المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإخلاص سبيل الخلاص



أهــل الحـديث
09-06-2014, 06:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)،نفعنا الله وإياكم بها.


الإخلاص سبيل الخلاص

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن من أهم ما ينبغي على كل مسلم أن يحققه الإخلاص،يقول القرطبي –رحمه الله-: "وحقيقته- أي الإخلاص-تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين ".تفسير القرطبي ( 2/ 146)
لماذا أيها الأحبة الكرام؟...
لأن العزيز العلام أمر به الأنام، حيث قال سبحانه:(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء )[البينة:5].
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:"من لم يخلص لله في عبادته لم يفعل ما أمر به بل الذي أتى به شيء غير المأمور به فلا يصح ولا يقبل منه ".الجواب الكافي ( ص 91)
فالإخلاص أيها الأفاضل هو أساس دين رب العالمين، قال أبو العالية –رحمه الله-:" أُسِسَ الدين على الإخلاص لله وحده لا شريك له".تفسير الطبري ( 12/220)
وهو شرط في صحة العمل وقبوله من المسلمين، يقول صديق حسن خان –رحمه الله- :" ولا خلاف في أن الإخلاص شرط لصحة العمل وقبوله".الدين الخالص (2/385)
فلا يقبل الرحمن عمل عبد كائنا من كان إلا به،فعن أبي أمامة الباهلي –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ من الْعَمَلِ إلا ما كان له خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ ". رواه النسائي (3140)، وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله- في السلسلة الصحيحة (52)
يقول المناوي –رحمه الله-:" (إلا ما كان له خالصا )أي: عن الرياء والسمعة (وابتغى به وجهه) ومن أراد بعمله الدنيا وزينتها دون الله والآخرة فحظه ما أراد، وليس له غيره، والرياء من أكبر الكبائر وأخبث السرائر، شهدت بمقته الآيات والآثار، وتواترت بذمه القصص والأخبار، ومن استحيا من الناس ولم يستحي من الله، فقد استهان به، وويل لمن أرضى الله بلسانه وأسخطه بجنانه".التيسير بشرح الجامع الصغير(10/265)
وهو من أهم الأسباب المعينة على تقوية إيمان العبد بالعزيز الوهاب،يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :" كلما قوى إخلاص دينه لله كملت عبوديته واستغناؤه عن المخلوقات وبكمال عبوديته لله يبرئه من الكبر والشرك ".مجموع الفتاوى (10 /198)
لأنه سبب في تطهير قلوب العباد من العيوب والآفات، فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فإن الدَّعْوَةَ تُحِيطُ من وَرَائِهِمْ ". رواه الترمذي ( 2658) ، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :" أي: لا يبقى فيه - أي القلب- غلٌّ ولا يحمل الغلُّ مع هذه الثلاثة،بل تنفي عنه غله، وتنقيه منه ، وتخرجه منه،فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل،وكذلك يغل على الغش،وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلال.
فهذه الثلاثة تملؤه غلا ودغلا . ودواء هذا الغل واستخراج أخلاطه: بتجريد الإخلاص والنصح ، ومتابعة السنة ".مدارج السالكين(2/90)
ويقول الشيخ السعدي-رحمه الله-:" أي:فمن أخلص أعماله كلها لله،ونصح في أموره كلها لعباد الله ، ولزم الجماعة بالائتلاف، وعدم الاختلاف،وصار قلبه صافيا نقيا، صار لله وليا، ومن كان بخلاف ذلك ، امتلأ قلبه من كل آفة وشر، والله أعلم". بهجة قلوب الأبرار (ص 34)
فمن أخلص للرحمن أيها الأحبة والإخوان ذاق طعم الإيمان بالعزيز المنان،يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: "فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله والإخلاص له لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك،ولا ألذ ولا أطيب".مجموع الفتاوى (10/187)
وكان من أولياء أرحم الراحمين المتقين، يقول شيخ الإسلام-رحمه الله-:"فمن كان مخلصا في أعمال الدين، يعملها لله، كان من أولياء الله المتقين أهل النعيم المقيم ".مجموع الفتاوى(1/8)
لذا كان الإخلاص سببا في رفع رب العالمين لقدر ومكانة من سبقنا من سلفنا الصالحين، فقد ذُكر عند الإمام أحمد -رحمه الله- الصدق والإخلاص فقال:" بهذا ارتفع القوم" طبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/61).
فهو طريق النجاة وسبيل الفوز والخلاص في الدارين بإذن خير الحاكمين، يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:" الإخلاص هو سبيل الخلاص، والإسلام هو مركب السلامة، والإيمان خاتم الأمان ".مفتاح دار السعادة (1/72)
أيها المسلم إن من أشد أعدائك وأكثرهم تأثيرا عليك نفسك التي بين جنبيك، فهي من أسباب البلاء والشقاء،من أطاعها جرته إلى معصية رب البريات وأبعدته عن الخيرات، لأن الأصل فيها أنها تأمر بالمنكرات،قال تعالى:(إن النفس لأمارة بالسوء) [يوسف: 53].
يقول الإمام الطبري-رحمه الله- :"نفوس العباد تأمرهم بما تهواه، وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله". تفسير الطبري (13/3)
ويقول الإمام ابن القيم-رحمه الله-:" تأمر صاحبها- أي النفس-بما تهواه من شهوات الغي واتباع الباطل، فهي مأوى كل سوء، وإن أطاعها –أي صاحبها- قادته إلى كل قبيح وكل مكروه". إغاثة اللهفان (ص77)
وإن مما تُزينه لك وتُرغبك فيه، البحث عن مدح وثناء الناس والطمع فيما عندهم!، وهذا مما يقدح في الإخلاص، يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:" لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار".الفوائد (ص 149)
فاحذر-حرصك الله- أشد الحذر من كل ما يقدح في إخلاصك!وتعاهد نفسك التي بين جنبيك، حُثها على فعل الطاعات والمسابقة في الخيرات،وأن يكون ذلك كله لوجه رب الأرض والسموات،وجنبها ارتكاب الذنوب والمحرمات،واعلم أن هذا من أفضل أنواع الجهاد في سبيل الله جل وعلا خالقك ، لأنه دائم ومستمر مادام أن الموت لم ينزل بساحتك!،والروح لم تفارقك!،فعن فضالة بن عبيد –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الْمُجَاهِدُ من جَاهَدَ نَفْسَهُ في طَاعَةِ اللَّهِ عز وجل".رواه الإمام أحمد في المسند (6/22)، وصححه الشيخ الألباني-رحمه الله- في السلسلة الصحيحة (549)
يقول الشيخ السعدي-رحمه الله- :" فإن النفس ميالة إلى الكسل عن الخيرات،أمارة بالسوء،سريعة التأثر عند المصائب، وتحتاج إلى صبر وجهاد في إلزامها طاعة الله،وثباتها عليها،ومجاهدتها عن معاصي الله،وردعها عنها،وجهادها على الصبر عند المصائب،وهذه هي الطاعات:امتثال المأمور،واجتناب المحظور،والصبر على المقدور،فالمجاهد حقيقة:من جاهدها على هذه الأمور لتقوم بواجبها ووظيفتها". بهجة قلوب الأبرار(ص21)
وكذلك اعلم – حفظك الله- أن المفرط في الإخلاص والمرائي بعمله لا يضرُّ في الحقيقة إلا نفسه!،فعن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أنا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عن الشِّرْكِ، من عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فيه مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ".رواه مسلم (2985)
يقول الإمام النووي-رحمه الله-:"والمراد أن عمل المرائي باطل لا ثواب فيه، ويأثم به".الشرح على صحيح مسلم (18/116)
وتيقن - سددك الله- أن على قدر نيتك يكون توفيق الباري جل جلاله لك!،يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:"وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك يكون توفيقه سبحانه وإعانته،فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك،فالله سبحانه أحكم الحاكمين وأعلم العالمين يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به، والخذلان في مواضعه اللائقة به، هو العليم الحكيم".الفوائد( ص 97)
ولتجتهد –وفقك الله- في تحقيق ما خُلقت ووجدت من أجله في هذه الدنيا الفانية، وهو عبادة الباري سبحانه،يقول تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون(57)إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين(58) [الذاريات:56-58].
يقول الإمام النووي-رحمه الله-:"وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له، والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة،فإنها دار نفاد لا محل إخلاد،ومركب عبور لا منزل حبور، ومشروع انفصام لا موطن دوام، فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد، وأعقل الناس فيها هم الزهاد". رياض الصالحين(ص3)
واعلم أيها المسلم-نفع الله بك- أن المخلص الحقيقي هو الذي جمع في عمله بين الإخلاص للعزيز العلام ومتابعة خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام،يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"والمخلصون هم الذين أخلصوا العبادة والمحبة والإجلال والطاعة لله،والمتابعة والانقياد لنصوص الأنبياء فيجرد عبادة الله عن عبادة ما سواه، ويجرد متابعة رسوله وترك ما خالفه لقوله دون متابعة غيره، فليزن العاقل نفسه بهذا الميزان قبل أن يوزن يوم القدوم على الله ".بدائع الفوائد( 4/952)
لذا فإن العبادة لا تقبل إلا بهذين الشرطين الأساسين، يقول أرحم الراحمين:(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ) [الكهف: 110].
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله-:" أي :لا يرائي بعمله،بل يعمله خالصا لوجه الله تعالى ،فهذا الذي جمع بين الإخلاص والمتابعة ، هو الذي ينال ما يرجو ويطلب ، وأما من عدا ذلك ، فإنه خاسر في دنياه وأخراه ، وقد فاته القرب من مولاه ، ونيل رضاه ".تفسير السعدي (ص 489)
يقول الإمام الذهبي-رحمه الله-:" فلا تقوى إلا بعمل ولا عمل إلا بترو من العلم والإتباع، ولا ينفع ذلك إلا بالإخلاص لله ". سير أعلام النبلاء ( 4 /601)
فجماع الدين يرجع إلى هذين الأصلين العظيمين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-:" وجماع الدين أصلان: أن لا نعبد إلا الله ،ولا نعبده إلا بما شرع لا نعبده بالبدع". مجموع الفتاوى(10/ 187)
فكل عمل أيها الأحبة والإخوان فقد شرطا من هذين الشرطين فإنه مردود على صاحبه كائنا من كان ، يقول الإمام الفضيل بن عياض –رحمه الله- :" فإنه –أي العمل- إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا، والخالص إذا كان لله،والصواب إذا كان على السنة".حلية الأولياء ( 8 /95)

فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا وإياكم من عباده المخلصين، ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من المتبعين وأن يجنبنا الرياء والبدع والمعاصي وكل عمل مشين، فهو سبحانه ولي ذلك وأرحم الراحمين.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي