسوغ الخلاف فيها وتسمى بالمسائل ( الاجتهادية )
القسم الثاني : ما لا يسوغ الخلاف فيها وتسمى بالمسائل(الخلافية)
وضابط المسائل التي يسوغ الخلاف فيها هي المسائل التي ليس فيها إجماع ولم تصادم النص من كل وجه ،والمسائل التي لا يسوغ الخلاف فيها هي ما خالفت الإجماع أو صادمت النص الذي لا يقبل المصادمة من أي وجهٍ، ففي المسائل الاجتهادية الإنكار يكون على القول دون القائل وطريقة الإنكار فيها بيان رجحان هذا القول ، أما المسائل الخلافية أي التي لا يسوغ الخلاف فيها يكون الإنكار فيها على القول وعلى القائل ولا يلزم من خطئه ****في مسألةٍ لا يسوغ الخلاف فيها أن يُضلل بل لابد أن ينظر إلى ضوابط أخرى ذكرها أهل العلم كالشاطبي في الاعتصام وكأبي العباس ابن تيمية في المجلد الاخير من مجموع الفتاوى وهذا ما تم ذكره ****هو خلاصة ما قرره أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب بيان الدليل على بطلان التحليل وما ذكره الإمام ****ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب أعلام الموقعين وابن مفلح في الآداب الشرعية وأبو المظفر السمعاني في القواطع وأشار لهذا النووي في شرح مسلم وذكر هذا أئمة الدعوة كما في الدرر السنية وفي شرحهم على كتاب التوحيد عند باب ****(من أطاع العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله )
المقدمة الرابعة والأخيرة :لا يجوز الاستدلال في مسائل الدين ومنها الاعتقاد إلا الحديث الثابت عن الرسول -صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم- دون الضعيف ويدخل في الحديث الثابت الحديث الصحيح والحديث الحسن ،فإذا كان أئمة الإسلام يردون الحديث الضعيف في المسائل العملية كما ترى من صنيعهم فهم في ردهم في المسائل العقدية من باب أولى وقد صرحوا في كتب الاعتقاد أنهم لا يقبلون إلا الحديث الصحيح يريدون بذلك الحديث الثابت عن رسول الله -صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم- كما ذكر ذلك الإمام الصابوني في كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث وكما ذكر ذلك الإمام ابن تيمية كما في العقيدة الواسطية وذكر ذلك ابن قدامة في لمعة الاعتقاد ، فإن قيل كيف الجمع بين هذا ووجود أحاديث ضعيفة في كتب الاعتقاد ؟ فيُقال :إن كتب الاعتقاد من حيث الجملة نوعان****
النوع الأول : مُسندة
والنوع الثاني : غير مُسندة
من أمثلة كتب الاعتقاد المسندة : كتاب السنة للإمام عبدالله ابن الإمام أحمد، ****كتاب أصول اعتقاد أهل السنة للإمام اللالكائي وكتاب السنة لابن أبي عاصم وغيرها من كتب الاعتقاد.****
ومن أمثلة الكتب غير المُسندة: الإبانة الصغرى لابن بطة فقد ذكر أنه حذف الأسانيد اختصاراً كما في مقدمته والإمام ابن تيمية كما في العقيدة الواسطية وابن قدامة كما في لمعة الاعتقاد أما الطحاوي فلم يرد حديثاً في عقيدته.
إذن الجواب أن يُقال : إن كتب الاعتقاد من حيث الجملة نوعان مُسندة وغير مُسندة ، أما الكتب المسندة فيقال :
الجواب الأول: إن عند أهل العلم قاعدة : أن من أسند فقد أحالك، ذكر هذه القاعدة ابن عبدالبر في أوائل التمهيد، والسيوطي تدريب الراوي والعلائي ****في جامع التحصيد، فيقولون من أسند فقد أحلك وقد برئ ، لأنه يفترض في طالب العلم أنه يعرف الأسانيد من حيث الصحة والضعف.
الجواب الثاني أن يُقال : أن التصحيح والتضعيف أمرٌ نسبي في كثيرٍ من الأحاديث فقد تضعف ما يصححه غيرك والعكس.
الجواب الثالث أن يُقال: إن أهل السنة السلفيين يعتقدون أن أفراد أئمة السنة غير معصومين فقد يُخطئون بخلاف إجماعهم فإن إجماعهم حُجة.
الجواب الرابع ****- وأرجو أن تنتبه إليه وهو- :أن****أئمة السنة قد يذكرون أحاديث في كتب الاعتقاد امتحاناً لأهل البدع وإن كانت ضعيفةً وقد ذكر ذلك الإمام أحمد كما نقله عنه أبو يعلى في إبطال التأويل، ذكر الإمام أحمد حديث جابر الذي خرجه عبدالله ابن الإمام أحمد في كتاب السنة : أن الله يضحك حتى تبدو لهاته وأضراسه ،هذا الحديث من حيث إسناده : ضعيفٌ ، قال الإمام أحمد: يُشنع فيه على أهل البدع، ما وجه ذلك ؟ ، وجه ذلك أننا في أسمائه وصفاته نثبت ما أثبته الله أورسوله -صلى الله عليه وسلم -وننفي ما نفاه الله ورسوله -صلى الله عليه وآله وصحبه سلم- وما لم يأت نفيه ولا إثباته لا ننفيه ولا نثبته بل نتوقف ، ذكر هذه القاعدة أبو العباس ابن تيمية في التدمرية وابن العز الحنفي في شرح الطحاوية وذكرها عبدالعزيز بن عبدالله بن باز في رده على الصابوني والإمام محمد بن صالح العثيمين في القواعد المثلى ،فعلى هذا الأضراس واللهاة هل نثبتها لله أم ننفيها ؟ نتوقف لا نثبتها ولا ننفيها ،ومن عنده ضعفٌ في هذا الباب فإنه يبادر بنفيها ، ومن هنا صار الإمام أحمد وغيره من أئمة الإسلام يشنعون على أهل ابدع ويمتحنوهم بأمثال هذه الأحاديث ،أما إذا كانت كتب الاعتقاد غير مسندة فالكلام فيها كالكلام في الأولى ما عدا الإجابة الأولى وكذا الإجابة الرابعة بشرط أن لا يجزم به لأنه لو جزم مع ضعفه فإنه لا يصح وإنما يرويه بصيغةٍ يُستفاد منه عدم الجزم، بعد هذا نبدأ بالتعليقات على العقيدة الطحاوية.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو بمنّه وفضله أن يوفقني وإياكم ****لما يُحب ويرضى وأن ****يعينني وإياكم على طاعته وأن يتقبل مني ومنكم هذا الاجتماع بمنّه وكرمه

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين .
قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي بمصر- رحمه الله- : هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابتٍ الكوفي وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري وأبي عبدالله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين.
قوله رحمه الله تعالى ( عقيدة أهل السنة والجماعة ) المراد بها عقيدة السلف الصالح ومن اتبعهم إلى يومنا هذا وهم السلفيون أي السائرون على ما سار عليه سلف هذه الأمة وهم أهل السنة وما عداهم فلا يدخل في هذا ويخطئ بعضهم ويظن أن الأشاعرة المبتدعة داخلون في لقب أهل السنة وباسم أهل السنة مستندين في ذلك على كلام للإمام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في مجموع الفتاوى وفي منهاج السنة وفي بيان تلبيس الجهمية: أن لإطلاق لفظ أهل السنة معنيين ، معنى عاماً ومعنى خاصاً ، قال المعنى العام : كل ما هو مقابل الرافضة فيطلق عليه لقب أهل السنة ، أما الإطلاق الخاص :هم السائرون على ما سار عليه النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، يقال في الجواب على هذا يقال في بيان معنى كلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى إنه لا يريد قطعاً أن الأشاعرة من أهل السنة لأنه بدعهم كما في مجموع الفتاوى أظن في المجلد الثالث ، نص على أنهم مبتدعة بل نص رحمه الله تعالى في بيان تلبيس الجهمية أن الأشاعرة المتأخرين جهمية وأخذ يطلق على الرازي لقب : الجهمي ، هذا الأمر الأول . الأمر الثاني هو رحمه الله تعالى يتكلم عن استعمال العامة أي استعمال عامة الناس لا الاستعمال الشرعي ، وأنتم ترون عامة الناس يقولون إذا سألتهم : الدولة هذه من يوجد فيها؟ ، يقولون: إن المسلمين فيها صنفان 1- رافضة 2- أهل سنة ويريدون بأهل سنة :الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم . إذن هذا الإطلاق هو إطلاق عند العامة لا في الاستعمال الشرعي وما عليه سلف هذه الأمة، الأمر الثالث: أن لازم هذا أن يقال أن المعتزلة أهل سنة، وهم باتفاق أهل السنة والأشاعرة مبتدعة وضلال ولا****أحد يقول عنهم أنه أهل سنة وإنما بإطلاق أبو العباس ابن تيمية كما تقدم هو يحكي استعمال العامة مع التنبه إلى أنه أحياناً كما في بعض المواضع من مجموع الفتاوى وبيان تلبيس الجهمية يقول : الأرض التي ****لا يوجد فيها إلا الأشاعرة هم أهل السنة في تلك الأرض . هذا إطلاق أهل السنة إطلاقاً عاماً أو إطلاقاً مُقيداً؟ هذا إطلاقٌ مقيد بالنسبة إلى غيرهم بل ذكر هذا حتى في المعتزلة هم أهل السنة بالنسبة إلى غيرهم ونحن الآن نبحث إطلاق أهل السنة بتقييد أو بغير تقييد ؟بغير تقييد، ولقد رأيت لبعض العلم جواباً مستغرباً وهو أنه يقول : إن الأشاعرة أهل سنة في ما وافقوا فيه أهل السنة ، وهذا فيه نظرٌ كبير لأن لازم هذا أن يقال إن المعتزلة أهل سنة في ما وافقوا فيه أهل السنة وأن يقال إن الشيعة أهل سنة في ما وافقوا فيه أهل السنة (فإذا بطل اللازم بطل الملزوم ).
****تنبيه : في هذه العقيدة الطحاوية فائدةٌ في ما يتعلق بأبي حنيفة وصاحبيه وهو أن ما يذكره في هذه العقيدة هو ما مات عليه أبو حنيفة وصاحباه فعلى هذا ما نسب إلى أبي حنيفة أو ما قاله أبو حنيفة ****أولا فيقال قد تراجع عنه بنقل أبي جعفرٍ الطحاوي في هذه العقيدة ، وأبو حنيفة قد تكلم فيه جمعٌ كثيرٌ من أئمة السنة ، تكلم فيه الإمام أحمد والإمام مالك والأوزاعي وابن المبارك وعددٌ كبير من أئمة السنة كما نقل ذلك عبدالله ابن الإمام أحمد في كتاب السنة وابن عدي في كتاب الكامل والخطيب البغدادي في تاريخه ولقد تكلم ابن أبي شيبة في ابن أبي حنيفة وعقد فصلاً ****لكن في ما يتعلق بالمسائل الفقهية ، وجملة ما أخذ على أبي حنيفة أربعة أمور:
الأمر الأول : أنه يقول بأن القرآن مخلوق ثبت عن سفيان الثوري كما روى عبدالله ابن الإمام أحمد أن أبا حنيفة استتيب على الكفر ثلاث مرات ، وقد ذكر الذهبي في مختصر العلوم وجود إسناد الإمام الألباني أن أبا يوسف يقول : ناظرت أبا حنيفة ستة أشهر في القرآن فاتفق رأيي ورأيه على أنه القرآن غير مخلوق وهذا يُشعرك أنه كان يقول أن القرآن مخلوق، وقد نقل الإمام عبدالله ابن الإمام أحمد كلماتٌ للسلف في هذا تدل على أن أبا حنيفة كان يقول بأن القرآن مخلوق، لكنه رحمه الله تعالى قد تراجع عن هذا بما تقدم عن أبي يوسف لما قال اتفق رأيي ورأي أبي حنيفة على أن القرآن غير مخلوق ، وكذلك بما نقله الإمام أبو جعفر الطحاوي في هذه العقيدة.
****والأمر الثاني الذي أُخذ على أبي حنيفة : أنه يُجوز الخروج على السلطان ويرى السيف وقد نقل عبدالله ابن الإمام أحمد في كتاب السنة رواياته عن السلف تدل على هذا وأن أبا حنيفة كان يرى السيف لكن نقل أبو العباس ابن تيمية في فتوى الحموية عن أبي حنيفة أنه أنكر الخروج على السلطان وقال: يفسدون أكثر مما يصلحون ، وأبو جعفر الطحاوي في هذه العقيدة نقل أنهم لا يرون السيف والخروج على السلطان فيكون قد تراجع رحمه الله تعالى عن هذا الرأي .****
الأمر الثالث ****الذي أُخذ على أبي حنيفة: أنه يتكلم بالرأي ولا يعمل بالأحاديث والآثار وقد عقد ابن أبي شيبة فصلاً كاملاً في هذا ، وذكر مسائل كثيرة عن أبي حنيفة خالف فيها الأحاديث والآثار لكن اعتذر له ابن عبد البر وغيره بأن ما قال فيه برأيه فهو مما لم يبلغه فيه نصٌ ، لكن قد يقال: المفترض أن لا يتكلم أحدٌ في العلم إلا بعد البحث والنظر بحثاً يُعذر فيه وأئمة السلف قد عابوا عليه هذا الأمر مما يدلك على أنهم لم يعذروه في هذا وأن عنده رحمه الله تعالى قولاً بالرأي ، لذلك كان أصحاب أبو حنيفة يُسمون عند السلف بأصحاب الرأي ، كما فعل ذلك البخاري وابن منذر في الأوسط وغير واحد من أئمة الإسلام لأنهم يقدمون ****الآراء على الآثار أو لم يجمعوا الآثار في الباب وتعجلوا وتكلموا .
الأمر الرابع الذي أُخذ على أبي حنيفة : أنه لا يرى الأعمال من الإيمان ومن كان كذلك فهو مُرجئٌ ، وقد تكلم ابن مبارك وغيره في أبي حنيفة من جهة إرجائه ،وهذا أمرٌ ثابتٌ على أبي حنيفة وقد أكده الطحاوي في هذه العقيدة وبين أن الأعمال ليست من الإيمان لذلك قال أبو العباس ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى واشتد نكير السلف على مرجئة الفقهاء وبدعوهم قال: لكنني لا أعرف أحداً كفرهم لأجل بدعة الإرجاء ، فينبغي أن نكون مع أبي حنيفة وسطاً لا إفراط ولا تفريط ، لأني رأيت رأيت طائفةً يبالغون في أبي حنيفة لا يراعون المصالح والمفاسد وطائفةً أخرى مقابلة : تُبالغ في الدفاع عن أبي حنيفة تريد أن تبرئه مما نسب إليه ولم يتنبهوا أنهم بتبرئة أبي حنيفة يرجعون بالقدح على عشرات من أئمة السلف الذين تكلموا فيه والله يحب العدل والإنصاف بل قد رأيت أحدهم طبع كتاب السنة لعبدالله ابن الإمام أحمد وحذف الفصل الذي تكلم فيه أئمة ****السنة على أبي حنيفة وهذه جناية على كتب الآثار وكتب السنة فلا يجوز الاعتداء عليها، إذا كنت ترى ملاحظةً فعلق على الكتاب بعلم أما أن تتصرف في الكتاب وتحذف منه ، هذا لا يجوز.****

( وما يعتقدون به أصول الدين ويدينون به رب العالمين ) قوله "أصول الدين" لقد تقدم ذكره****(نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله إن الله واحد لا شريك له ولا شيء مثله ) ،قوله :إن الله واحد لا شريك له؛ هو الآن يتكلم في التوحيد عموماً وهذا يدخل فيه توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات ثم بعد ذلك سيفصل ،ويذكر أنواع التوحيد الثلاثة والتوحيد أنواعٌ ثلاثة كما بين ذلك أئمة الإسلام إما بالتصريح وإما بالإشارة كما فعل ذلك أو بين ذلك أبو حنيفة وابن منده و وابن جرير الطبري وأبو العباس ابن تيمية وابن القيم وابن رجب إلى أئمة الدعوة النجدية السلفية وغيرهم من أنصار الدين فبينوا أن أنواع التوحيد ثلاثة ودليل أنواع التوحيد الثلاثة هو دليل السبر والتقسيم ودليل السبر والتقسيم مجمعٌ عليه عند الأصوليين فهو دليلٌ عقلي ولقد ذكره الله تعالى في كتابه كما قال تعالى: "أَمْ ****خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ***** أَمْ خَلَقُواْ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَل لاّ يُوقِنُونَ * " فذكر في هذه الآية السبر والتقسيم أقساماً ثلاثة 1- إما أنهم خُلقوا صدفةً 2- أو خَلقوا أنفسهم 3- أو أن الله خلقهم، أما القول بأنهم خُلقوا صدفة فيرده الواقع المشاهد وكذا القول بأنهم خلقوا أنفسهم يرده الواقع المشاهد فلم يبق إلا قسمٌ ثالث وهو أن الله خلقهم سبحانه ، وقد ذكر هذا الدليل الأصوليون بل وذكره أئمة الإسلام السلفيون كأبي العباس ابن تيمية في العقيدة التدمرية، فإذاً ****دليل تقسيم التوحيد إلى الأقسام الثلاثة هو السبر والتقسيم ، ومن أهم المهمات أن يُعرف موقف كفار قريشٍ من هذه الأقسام الثلاثة ، لأنه ينبني على هذا معرفة معنى كلمة التوحيد ، فكفار قريش تجاه توحيد الربوبية مقرون به لكن إقرارهم به في الجملة لا بالتفصيل فإنهم أشركوا بالتمائم والطيرة وهذه شركٌ في توحيد الربوبية وقد نبه على أن ****إقرارهم ****بالربوبية ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية إلا البعث والنشور فقد أنكرته طائفةٌ منهم وهو يرجع إلى توحيد الربوبية ، قال تعالى "زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا****أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. [التغابن:7]. والذي يدل على أنهم مقرون بتوحيد الربوبية قوله تعالى: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ****مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ" ونحوها من الآيات ، أما توحيد الأسماء والصفات فهم مقرون بالصفات كلها ، قال أبو العباس ابن تيمية في العقيدة الحموية : لا يُعرف من العرب قط إنكارُ صفات من صفات الله ، أما أسماء الله فهم مقرون به إلا اسم (الرحمن) على خلافٍ بينهم لذلك أنكر الله عليهم كما قال تعالى"****وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اُسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ****قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن"، وقال ****تعالى "قُلِ****ادْعُوا اللَّهَ****أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ****ۚ" ، قال سليمان بن عبدالله في تفسير العزيز الحميد وفي نحوه ذكر ابن كثير ، أنهم لما أنكروا اسم الرحمن أنكر الله عليهم دلَّ هذا على أنهم مقرون بغيره من الأسماء، لأنهم لو كانوا منكرين لغيره لأنكر الله عليهم أما توحيد الألوهية فهم مشركون به وهو المعركة التي كانت بينهم وبين رسول الله -صلى الله عليه و آله وصحبه وسلم- ومعنى التوحيد : هو إفراد الله بما يختص به ، كما ذكر ذلك شيخنا محمد بن صالح العثيمين في تعليقاته الأصول ويُقابل التوحيد الشرك : وهو تسوية غير الله بالله في شيءٍ من خصائص الله ودليل ذلك "(تَاللَّهِ****إِنْ كُنَّا لَفِي ****ضَلَالٍ****مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)" وقد أشار إلى ****هذا التعريف أبو العباس ابن تيمية في ****التدمرية وفي الاستقامة ومواضع من مجموع الفتاوى وابن القيم في مواضع إغاثة اللهفان وابن رجب في رسالة الإخلاص وأئمة الدعوة ، وقول أن الشرك هو تسوية غير الله بالله ****في شيءٍ من خصائص الله يدخل في ذلك الشرك في الربوبية والشرك في الإلوهية والشرك في الأسماء والصفات ،لأن التوحيد في الربوبية : إفراد الله بأفعاله ، والتوحيد في الأسماء والصفات : هو إفراد الله بأسمائه ، والتوحيد في الألوهية: هو إفراد الله بالعبادة.****
(نقول في التوحيد الله معتقدين بتوفيق الله أن الله واحدٌ لاشريك له)
قد تقدم قوله إن الله واحدٌ لا شريك له هذا كلامٌ على التوحيد من حيث العموم (ولا شيء مثله ) قوله ولا شيء مثله يدل عليه قوله تعالى"****لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ****وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" ****وهذا يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات وعبر رحمه الله تعالى بنفي المثيل هذا أصوب من التعبير بنفي التشبيه كما ذكر ذلك أبو العباس ابن تيمية في المناظرة على العقيدة الواسطية قال : اخترت هذا ، أي نفي المثيل لأنه لفظ القرآن وذكر رحمه الله تعالى أمراً ثانياً في بيان تلبيس الجهمية وفي مجموع الفتاوى في أن التعبير بنفي المثيل أولى من التعبير بنفي التشبيه ،قال رحمه الله تعالى: أنه لا يصح نفي مشابهة الله لخلقه من كل وجه –سيتبين هذا فيما سيأتي إن شاء الله- وقال ما من شيئين إلا وبينهما شيءٌ من التشابه فالله موجود والمخلوق موجود ****، لكن نوع وجود الله غير نوع وجود المخلوق، فوجود الله واجب و وجود المخلوق جائز ؟ الأمر الثالث في أن التعبير بنفي التمثيل أولى من التعبير بنفي الشبيه : أنه شاع عند أهل البدع تسمية أهل ****السنة بالمشبهة فإذا نفي التشبيه ظن من لا يدري أنه هذا ردٌ على أهل السنة مثبتة الصفات ، ذكر هذا الوجه شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين في العقيدة الواسطية وذكر الوجهين الأولين ، ونفي المثيل الذي جاء في سورة الشورى "****لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ****وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ"" ****هو مثالٌ من أمثلة القرآن الكثيرة، أن القرآن ينفي النفي المجمل ويثبت الإثبات المفصل وهذه قاعدة عند أهل السنة أن ****النفي يكون مُجملاً ****والإثبات يكون مفصلاً ****ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى أن هذه طريقة القرآن وطريقة الأنبياء والرسل و أتباعهم ذكر هذا في اقتضاء الصراط المستقيم وفي الجواب الصحيح وفي التدمرية وفي مجموع الفتاوى وفي مواضع كثيرة من كتبه رحمه الله تعالى ، ولا ينتقل عن النفي المجمل إلى النفي المفصل إلا لحاجة وسبب ، من ذلك : أن يكون فيه ردٌ على باطلٍ نسب في حق الله ، فيأتي النفي المفصل ، كادعاء الولد في حق الله فنفى الله هذا عن نفسه********"****أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا****وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ****وَلَدًا" ****ومن الأسباب في الانتقال إلى النفي المفصل هو دفع وهمٍ متوهم في حق الله، كأن يُتوهم أن الله خلق السماوات والأرض لاعباً ، قال تعالى "****﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ****(16)﴾. [سورة الأنبياء]." ذكر هذا شيخنا محمد بن صالح العثيمين في القواعد المثلى ، قاعدة أخرى تتعلق بالنفي، وهو أن النفي المحض ليس مدحاً بل المدح هو إثبات كمال الضد فلما نفى الله عن نفسه السنة والنوم أثبت كمال الضد وهو القيومية ، ذكر هذه القاعدة الإمام ابن تيمية كما في التدمرية ومجموع الفتاوى وابن القيم في الصواعق المرسلة وغيرها ، وهنا فائدةٌ مهمة يغفل عنها بعض أهل السنة وهو وجه العلاقة بين ما يطلق على الله وما يطلق على خلقه.
إخواني : الألفاظ من حيث الجملة أربعة أنواع ، ذكر ذلك المناطقة والأصوليون وممن ذكر ذلك الغزالي في معيار العلم.****
النوع الأول: ألفاظٌ ****مترادفة، ومعنى مترادفة أي أن لفظها مختلف تدل على معنى واحد كقولك السيف والمهند والحسام ، هذه مترادفة.
النوع الثاني : متباينة في اللفظ وفي المعنى، أي هي مختلفة في اللفظ وفي المعنى كقولك السماء والأرض.
النوع الثالث :مشتركة ، وهي ما كان لفظها واحداً مع اختلافها في المعنى ، كمثل لفظ العين، فإن العين تطلق على الجارحة وتطلق على عين الماء وعلى عين الذهب ، فاللفظ واحد والمعاني مختلفة.
النوع الرابع : المتواطئة ، وهي أمرٌ كلي تحته أفراد مختلفة ، تجتمع في هذا الأمر الكلي كمثل قولك : الرجل فيدخل فيه عمرو وزيد ومع أن عمراً ****وزيداً مختلفين إلا أنهما مشتركين في الرجولة ،إذا عرفت هذه الأنواع الأربعة عرفت أن العلاقة بين الله وخلقه في الصفات وفي الأسماء من باب المتواطئ ، وكذا في ما يطلق على الله خبراً ، فتقول الله جلَّ وجلاله موجود والمخلوق موجود فاجتمعا في أصل الوجود الذي يقابل العدم ، إلا أن وجود الله مختلفٌ عن وجود خلقه ، فوجود الله واجب ووجود خلقه جائزٌ وممكن ، هذه هي عقيدة أهل السنة ، ذكر****ذلك مراراً ابن تيمية في مواضع من كتبه كالتدمرية وبسطها بسطاً مفيداً في بيان تلبيس الجهمية وقال هذا قول أئمة السنة كالإمام أحمد وغيره وحكى إجماعهم على ذلك ،وهذا أمرٌ يا إخواني ينبغي في هذه الدقائق أن تضبط ****وإن كانت ولله الحمد واضحة حتى لا يتسلط أهل البدع على أهل السنة ، المفترض أن ****يزور كل واحد منكم أن تزوروا في أنفسكم وأزور دوافع ونيات حضور دروس العلم منها ابتغاء الأجر ****ومنها إحياء سنة العلم ومنها رفع الجهل عن النفس ومن أهمها الدفاع عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم وعقيدته ، قد رأيت بعض أهل البدع قد تسلط على أهل السنة في مثل هذه المسألة كما فعل ذلك الأشعري الجهمي الهالك سعيد فوده الأردني في كتابٍ يزعم أنه يرد على ابن تيمية سمّاه " تفنيد التدمرية" أو شيءٍ من هذا والواقع أنه لم يسدد في هذا الكتاب إلا أن دمره ابن تيمية بالتدمرية لكن مما ذكر في المقدمة أنه قد جالس كثيراً من أهل السنة أو رأى جمعاً من أهل السنة يحاجوه في مثل هذه الأمور ولا يعرفون العلاقة بين صفة الله وصفة المخلوقين أو أسماء الله أو أسماء المخلوقين أو هكذا.
****فلابد يا إخوان أن تضبط هذه المسائل حتى نكون مسلحين لمواجهة أهل البدع ، اسأل الله عز وجل بمنّه وكرمه وقوته أن يكسرهم وأن يرفع راية التوحيد والسنة بمنّه وفضله****
(ولا شيء يعجزه)
قوله ولاشي يعجزه يدل عليه قوله تعالى "****ومَا كَانَ اللَّهُ****لِيُعْجِزَهُ****مِ نْ شَيْءٍ****فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي****الْأَرْضِ**** } فاطر : 44" ****وهذا راجعٌ إلى توحيد الربوبية : وهو إفراد الله بأفعاله ، وتوحيد الربوبية يذكر في الكتاب والسنة لأمرين ، الأمر الأول : للإلزام بتوحيد الإلهية للإلزام بعباده الله وحده كما قال تعالى "يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ****رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21). سورة البقرة." إلى آخره ، فقال اعبدوا الله أي وحدوه لأنه هو الخالق وذكر هذا أئمة السنة كثيراً كأبي عباس ابن تيمية وابن القيم وابن كثير في تفسيره وغير واحد ممن كتب في التفسير كابن جرير وأهل السنة إلى أئمة الدعوة النجدية.
الأمر الثاني: أن يذكر توحيد الربوبية لتعظيم الله كما قال تعالى في سورة نوح "مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا *****وَقَدْ خَلَقَكُمْ****أَطْوَارًا " ****
(ولا إله غيره)
قوله ولا إله غيره دليله اعبدوا الله ما لكم من إله غيره وهذا يرجع إلى توحيد الإلهية فبهذا المصنف يكون قد أشار إلى أقسام التوحيد الثلاثة ، وقد اختلف أهل اللغة في معنى الإله على أقوالٍ كثيرة ذكرها في تاج العروس وأظنه ذكر عشرين قولاً أو قال قد وصل الخلاف إلى عشرين قولاً ****لكن الصواب قطعاً أن الإله بمعنى المألوه أي المعبود ، وذلك أن كفار قريش كانوا مقرين بتوحيد الربوبية كما تقدم بيانه ورفضوا أن يقولوا لا إله إلا الله كما قال تعالى "****.****أَجَعَلَ الْآلِهَةَ****إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)" ولو كان معناها يرجع إلى الخالق أي إلى الربوبية لقالوها فلما لم يقولوها دل هذا على أنها لم ترجع إلى شيءٍ هم موافقون فيه أي إلى الربوبية فرجع معناها إلى ما يخالفون فيه وهو العبادة . وبهذا تفهم معنى قوله تعالى: "وَهُوَ****الَّذِي فِي****السَّمَاءِ إِلَهٌ****وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ****)" أي هو المعبود في السماء والمعبود في الأرض كما ذكر ذلك الإمام أحمد في رده على الجهمية وذكر ذلك أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلامين وابن تيمية كما في بيان تلبيس الجهمية وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية وقد ذهب المتكلمون من الأشاعرة إلى أن معنى لا إله إلا الله يرجع إلى توحيد الربوبية وقالوا معناها لا خالق إلا الله أو لا قادر على الاختراع إلا الله إلى آخره ، والرد عليهم بما تقدم ذكره أنه لو كان هذا معناها لأقر بها كفار قريش****
(قديمٌ بلا ابتداء دائمٌ بلا انتهاء)
قوله قديمٌ بلا ابتداء دائمٌ بلا انتهاء دليله قوله تعالى: "هُوَ****الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ****وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ****" وفسر ذلك النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريره قال : الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء والظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء ، وإطلاق المصنف لفظة قديم على الله يحتمل أنه يراها من الصفات فإذا كان كذلك فهو خطأ ويحتمل أنه أطلقها على الله من باب الإخبار وهذا صحيح ، وإن كان كذلك فعله صحيح ، فإن الذي يطلق على الله أقسامٌ ثلاثة ،
القسم الأول : الأسماء وهي تدعا ويدعا بها ، تقول :يا رحمن اغفر لي تدعو الاسم¡ وتقول: ****بأنك الرحمن اغفر لي ****، تدعو الاسم وتدعو به .
والقسم الثاني : الصفات ، وهي لا تُدعا ولكن يُدعا بها ، فتقول :برحمتك اغفر لي ، لكن لا يجوز أن تقول :يا كلام الله اغفر لي يا رحمة الله اغفري لي ، قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في الرد على البكري : ودعاء الصفة كفرٌ بإجماع المسلمين وبين في مواضع من الجواب الصحيح أن دعاء الصفة مُحرم ، ويستفاد من كلامه في الجواب الصحيح بالإشارة لا بالتنصيص أن هناك فرقاً بين دعاء الصفة استقلالاً أو دعاء الصفة وتريد الموصوف ، قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين في فتاوى العقيدة التي جمعها أشرف عبدالمقصود ، إن دعا الصفة وأرادها استقلالاً فهذا كُفر، وإن دعا الصفة وأراد الموصوف فهذا جائز¡ وما يُطلق على الله من الأسماء أو الصفات فهو توقيفي ، قال الإمام أحمد : لا يتجاوز فيه القرآن والحديث وهذا بإجماع أهل السنة
القسم الثالث ، النوع الثالث الذي يُطلق على الله : هو ما كان من باب الإخبار وهذا ليس توقيفياً لكن يُشترط فيه أن لا يكون نقضه ذماً وقدحاً من كل وجه ، أما ما كان مدحاً من وجه وقدحاً من وجه فيصُّح الإخبار به عن الله مع إرادة الوجه المحمود والممدوح. هذا ملخص ما قرره ابن تيمية في ****الجواب الصحيح ومجموع الفتاوى وابن القيم في بدائع الفوائد ، والدليل على صحة الإخبار عن الله بما ليس اسماً ولا صفةً قوله تعالى "قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ****شَهَادَةً ۖ****قُلِ****اللَّهُ" ****فأطلق على الله لفظ شيء مع أنه ليس من الأسماء الحسنى فهو إذاً ****ليس اسماً بل هو من باب الإخبار ومن ذلك إطلاق لفظ موجود على الله فتقول : الله موجود ، هذا من باب الإخبار ، ومن ذلك إطلاق لفظ القديم على الله أو على صفةٍ من صفاته وهذا من باب الإخبار لماذا؟ لأن القديم هو ما تقدم على غيره وقد يكون هناك شيءٌ متقدمٌ عليه ،كما قال تعالى: "حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ****" ****فقد تقول لمن عمره ستون سنة : هذا قديم ، تقول وجوده في الحياة قديم لكن ليس معناه أنه لم يتقدمه أحد بل تقدمه من كان عمره سبعين سنةً أفاد هذا ابن تيمية في مجموع الفتاوى في قاعدة التوسل والوسيلة وابن القيم في الصواعق المرسلة ، فإن قيل : ألم يخرج أبو داوود في سننه من طريق عقبة بن مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- كان إذا دخل المسجد قال :أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ، فيقول : قد وصف سلطانه بأنه قديم وأستعاذ بهذا السلطان فدلَّ على أن هذا السلطان صفةٌ من صفاته لأنه أستعاذ به من الشيطان فيقال : ألا يستفاد من هذا الحديث إثبات صفة القديم لله ؟ -واضح الإشكال يا إخواني-؟ الآن في الحديث استعاذ بسلطانه من الشيطان ولا يُستعاذ من الشيطان إلا بغير مخلوق إذن سلطان صفة لشيء من صفات الله ، فوصف الصفة ****بالقديم فدلَّ على أن القديم صفة من صفات الله ، فإذن هذا القديم يُعتبر صفة من صفات الله،**** يُقال الجواب على هذا من وجهين:
الوجه الأول : أن في صحة هذا الحديث نظراً وذلك أن عقبة بن مسلم لم يوثقه مُعتبر ، الذي ذكره في الثقات ابن حبان وهو متساهل وكذا وثقه العجلي وتوثيقات العجلي في التابعين لا يعول عليها لأنه متساهل في التابعين كما ذكر ذلك المُعَلِمي في التنكيل والأنوار الكاشفة .
الأمر الثاني :أنه على فرض صحة الحديث فإطلاق القديم في الحديث كإطلاق شيء في قوله تعالى "****قُلْ أَيُّ شَيْءٍ****أَكْبَرُ شَهَادَةً" ****فكما لفظ شيء في القرآن من باب الإخبار فكذلك لفظ قديم في الحديث من باب الإخبار لأنه ليس مدحاً من كل وجه إذ القديم قد يتقدم عليه غيره ، ثم إن المتكلمين قسموا الصفات أقساماً باعتبارات وأهل السنة لم يخالفوهم في هذا التقسيم لأنه لا ضير فيه لأنه لا يترتب عليه خطأٌ في ما يتعلق في صفات الله قسموها بالنظر إلى دليلها إلى: صفاتٍ سمعية وعقلية وقالوا الصفات السمعية: ما دلَّ عليها السمع فحسب دون العقل ، والمراد بالسمع أدلة الشرع من أمثلة ذلك الاستواء فإنه دليلٌ سمعيٌ ولو لم يأت به السمع لما دل العقل عليه كما ذكر ابن تيمية في التسعينية وفي التدمرية وفي بيان تلبيس الجهمية وفي مواضع من مجموع الفتاوى ،أما العقلية : فقد دلَّ عليها العقل مع السمع لا العقل وحده وإنما العقل مع السمع ، من أمثلة ذلك : علو الله، فإن العلو صفةٌ سمعية عقلية ذكر هذا ابن تيمية في التسعينية والتدمرية وبيان تلبيس الجهمية ومواضع كثيرة من مجموع الفتاوى بل وذكره غيره من أهل الكلام كأبي الحسن الأشعري وأتباعه المتقدمين الذين كانوا يُثبتون العلو ، وقسموا الصفات تقسيماً آخر إلى صفاتٍ خبرية وصفاتٍ معنوية وقالوا الخبرية : هي بالنسبة إلينا أبعاض ، فمثلاً اليد بعضٌ بالنسبة إلينا ، فصفة اليد لله من الصفات الخبرية أما الصفات المعنوية هي التي ليست أبعاضاً بنسبة إلينا : كالعلم ، وقسموا الصفات أيضاً تقسيماً ثالثاً : إلى صفاتٍ فعلية وصفات ذاتية وقالوا الفعلية : هي التي ترجع إلى المشيئة قد يفعلها وقد لا يفعلها كالإستواء ، أما الذاتية فهي التي لا ترجع عن المشيئة ولا تنفك عن الله كالعلو****
(لايفنى ولا يبيت ولا يكون إلا ما يريد)
قوله لا يفنى ولا يبيت وسيذكر أشياء هذا فيه نظر من صنيع المؤلف رحمه الله تعالى لأنه استعمل النفي المفصل وهذا خلاف طريقة القرآن والرسل وأهل السنة كما تقدم بيانه ، قوله ولا يكون إلا ما يريد، يُريد بالإرادة هنا الإرادة الكونية القدرية وإرادة الله في الكتاب والسنة نوعان : النوع الأول : هي الإرادة الكونية القدرية ، والنوع الثاني : هي الإرادة الشرعية ،الإرادة الكونية : هي كل ما وقع وقد يحبه الله وقد لا يحبه ، والإرادة الشرعية : هي كل ما يحبه الله وقد يقع وقد لا يقع، قال تعالى"فمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ****يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ" ****هذا أمرٌ يحبه الله فهو إرادةٌ شرعية "مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ" هذا أمرٌ لا يحبه الله فهو إرادةٌ كونية
وهذه عقيدة أهل السنة السلفيين أنهم يقسمون الإرادة قسمين، والعلاقة بين الإرادتين هي علاقة عمومٍ وخصوصٍ وجهي ومعنى ذلك أن كل واحدةٍ منهما أعم من الأخرى من وجه ، أذكر أمثلةً ثلاث يُتصور بها العلاقة بين الإرادتين ،
المثال الأول : كفر الكفار كأبي لهب هذا وقع ولا يحبه الله فهو إرادةٌ كونية ،
المثال الثاني :إسلام المسلم كأبي بكر وعمر يحبه الله فهو إرادةٌ شرعية وقد وقع فهو إرادةٌ كونية ،
في المثال الثالث : إرادة إسلام الكافر الذي لم يسلم كأبي جهل وأبي لهب ، إرادة إسلامه إرادةٌ شرعية لأن الله يحب إسلامه يريد إسلامه شرعاً ،لاحظوا في المثال الأول صارت الإرادة الكونية أعم وهو كفر الكافر كأبي جهل، وفي المثال الثالث وهو إرادة إسلام الكافر كأبي جهل ولم يسلم هذه إرادةٌ شرعية فصارت أعم الإرادةُ الكونية وفي المثال الثاني : اجتمعت الإرادتان وهو إسلام المسلم كأبي بكر وعمر أفاد هذا ابن تيمية في منهاج السنة وابن القيم في شفاء العليل والهراس في تعليقاته على الواسطية.
طيب ، ركزوا معي في المثال ، الشائع المنتشر عند كثيرين يقولون: الإرادة الكونية أعم ، فالإشكال في النوع الثالث ،الآن عندنا كفر أبي جهل وأبي لهب هذا وقع أو لم يقع ؟ إذن أراده الله وقع ، هذا شيء يحبه الله أو لا يحبه الله ؟ إذن إرادة كونية، طيب؛ إرادة إسلام أبي جهل : يحبه الله أم لا يحبه ؟ إذن إرادة شرعية لكن لم تقع فهنا صارت الإرادة الشرعية أشمل يعني تصورنا إرادة شرعية بدون الكونية وفي المثال الأول تصورنا إرادة كونية دون إرادة شرعية أما بالمثال الوسط الثاني في –المثال قبل قليل-****على الترتيب الأول فهو مثل إسلام أبو بكر هذا وقع إذن فهو إرادة كونية، يحبها الله؛ إذن إرادة شرعية ،اجتمعت الإرادتان – واضح إن شاء الله – طيب .....
أعم من جهة أنك تصور أو لا تصور الآخر ، تصور ولم تصور الآخر ، إذا كان كوني من حيث وقوعه يعني إرادة إسلام أبي جهل ما وقع لكن تصورنا هنا إرادة شرعية دون الكونية فصار أعم لأنك تصورت هذه دون هذه****
تنبيه : إذا أطلقت المشيئة فالمراد بها الإرادة الكونية دون الشرعية كما أفاد ذلك ابن تيمية في منهاج السنة وفي مجموع الفتاوى وابن القيم في شفاء العليل
تنبيه 2 : الإرادة الشرعية مرادةٌ بذاتها أما الإرادة الكونية فهي مرادةٌ لغيرها ، فخلق الله لإبليس إرادةٌ كونية وهي مرادةٌ لغيرها لما يترتب عليها من المصالح ، قال ابن القيم في مدارج السالكين : لما خلق الله إبليس عصاه من عصاه ثم تاب ثم ظهر أثر اسم التواب ، وقال : بعضهم إذا عصى الله تاب وصلح حاله أحسن من ذي قبل ومعصيته في الأصل من إبليس. إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى ، وقرب هذا ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في منهاج السنة قال : كأكل الدواء الكريه ، هو مكروهٌ من وجه لكنه محبوبٌ من وجه لما يترتب عليه من المصالح ، مع كونه مكروهاً من جهة الطعم وقد ضل في باب الإرادة طائفتان ، الطائفة الأولى : الجبرية ومنهم الأشاعرة ، والطائفة الثانية : القدرية ومنهم المعتزلة ،فأثبتت الجبرية إرادةٌ واحدة وهي الكونية ومنهم الأشاعرة ، وأثبتت القدرية إرادةً واحدةً وهي الشرعية ومنهم المعتزلة ، وسبب هذا الخلاف بينهم كما ذكر ذلك ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية ****: هو وجود المعصية من العباد ، فقالت الجبرية : كيف يقع ما يكرهه الله؟ الله يريد الخير ووقع خلاف ما أراد ،فقالوا :إنه لا يصح أن نسأل عن أسباب وعلل فعل الله فنفوا الحكمة والعلة في أفعال الله وأثبتوا الإرادة الكونية وقالوا أفعاله من غير حكمةٍ ولا علة ، أعوذ بالله ! ومن هؤلاء الأشاعرة المبتدعة واستدلوا بقوله تعالى : "****﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا****يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)﴾. [سورة الأنبياء]" أما القدرية ومنهم المعتزلة لما رأوا وقوع المعاصي من العباد ، قالوا كيف تقع المعاصي منهم والله لا يريدها ! فقالوا لم يخلق الله أفعال العباد يفعلون استقلالاً ****ونثبت إرادة واحدة وهي الإرادة الشرعية وهذا يا إخواني من غير مبالغة الضلال هذا الذي ابتدء بصورة هذه امتد امتداداً طويلاً أفسد علينا كتب العقائد وأفسد علينا كتب أصول الفقه وسيأتي الحديث عنه إن شاء الله تعالى ، إذا تبين هذا وأن هذا åæ سبب ضلالهم فقد انبنى على هذا الضلال أمورٌ كثيرة من ذلك : مسألة التحسين والتقبيح العقليين فقالت الجبرية : العقل لا يحسن ولا يقبح البتة ، ومنهم الأشاعرة ، وقالت المعتزلة : العقل يُحسن ويقبح لذاته ****ويترتب على تحسينه وتقبيحه الثواب والعقاب ، أما أهل السنة السلفيون فيقولون : إن العقل يحسن ويقبح لكن لا يترتب على تحسينه وتقبيحه ثوابٌ أو عقاب وترتب على هذا أيضاً الضلال في باب الكرامات فقالت الجبرية ومنهم الأشاعرة : ما يحصل للنبي من الآيات يحصل للأولياء لأنه أفعال الله ليست لها حكمة أو علة والعباد مجبورون قالوا : إلا القرآن ! والمعتزلة في المقابل : أنكرت الكرامات قالت : حتى لا تشتبه علينا الكرامة بآية -أو بعبارتهم بمعجزة - النبوة والرسالة ، وترتب على ذلك أيضاً إنكار الأسباب فالجبرية ومنهم الأشاعرة: لا يوجد سبب ولا مسبب ****، تقول لهم : أحرقنا الخشب بالنار ، يقولون : لم تحرقِ الخشبَ النارُ وإنما احترق الخشب عند النار لا بالنار لأنهم أنكروا الأسباب، بالمقابل ****القدرية ومنهم المعتزلة يقولون : بالنار أحرقنا الخشب فتقول لهم ما هذه الباء فيقولون : سببية لكنها سبب تام أما أهل السنة يقولون : نعم سببية ، لكن هذا السبب لا يستقل بنفسه بل يحتاج إلى أسبابٍ أخرى وإلى انتفاء موانع وكلها تحت مشيئة الله ، إلى آخر ما ترتب على ضلال هاتين الطائفتين في هذا الباب.
(لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام )
هذا من باب النفي المفصل وقوله ( لا تبلغه الأوهام)أي مهما توهم العقل وظن فإنه لا يتوهم كنه الله جلَّ جلاله وعظم سلطانه قوله ( ولا تدركه الأفهام)أي لا يحيط أحدٌ بالله علماً سبحانه.
(ولا يشبهه الأنام ).
عبر هنا بنفي التشبيه وكان الأولى أن يعبر كما عبر قبل بنفي التمثي.****
(حيٌ لا يموت ،قيومٌ لا ينام) .
ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في بدائع الفوائد : أن أسماء الله وصفاته ترجع إلى اسم الحي القيوم¡ قوله حيٌ لا يموت ، اختلفوا في الموت ، هل هو أمر الوجود أم أمر العدم ؟ قالت الأشاعرة : الموت أمر وجودي واستدلوا بقوله تعالى****: " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ****لِيَبْلُوَك ُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً " قالوا : خلق أي أوجد ، وقالت المعتزلة : الموت أمرٌ عدمي لأن معنى الموت ذهاب الحياة فما ليس حياً فهو ميت ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في درء تعارض العقل والنقل : الخلاف لفظي، لأن من قال أن الموت وجودي نظر إلى أسبابه ومن قال أن الموت عدمي نظر إلى ذاته ، ثم إن الموت والحياة نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان فما ليس ميتاً فهو حي وما ليس حيا فهو ميت ، لذلك الجدار والجمادات عند أهل السنة وأهل اللغة ميتة وليست حيةً خلافاً للمعتزلة الذين لا يصفونها بالموت ولا بالحياة ودلت اللغة والشرع على أن الجمادات أموات قال تعالى "أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ"
(خالق بلا حاجة ، رازقٌ بلا مؤنة)
كذلك هذا من التفصيل من نفي التفصيل ولا يصح لكن فيه بيانٌ لكمال غنى الله سبحانه وتعالى
(مميتٌ بلا مخافة ، باعثٌ بلا مشقة)
كذلك هذا نفيٌ مفصل ولا يصح .