المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (02)مقدمة كتاب الإيمان هو الأساس- الحلقة الثانية من مقدة الشيخ المجذوب



أهــل الحـديث
09-06-2014, 01:10 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




وبقليل من التفكير في عنوانه: "أثر تطبيق الشريعة في صلاح الأمة"، [كانت مقدمة الشيخ المحذوب رحمه الله، لهذا الكتاب الذي ذكر:" أثر تطبيق الشريعة في صلاح الأمة" وكان كتاب "الإيمان هو الأساس" مقدمة له، ولكن المؤلف توسع بعد ذلك في هذه المقدمة، حتى أصبحت كتابا، وبقي العنوان الأصلي في مسودة، لم يتم إكمالها].

ثم الانطلاق مع موحيات هذا العنوان، ندرك الصلة الفكرية والنفسية الجامعة بينه وبين موضوع الجهاد، بل بينه وبين سائر إنتاج المؤلف.

كان الباعث القريب لتأليف هذا الكتاب، دعوة وردت إلى المؤلف من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، للمشاركة في ندوة تزمع الجامعة إقامتها بعنوان "تطبيق الشريعة الإسلامية"، وقد عينت له اللجنة التحضيرية، موضوع البحث الذي اتخذه عنواناً للكتاب، فلم يغير منه إلا كلمة المجتمع إذ جعل مكانها "الأمة" التي هي أقرب إلى الاصطلاح الإسلامي.

ولما قرر إخراجه في كتاب خاص، كان لا بد له من معالجته، ببعض الإضافات القليلة، هنا وهناك.

وطبيعي أن يتلاقى عنوان البحث بنوازع المؤلف، فيقبل على تحضيره دون تردد.

ويتراءى لي أنه لم يكد يشرع في تخطيطه حتى ألفى نفسه مسوقاً لتتبع عناصره التي ما لبثت أن أخذت في التنامي والتوالد بقوة، لم يستطع كفكفتها، إلى أن انتهى به إلى هذا الحجم الذي لا يتوقع مثله في ندوة للبحث، وبخاصة إن تذكرنا وفرة البحوث التي سيتقدم بها الكثيرون من المدعوين، ومحدودية الطاقة التي يملكها قراؤها الذين لا مندوحة لهم عن الإلمام بمنطلقاتها الرئيسة، ليتاح لهم مناقشتها.

فهو إذًا لم يعر اهتماماً لإمكانات المناقشين، بل استسلم لجواذب الموضوع الذي استحوذ على تصوراته، دون اهتمام بما وراءه، والظاهر من كلام المؤلف في مقدمته أن البحث أحرز قبول لجنة التحضير، فأقرته إلا بعض الملاحظات التي اقترحت عليه أن يعيد النظر في بعض نقاطها، إضافةً أو اختصاراً، مما لا تأثير له في حجم البحث وأساسياته.

وهكذا قُدِّر لتلك الدعوة أن تفرز كتاباً كان يعتمل في صدر كاتبه، مجرد أفكار وتصورات، فلما عرضت له في صورة اقتراح علمي، لم تلبث أن وجدت السبيل للإعراب عن ذاتها في هذه الفصول، فالكتاب والحالة هذه إنما يقدم إلى قارئه مُجَسَّماً دقيق التفاصيل النفسية لمؤلفه، وما يتفاعل في قلبه من إيمان بحقائق الإسلام، ورغبة لا حدود لها في إذاعة هذه الحقائق وتعميمها في كل مناسبة كلما وجدت لها سبيلاً إلى القلوب والأفهام.

يقع هذا الكتاب فيما يزيد عن ثلاثمائة وخمسين من الصفحات المطبوعة على آلة اليد [كان هذا عندما كتب الشيخ هذه المقدمة، أما الآن فقد بلغت مقدمات الكتاب ـ ومنها مقدمته هذه ـ مع الفصل الأول من الكتاب ـ الإيمان هو الأساس ـ خمسين و ثلاثمائة صفحة، والسبب في ذلك ما لمسته عند مراجعة الكتاب من سعة العنوان، ومن الحاجة إلى التوسع في موضوعاته لإيضاح أثر هذه الشريعة في صلاح الأمة الذي كاد يختفي عن الأنظار والذي يحتاج المسلمون ـ وغيرهم ـ إلى كشفه وإيضاحه، لإقناعهم بالعودة إلى تطبيق شرعة الله في الحياة، لينعموا بأثرها في هذه الحياة، ويسعدوا به في الآخرة دار القرار، فهذا الكتاب "الإيمان هو الأساس" هو مقدمة للكتاب الذي يصفه الشيخ المجذوب.].

وقد قدم له في أربع صفحات، تتضمن الكثير من الآيات المتصلة بموضوعه، وتهيئ ذهن القارئ لاستقبال التفصيلات التي ستواجهه من خلال تلك الصفحات.

ومن ثم ينتقل إلى عرض خطته التي سار عليها في تأليف البحث، ويختم الكتاب بفهرس، يكاد يكون تكراراً لمفردات هذه الخطة [سيكون الأمر مختلفاً عما وصفه المقدم، نظراً للتوسع الذي طرأ على كتابة البحث، كما مضى.].

وبنظرة سريعة إلى فقرات هذا العرض، تتضح أمامنا شمولية البحث لمجمل العناصر التي تؤلف قواعد النظام الإسلامي، وتجسم الصورة المتكاملة للحضارة التي يقوم عليها الكيان الذي يتحقق فيه قول الحق تبارك اسمه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ(110)}[آل عمران].

فهو يبدأ موضوعه بالأساس الأول، وهو الإيمان بأسماء الله وصفاته ورسالاته وملائكته وعالم الغيب والقدر، وما إلى ذلك من مقومات الإيمان، وآثارها الخاصة والعامة في إسعاد الفرد والجماعة.

ومن هنا يتجه إلى الحديث عن الأهداف العليا من تطبيق الشريعة، من حيث مقاصدها الأساسية، أو ملحقاتها الفرعية، من الضروريات والمعاملات والتنظيمات الاجتماعية والسياسية، وما يتصل بذلك من القضاء والحسبة وأهميتها في صيانة المجتمع الإسلامي، عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من عوامل الضعف والتنافر والفوضى. وينهي ذلك بخاتمة تلخص الكثير من كليات الموضوع.

والإشارة إلى هذه المنطلقات العامة لا تغني عن الوقوف عند بعضها في شيء من التّبَسُّط، لذلك نرى أن نوجه نظر القارئ إلى عدد من النقاط التي عالجها المؤلف بطريقته التي تمتاز بميله إلى الاستقصاء والاستنباط.

وأولى هذه النقاط كلام المؤلف عن أثر القدوة الحسنة في انتشار الإسلام، حيث يقول: "وكانت القدوة الحسنة التي يراها الناس في المسلمين الفاتحين، من العدل والرحمة، والإحسان والتواضع، أهم الأسباب في إقبال الناس على الإسلام، وما كان الإسلام يستعمل السيف إلا في مواجهة الطواغيت الجبابرة الذين تسلطوا على رقاب شعوبهم، فأذاقوهم سوء العذاب، وقادوهم إلى أسوأ المصائر، فحالوا بينهم وبين دين الله الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن العبودية المذلة للمخلوقين إلى عبودية العزة والكرامة لله رب العالمين".

وهي فقرة تستحق التأمل، وبخاصة من العاملين في خدمة الدعوة الذين عليهم أن يتذكروا دائماً أن الهدف الأعلى من عملهم، هو اجتذاب القلوب إلى الحق الذي يردهم إلى الله، ولا سبيل إلى القلوب إلا بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار بالتي هي أحسن.

ويتصل بذلك كلامه النفيس عن موضوع الشهادة التي حمّلها الله عباده المؤمنين في قوله الحكيم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا(143)}[البقرة].

يقول المؤلف: "فإذا كانت هذه هي منزلة الأمة عند الله، وكان دينها هو الدين الحق الذي لا يُقبَل من أحد سواه، فطبيعي أنها عندما تتخلى عن تطبيق شريعته ستَضِل في نفسها وتفسد أجيالها، حيث تنشأ ناشئتها على سلوك المغضوب عليهم والضالين، وتحُل عاداتهم ومفاسدهم محل دينه الذي لا صلاح بدونه.. وعندئذ ستكون هذه الأمة فتنة للذين كفروا، إذ يفسرون سلوكها بما يُنَفِّر من دينها.. وهذا ما ينشره المستشرقون والمنصرون الآن، إذ يقولون في كتبهم ومحاضراتهم: إن كل ما يحدث بين المسلمين من خلافات وحروب، وثورات وانقلابات، إنما هو اجتهادات من المسلمين في إطار الإسلام، وقد صرح لي بذلك بعض المستشرقين الذين قابلتهم في أوربا..".

وحول قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(56)}[الذاريات]. يستضيء المؤلف بما ذهب إليه كبار أئمة العلم، من حيث شمول العبادة لكل تصرفات العبد، مما يتفق مع أمر الله ونهيه، حيث يقول: "وإذا كان هذا هو معنى العبادة في الإسلام، فمن آمن به وعمل بمقتضاه، لا يترك أمراً يأتيه من ربه، ولا يرتكب نهياً من نواهيه، سواء تعلق ذلك بجوارحه أوبقلبه، وهذا هو أساس صلاح الناس في الأرض وانتظام أحوالهم".

ولنستمع إلى تحليل المؤلف الدقيق لموضوع الأسماء والصفات، وكيفية فاعليتها في النفوس وأثرها في السلوك، يقول المؤلف ـ بعد نقوله الوافية من الكتاب الحكيم والحديث الشريف ومفهومات بعض المحققين: "لهذا كان المكثر من حفظ أسماء الله المتعبد بها لربه جديراً بالجنة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة) البخاري، وفي رواية: (من حفظها) بدل: (مَن أحصاها)، وما ذلك إلا لتأثير تلك الأسماء في محصيها المتعبد بها لربه؛ لأنها زكته بمعانيها، حتى أكثر من طاعة الله وشكره على نعمه، وابتعد عن معاصي الله، فلا يترك صلاحاً يقدر عليه إلا أتاه، ولا يرى فساداً إلا تجنبه وجفاه..".

ثم يردف ذلك بالأمثلة الموضحة لمدلول قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ(5)}[آل عمران] ، وفي حديث رسوله الصادق الأمين، جواباً لجبرائيل عليهما الصلاة والسلام: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فيقول: "فالذي يشهد بقلبه إحاطة علم الله بكل شيء، وأنه لا تخفى عليه تعالى خافية في الأرض ولا في السماء، جدير بأن لا يأتي في تصرفه إلا ما يرضي ربه تعالى، وذلك هو عين الصلاح" ويختم أمثلته بقوله: "تُرى لو أن الناس كلهم علموا ذلك وعملوا بمقتضاه، أكان يوجد في الأرض فساد!؟".

وهكذا يمضي المؤلف في جولته الطويلة حول هذا الموضوع الهام، محللاً ومفسراً ومقرراً، حتى يصير إلى الكلام عن مدرسي الإيمان، وما يجب أن يسلكوه أثناء تناولهم موضوع الأسماء والصفات، فيتخذوا منه وسيلة لتربية طلابهم على معانيها العليا التي ترسخ في نفوسهم آثارها من محبة الله وخشيته والمسارعة إلى طاعته، في معزل عن الخلاف بين المثبتين والمؤولين والنافين بادئ ذي بدء، حتى إذا ما استقرت فاعليتها في النفوس، عمد المدرس إلى عرض النظريات الفاسدة وردها بالحكمة.

ولا ينسى المؤلف في النهاية أن يوجه بعض النقد إلى المدرسين الذين يُغفِلون هذا المنهج الحي، فتأتي دروسهم جافة من الأثر الروحي الذي يأخذ بيد الطالب إلى ما يحبه الله من التعبد بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا.

والحق لقد وجدت في هذا الجانب من حديث المؤلف ما أمتعني وأثار بعض ذكرياتي، مما يتصل بموضوع الأسماء الحسنى، وكيف تفاوت فهم الناس لها، حتى كان منهم القائلون بتعدد الآلهة، تبعاً لتعدد مفرداتها، إذ تصوروا أن كلاً منها إنما يدل على إله مستقل بمهمته، كما هو الشأن في وثنية اليونان ومناطق الشرق الأقصى، وعم ذلك التخبط معظم الشعوب القديمة، حتى أدرك الله الإنسانية بالرسالة الخاتمة التي أزالت الغشاوة عن بصائر من شرح الله صدورهم للحق، فعلموا مضامينها الكريمة على الوجه الذي يليق بجلال الخالق سبحانه.

وهنا أجدني مسوقاً إلى التوقف قليلاً عند دلالة الحديث الصحيح الآنف: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة) فقد رأيت الكثيرين ممن لا يفقه معاني الحديث الشريف سوى مجرد تعدادها وتكرارها، دون التفاتٍ إلى مضمونها الأعلى، وذلك جرياً مع ظاهر اللفظ في كلمة (أحصاها) أو (حفظها)، مع أن قليلاً من التأمل الواعي يتيح للمؤمن أن يستشف ما وراءهما من المعاني التربوية والثقافية، وقد أشار إلى ذلك الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، بقوله لسائله: (أَكُل القرآن أحصيته؟) [مسند أحمد (1/380) ومسلم بشرح النووي (6/104).]. وإنما أراد بالإحصاء في هذه المناسبة الوصول إلى الفهم الصحيح، لا مجرد التعداد والتكرار.

وعلى ضوء ذلك نفهم مدلول كلمة (حفظها) في الرواية الثانية، فكما تفيد مجرد الاستظهار تدل ـ أيضاً ـ على كمال العناية بالمحفوظ، وذلك مفهوم المادة في قول الحق تبارك اسمه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9)}[الحجر].

بمعنى أنه سبحانه هو الضامن سلامته من التحريف والتحوير.. وفي الحديث الشريف: (احفظ الله يحفظك) [أخرجه أحمد والترمذي، وهو حديث صحيح، وهو الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية. وهو واضح الدلالة على أن المراد منه هنا مراقبة الله وطاعته، وحفظ حدوده بفعل أمره وترك نواهيه، وإن كان ذلك لا يمنع من دخول الذكر باللسان.(المؤلف).]. أي بقدر ما تعمل بطاعته يكون حفظك من كلاءته.

وعلى هذا يكون المراد من حفظ العبد للأسماء الحسنى، تحققه التام بمعانيها الكريمة، من حيث التطبيق الفعلي، فيكون تكراره لألفاظها بمثابة تذكير مستمر بما يجب عليه نحوها....[تنويه من المؤلف: حذفتُ هنا بعضا من مقدمة الشيخ المجذوب، لأنها تتعلق بموضوعات في أصل الكتاب، ولا تتصل بكتاب الإيمان هو الأساس]

وهكذا أجدني مشدوداً إلى أفكار هذا الأخ الأثير، فأتتبعها في شغف، ولا غرو أن مثل هذا التقديم لا يتسع لاستيعابها، فحسبي أن أضع بين يدي قارئه هذه النماذج التي تدعوه للاطلاع على ما وراءها من موضوعات، يزيد الله بها الذين اهتدوا هدى، وتؤكد للآخرين أن في شريعة الله الخاتمة ما لا غنى للإنسانية عنه في مسيرتها الراهنة، بعد أن أفلست كل تياراتها الفكرية والمذهبية وشرعت في التهاوي بعضها إثر بعض، كالبنيان الذي أتاه قدر الله من القواعد....[هذه المقدمة وضعت للكتاب الذي كنت عزمت على طبعه بصورته التي اطلع عليه المقدم جزاه الله خيراً، ولكني عزمت بعد ذلك على مراجعة الكتاب، والتوسع فيه، وقد كان الفصل الأول فيه، وهو: الإيمان هوالأساس، لا يزيد عن 120 صحيفة، بخط اليد، وبعد الشروع في الكتابة الجديدة أصبح هذا الفصل [الإيمان هو الأساس، الذي كان من مقدمة الكتاب مستقلاً بلغ 350 صحيفة على طباعة الكمبيوتر.... ولذا أرجأت الكتاب الذي هو الأصل، وحفظته بصورة مسودة، وأتممت كتاب "الإيمان هو الأساس" لأنه أضحى عندي أهم موضوعات الكتاب.].
11/6/1411ه
محمد مصطفى المجذوب
المدينة المنورة ـ حي قباء