المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حفظ الأمانة!!!



أهــل الحـديث
02-06-2014, 07:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.


حفظ الأمانة!!!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن من الخصال الكريمة والأخلاق الحميدة التي عُرف بها الأنبياء وامتاز بها الرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام التحلي بصفة الأمانة، لهذا كان كل واحد منهم يقول لقومه:( إني لكم رسول أمين ) [ الشعراء : 107]
يقول الإمام ابن كثير –رحمه الله- :" أي: إني رسول من الله إليكم، أمين فيما بعثني به، أبلغكم رسالة الله لا أزيد فيها ولا أنقص منها". تفسير ابن كثير (3/341)
وسار على نهجهم واقتدى بهديهم بالتحلي بهذه الخصلة الجليلة أهل الإيمان كما وصفهم بذلك الرحمن في القرآن، حيث قال عنهم:(والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )[ المؤمنون :8].
يقول الشيخ الشنقيطي –رحمه الله- :"ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن من صفات المؤمنين المفلحين الوارثين الفردوس : أنهم راعون لأماناتهم وعهدهم : أي محافظون على الأمانات ، والعهود" . أضواء البيان (5/321)
لذا فإن من أسباب سعادة المسلم الحقيقية أيها الأحبة أن يُوفق للاتصاف بهذه الخصلة الكريمة التي يحبها رب البرية،يقول المناوي –رحمه الله-:"الأمانة صفة كريمة عظيمة من علامة السعادة ". التيسير بشرح الجامع الصغير (1 /52)
إن حفظ الأمانة أيها الكرام ليس خاصا كما يظن البعض! بالمعاملات التي تكون بين الأنام،وإنما على الصحيح أنها عامة بجميع وظائف وأحكام دين الإسلام، يقول القرطبي –رحمه الله- : "والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال وهو قول الجمهور ". تفسير القرطبي (14/ 253)
ويقول الشيخ الشنقيطي- رحمه الله- :" والأمانة تشمل : كل ما استودعك الله ، وأمرك بحفظه ، فيدخل فيها حفظ جوارحك من كل ما لا يرضي الله ، وحفظ ما ائتمنت عليه من حقوق الناس ، والعهود أيضاً تشمل : كل ما أخذ عليك العهد بحفظه ، من حقوق الله ، وحقوق الناس" . أضواء البيان (5/321)
فمما ينبغي على كل عبد مسلم أيها الأخوة والأخوات أن يحرص على أداء ما عليه من حقوق وواجبات، ومن ذلك حفظ وأداء الأمانات،كما أمره بذلك رب البريات،حيث قال سبحانه: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)[النساء: 58]
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله-:"الأمانات، كل ما اؤتمن عليه الإنسان، وأمر بالقيام به، فأمر الله عباده بأدائها أي : كاملة موفرة، لا منقوصة ولا مبخوسة، ولا ممطولا بها، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار؛ والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله".تفسير السعدي( ص 183)
فعلى كل من تولى أمور المسلمين أن يخاف فيهم رب العالمين، وليعدل بينهم، لأنه مستأمن عليهم، وسيسأل يوم القيامة عنهم، فعن معقل بن يسار - رضي الله عنه- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ما من عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ الله رَعِيَّةً يَمُوتُ يوم يَمُوتُ وهو غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إلا حَرَّمَ الله عليه الْجَنَّةَ" . رواه مسلم ( 142)
يقول القاضي عياض –رحمه الله- :" معناه بين في التحذير من غش المسلمين لمن قلده الله تعالى شيئا من أمرهم، واسترعاه عليهم، ونصبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم، فإذا خان فيما اؤتمن عليه فلم ينصح فيما قلده، إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم وأخذهم به، وإما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذب عنها لكل متصد لإدخال داخلة فيها أو تحريف لمعانيها، أو إهمال حدودهم، أو تضييع حقوقهم، أو ترك حماية حوزتهم ومجاهدة عدوهم، أو ترك سيرة العدل فيهم فقد غشهم". الشرح على صحيح مسلم (2/166)
وليحذر أشد الحذر من ظلمهم والتعدي عليهم ، أو أن يولي عليهم من ليس أهلا لذلك! لأن ذلك من تضييع الأمانة وهو من علامات الساعة كما أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم،فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : متى السَّاعَةِ؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: "فإذا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ" قال: كيف إِضَاعَتُهَا؟قال:"إذا وُسِّدَ الْأَمْرُ إلى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِرْ السَّاعة".رواه البخاري (59)
يقول ابن بطال –رحمه الله-:"فينبغي لهم تولية أهل الدين والأمانة للنظر في أمر الأمة،فإذا قلدوا غير أهل الدين ،واستعملوا من يعينهم على الجور والظلم فقد ضيعوا الأمانة التي فرض الله عليهم ". شرح صحيح البخاري (1 /138)
وليحذر أيضا أيها الأحبة كل عامل أو مسؤول تولى شيئا من أمور المسلمين من أن يفرط فيه،لأن ذلك من الخيانة، يقول القاضي عياض - رحمه الله-:"أصل الخيانة النقص، أي: يُنقص ما ائتمن عليه ولا يؤديه كما كان عليه، وخيانة العبد ربه ألا يؤدي حقه وأمانات عبادته التي ائتمنه عليها ". مشارق الأنوار (1/22)
وهي من علامات المنافقين كما أخبرنا بذلك خير المرسلين، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإذا أؤتمن خَانَ ".رواه البخاري ( 33) و اللفظ له، ومسلم ( 59)
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :"ومن كان إذا ائتمن على الأموال والحقوق والأسرار خانها،ولم يقم بأمانته،فأين إيمانه؟ وأين حقيقة إسلامه ؟وكذلك من ينكث العهود التي بينه وبين الله،والعهود التي بينه وبين الخلق متصف بصفة خبيثة من صفات المنافقين".بهجة قلوب الأبرار ( ص 22)
وليحذر كذلك من رفع لواء النصح من عدم الإخلاص في النصيحة و إرشاد المنصوح إلى ما ينفعه في الدارين كحثه على التمسك بتعاليم الدين وتحذيره من البدع و المعاصي وطريق المنحرفين، فالناصح مستشار وهو مؤتمن وسيسأله عن ذلك رب العالمين، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ ". رواه أبو داود ( 5128)،وصححه العلامة الألباني –رحمه الله-.
قال المناوي –رحمه الله- :"أي: أمين على ما استشير فيه، فمن أفضى إلى أخيه بسر وأمنه على نفسه لزمه أن لا يشير عليه إلا بما يراه صوابا ".التيسير بشرح الجامع الصغير ( 2 /456)
فالمؤمن الحقيقي أيها الأفاضل هو من أَمِنَه الناس على أنفسهم وأموالهم،فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الْمُسْلِمُ من سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ من لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ من أَمِنَهُ الناس على دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ". رواه الترمذي ( 2627)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله-:"فإن الإيمان إذا دار في القلب وامتلأ به،أوجب لصاحبه القيام بحقوق الإيمان التي من أهمها : رعاية الأمانات،والصدق في المعاملات،والورع عن ظلم الناس في دمائهم وأموالهم،ومن كان كذلك عرف الناس هذا منه،وأمنوه على دمائهم وأموالهم،ووثقوا به لما يعلمون منه من مراعاة الأمانات،فإن رعاية الأمانة من أخص واجبات الإيمان".بهجة قلوب الأبرار(ص 18)
فمن لم يتصف من أهل الإسلام بهذه الخصلة الرفيعة التي يحبها الرحمن أيها الأحبة والإخوان فإنه ناقص الإيمان، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال ما خَطَبَنَا نبي الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ قال:" لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ له،وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ له ".رواه الإمام أحمد في المسند (3/135) ،وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- في صحيح الجامع ( 13135)
يقول المناوي –رحمه الله-:"إن المؤمن من أمنه الخلق على أنفسهم وأموالهم، فمن خان وجار فليس بمؤمن، أراد نفي الكمال لا الحقيقة ".التيسير بشرح الجامع الصغير (2/488)
