المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقدمة لفقه أحكام البيوع في الشريعة للعلامة يوسف الغفيص



أهــل الحـديث
24-05-2014, 10:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هذا مما تم تفريغه و إنما قال هذا في شرح عمدة الفقه :


بعد أن ذكر المصنف رحمه الله أحكام العبادات صار إلى أحكام المعاملات و هذا هو الذي درج عليه الفقهاء رحمهم الله من أنهم يذكرون المعاملات بعد أحكام العبادات تعظيما لشأن العبادات فإن العبادات هي المقصود من خلق بني آدم فإن الله تعالى خلق بني آدم لعبادته سبحانه و تعالى و لذلك جرى عمل بعض أهل العلم و لا سيما من فقهاء المالكية رحمهم الله أنهم يذكرون في كتب الفقه مقدمة في أحكام الإعتقاد و التوحيد و هذا طردا لذكر مباني الإسلام و هو ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه و سلم المتفق على صحته من حديث ابن عمر من قوله عليه الصلاة و السلام : (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم رمضان و الحج) و بعد ذكرهم لأحكام العبادات يذكرون ما يتبع ذلك من أحكام المعاملات ثم ما يتبع ذلك من أحكام العقود المتعلقة بأحوال بني آدم كعقد النكاح و ما يتبعه من المسائل و هكذا..
و المصنف رحمه الله قال : كتاب البيوع. و فرق بين هذا الكتاب و الكتاب الذي قبله ففرق بين باب أو كتاب العبادات و باب أو كتاب البيوع فأحكام البيوع في الشريعة مبنية على جملة من القواعد من أخصها أن الأصل في المعاملات هو الحل . و تعلم أن العبادات الأصل فيها التوقيف و بعض أهل العلم يقولون أن الأصل في العبادات الحظر و يقصدون بالحظر أنه لا يشرع منها شيء إلا حيث شرعه الشارع و حيث لم يشرعه الشارع تعتبر هذه العبادة المضافة إلى باب التعبد بدعةً و هذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي أن ما لم يدل الدليل على مشروعية التعبد به فهو بدعة لا يصح التعبد به و ما فرض من العبادات على هذا الوجه فهي عبادات لا تضاف إلى الشريعة و إنما هو تعبد بدعي لا يكون مشروعا للمسلم و في باب المعاملات الأصل فيها الحل و الإطلاق . و إذا جمعت هذين الوصفين بان لك تحقيق يسر الشريعة فإن من يسر الشريعة التي بعث بها النبي صلى الله عليهو سلم و هو الدين الذي قال فيه النبي عليه الصلاة و السلام : (إن هذا الدين يسر) جائت العبادات مغلقة إلا بنص الشارع و تشريعه و حتى في الأدلة المستعملة لأحكام فروع الشريعة ترى ان الفقهاء اسعملوا -مثلا- دليل القياس و لم يتوسعوا في باب القياس في العبادات كما توسعوا في باب القياس في غيرها حتى أطلق بعض الفقهاء أن العبادات لا قياس فيها. و حتى خصوا بابا من أحكام التشريع في العبادات كالكفارات -مثلا- كما يقول فقهاء الحنيفة من أن الكفارات لا قياس فيها و مثل قول بعض فقهاء الحنابلة و غير الحنابلة أن الرخص لا قياس فيها و هكذا..
و في باب المعاملات فإن هذا الباب أوسع و أنت إذا رأيت من حيث النظر أن العبادة لا تشرع إلا حيث شرعها الشارع إما وجوبا و إما استحبابا و المعاملة الأصل فيها أنها مباحة مرفوعة الشروط في الشريعة إلا ما اقتضى ذلك من القواعد التي جعلها الشارع مناطا لمنع المعاملة لما فيها من الفساد و غيره بان لك أن الشريعة يسرٌ لأن العبادات جعلها الشارع مغلقة إلا حيث أوجبها و لهذا لما قال الأعرابي للنبي صلى الله عليه و سلم : ( هل عليه غيرها –يعني الصلوات الخمس- قا ل: لا إلا أن تطوع) و لما قال الأعرابي (و الله لا أزيد على هذا و لا أنقص قال عليه السلام : أفلح إن صدق ) فأنت ترى أن الواجب من العبادات كالصلوات الخمس و صيام رمضان و الحج مرة و ما وجب من الزكاة بشروطه التي قررها العلماء رحمهم الله ترى أن الواجب في الشريعة ليس ذلك الكثير و ترى أن المعاملات أطلقتها الشريعة و جعلتها مباحة و هذا يتحقق به اليسر و لو كنت ترى أن المعاملة مبنية على توصف الشارع لضاقت على الناس معاملاتهم فلو كانت موصوفة كما وصفت العبادات بمواقيت أو أوقات لضاق على الناس معاملاتهم فهذا يعرف به تحقيق يسر الشريعة من جهة فقه العبادات و فقه المعاملات و الفقهاء رحمهم الله في قواعدهم يقولون أن الأصل في معاملات الحل و الإباحة لأن الله جل ذكره قال في كتابه : (و أحل الله البيع و حرم الربا) و البيع المذكور في القران يدخل فيه عامة المعاملات المالية و إن وصفها الفقهاء رحمهم الله بأوصاف خاصة كالإجارة -مثلا- و السلم فكل هذا داخلة في البيع فسواء كان المبيع حاضرا أو موصوفا في الذمة أو وقع البيع على العين أو على المنفعة فكل هذا في حقيقته نوع من أنواع البيوع و لهذا ترى أن الفقهاء رحمهم الله تجوّزوا فقالوا : كتاب البيوع أو مسائل البيوع مع أن البيع مصدر و الأصل في المصدر أنه لا يجمع لكن لهذه الأنواع التي عرضت صار مثل هذا الإستعمال شائعا في كلام الفقهاء رحمهم الله . فإذا المقصود بقول الله تعالى : (و أحل الله البيع) يدخل فيه كل معاوضة صحيحة سواء كانت معاوضة على عين أو على منفعة أو غير ذلك . و حينما قالوا في قواعدهم أن الأصل في المعاملات الحل و الغباحة أريد بذلك أنه لا يبطل شيء من المعاملة أو يقضى بفساده إلا حث دل الدليل الشرعي على الإبطال أو على الفساد. إذا فالمعاملات هي من جهة الأحكام التكليفية مباحة كما سبقت الإشارة إليه من الأحكام التكليفية على الصحيح و من الأحكام الشرعية و هذا مذهب جمهور أهل الأصول و عامة أهل الأصول فهي من حيث الحكم مباحة لقول الله تعالى : (و أحل الله البيع) و من حيث الأحكام الوضعية فإنها توصف بالصحة إلا ما دل الدليل على خلاف ذلك و خلاف وصف الصحة وصفان : الفساد و البطلان. و هل هذان من المترادف أو أن بينهما فرقا ؟ هذا محل خلاف بين مدارس الفقه و المذاهب الفقهية فالجمهور من الشافعية و الحنابلة يجعلون الفساد و البطلان وجها واحدا في الجملة و يستثنون بعض المسائل في المناسك و مسائل محدودة في فقه الحنابلة يفرقون فيها بين الفساد و الباطل لكنهم في الجملة يجعلون الفساد و الباطل من باب المترادف و الأحناف يفرقون بين الباطل و الفاسد فيجعلون الباطل ما نهت الشريعة عن أصله و الفاسد ما نهت الشريعة عن وصف من أوصافه أو يقولون ما نهي عنه لأصله و ما نهي عنه لوصفه فإن كان لأصله فهو الباطل و إن كان لوصفه فهو الفاسد و هذا على كل حال –أعني هذين الإسمين- في الشريعة و اللغة لا توجب هذا التفريق و إن كانت لا تمنعه فإنك إذا إلى اسم الشريعة أو تعيين الشريعة للأسماء أو نظرت إلى اللغة لا تجد أن اللغة توجب التفريق بهذه الطريقة فحقيقته اصطلاح و لهذا ليس من المهم أن يقال هل الراحج مذهب الحنفية أو مذهب الحنابلة و الشافعية مثلا.. و إنما المهم لطالب العلم أن يكون فقيها في استعمال الإصطلاح فيطرّد على استعمال واحد و ينضبط عليه فإما أن يفرق و يلتزم التفريق أو يدع التفريق و لا يقلد المسائل تارة على مذهب الأحناف و تارة على مذهب الحنابلة و كذلك إذا نظر في كلام الفقهاء يعرف مرام كل فقيه بحسب مذهبه . و حينما نقول الأصل الصحة إلا ما دل الدليل عليه فيكون باطلا أو فاسدا و قد يكون الفساد أو البطلان عاد إلى أصله و قد يكون عائدا إلى شرط من شروطه و إذا عاد إلى شرط من الشروط فالشروط وجهان قد يقتضي عوده على بعض الشروط إبطال أصل العقد و قد لا يقتضي إبطال أصل العقد . كالشروط التي وضعها الشارع لصحة العقود كشرط الملك و قول النبي عليه و سلم لحكيم بن حزام كما في السنن : (لا تبع ما ليس عندك) فهذا شرط مجمع عليه فشرط المبيع أن يكون مملوكا للبائع لكن أرأيت لو أنه باعه و هو لا يملكه فإذا نظرنا إلى اقتضاء الأصل و اقتضاء هذا الشرط فإن عدمه يقتضي بطلان العقد و لكن نظر طائفة من الفقهاء إلى المسألة بهذه الطريقة و رأوا بطلان العقد و وجه هذه الطريقة و هي إحدى الروايتين في مذهب أحمد بيّن لتأخر شرط من شروط صحة العقد و هو كونه باع ما ليس عنده و نظرت طائفة من الفقهاء إلى بعض مقاصد العقود و قالوا أن هذا إذا كان قد أجازه مالك السلعة فإن صحة العقد مبنية على إجازته كما لو باع سلعة لغيره و ليست له صفة كوكيل و نحوه ثم أجاز هذا الغير في بيعها و أجاز هذا التعاقد فطائفمة من فقهاء يقولون بأن العقد يكون صحيحا من الإبتداء فصحّ بالإجازة و يكون لازما للطرفين و هذا الخلاف له ثمرة طبعا و على كل حال فما يتعلق بهذه القاعدة من أن الأصل في المعاملات الحل يقابلها ما يقتضي البطلان أو الفساد .
المناطات التي جعلها الشارع مبطلة للعقود أو بفسدة -و هذا فقه جليل لا بد لطال العلم ان يدركه- أو بمطلة للشروط و إنما نقول ذلك تفريقا بين أصل العقد و بين آحاد الشروط لان ثمة صورا يصح فيها أصل العقد و يكون الشرط فاسدا أو باطلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة كما في حديث عائشة في قصة بريرة في الصحيح : (اشتريها و أعتقيها و اشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق) ثم خطب عليه السلام فقال : (ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل و إن كان مائة شرط) و الشاهد من هذا أن المناطات في الشريعة التي جعلها الشارع مقتضية بطلان العقد أو الشرط تعود إلى أوصاف ثلاثة و هذه الأوصاف منصوصة في نص الشارع
فالوصف الأول الربا قال الله تعالى : (و أحل الله البيع و حرم الربا) فحيث اشتملت المعاملة على الربا فإن هذا مناط يقتضي بطلان أو فساد المعاملة .
و الوصف الثاني وجود الغرر أو الجهالة و بينهما بعض الفرق لكن بينهما اشتراك أيضا كما ترى.
و الثالث عبّر عنه بعض العلماء كبعض علماء المالكية كأكل أموال الناس بالباطل .
و إذا نظرت هذه الأوصاف الثلاثة التي جائت الشريعة بالنص عليها وجدت أنها في حقيقتاها عائدة إلى مصلحة المكلفين تماما و أن مقتضى العقل و الفطر و أصول التعاقد هو البرائة منها.
أما الثاني و الثالث فهو بيّن لأنه متعلق بآحاد العقود و لذلكم فإذا نظرتم إلى أصل هذا المبدأ و هو مبدأ الغرر و الجهالة أو مبدأ أكل أموال الناس بالباطل فلا يصححه أحد و بيّن في فطر بني آدم فساد المعاملة التي تقوم على هذا الشرط أو هذه الصفة . و كذلكم الربا حقيقته أشد و شأنه أشكل في تعطيل مصالح الخلق أي إذا كان البيع بالغرر و البيع بالجهالة بيّن الفساد في منافاته لمصلحة البشر مصلحة المكلفين و الناس لأنه باعه هذه السلعة و فيها غرر عليه أو جهالة و هو بين الفساد و المصلح لأنه متعلق بآحاد المصالح فإذا تبايع زيد و عمرو بيع فيها جهالة فلا بد أن تؤثر الجهالة بأحدهما و لهذا بيبن للناس فساد هذا النوع من المعاملات فالربا قد لا يظهر ضرره في آحاد المعاملات و إلا فإن الشريعة لما حرمت الربا و قال الله تعالى : (و أحل الله البيع و حرم الربا) فليس تحريم الربا محض تعبّد و ليس في المعاملات المباحة عند العلماء ما يشترك في حقيقته مع الربا كما قد يتوهم البعض بل بينهما تفاوت فحقيقة الربا فيه منافة للمصلحة لكنه قد لا يظهر ذلك في آحاد التطبيقات و لكنه من حيث الجملة ففساده أكثر من فساد الغرر و الجهالة لأن الناس لا يمكنهم أن يتواطئوا على الغرر و الجهالة و إنما هي تعرض في معاملاتهم لأن الإنسان يدفع عن نفسه لتعلق الغرر و الجهالة بآحاد المعاملات ابتداءً بخلاف الربا فربما لم يظهر للبعض ذلك الفرق كما –لو ضربنا له مثالا- إذا أراد شخص مائة ألف ريال فجاء إلى شخص آخر و أعطاه مائة ألف على أن يقضيها بعد سنة مائة و عشرة آلاف و احتاج آخر المائة ألف فذهب و اشترى من هذا التاجر سيارة بمائة ألف و لكنه اشتراها مؤجلة بمائة و عشرة آلاف و قيمتها مائة ألف و في نيته أن يبيعها فباعها على غير من اشترى منه و أخذ الثمن. فخرج هذا بمائة ألف و و خرج هذا بمائة ألف و هذا يقضي بعد سنة بمائة و عشرة آلاف و هذا يقضي بعد سنة مائة و عشرة آلاف. فيتوهم أن المعاملة حقيقتها واحدة و هي ليست كذلك. و ربما يستشكل البعض و ربما كان بعض من يدافع عن الربا فيقول : إنه قد يكون أرفق بالناس لأنه قد يعطى المائة ألف بمائة و خمسة بعد سنة فإذا ذهنب لأصحاب السلع و اشترى سلعة و باعه في السوق أعطوا هذه السلعة مؤجلة بمائة و عشرة و صار الذي أخذ بالربا حاله أخف قالوا : لأنه يقضي مائة و خمسة آلاف و هذا يقضي مائة و عشرة آلاف و هذا قد يقع و هو يرجع إلى مماكسات الناس لكنه لا يسوي بين المعاملتين فالمعاملة الأولى و هي معاملة التورق كما تعرفون في الفقه فيها تحقيق لمصلحة البشر لأن المال لا يكون مآله أن مختص بطبقة من الناس أو بالأغنياء و لا يقتضي التورق تعطيل حركة الإقتصاد فإنه إذا تكلمنا عن المعاملات المعاصرة فنظام التورق و غيره من المعاملات المالية المباحة ليس فيها تعطيل للإقتصاد بل فيه تحريك للإقتصاد لأنها تتحرك بشراء السيارة المصنع و من خلف المصنع العمال الذين خلف المصنع و العقار الذي اشتري له المصنع... فتجد أن اللإقتصاد سلسلة واحدة متصلة بعضها ببعض فإذا سلعة تحرك من خلفه الإقتصاد سواء كانت سيارة أو دابة أو كان عقارا أو كان ما كان فإنه يتحرك المال و هذا هو الذي أرادت الشريعة من تحريم الربا فالربا معناه أن الذهب و الفضة و ما في حكمها الآن من الأوراق النقدية تنتقل من يد الغني إلى يد المحتاج
إليها من فقير و حتى من لم يكن فقيرا و لا تمر بالوسط و الوسط هي مصلحة الناس فالناس مصلحتهم في هذا الوسط حقيقة الذي هو المال باسمه العام سواء كان عقارا أو مصانع أو زروع أو دوابّ أو ما إلى ذلك مما يخطر في بالك من الأموال مما خلقها الله على أصلها كالدواب و العقار أو التي يصنعها الناس و يولّدها الناس بصناعاتهم و حرفهم إلى آخره و الربا يعطل تحريك هذا المحل لأن الربا لا يمر بهذا الوسط و إنما يدفع صاحب المال المائة ألف و مباشرة بعد سنة يأخذ الآخر مائة و عشرة آلاف لكن البيع الذي أحله الله تعالى لما قال تعالى : (و أحل الله البيع و حرم الربا) فبينهما فرق كما بين الأبيض و الأسود ليست العلة تعبدية محضة غير مدركة لنا بل هي مدركة تماما و المنصفون في الإقتصاد يفهمون هذا التصور فالبيع المباح بأي اسم كان سواء سموه تورق أو مزارعة أو مساقاة أو بأي اسم حصلت العقود المالية إما على أعيان أو منافع مميزة أو مشاعة أو ما إلى ذلك فميزته أنه يحرك هذا العالم الوسط عالم الإقتصاد فالذي نفترضه الآن من هذه المربعات مربع الزراعة و مربع العقار و مربع المبايعة فكلها تتحرك من خلال البيع لأنه سيشتري عاقارا أو زرعا أو دواب أو صناعة و المصنع سيتأثر به المجتمع و من خلفه من عمال و ما إلى ذلك و هكذا . فهكذا يتحرك الإقتصاد بشكل نظامي و صحيح لكن إذا كان المال يتجاوز كل الإقتصاد بمفهومه الحقيقي الذي هو ما ينتفع البشر به –فإن الذهب و الفضة هي محرك لهذا و ليست هي الإقتصاد في نفسها و لذلك فتلاحظ الآن لما جائت الأوراق المالية فإنهم في الأول قالوا أنها تربط بالذهب فيكون لها غطاء من الذهب و أصبح هذا المفهوم الآن في بعض الدول الكبرى متجاوز و صار الغطاء لها حقيقة هو القوة القومية الإقتصادية لهذه الدولة و ليس بالضرورة أنه يكون هناك غطاء مطابق تماما للعملة من الذهب- فإن الربا يقود إلى الفساد و يعطل حركة الناس و حركة الإقتصاد فيجمّد الإقتصاد بهذه الطريقة و يبدأ يتكوّن في المجتمعات أياً كانت مسلمة أو غير مسلمة -فإنه تشريع عام للبشر فيه مصلحة للمسلمين و غير المسلمين- التي يربطون فيها بقروض ربوية التي لم ينتفعوا بها -فإنه قد لا يشاهد الأثر لكن الأثر فسمتد إليه بعد ذلك لأنه إذا تأثر المجتمع بشكل عام تأثر هو و لا بد و لما يتكون مجتمع و ينشط الإقتصاد فإن هذا النشاط الإقتصادي يؤثّر إما إيجابا أو سلبا- ......

و حتى نفهم فإنه الآن كما تعلم في العالم لما قام العالم المعاصر قامت نظريتان في الإقتصاد : الإشتراكية الشيوعية التي كانت متمثلة في الإتحاد السوفيتي و في الصين ثم سقط الإتحاد السوفيتي ثم ما زالت تطبق في بعض الدول و إن كانت قد تزعزعت بعد سقوط الإتحاد السوفيتي.
و النظرية الثاني و هي القوية و هي التي ما زال لها وهج قوي جدا و هي النظرية الرأسمالية تختلف نوعا ما و لكنها في حقيقتها أنها تلتقي بشكل واحد في الآخير لأنها تركّز المال في طبقة الأعنياء و تكثّف طبقة الفقراء و لذلكم ترون كيف نهت الشريعة عن الدين و كرهت الدين و كيف أن النبي لما ذكر الشهيد قال : (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين) مع أن الدين ليس ذنبا لكنهنوع من إغلاق الشريعة لمسألة الديون و القروض لأنه إذا نشأ الإنسان و في باله أنه يتجنب القرض ما أمكن و الدين ما أمكن أصبح هناك تحريك في الحقيقة للإقتصاد و نماء للإقتصاد بشكل صحيح و في السياسات المعاصرة أصبح الدين لا يراد به الإستهلاك و إنما يراد به الإستثمار كالتمويلات المالية الآن للإستثمار فهذه إذا خضعت لدراسات صحيحة تكون نوع من الإستثمار الصحيح و لكن أيضا فنسبة المخاطرة فيها كثيرة كما تعرفون خاصة تمويلات المخاطرة و خاصة إذا تجاوزت التمويلات الشرعية إلى تمويلات ربوية من أصلها ..
فعلى كل حال فالشريعة الإسلامية لما جائت لم تجعل هذه النظرية الشيوعية باطلة لأن مال الإنسان ملك له و هو جهده و هذا ما قسمه الله له , جعلت حقا من ماله للفقراء و المساكين من خلال فريضة الزكاة و ما زاد على ذلك من خلال شعيرة الصدقة و لكنها منعت الربا حتى لا يكون المال دولة بين الأغنياء و هذا من المقاصد التي نص عليها في كتاب الله سبحانه و تعالى فتتكثف طبقة الفقراء و المربوطين بالديون من الأغنياء و تتآكل مع جمود هذا الإقتصاد : الطبقة الوسطى. و بذلك الآين فبأثر الرأسمالي تجد الدخل القومي في بعض الدول الغربية تجد عشرين بالمائة منها بيد عشرة أو خمس بالمائة و أحيانا أقل من ذلك فأحيانا يعطون نسبة أن عشرين بالمائة من الدخل القومي للبلد المعين بيد ثلاثة من مائة من المجتمع و هذا كله سببه النظريات الرأسمالية و الشريعة الإسلامية لما جائت بالمعاملات لم تضيّق المعاملات بل أطلقت المعاملات و هذا إجمال العلماء رحمهم الله و قبل ذلك في كتاب الله : (و أحل الله البيع) و هذا إطلاق و أيضا فإنها لم تجعل التعامل المالي من أحكام المسلمين خاصة فالأصل في الأحكام المالية أنها بين المسلم و غير المسلم إلا إذا استثني كأني يقال : لا يجوز بيع السلاح للكافر أو لا يجوز بيع السلاح في الفتنة و هكذا.. لكن الأصل في أحكام المعمالات بين المسلمين و غير المسلمين واحدة لأن فيها تحقيق لمصلحة البشر و لأن الإخلال لشيء من هذه الشروط هو نوع من الظلم و لذلك لما قلنا الاوصاف ثلاثة : الربا و الغرر و الجهالة و أكل أموال الناس بالباطل فإن لك أن تقول بأنه يجمعها وصف واحد و هو الظلم و هذا عبّر عنه بعض علماء المالكية رحمهم الله في قواعدهم أن مناط حيث وجدت الظلم منعت المعاملة . و كما يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه حيث لم توجد مفسدة تقاوم المصلحة في معاملة من المعاملات فالأصل أنها مباحة و هذه المناطات إذا تأمّلنا فيها فإنها مناطات شرعية لا شك لكن لنا أن نصفها بوصف آخر هو من أوصاف الشريعة أيضا و هو أن نقول إنها مناطات أخلاقية و منعى أخلاقية أنها ليست من التعبد المحض الذي لا يستطيع البشر أن يعللوه كسبب كون الصيام في شهر رمضان و لم يكن في شوال فهذا لا يستطيع البشر أن يعللوه و لماذا كانت الصلوات خمسا و لم تكن أكثر أو أقل و لماذا كانت عدد الركعات كذا... فهذا لا يعلله لا فقيه ولا مجتهد و لا أحد هذا تشريع الله سبحانه و تعالى و هو كمال للبشر و لمصلحتهم و لعاقتهم و إنما هذه في المعاملات ضوابط أخلاقية و حينما نقول أنها ضوابط أخلاقية فمعناه أنها مدركة حتى لو لم يقدر نص لهذه الأوصاف ورد بها فمقتضى القواعد العامة للشريعة كقول الله تعالى : (إن الله يأمر بالعدل) فإن مقتضى الأمر بالعدل تحريم الربا لأنه ليس عدلا و لهذا فالنبي عليه السلام لما تمكن من الأمر في آخر حياته عليه السلام و خطب بعرفة وضع القواعد قواعد الأحكام فأكّد على مسألة عبادة الله سبحانه و تعالى و أكد قواعد الإسلام و قواعد التشريع في خطبته في عرفة في آخر حياته فكان يتكلم عن التوحيد و الإيمان و الإيمان بأنه رسول الله و هكذا , ثم تكلم عليه السلام عن الجانب المتعلق بالأسر و ذكر حق المرأة و هذا تأسيس لقاعدة الأسرة في الإسلام و قال : (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله ..إلخ), و تكليم بعد ذلك عن الذي كان يمثل الإشكال الأكبر في المجتمع لأنه إشكال جماعي و هو إشكال الربا كما قلنا أن الغرر و الجهالة إذا أصب إنسان شيء منه في المبيع رجع من أقرب ساعة إلى من باع عليه و قال : أنا قد انخدعت في هذا البيع. و لهذا فالناس يدافعون عن أنفسهم تلقائيا و لكن الإشكال في الربا أنه يكون تشريع فما كان في الجاهلية الأولى تشريع للغرر و الجهالة و ما كانت العرب في جاهليتها تشرّع الغرر و الجهالة إلا في حالات يرد فيها نوع من الخفاء و لكنهم ما كانوا يشرعون أصل الغرر لأن نفوس بني آدم تأبى تضييع الأموال بالغرر و الجهالة الصريح لكن –كما تعرف- كان الجاهليون يشرّعون الربا و كانت اليهود تتعامل بالربا و لذلكم فالنبي عليه الصلاة و السلام أبطل هذا المعنى و قال : (و أول ربا أضعه ربانا ربا العباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله) و سماه : ربا الجاهلية. و سمى الدماء : دماء الجاهلية. و لذا فكانت خطبته صلى الله عليبه و سلم بعرفة جامعة لأحكام التشريع و لأحكام المصالح البشرية فأحكام التشريع في ذكره عليه السلام للتوحيد و أحكام المصالح البشرية في ذكره عليه السلام لأحكام المرأة و الأسرة و العلاقة ما بين الزوجين و إسقاط للثارات الجاهلية بالدماء و إسقاطه عليه السلام لربا الجاهلية و لهذا قال : (و ربا الجاهلية موضوع) فهو من أحكام الجاهلية و ما أبيح في شريعة نبي من الأنبياء لأن فيه ظلم و لو كان برئيا من الظلم لأحله الله لأن الله تعالى أمر بالعدل و أباح للإنسان و للبشر أن ينتفعوا بما خلق الله لهم و إن كان كما قلت قد تدرك العقول البسيطة فساد الغرر و الجهالة أو فساد الغش ولكن لا تدرك فساد الربا مباشرة و بما التبس أمر الربا بعض الشيء و لذلك فيظهر أن من منع التورق من الفقهاء رحمهم الله فقولهم بعيد لأن بين التورق و بين الربا مفازة و من منعه من الفقهاء فلم يقل أحد منهم أن فيه علة الربا تماما و لكن جعلوا فيه شبهة الربا فحيث قامت الدليل الموصل إلى الربا فتمنع المعاملة كما في العينة -مثلا- فإذا باع على من اشترى منه فإنها تكون من باب العينة و كما تعرف أن مجموع العلماء من الحنابلة و الحنفية و المالكية على تحريم العينة خلافا للإمام الشافعي رحمه الله تعالى و أصحابه .
فإذا فإن هذه مناطات أخلاقية . أرأيت لو أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يذكر لنا صفة الوضوء بقوله و فعله أو في كتاب الله تعالى ما كان للناس إذا أن ينتحلوا هذه الصفة و لكن لو لم يرد عن النبي الحديث الذي جاء في الصحيح قا لأبو هريرة رضي الله عنه : (نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الغرر) فلو قدّرنا جدلا أنه لم يرد هذا الحديث فهل هذا الحديث فيه تعيين لمعنى جديد؟ أم أن المعنى الذي تضمنه هذا الحديث هو تأكيد لحكم مستقر في الشريعة؟ هو تأكيد لحكم مستمر لأن قبل ورود هذا الحديث فيه قول الله تعالى (و أحل الله البيع و حرم الربا) و فيه قول الله تعالى : (إن الله يأمر بالعدل) و فيه قول النبي : (قال الله تعالى : يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما..)إلخ فمقتضى التشريع إدراك هذا و لهذا فالربا و علّته في الجملة جماعية تقريبا و إن كان يضر الأفراد و لكن كما قلنا أن هناك نوع من الفرق بينهما.
إذا فهذه الاوصاف الثلاثة يتحقق بها تعطيل مصلحة بني آدم سواء كان في الملات الخاصة الكغرر و الجهالة و أكل أموال الناس بالباطل في الصور الصريحة و المآلات العامة كما في تشريع الربا و إن كان قد لا يبدوا في آحاد الصور لبعض الناس أنه أضر به لكن من حيث الحقيقة هو مضر به و مضر بالمصلحة العامة و لذلك اتخذ كتشريع في الجاهلية كما أبطله النبي صلى الله عليه و سلم فهذه الأوصاف الثلاثة الربا فيها بين و الربا محرم سواء كان من ربا الفضل أو ربا النسيئة و أما الوصف الثاني و هو الغرر و الجهالة فهذا كما ذكر القرافي من علماء المالكية..
.
#انقطاع تسجيل. قليلا#

و المناطات خاصة و عامة و هذه الأوصاف الأولى مناطات عامة و القسم الثاني هي مناطات أخص يستعملها الفقهاء رحمهم الله في تعليل بعض الأاحكام من المعاملات كقولهم إن هذه المعاملة لا تصح لأنها من باب بيعتين في بيعة و قد نهى النبي عن بيعتين في بيعة أو أنه من باب بيع و شرط و من باب الشرطين و ما إلى ذلك فهذه المناطات ينبغي لطالب العلم أن يكون فقيها فيها لأنك لما تقول : مناطة الغرر و مناط الجهالة فهذه ناطات مدركة التصور و مناسبته لطالب المعاملة مناسبة ظاهرة يعني إذا تكلمنا في القياس فتجد علماء الفقه في القياس يقولون : المناسبة إما ان تكون بدرجة الملائم أو بدرجة غريبا فيجعلون فرقا بين ما يكون ملائما و ما يكون غريبا فتكون علة لكنها غريبة عن الحكم و لما تقول بيعتين في بليعة فهذا غريب و لكن لما تقول أن العلة هي الجهالة أو الغرر فهذا ملائم و ظاهر حتى للعوام و أحيانا لغير المسلم و لكن قولك : بيعتين في بيعة أو بيع و شرط . و الناس كما تعرف يحتاجون إلى الشرط كثيرا و الإجماع منعقد على جواز البيع مع الشرط بل حديث النبي دل على أنه يصح العقد و لو فسد الشرط كما في حديث عائشة و قصة بريرة فمن باب أولى إذا كان الشرط صحيحا كما في حديث جابر :فبعته على أن لي حملان ظهره حتى أبلغ المدينة. في قصة جمل جابر لما اشتره النبي منه فاشترط جابر رضي الله عنه أن يبقى له الركوب إلى المدينة فهذا النوع من المناطات من بيع و شرط و بيعتين في بيعة و ربح ما لم يضمن فإن هذه الاوصاف الفقهية بعضها أحاديث في أصلها مثل بيعتين في بيعة و بيع ما لم يضمن و بعضها أوصاف فقهية صارت مناطات مستعملة في كلام و تفاصيل الفقهاء و هذه يجب على طالب العلم أن يكون فقيها في طريقة تطبيقها لأنها ليست على إطلاقها و قد يبدوا لك أن هذه الصورة من باب بيع و شرط و بالفعل ترى فيها كل من البيع و الشرط فتتوهم أن هذا مناط للمنع و هو ليس كذلك لأننا عرفنا بالإجماع و بصريح النص أنه يوجب البيع و معه الشرط الصحيح بل و يوجد البيع الذي معه شرط فاسد كما في حديث بريرة و جمهور أهل العلم يقرون هذا المعنى لكن هذا الشرط لا يلزم منه بالإطراد فساد العقد فإذا فقوله عليه السلام في نهي عن بيع و شرط كما روي في السنن و حديث بريرة و حديث جابر هما في الصحيح و حديث جابر على مقتض الأصل لأن الناس يحتاجون إلى مثل هذا في معاملاتهم فيفسر النهي عن بيع و شرط بمعنى -كما قال أحمد رحمه الله في بعض أجوبته : - إذا توسط بالشرط إلى أمر حظرته الشريعة في أصل البيع . فإذا توسط بهذا الشرط حت لا يباشر المحرم فاحتال عليه بالشرط فإنه إذا جعل الشرط حيلة على تجاوز الشريعة للوقوع في المحرم فنقول أن هذا الشرط يكون باطلا و قد يقتضي بطلان العقد و لذلك قال أحمد لما سئل عن نهي النبي عن بيع و شرط : إنما هو ليزداد به عليه. أي ليزداد البائع بالشرط على المشتري فيكون قد توصل للربا معه بحجة الشرط و هذا له تطبيقات معاصرة و غير معاصرة –ستأتينا إن شاء الله في كتاب البيوع- و المقصود أن هذا النوع من المناطات هو صحيح في جملته و لكن لا بد له من فقه مناسب لأنه ليس على إطلاقه فليس كل بيعتين في بيعة باطل و ليس كل بيع و شرط باطل بل الإجماع منعقد كما سبق على خلاف ذلك في صور أخرى فهو يفسّر تفسيرا مقيدا ملائما لمقاصد الشريعة و أحكام الشريعة من المعاملات لأن المعاملات ليست تعبدية محضة في الشريعة في الأصل مقطوعة العلة بل جميع المعاملات فإن أوصافها التي منعها الشريعة أخلاقية تماما كما سبق معنا لضبط حقوق الناس و لهذا لكون الفقهاء رحمهم الله أدركوا هذا المعنى فلا تجد أنهم ذكروا في شروط البيع أي صحة البيع مثلا : الإسلام. كما قالوا في الصلاة و الزكاة و أحكام التعبّد و لا يقولون كما قالوا في الطهارة أنه لا بد لها من نية و نحوه.. و إنما تجدهو قالوا : أن يكون مقدورا على تسليمه , أن يكون مملوكا , أن يكون معلوما..و هذه كلها أوصاف ليست فرعا عن الإسلام و عدمه بل أوصاف لضبط أحكام الحقوق حتى لا يقع البغي بين الناس في أموالهم لأن الشريعة ضمنت هذا لكل الناس و لهذا أجمعوا على أنه لا يجوز غش المسلم لغير المسلم كيهودي أو نصراني أو عابد وثن فلا يجوز للمسلم أن يغشّه و لهذا كانت اليهود تعامل النبي صلى الله عليه و سلم و كان الجاهليون يعاملون النبي صلى الله عليه و سلم لما عرف عنه عليه السلام من حسن المعاملة و في الدين من حسن القضاء و نحو ذلك فهذه المناطات الثانية التي قد تبدوا لطالب العلم أن فيها امتياز فقهي لما يعلل بعض الأحكام بها فإنه ينبغي أن يكون فقيها في تطبيقها لأنها ليست على إطلاقها لأنه حتى الأوصاف الاولى ما عدا الربا فإنه ليس على إطلاقه لأن الثاني الذي هو الغرر والجهالة فيه تفصيل و أكل أموال الناس بالباطل لا شك أنه مردود و لكنه يحتاج إلى حد صحيح لأنه قد يقول قائل أن هذا من أكل أموال الناس بالباطل و هو في حقيقته ليس كذلك .
و إذا كان الغرر أو الجهالة يسير فهذا الأصل فيه أنه يتجوّز فيه ما دام أن هذه الرتبة من الغرر أو الجهالة تقع في مثله عادة و لهذا –كما يقول الفقهاء رحمهم الله تعالى- جاز بيع الدار مع أن المشتري قد يجهل أساسها و جاز بيع بعض الثمار مع أنها قد لا تكون عل هذه الدرجة فإذا كان الغرر أو الجهالة ظاهر أو مظنة الوقوع فهنا أغلقت الشريعة هذا الباب و من هنا نهى النبي عن بيع الحب حتى يشتد و عن بيع التمر حتى يبدوا صلاحه حتى يحمر أو يصفر و أما إذا كان في أول حال النخل فإنه لا يجوز بيعه لأنه مظنة التغيير فلا يكون فد استقر على حال طيبة لتنفع بها و أما إذا استقر على حال طيبة هي محل انتفاع الآدمي فإذا استقر الثمر أو الزرع على الحال الطيبة التي هي محل انتفاع الآدميين جاز بيعه و لو طرأت عليه جائحة بعد ذلك فيكون هذا إما يقدر محض من الله أو بسبب من المشتري ككونه قصر فيه . لكن لو كان ذلك قبل أن يكون صالحا للإنتفاع فإنه قد اشترى مجهولا لأنه لا يدري ما عاقبته و لهذا نهت الشريعة عن مثل هذه البيوع و لما كان للناس نوع من الحاجة لشيء من ذلك استثنت الشريعة ما يتعلق بأصحاب العرايا كما في حديث زيد بن ثابت : إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم . يعني النبي صلى الله عليه و سلم و لهذا فهذا الإستثناء على الصحيح خاص بالنبي صلى الله عليه و سلم و معن كونه خاص بالنبي صلى الله عليه و سلم أنه لا يسوغ لفقيه أن يقيس على استثناء النبي صلى الله عليه وسلم يعني أن هذا الإستثناء ليس محلا للقياس و هذا الذي عليه جمهور العلماء و إن كان بعضهم جعل المستثنى بنص النبي عليه السلام محلا للقياس و الصحيح الذي عليه الجمهور أنه ليس محلا للقياس لأن هذه رخصة خاصة رخصها رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمته إذا كان الحكم عاما لأمته أو لأزواجه أو لأصحابه إذا كان الحكم مما هو من موارد الإختصاص كما في قصة الرضاع لما أذن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة في الصحيحن لسهلة بنت سهيل أن ترضع سالما مولى أبي حذيفة فهذا نقول أنه استثناء من النبي لا يجوز أن يقاس عليه غيره بل تكون هذه الرخصة خاصة كما فقهت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن فلا يستعمل فيه طرد و لا يستعمل فيه قياس فلا يستعمل فيه عموم فيكون هذا الحكم عاما لغيره و لا يستعمل فيه قياس و شيخ الإسلام رحمه الله له ميل في هذا الأصل إلى إمكان القياس و إمكان الطرد فيه و لهذا كان له في هذه المسائل تفريعا على أصله في هذه المسائل و الجمهور على خلاف ذلك و أن هذا ليس محلاا للقياس و المقصود أن الغرر و الجهالة إذا كان فاحشا فإنه يقتضي بطلان و فساد المعاملة و إذا كان يسيرا يقع في مثله عادة فإنه معفو عنه بإجماع العلماء و لهذا ثمة غرر متجاوز عنه بإجماع العلماء و إذا كان بينهما فهذا المتردد هو محل اجتهاد و في الغالب أن العارف يقضي فيه بشيء فإن كان لا يحتمل مثله في العرف فإنه يلتفت إليه أي لو رجع أحد المتعاقدين على الآخر و قال الآخر إن هذا ليس غررا فاحشا و بالفعل نظرنا فإذا هو ليس بفاحش تماما و في المقابل ليس بيسير يعفى عن مثله فهذا يحكم فيه العرف و هذا معنى أن العادة محكمة ة أن العرف معتبر في الشريعة فإذا كان عرف التجار مثلا أن هذا النوع من الجهالة في المبيع لا يلتفت إليه فلات يصح له أن يرجع على صاحبه و إن كان عرف التجار أن مثل هذا يرجع به فإنه يرجع به فهذا يرجع إلى ما يقدر في العرف بالجملة و إن كانت من حيث التفاصيل فهذه المسائل في التطبيق لها تفصيل أوسع من ذلك لكن المقصود أن الغرر إذا كان فاحشا أو الجهالة فهي مانعة لصحة البيع و إذا كان يسيرا محتملا عارضا فلا أثر له و إذا كان بينهما فهو محل تقدير و اجتهاد و هذا الإجتهاد متأثر بأمرين فالأامر الأمر الأول أحكام الشريعة الأاول و الثاني التطبيق العرفي للأحكام يعني أن الفقيه أو القاضي لا ينظر للعرف فقط لأن العرف قد يكون عرفا فاسدا فلا يلتفت للعرف دائما بل يعتبر العرف و لكن يعتبر قبل العرف معاني الشريعة مقاصد الشريعة و لكن لا بد من الإتلفات للعرف لانه يكون مفسرا لمجمل مراد الشارع أحيانا لأن العرف من أدلة إيقاع الحكم و ليست من أدلة تشريع الأحكام و في هذا المتوسط ينظر في أدلة التشريع و أدلة الوقوع .
و ما يتعلق بأكل اموال الناس بالباطل فإن هذه الجملة من حيث هي جملة مجمع على أنها تقتضي الفساد أو البطلان و لكن يبقى الفقه في حد ما هو أكل لاموال الناس بالباطل و ما ليس كذلك و هذا فقه عام كما ترى له مبادئ لا بد من ضبطها و تصحيحها من أهمها و أخصها ما تصح المعاوضة عليه يعني إذا عاوضه بما لا تصح المعاوضة عليخ فإن هذا من أكل أموال الناس بالباطل أو إذا عاوضه بفاحش عما يعاوض عليه فهذا من أكل أموال الناس بالباطل فكما في تطبيقات التورق لو قال إن هذه السيارة يبيعها عليه بمائة الف حالة أو بمائة و عشرة آلاف مؤجلة فاشتراها مؤجلة بمائة و عشرة آلاف . قال : لكن عليك رسوم مقابل إجرائات العقد . الرسوم هذه عالية مثل أربعة آلاف أو ثلاثة آلاف فمثل هذه الرسوم لا يكون تكلفة العمل تكلفها أبدا فهذا يعتبر من أكل أموال الناس بالباطل و هذا من جنس ما قال الإمام أحمد : إنما هو يلزداد به عليه . و لهذا فإنه يأخذه مقدما فإذا أكل أموال انلاس بالباطل يحتاج إلى تحرير شرعي و فقهي لحد ما تصح المعاوضة عليه و هل ما تصح المعاوضة عليه مختص بالأعيان أم أنه يتجاوز ذلك أن يكون في الأعيان من حيث هي أعيان أو منافع الأعيان؟ و هو أوسع من ذلك و لا شك و المقصود أن هذه الجملة جملة شرعية كما تعلم و لكنها تحتاج إلى فقه في تطبيقها حتى يبين لطالب العلم هذا. جمهور خلاف العلماء في أحكام المعاملات لا يعود كما في العبادات
إلى أصل أدلة التشريع المفصلة من حيث تقول -مثلا- إن مالكا ترك صيام الست من شوال لأنه لم يثبت عنده حديث ابي أيوب : (من صام رمضان و أتبعه ستا من شوال..) أو أن بعض الفقهاء تركوا المسح على الجوارب لأنهم لم يعملوا برأي الصحابة و لم يثبت عندهم حديث صحيح في حديث و جعلوها رخصة و لا يتوسع فيها ...إلخ فخلافهم في العبادات راجع إل ثبوت الدليل أو عدم ثبوت الدليل التفصيلي على الحكم أما في المعاملات فجمهور الخلاف ....

-و مناطات التحريم كلية ثابتة التي أشرنا إليها و قد يكون لها جامع واحد و هو الظلم أو أكل أموال الناس بالباطل و لهذا قلنا أنها أوصاف اخلاقية و لهذا إذا قيل في الإسلام ما وصف المعاملة الشرعية؟ قيل إن المعاملة الشرعية لا وصف لها إلا أنها تكون مبنية على العدل بريئة من الظلم بل متى كان العدل فيها راجحا و عرض فيها ظلم و لكنه مرجوح فهي معاملة صحيحة و من هنا أجاز الفقهاء رحمهم الله بالإجماع بيع المجهول إذا كانت الجهالة يسيرة ما دام أن العلم هو الراجح فيه كأن يعرف الدار و تفاصيل الدار لكن بعض تفاصيل الأأشياء لا يميزه تمييزا دقيقا كأن لا يعرف الأوصاف الهندسية بشكل دقيق له فهل هذا الأساس طوله كذا أو عرضه كذا.. فهنا لك تبرأ المعاملة بوجه من النقص و لكن العدل فيها راجح فهذا ظلم إن ميّزوحده اقتضى منعا لكن بهذه الصورة لا يسمى ظلما قائما بل من الذي زال أمره أو أثره مع ظهور هذه المصلحة لأن أحوال البشر لاتكون كاملة في تطبيقها و الشاهد من ذلك أن جمهور خلاف العلماء-
يعود إلى تقدير المانع فعندما يحرم الجمهور العينة ففيها حديث لكنهم لكنهم أيضا عندما يعلّلونها يقولون إنها ذريعة إلى الربا و الربا حقيقته ظلم فهي ذريعة إلى الظلم و الله تعالى إذا حرّم شيئا حرم السبب المفضي إليه و لا سيما إذا صاحبه القصد من المكلف فتجد أنهم يبطلون بعض المعاملات عل تحقيق هذا المعنى فمن بان من الفقهاء أن هذه المعاملة متحقق العدل فيها و بريئة من الظلم جعلها معاملة مباحة و إذا قضى ببطلانها أو فسادها فهو لوجود هذا المانع و ليس لخلاف من حيث تفاصيل الأدلة و يوجد في بعض المسائل أنه قد يؤثر فيها تفاصيل الأدلة لكنها قليلة و جمهور المسائل ترجع إلى ما يمكن أن يسمى بتحقيق مراد الشارع من الأوصاف العامة المقتضية لبطلان المعاملة لأن الأصل في المعاملة الحل و الإباحة فإذا بان للفقيه ذلك منعه و بعض الفقهاء رحمهم الله توسعوا في المناطات التي سماها الشارع و طردوها على صفتها و لم يلتفتوا كثيرا إلى مقاصدها كبيعتين في بيعة فبعض الفقهاء حرموا كثيرا مما هو بيعتين في بيعة و جعلوا هذا مناطا مضطردا في الجملة و لكن هذا ليس شأن لجمهور الفقهاء و لا هو شأن للمحققين منهم من باب أولى و إنما إذا نظرت إلى فقه المحققين من الائمة وجدت أنهم على هذه الطريقة و لذلك تمايزت المذاهب الفقهية في أحكام المعاملات و صار بعض المذاهب أوسع من بعض في كثير من أبواب هذه المعاملة و لهذا حينما يقررون العقود مثلا لهم فقه و يقولون أنها عقود جائزة و لازمة فيمثلون للعقد الجائز كعقد الوكالة مثلا فإنهم رحمهم الله يستصحبون المقصد الشرعي الكلي فلما تقول بأنه عقد جائز فمعناه أنه يجوز فسخه أرأيت إذا ترتب على فسخ الوكالة الضرر بأحد الطرفين فهل يجوز فسخه أو لا يجوز؟ لا يجوز فسخه كأن يوكّل شخص شخصا آخر بأجرة يقول : أنه لي هذه الصكوك في المكتب فأنت وكيل لي في إنهاء الصكوك و أجرتك إذا انتهيت كذا و كذا. فإذا شارفت الصكوك على الإنتهاء ذهب لكاتب العدل فقال : أنا سوف أفسخ وكالتي من فلان. فله حق أن يوقف الآن و لكن حق الرجل الأول الذي هو الوكيل أجرته ثابتة إن لم نقل أنها ثابتة جملة فإنها ثابتة بقدر الحال فإن كان انتهى من خمسين بالماءة فأجرته ثابتة بها و لا بد مع أن فسخه فسخ جائز و هذا من تحقيق الفقه في هذه العقود و لذلكم فإن قلب العقد الذي جعله الشارع على صفة تجد العلماء رحمهم الله يمنعونه يعني أنه إذا كان العقد لازما لم يصح التعاقد على أنه عقد جائز لأن هذا يفضي إلى عدم استقرار العقود بين الناس .
هذه المقدمة أرى أنها مهمة بين يدي دخولنا في مسائل باب أو كتاب البيوع حتى يكون فقه هذا الباب فقها تستصحب فيه قواعد و مقاصد الشريعة.