أيها العبد المسلم -وفقك الله- إن أردت النجاح والفلاح في الدارين عليك أن تعمل بوصية خير المرسلين، وتتحلى بهذه الصفة الكريمة التي يحبها أرحم الراحمين، فأدِّ – سددك رب العالمين- الأمانة إلى كل من ائتمنك ولا تخون حتى من خانك، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أَدِّ الْأَمَانَةَ إلى من ائْتَمَنَكَ، ولا تَخُنْ من خَانَكَ". رواه الترمذي (1246)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
يقول المباركفوري –رحمه الله- :" ( ولا تخن من خانك ) أي: لا تعامله بمعاملته، ولا تقابل خيانته بخيانتك ".تحفة الأحوذي ( 4/400)
واحذر– حفظك الله- أشد الحذر من أن تكون من أهل الخيانة الذين ذمهم نبيك صلى الله عليه وسلم، فعن عمران بن حصين-رضي الله عنه-قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ ولا يُؤْتَمَنُونَ...".رواه البخاري(2508)
يقول العيني –رحمه الله- :" أي: بأن تكون خيانتهم ظاهرة بحيث لا يبقى للناس اعتماد عليهم".عمدة القاري (13/213)
يقول المناوي –رحمه الله-:"من أخذ درهما أو أقل من مال غيره فهو خائن، وكذا من نظر إلى غير أهله بسوء، وكذا جميع الجوارح إذا تعدت إلى متاع غيره فقد خان غيره في ذلك، والخيانة كلها مذمومة مجانبة للإيمان". التيسير بشرح الجامع الصغير (1 /52)
فعلى كل من رزقه العزيز العلام خصلة الأمانة من أهل الإسلام أن يشكره سبحانه على هذا العطاء والإنعام، لأنه قد أوتي بفضل الله القدير الخير الكثير والفضل الكبير، فعن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: أَرْبَعٌ إذا كُنَّ فِيكَ فَلاَ عَلَيْكَ ما فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا:حِفْظُ أَمَانَةٍ ،وَصَدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ في طُعْمَةٍ". رواه الإمام أحمد في المسند (2/177)، وصححه الشيخ الألباني - رحمه الله- في السلسلة الصحيحة ( 733)
يقول الطيبي -رحمه الله -:" يحتمل أن تكون ما مصدرية والوقت مقدر،أي:لا بأس عليه وقت فوت الدنيا إن حصلت لك هذه الخلال وأن تكون نافية، أي: لا بأس عليك لأنه لم تفتك الدنيا إن حصلت لك هذه الخصال".مرقاة المفاتيح (9/ 411)
ويقول الملا علي قاري (رحمه الله) – معلقا على كلام الطيبي (رحمه الله)- :"والأول أظهر كما لا يخفى . و(حِفْظُ أَمَانَةٍ): يشمل أمانة الأموال والأعمال (وَصَدْقُ حَدِيثٍ): يعم الأقوال (وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ) أي: خُلق . والتعبير بها إشارة إلى الحسن الجبلي لا التكلفي والتصنعي في الأحوال . (وَعِفَّةٌ في طُعْمَةٍ): بضم الطاء مع تنوين التاء ، أي: احتراز من الحرام واحتفاظ على الحلال ".مرقاة المفاتيح ( 9 /411)
ويقول المناوي-رحمه الله-:"أطلق الأمانة لتشيع في جنسها،فيراعي أمانة الله في التكاليف،وأمانة الخلق في الحفظ والأداء". فيض القدير(1/461)
فعلى جميع المسلمين أيها الأفاضل من أصحاب المناصب الدينية كالعلماء وطلبة العلم والمعلمين أو الدنيوية كالأمراء والوزراء و المسؤولين والمدرسين،وحتى العمال والموظفين، وأيضا على الآباء و الأبناء وكل من كان مؤتمنا على أمر أن يؤديه على أكمل وجه ،لأنه سيسأله عنه رب العالمين ،فعن عبد الله بن عمر–رضي الله عنهما-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مسؤول عن رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الذي على الناس رَاعٍ وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ..." . رواه البخاري (853) ومسلم(1829)واللفظ له.
يقول الإمام النووي –رحمه الله-:"قال العلماء :الراعي، هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه ،والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته". الشرح على صحيح مسلم (12/213).
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لكل ما يحبه ويرضاه، ومن ذلك حفظ وأداء الأمانة، ويُبعدنا جميعا عما يكرهه ويأباه، ومن ذلك صفة الخيانة! فهو سبحانه قدير وبالإجابة جدير.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي