المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رفع الیدین حال الجلوس فی الصلاه



أهــل الحـديث
22-05-2014, 07:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




بسم الله الرحمن الرحیم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] (آل عمران: 102).
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] (سورة النساء: 1)
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا](سورة الأحزاب: 70-71)
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين صاحب الشريعة الغراء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وسلم وبارك
وعلى آله وأتباعه من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان ومقتفي أثرهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد:
فإني أحمد الله تعالى على أن منَّ عليَّ بتلقي العلم الشريف بالطريقة الشرعية الصحيحة -وهي التلقي المباشر من شيوخ معتبرين أخذوا العلم على شيوخهم وهكذا حتى وصل سندهم إلى النبي المصطفى، وسمعت أجزاء كثيرة من الكتب الستة: الصحيحين والسنن الأربعة وغيرها من كتب الحديث الأصول المعتمدة عند أهل السنة والجماعة وتلقيت بذلك الإجازات الحديثية المعتبرة ولله الحمد المنة.
ومما لا شك فيه فإن هذه الكتب تعين المتعبد على الوقوف على الدليل الشرعي من السنة الصحيحة لقرب المدة الزمنية بين أصحاب هذه الكتب وبين النبي، وفي هذه الكتب الأصول كتب فقهية عن الصلاة والزكاة والحج والآداب والرقائق والعقائد كما لا يخفى على المطلع.
ومما فيها من الأحاديث: تلك التي تصف صلاة النبي بصورة مفصلة، لذلك لم أجد ما يوجب للرجوع إلى كتب الفقه المجرد أو كتب المعاصرين لأن كتب الفقه غالباً ما تكون مختصرة جداً وربما كانت خالية عن الدليل أو مبنية على ترجيح مؤلفيها.
ومن المعلوم أن من منهج أهل السنة والجماعة ترك التقليد وعدم أخذ أي قول من دون دليل شرعي يدعمه مهما كانت منْزلة ذلك القائل. وممن لهم الموقف المشرف في الوقوف بوجه المقلدة بقلمه وبتحقيقاته: الشيخ الألباني رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
ومن أشهر ما ألفه في هذه المجال كتابه "صفة صلاة النبي" الذي اشتهر وذاع صيته في كل بلاد المسلمين، وفي مقدمته النفيسة النقول الكثيرة عن أصحاب المذاهب أنفسهم في النهي والتحذير عن التقليد الأعمى وحث المسلمين على معرفة الدليل الصحيح وطرح العمل بما لم يصح من الأدلة وترك العمل بها، وقد دعا إلى ترك العمل بالحديث الضعيف نهائياً -وبالحديث الموضوع تركاً تحريمياً- ووضح ذلك بالأدلة الشرعية المعتبرة، وجدَّدَ رحمه الله تعالى الدعوة إلى العودة إلى العمل بالسنة من مصادرها الأصلية الأصيلة الصحيحة.
وقد أوذي بسبب هذا المنهج وحورب وطرد من بلاده رحمه الله تعالى وكثر أعداؤه ورمي كل من اتبع منهجه بالألقاب والأوصاف التي هم من أبعد الناس عنها بل هم براء منها مثل عدم حب النبي وعدم احترام الفقهاء الأربعة وأصحاب المذاهب الخ من الاتهامات الباطلة التي يُنَزَّه عنها أي متدين فضلاً عن العلماء.
ويحتل كتاب "صفة الصلاة" مرتبة عالية لدى المسلمين واتخذوه المنهج المعتبر لتطبيق الصلاة الصحيحة التي هي عماد الدين.
ورأيت مرة في المسجد الذي أصلي فيه شباباً -نحسبهم على الخير ولا نزكي على الله أحداً- يفعلون هيئة في الصلاة وهي (رفع اليدين في حال الجلوس وبين السجدتين)، ونبهتهم أن هذه الهيئة مخالفة للأحاديث الصحيحة، فكان من جوابهم أن هذه الهيئة وردت في كتاب معتمد فطلبته منهم.
فلما أحضروا كتاب الـ"صفة" ورأيت ما ذكر فيه فأخبرتهم بأن الشيخ رحمه الله لم يذكر نصاً، والحديث الصحيح ينفي الرفع هنا، فقالوا الكلمة التي يسرع إليها كل مقلد: ومن أنت حتى ترد على الشيخ الذي أفنى عمره في خدمة السنة؟ فوقعوا غفر الله لي ولهم في التقليد الذي نهى عنه الشيخ رحمه الله.
فرأيت أن أكتب هذه الملاحظات حول هذا الموضوع تبييناً للحال وعرضاً للمسألة العلمية لغرض الفائدة لا لغرض الجدال العقيم والنقاش الذي يفسد الود ويغير القلوب، فتتبعت كل ما قال فيه (أحيانا) لأبين أنها تأتي على مراتب من العبادات لا على مرتبة واحدة، ونقلت كلام الشيخ وحكمه على الأحاديث من كتابه (أصل صفة صلاة النبي) الذي هو كالشرح لها، ورتبتها حسب الحرف الأول من اسم الصحابي، وسلكت مسلك الاختصار وقللت من النقول لسببين:
الأول: تبيين المسألة بشكل واضح، فكثرة النقول قد تثقل المسألة وتكبرها أكبر من حجمها.
الثاني: بعدي عن كتبي وصعوبة الرجوع للمصادر المعتمدة خصوصاً كتب الخلاف في أصول الفقه.
والله يعلم أني بهذه الملاحظات ناصح لا معاند، طالب للفائدة لنفسي ولمن يطلع عليها، لست أريد بذلك شيئاً لنفسي بل أريد الأجر من الله تعالى بنصيحتي للمسلمين.

لم أرض بالعيش والأيام مقبلة






فكيف أرضى وقد ولت على عجل



أسأل الله التوفيق والسداد في هذا كله والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.



المبحث الأول



منهج الشيخ في الحكم على الأحاديث

يرى الشيخ رحمه الله ردَّ كل حديث لم يثبت إسناده ولم يرتق إلى رتبة القبول وعدم جواز الاحتجاج به.
قسَّم العلماءُ الحديثَ بحسب وروده إلى أنواع كثيرة وحسب وجهة نظر الرائي لذلك الحديث سنداً ومتناً؛ فمنهم من قسمه إلى نوعين: مقبول ومردود، ومنهم فصَّل أقسامه إلى صحيح وحسن وضعيف وموضوع، فمنهم من فرَّق الأنواع حتى بلغت المائة وخمسة()، ومنهم دمج أنواعاً معاً بحسب الجامع بينها، فمثلاً منهم من عدَّ الموضوع نوعاً من الضعيف فقالوا: "وشر الضعيف الموضوع" (تدريب الراوي: 1/295).
والذي وجدته أن رتبة الحديث الضعيف عند الشيخ هي نفس رتبة الموضوع من حيث الاحتجاج، فلا فرق عنده بين حديث ضعيف وبين حديث موضوع فكلاهما سواء من حيث الاحتجاج. فالحديث قسمان: مقبول ومردود.
وقد قضى جل حياته العلمية في كتبه التي ألفها في الفصل بين الضعيف والصحيح، تيسيراً على الناس أمر دينهم وإعانة لهم في السعي في القربة من الله تبارك وتعالى.
وبسبب جهل كثير من الناس منهج الشيخ في قبول ورد الأحاديث فإنهم صاروا فيه فريقين:
مقلد له في كل ما يقول
ومجانب له في كل ما يقول
وهذا طبعاً فيه إفراط وتفريط والصحيح هو التفصيل وعدم الحكم بحكم يعم كل أحكامه على الأحاديث التي تكلم عليها بالقبول أو الردِّ.
ولما كان عمله بشرياً فإنه من الطبيعي أن يقع في الخطأ لأنه رحمه الله غير معصوم فيجوز عليه السهو والخطأ والنسيان والتوهم والتسرع وغيرها من صفات البشر الجبلية التي لا يسلم منها إنسان.
فهذا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ألف كتابه "الرسالة" في تأصيل علم أصول الفقه وعلوم السنة النبوية وبناه على القواعد العلمية الرصينة وقام بتدريسه بنفسه مرات قاربت الأربعين! وفي كل مرة يجد فيها خطأً فقال كلمته المشهورة التي تعد منهجاً لكان طالب علم: "أبى الله أن يكون الكمال إلا لكتابه سبحانه وتعالى".
فليس هناك مؤلف سلم من الخطأ 100%، فلابد من وجود الخلل والخطأ، وهذا أمر طبيعي جداً، والمطلوب هو معرفة الصواب للعمل به واجتناب الخطأ مع العفو عنه إن كان فاعله لم يقع فيه قصداً.
والشيخ رحمه الله معترف أنه قد يقع منه الخطأ والسهو، لذلك قال في السلسلة الصحيح (ج1: ص6): (رحم الله عبداً دلَّني على خطئي، وأهدى إليَّ عيوبي؛ فإنَّ من السهل عليَّ -بإذنه تعالى وتوفيقه- أن أتراجع عن خطأٍ تبيَّن لي وجهه، وكتبي التي تُطبع لأوّل مرة، وما يُجَدَّد طبعُه منها أكبرُ شاهدٍ على ذلك...
وبهذا المناسبة أقول: إنَّي أنصح كل من أراد أنْ يرد عليَّ، أو على غيري، ويبيِّن لي ما يكون قد زلَّ بهِ قلمي، أو اشتط عن الصواب فكري، أن يكون رائده من الردِّ: النصح، والإرشاد، والتواصي بالحق، وليس البغضاء والحسد، فإنَّها المستأصلة للدِّين).
وقال بحق شخص ألَّف عدة كتب في الرد عليه في كتاب سماه (”تناقضاتُ الألباني الواضحات فيما وقع له في تصحيح الأحاديث وتضعيفها من أخطاء وغلطات) في: ”سلسلة الأحاديث الصحيحة” (1/15):
(ثانياً: ليس لـ: "تناقضاته" أية قيمة علمية تذكر؛ لأنَّه إذا كان مصيباً في شيء مما ادعاه من التناقض؛ فذلك لا يعني أكثر من أنَّ الألباني بشر يخطئ كما يخطئ غيره؛ فلا فائدة للقراء من بيانها، ولا سيما أنَّ الألباني نفسه يعلن ذلك كلما جاءت المناسبة؛ كما تقدم ويأتي.
ثالثاً: أنَّ الذي يفيد القُرَّاء إنَّما هو بيان الصحيح من تلك التناقضات المزعومة، وذلك مِمَّا لم يفعلْ؛ لأنَّ غرضه إرواء غيظ قلبه بالتشهير بالألباني، ورفع الثقة بعلمه، وصرف القُرَّاء عن الاستفادة منه [مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ] [آل عمران: 119]، وليس غرضه النصح لقرائه، ولو أنَّه فعل؛ لكشف للناس عن جهله، وبعده عن التحقيق العلمي...)أ.هـ
وربما يقف الشيخ على سنن مذكورة في النصوص ويحاول نشرها والتعريف بها لكي يُعمل بها ويبذل لذلك الجهد الكبير في التخريج والبحث والمناقشة مع المحدثين والفقهاء. وربما ألَّف كتاباً خاصاً بالتعريف بتلك السنة التي وجدها إن كان يرى أنها ما يستحق أن ينتشر ويعمل بها لأن (هجر ما وردت به السنة وملازمة غيره، قد يفضي إلى أن يجعل السنة بدعة)[الفتاوى: 22/66].
مثل: تعريفه بخطبة الحاجة، والصلاة في المساجد التي على القبور كما هو معلوم من مؤلفات الشيخ يرحمه الله .
ومن هذه السنن : موضوع البحث (رفع اليدين في الجلوس بين السجدتين).
ويبدو أن ما شجعه على نشرها: كثرة طرق الأحاديث التي فيها هذه المسألة وتشعّبها بل قد يظن الناظر غير المطلع أن هذه المسألة هي من قبيل المتواتر لتوارد الألفاظ في كثير من الروايات على ذكرها -كما سيأتي-.



المبحث الثاني



نَصُّ كَلامِ الشيخ في المسألة

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في كتاب صفة الصلاة في "الرفع من السجود" ص 151: (...و"كان يرفع يديه مع هذا التكبير" أحياناً).
وعلق على هذا الكلام في الهامش رقم (3) فقال: أحمد وأبو داود بسند صحيح، وبالرفع ههنا وعند كل تكبيرة قال أحمد، ففي "البدائع" لابن القيم (4/89): "ونقل عنه الأثرم (الأصل: ابن الأثرم) وقد سئل عن رفع اليدين؟ فقال: في كل خفض ورفع، قال الأثرم: رأيت أبا عبد الله يرفع يديه في الصلاة في كل خفض ورفع". وبه قال ابن المنذر وأبو علي من الشافعية، وهو قول عن مالك والشافعي، كما في "طرح التثريب"، وصح الرفع هنا عن أنس وابن عمر ونافع وطاوس والحسن البصري وابن سيرين وأيوب السختياني كما في مصنف ابن أبي شيبة 1/106 بأسانيد صحيحة عنهم.
وقال في "الأذكار بين السجدتين" ص 154: وكان يصنع في هذه السجدة مثل ما صنع في الأولى... و"كان يرفع يديه" أحياناً.
وعلق على هذا الكلام بهامش رقم (6) فقال: أبو عوانة وأبو داود بسندين صحيحين، وقد قال بهذا الرفع: أحمد ومالك والشافعي في رواية عنهما، فانظر التعليق على الصفحة 151 رقم 3.
قال رحمه الله في كتاب أرواء الغليل تخريج منار السبيل فقرة 351 بعد أن ذكر طرق حديث ومن أخرجه:
"زاد النسائي: "وإذا رفع من السجود فعل مثل ذلك" وسنده صحيح.أ.هـ ثم قال: وقال الحافظ في الفتح 2/185 بعد أن ساقه من طريق النسائي: "وهو أصح ما وقفت عليه من الأحاديث في الرفع في السجود".
بين الشيخ والحافظ ابن حجر رحمهما الله تعالى.
هذا نص كلام الحافظ وهو في تخريج حديث البخاري وأنه اختلف فيه بين سالم ونافع عن ابن عمر رضي الله عنهما في وقفه ورفعه:
قال أبو داود: رواه الثقفي يعني عبد الوهاب عن عبيد الله فلم يرفعه. وهو الصحيح، وكذا رواه الليث ابن سعد وابن جريج ومالك يعني عن نافع موقوفاً.
وحكى الدارقطني في العلل الاختلاف في وقفه ورفعه وقال الأشبه بالصواب قول عبد الأعلى
وحكى الإسماعيلي عن بعض مشايخه أنه أومأ إلى أن عبد الأعلى أخطأ في رفعه
قال الإسماعيلي وخالفه عبد الله ابن إدريس وعبد الوهاب الثقفي والمعتمر يعني عن عبيد الله فرووه موقوفا عن ابن عمر.
قلت وقفه معتمر وعبد الوهاب عن عبيد الله عن نافع كما قال.
لكن رفعاه عن عبيد الله عن الزهري عن سالم عن ابن عمر.
أخرجهما البخاري في جزء رفع اليدين وفيها الزيادة.
وقد توبع نافع على ذلك عن ابن عمر وهو فيما رواه أبو داود وصححه البخاري في الجزء المذكور من طرق محارب بن دثار عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الركعتين كبر ورفع يديه.
وله شواهد منها حديث أبي حميد الساعدي وحديث على ابن أبي طالب أخرجهما أبو داود وصححهما ابن خزيمة وابن حبان.
وقال البخاري في الجزء المذكور ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيه وإنما زاد بعضهم على بعض والزيادة مقبولة من أهل العلم.
وقال ابن بطال: هذه زيادة يجب قبولها لمن يقول بالرفع.
وقال الخطابي: لم يقل به الشافعي وهو لازم على أصله في قبول الزيادة.
وقال ابن خزيمة: هو سنة وإن لم يذكره الشافعي فالإسناد صحيح وقد قال: قولوا بالسنة ودعوا قولي.
وقال ابن دقيق العيد قياس نظر الشافعي أنه يستحب الرفع فيه لأنه أثبت الرفع عند الركوع والرفع منه لكونه زائدا على من اقتصر عليه عند الافتتاح والحجة في الموضعين واحدة (وأول راض سيرة من يسيرها).
قال والصواب إثباته، وأما كونه مذهباً للشافعي لكونه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ففيه نظر انتهى.
ووجه النظر أن محل العمل بهذه الوصية ما إذا عُرِفَ أن الحديث لم يطلع عليه الشافعي أما إذا عرف أنه اطلع عليه ورده أو تأوله بوجه من الوجوه فلا والأمر هنا محتمل.
واستنبط البيهقي من كلام الشافعي أنه يقول به لقوله في حديث أبي حميد المشتمل على هذه السنة وغيرها: وبهذا نقول.
وأطلق النووي في الروضة أن الشافعي نص عليه لكن الذي رأيت في الأم خلاف ذلك فقال في (باب رفع اليدين في التكبير في الصلاة) بعد أن أورد حديث ابن عمر من طريق سالم وتكلم عليه: (ولا نأمره أن يرفع يديه في شيء من الذكر في الصلاة التي لها ركوع وسجود إلا في هذه المواضع الثلاثة).
وأما ما وقع في أواخر البويطي: يرفع يديه في كل خفض ورفع فيحمل الخفض على الركوع والرفع على الاعتدال وإلا فحمله على ظاهره يقتضى استحبابه في السجود أيضاً وهو خلاف ما عليه الجمهور وقد نفاه ابن عمر.
وأغرب الشيخ أبو حامد في تعليقه فنقل الإجماع على أنه لا يشرع الرفع في غير المواطن الثلاثة.
وتعقب بصحة ذلك عن ابن عمر وابن عباس وطاووس ونافع وعطاء كما أخرجه عبد الرزاق وغيره عنهم بأسانيد قوية.
وقد قال به من الشافعية: ابن خزيمة وابن المنذر وأبو على الطبري والبيهقي والبغوي.
وحكاه ابن خويز منداد عن مالك وهو شاذ.
وأصح ما وقفت عليه من الأحاديث في الرفع في السجود ما رواه النسائي من رواية سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن نصر ابن عاصم عن مالك ابن الحويرث أنه رأى رسول الله يرفع يديه في صلاته إذا ركع وإذا رفع رأسه من ركوعه وإذا سجد وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذى بهما فروع أذنيه.
وقد أخرج مسلم بهذا الإسناد طرفه الأخير كما ذكرناه في أول الباب الذي قبل هذا ولم ينفرد به سعيد فقد تابعه همام عن قتادة عند أبي عوانة في صحيحه وفي الباب عن جماعة من الصحابة،
ولا يخلو شيء منها عن مقال) أ.هـ كلام الحافظ.

الناظر في كلام الحافظ رحمه الله يرى الأمور الآتية:
1- نفيه نسبة هذا القول لبعض المذاهب التي ذكرها.
2- قوله أن جمهور الفقهاء على خلاف رفع اليدين في السجود.
3- حكمه بالضعف على الأحاديث المخالفة لحديث ابن عمر رضي الله عنه الذي سنذكره: (وأصح ما وقفت عليه من الأحاديث في الرفع في السجود ما رواه النسائي... وفي الباب عن جماعة من الصحابة، ولا يخلو شيء منها عن مقال).
وهذا كله يخالف ما ذهب إليه الشيخ الألباني في إثبات هذه السنة، بل أعيد ما نقله الشيخ: وقال الحافظ في الفتح 2/185 بعد أن ساقه من طريق النسائي: "وهو أصح ما وقفت عليه من الأحاديث في الرفع في السجود"!، فكيف العمل؟.
فأقول: إن الشيخ فعل ذلك للأسباب الآتية:
1- كما قلت عن منهج الشيخ أنه يحاول نشر السنة التي يجدها، ويدافع عنه.
2- حكم الحافظ على الأحاديث إجمالي أما الشيخ فحكمه تفصيلي لأنه خرّج الأحاديث ووجد لكل طريق تقريباً متابعاً أو شاهداً فصحح المجموع منها.
وسيأتي مناقشة ذلك كله فيما يأتي إن شاء الله تعالى.



المبحث الثالث



الأحاديث التي أوردها الشيخ ونقْل الحكم عليها من كلامه

أولاً: الأحاديث التي احتج بها الشيخ() على أن النبي كان يرفع يديه في السجود أحياناً:
أولا: حديث أنس بن مالك: (أن رسول الله يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع) وزاد في الموضع الآخر: (وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد)
قال الشيخ الألباني: أخرجه ابن ماجه(1/284) والبخاري (6) والدارقطني (108).
وقال في الرواية التي فيها الزيادة: رواه الدارقطني وابن حزم 4/92 والضياء المقدسي.
قال الشيخ أن الهيثمي قال رجاله رجال الصحيح، وأن العلامة أحمد شاكر قال (إسناده صحيح جدا) وهو كما قال لولا أن الدارقطني أعلَّه بالوقف وصوَّب الطحاوي أنه موقوف. انتهى
تنبيه:
1- أما قول الهيثمي فقال في مجمع الزوائد (2/270) (قلت : رواه ابن ماجة خلا قوله : والسجود، رواه أبو يعلى ورجاله رجال صحيح)
2- وأما قول الشيخ الألباني (والبخاري) أي في (جزء رفع اليدين).
ثانياً: حديث عبد الله بن عباس: ((عن النضْر بن كَثِيرٍ قَالَ صَلَّى إِلَى جَنْبِي عَبْد اللَّهِ بْنُ طاوس في مسجد الخيف فكان إذا سجد السجدة الأولى فرفع رأسه منها رفع يديه تلقاء وجهه فأنكرتُ ذلك، فقلت لوهيب بن خالد، فقال له وهيب بن خالد: تصنع شيئاً لم أر أحداً يصنعه؟! فقال ابن طاوس: رأيت يصنعه، وقال أبي رأيت ابن عباس يصنعه، ولا أعلم إلا أنه قال كان النبي يصنعه.
قال الشيخ الألباني: رواه أبو داود 1/188 والنسائي 1/172 والسياق له، وعنه الدولابي في الكنى 1/198 وابن حزم 4/94.
قال عنه الشيخ الألباني أن رجاله ثقات غير النضر بن كثير أبي سهل فهو ضعيف، وتابعه عمر بن رياح عن ابن ماجه1/284 مختصراً، وهو أضعف منه. انتهى
تنبيه: انظر العبارة التي تحتها خط.
ثالثاً: حديث عبد الله بن عمر: (((أن النبي كان يرفع يديه عند التكبير للركوع وعند التكبير حين يهوي ساجداً))
نقل الشيخ: قال (الهيثمي رواه الطبراني في (الأوسط) وإسناده صحيح). قال ورواه ابن حزم 4/93 .
قال عنه الشيخ الألباني أنه موقوف وأن فيه عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف الحفظ. انتهى
تنبيه: قول الهيثمي هو: مجمع الزوائد(2/271): رواه الطبراني في الأوسط وهو في الصحيح خلا التكبير للسجود وإسناده صحيح. انتهى
قال البخاري في جزء رفع اليدين:
((75 - حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر، أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة ، وإذا ركع ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، وإذا قام من الركعتين يرفعهما.
وعن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر عن النبي مثله
76 - وزاد وكيع عن العمري عن نافع عن ابن عمر عن النبي « أنه كان يرفع يديه إذا ركع ، وإذا سجد » قال البخاري : «والمحفوظ ما روى عبيد الله وأيوب ومالك وابن جريج والليث وعدة من أهل الحجاز وأهل العراق عن نافع عن ابن عمر » في رفع الأيدي عند الركوع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ولو صح حديث العمري عن نافع عن ابن عمر لم يكن مخالفا للأول لأن أولئك قالوا : إذا رفع رأسه من الركوع فلو ثبت استعملنا كليهما ، وليس هذا من الخلاف الذي يخالف بعضهم بعضا لأن هذه زيادة في الفعل ، والزيادة مقبولة إذا ثبتت)).
فانظر إلى كلمات البخاري «المحفوظ» و«ولو صحَّ» و«لم يكن مخالفاً» و«فلو ثبت» و«الزيادة مقبولة إذا ثبتت».
وهذه كلها في تعليقه على حديث واحد، والمعروف أن البخاري رحمه الله لطيف العبارة في الأحكام فلم يقل (الحديث شاذ) بل قال أن المحفوظ خلافه!، وأشار إلى أن الزيادة فيه (غير ثابتة) لأنها مخالفة، ثم قال: «فلو ثبت استعملنا كليهما» يعني أن (لا بد من طرح إحدى الروايتين لأنه لا يمكن العمل بهما معاً فإحداهما مقبولة مستعملة والثانية مردودة مهملة).
رابعاً: حديث مالك بن الحويرث: (أنه رأى النبي رفع يديه في صلاته وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود حتى يحاذي بهما فروع أذنيه).
قال الشيخ الألباني: أخرجه النسائي (1/165) وأبو عوانة (2/94) وعنه ابن حزم في المحلى(4/92) وأحمد في المسند(3/436 و437 و5/53)
قال الشيخ: (وهذا سند على شرط مسلم) ثم نقل كلام الحافظ الذي ناقشناه فارجع إليه.
تنبيه: الحديث الذي رواه الإمام النسائي: عن محمد بن المثنى قال حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي رفع يديه في صلاته وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا سعيد عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي رفع يديه فذكر مثله.
أخبرنا محمد بن المثنى قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث أن نبي الله كان إذا دخل في الصلاة فذكر نحوه، وزاد فيه: وإذا ركع فعل مثل ذلك وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك. انتهى
فقوله (وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود) لم يرد إلا في رواية النسائي من طريقين:
(1) شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم به.
(2) معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه عن قتادة به.
والذي رواه الإمام مسلم: حدثني أبو كامل الجحدري حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث أن رسول الله كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه وإذا رفع رأسه من الركوع فقال سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك.
وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة بهذا الإسناد أنه رأى نبي الله وقال حتى يحاذي بهما فروع أذنيه. انتهى
فالقدر الذي احتج به مسلم هو في المواضع المذكورة فقط.
إما احتجاجه بالرواية الأخرى فهي في إثبات حد الرفع وهو (فرع الأذنين).
إما في الرفع السجود فقد روى الإمام مسلم حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال: رأيت رسول الله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه. وقبل أن يركع. وإذا رفع من الركوع. ولا يرفعهما بين السجدتين.
وكذلك حديثه: "كان رسول الله، إذا قام للصلاة، رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه. ثم كبر. فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك. وإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك. ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود".
وهذا الحديث الذي رواه النسائي رواته ثقات من رواة الصحيح لكن وقعت المخالفة فيه لغيرهم، فهذا هو الحديث الذي يقال عنه أنه حديث شاذ.
قال الشيخ في مقدمة تمام المنة:
القاعدة الأولى: رد الحديث الشاذ اعلم أن من شروط الحديث الصحيح أن لا يكون شاذاً، فإن تعريف الحديث الصحيح عند المحدثين: "هو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً، ففي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل والمنقطع والشاذ، وما فيه علة قادحة ممن في روايته نوع جرح[مقدمة ابن الصلاح (ص8)].
والحديث الشاذ: ما رواه الثقة المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه، على ما هو المعتمد عند المحدثين ["شرح النخبة" لابن حجر، (ص13-14)]، وأوضح ذلك ابن الصلاح في "المقدمة"، فقال ص (86): "إذا انفرد الراوي بشيء نُظِرَ فيه، فإن كان مما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ أو أضبط، كان ما انفرد به شاذاً مردوداً، وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما رواه هو ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المنفر؛د فإن كان عدلاً حافظا موثوقاً في إتقانه وضبطه، قبل ما انفرد به، ولم يقدح الإنفراد به، وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه بذلك الذي انفرد به كان انفراده خارماً له مزحزحاً له عن حيز الصحيح. ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال، فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده، استحسنَّا حديثَه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف، وإن كان بعيداً من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر...".
والشذوذ يكون في السند، ويكون في المتن، أ.هـ كلامه رحمه الله
خامساً: حديث وائل بن حجر:
قال الشيخ الألباني: (قال حصين بن عبد الرحمن: دخلنا على إبراهيم، فحدثه عمرو بن مرة قال: صلينا في مسجد الحضرميين، فحدثني علقمة بن وائل عن أبيه: أن رأى رسول الله يرفع يديه حين يفتتح الصلاة وإذا ركع وإذا سجد.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم أخرجه الدارقطني(109) وله طريق ثان: قال شعبة: أخبرني عمرو بن مرة قال: سمعت ابا البختري يحدث عن عبد الرحمن اليحصبي عن وائل الحضرمي: أن صلى مع النبي فكان يكبر إذا خفض وإذا رفع ويرفع يديه عن التكبير.
وهذا سند حسن رجال رجال الستة غير عبد الرحمن اليحصبي وقد روى عنه ثقتان ووثقه ابن حبان.
أخرجه الدارمي(1/285) والطيالسي(137) وأحمد(4/316). وهو يفيد التكبير مع كل تكبيرة.
وقد صرح بذلك في رواية لأحمد (3/317) من طريق ثالث: عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه، ورجال موثقون لكنه منقطع.
وقد وصله أبو داود لكن ليس فيه التصريح بالرفع عند السجود بل فيه التصريح بالرفع عند الرفع منه). انتهى
تنبيه: قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال حدثنا محمد بن جحادة حدثني عبد الجبار ابن وائل بن حجر قال كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي قال فحدثني وائل بن علقمة عن أبي وائل بن حجر قال صليت مع رسول الله فكان إذا كبر رفع يديه قال ثم التحف ثم أخذ شماله بيمينه وأدخل يديه في ثوبه قال فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه ثم سجد ووضع وجهه بين كفيه وإذا رفع رأسه من السجود أيضا رفع يديه حتى فرغ من صلاته.
قال محمد[يعني ابن جحادة]: فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن فقال هي صلاة رسول الله فعله من فعله وتركه من تركه. قال أبو داود: روى هذا الحديث همام عن ابن جحادة لم يذكر الرفع مع الرفع من السجود. انتهى
فهذا نص من الإمام أبي داود أن عبد الوارث بن سعيد خالف هماماً فذكر الرفع في السجود وكلاهما يرويان الحديث عن محمد جحادة!.
قال الشيخ في مقدمة تمام المنة:
القاعدة السادسة: قولهم : رجاله رجال الصحيح، ليس تصحيحاً للحديث
علمت من القاعدة الأولى تعريف الحديث الصحيح، وأن من شروطه أن يسلم من العلل التي بعضها الشذوذ والاضطراب والتدليس كما تقدم بيانه، وعليه فقول بعض المحدثين في حديث ما : "رجاله رجال الصحيح" أو: "رجاله ثقات" أو نحو ذلك لا يساوي قوله : "إسناده صحيح" فإن هذا يثبت وجود جميع شروط (الصحة التي منها السلامة من العلل، بخلاف القول الأول، فإنه لا يثبتها، وإنما يثبت شرطاً واحداً فقط وهو عدالة الرجال وثقتهم وبهذا لا تثبت الصحة كما لا يخفى.
وثمة ملاحظة أخرى، وهي : أنه قد يسلم الحديث المقول فيه ذلك القول من تلك العلل ومع ذلك فلا يكون صحيحاً، لأنه قد يكون في السند رجل من رجال الصحيح ولكن لم يحتج به، وإنما أخرج له استشهاداً أو مقروناً بغيره لضعف في حفظه، أو يكون ممن تفرد بتوثيقه ابن حبان، وكثيراً ما يشير بعض المحققين إلى ذلك بقوله: "ورجاله موثقون" إشارة إلى أن في توثيق بعضهم ليناً، فهذا كله يمنع من أن تفهم الصحة من لهولهم الذي ذكرنا.
والمؤلف[يعني رحمه الله السيد سابق] كأنه لم ينتبه لهذا كله، فجرى في كثير من الأحاديث على تصحيحها لمجرد قول البعض فيها ذلك القول، وسنرى في تضاعيف التعليق التنبيه على ذلك .
ثم زدت هذه القاعدة بيانا في مقدمة كتابي " صحيح الترغيب والترهيب " ( ص 39 - 46 ) فراجعه فإنه مهم. أهـ كلامه رحمه الله.
ثم قال رحمه الله:

القاعدة العاشرة: تقوية الحديث بكثرة الطرق ليس على إطلاقه
من المشهور عند أهل العلم أن الحديث إذا جاء من طرق متعددة فإنه يتقوى بها، ويصير حجة، وإن كان كل طريق منها على انفراده ضعيفاً، ولكن هذا ليس على إطلاقه، بل هو مقيد عند المحققين منهم بما إذا كان ضعف رواته في مختلف طرقه ناشئاً من سوء حفظهم، لا عن تهمة في صدقهم أو دينهم، وإلا فإنه لا يتقوى مهما كثرت طرقه، وهذا ما نقله المحقق المناوي في "فيض القدير" عن العلماء، قالوا: "وإذا قوي الضعف لا ينجبر بوروده من وجه آخر وإن كثرت طرقه، ومن ثم اتفقوا على ضعف حديث: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا" مع كثرة طرقه، لقوة ضعفه، وقصورها عن الجبر، خلاف ما خف ضعفه، ولم يقصر الجابر عن جبره، فإنه ينجبر ويعتضد". وراجع لهذا " قواعد التحديث "(ص90)، و"شرح النخبة" (ص25).
وعلى هذا فلا بد لمن يريد أن يقوي الحديث بكثرة طرقه أن يقف على رجال كل طريق منها حتى يتبين له مبلغ الضعف فيها، ومن المؤسف أن القليل جدا من العلماء من يفعل ذلك، ولا سيما المتأخرين منهم، فإنهم يذهبون إلى تقوية الحديث لمجرد نقلهم عن غيرهم أن له طرقاً دون أن يقفوا عليها، ويعرفوا ماهية ضعفها! والأمثلة على ذلك كثيرة، من ابتغاها وجدها في كتب التخريج، وبخاصة في كتابي "سلسلة الأحاديث الضعيفة". انتهى
هذه جميع الأحاديث التي ذكرها رحمه الله تعالى في إثبات هذه السنة، وتبين أن ما قاله الحافظ ابن حجر هو الصواب وهو أن كل طريق منها لا يخلو من مقال. وهي تعارض الأحاديث الصحيحة الآتية في نفي هذه الهيئة.


ثانياً: نفي حكم الرفع بين السجدتين:

روى الإمام البخاري في صحيحه: باب: رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه: أن رسول الله، كان يرفع يديه حذو منكبيه، إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا، وقال: (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد) وكان لا يفعل ذلك في السجود.
باب: رفع اليدين إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع: حدثنا محمد بن مقاتل قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا يونس، عن الزهري: أخبرني سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله إذا قام في الصلاة، رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع، ويقول: (سمع الله لمن حمده) ولا يفعل ذلك في السجود.
حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرنا سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي افتتح التكبير في الصلاة، فرفع يديه حين يكبر، حتى يجعلهما حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع فعل مثله، وإذا قال (سمع الله لمن حمده). فعل مثله، وقال: (ربنا ولك الحمد). ولا يفعل ذلك حين يسجد، ولاحين يرفع رأسه من السجود. انتهى
وبالرغم من كون الحديث في صحيح الإمام البخاري وفي أعلى درجات الصحة ولا يوجد حاجة في التوسع بتخريج الحديث من غيره إلا أني أقول أنه:
رواه الإمام مسلم في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وسعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب وابن نمير كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري، عن سالم، عن أبيه؛ وعن محمد بن رافع حدثنا عبدالرزاق. أخبرنا ابن جريج. حدثني ابن شهاب عن سالم بن عبدالله؛ أن ابن عمر... الحديث.
ورواه مالك في الموطأ عن الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر.
ورواه الإمام أحمد في مسنده عن إسماعيل بن إبراهيم عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه.
ورواه أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا سفيان، عن الزهري عن سالم، عن أبيه، وعن محمد بن المصفَّى الحمصي، ثنا بقية، ثنا الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن عبد اللّه بن عمر.
ورواه الترمذي قال: حدثنا قتيبة وابن أبي عمر قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه.
وعن الفضل بن الصباح البغدادي، حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا الزهري بهذا الإسناد نحو حديث ابن أبي عمر.
قال: وفي الباب عن عمر، وعلي، ووائل بن حجر، ومالك بن الحويرث، وأنس، وأبي هريرة، وأبي حميد، وأبي أسيد، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة، وأبي قتادة، وأبي موسى الأشعري، وجابر، وعمير الليثي.
قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح.
ورواه النسائي عن عمرو بن منصور قال حدثنا علي بن عياش قال حدثنا شعيب عن الزهري قال حدثني سالم (ح) وعن أحمد بن محمد بن المغيرة قال حدثنا عثمان هو ابن سعيد عن شعيب عن محمد وهو الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر وفي باب رفع اليدين قبل التكبير: عن سويد بن نصر قال أنبأنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري قال أخبرني سالم عن ابن عمر.
وبوب باباً فقال فيه: (ترك رفع اليدين عند السّجود): أخبرنا محمد بن عبيد الكوفي المحاربي قال حدثنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال كان رسول الله يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع وكان لا يفعل ذلك في السجود.
ورواه ابن ماجه في سننه باب رفع اليدين إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع عن سفيان عن الزهري عن سالم به.
ورواه ابن أبي شيبة عن سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه.
وابن حبان في صحيحه: أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا حبان بن موسى أخبرنا عبد الله بن المبارك عن مالك عن بن شهاب عن سالم عن ابن عمر.
وأبو يعلى في مسنده حدثنا أحمد بن الدورقي حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه
والبيهقي في سننه باب رفع اليدين في التكبير في الصلواة أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود الحسيني ثنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم ثنا سفيان عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال رأيت رسول الله يرفع يديه إذا افتتح الصلاة يحاذي بهما منكبيه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع ولا يفعل ذلك في السجود.
رواه مسلم في الصحيح: عن يحيى بن يحيى وغيره عن سفيان وأخرجه البخاري من وجوه أخر عن الزهري
وفي ذلك كفاية.



المبحث الرابع



نقل كلام العلماء في مسألة السنن غير المشتهرة، وعدم مشروعية العمل بها أو التلفيق بينها وبين سنن أخرى

قال الخطيب البغدادي في الكفاية ص 141: وأكثر طالبى الحديث في هذا الزمان يغلب على ارادتهم كتب الغريب دون المشهور وسماع المنكر دون المعروف والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من روايات المجروحين والضعفاء حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتنبا والثابت مصدوفا عنه مطرحا وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم ونقصان علمهم بالتمييز وزهدهم في تعلمه وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين والأعلام من اسلافنا الماضين وقد حدثت عن عبد العزيز بن جعفر قال انا أبو بكر الخلال قال انا على بن عثمان بن سعيد بن نفيل الحراني انه سمع أبا عبد الله يعنى احمد بن حنبل يقول شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها ولا يعتمد عليها.
قال ابن رجب في شرح علل الترمذي في فصل الغريب: هذا الذي ذكره الخطيب حق ،ونجد كثيراً ممن ينتسب إلى الحديث لا يعتني بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة وبمثل مسند البزار ، ومعاجم الطبراني ، أو أفراد الدار قطني ، وهي مجمع الغرائب والمناكير.
وقد فصل ابن رجب رحمه الله تعالى ومن قبله الإمام الترمذي رحمه الله تعالى أنه ليس كل الأحاديث يعمل بها بل أن هناك أحاديث صحيحة كثيرة لم يعمل بها العلماء وأهملها الفقهاء، ونقل مثلاً عن سفيان الثوري قوله: (قد جاءت أحاديث لا يؤخذ بها) وقال أن البيهقي نقل عن عن ابن وهب قال: (لولا مالك بن أنس والليث بن سعد لهلكت، كنت أظن أن كل ما جاء عن النبي يعمل له) فراجعه فإنه نفيس جداً.
قال الشيخ بكر أبو زيد في مقدمةكتابه ((لا جديد في أحكام الصلاة)): (في المعاصرة بدت مفاهيم بين الواجب والمستحب في العبادات الظاهرة المتكررة والشعائر المعظمة لا عهد للعلماء بها منذ صدر الإسلام حتى عصرنا وإن تنَزلنا ففي بعضها قول مهجور على مدى القرون... وكان فيما بدا: أعمال وحركات وهيئات وصفات في ركن الإسلام العملي الأول بعد الشهادتين: الصلاة أبرزت المصلي في حال من "التكلف"... وفي حال من "التحفز"... وفي بعضها استدراك على أُمة محمد، وما الحامل على على هذه التنبيهات إلا المحبة للسنة وأهلها ودفع ما ليس منها عنهم وهنا، وهي تنبيهات لا تنقص من أقدارهم ولا تحط من فضلهم في إحياء السنن والعمل بها)
قال الحافظ في فتح الباري (2/302(: السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف وإنما أخذ مجموعها عن مجموعهم.
قال الإمام الشاطبي في الموافقات وأكد على تحري الأعم الأغلب والأكثر والمداومة على ما هو مشهور وإن كان العمل على وفق الآخر لا حرج فيه، وقد حذَّر من ملازمة العمل النادر، فقال: (أما لو عمل بالقليل دائماً للزمه أمور:
أحدها: المخالفة للأولين في تركهم الدوام عليها، وفي مخالفة السلف الأولين ما فيها .
والثاني: استلزام ترك ما داوموا عليه، إذ الفرض أنهم داوموا على خلاف هذه الآثار، فإدامة العمل على موافقة ما لم يداوموا عليه مخالفة لما داوموا عليه.
والثالث: أن ذلك ذريعة إلى اندراس أعلام ما داوموا عليه واشتهار ما خالفه؛ إذ الاقتداء بالأفعال أبلغ من الاقتداء بالأقوال؛ فإذا وقع ذلك ممن يقتدى به كان أشد، فالحذر الحذر من مخالفة الأولين! ؛ فلو كان ثم فضل ما، لكان الأولون أحق به، والله المستعان) [الموافقات: 3/70-71].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقال (رحمه الله) في بيان آثار المداومة على ما لم يداوم عليه الرسول: (مبدأ المداومة على ذلك يورث اعتقاداً ومحبة غير مشروعين، ثم يخرج إلى المدح والذم، والأمر والنهي بغير حق، ثم يخرج ذلك إلى نوع من الموالاة والمعاداة غير المشروعين من جنس أخلاق الجاهلية كأخلاق الأوس والخزرج في الجاهلية.. ثم يخرج من ذلك إلى العطاء والمنع... من غير استحقاق شرعي... ثم يخرج من ذلك إلى الحرب والقتال، كما وقع في بعض أرض المشرق، ومبدأ ذلك: تفضيل ما لم تفضله الشريعة والمداومة عليه، وإن لم يعتقد فضله سبباً لاتخاذه فاضلاً اعتقاداً وإرادة: فتكون المداومة على ذلك: إما منهيّاً عنها وإما مفضولة، والتنوع في المشروع بحسب ما تنوع فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أفضل وأكمل)[مجموع الفتاوى: 24/249-251].



الخاتمة

قد تبين مما سبق لمن أنصف وقرأ بعناية؛ انه لا ينبغي أن يرفع المصلي يده في الجلوس وذلك عملاً بالأحاديث الصحيحة الواردة في نفي ذلك عن النبي وورود نفي ذلك عن الصحابة الذين هم أشد عناية بمثل هذه المسائل من أي شخص مهما كان ادعائه متابعة سنن الصلاة الواردة عنه، وكذلك تبين ضعف الأحاديث التي تبيح هذه الهيئة وعدم نهوضها فضلاً عن جواز تقديمها على الأحاديث النافية.
هذا وإني بحمد الله تعالى أروي عن الشيخ أبي خالد وليد بن إدريس بن عبدالعزيز السلمي المنيسي الاسكندري الحنبلي عن الشيخ عاصم بن عبدالله القريوتي عن الشيخ ناصر الدين محمد الألباني رحمه الله تعالى الرحمة الواسعة.
وصلى الله تعالى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وعلى التابعين وتابعيهم ومن تبعهم إلى يوم الدين.

كتبه
عبد الجبار بن رهیف البغدادی
حامدا مصلیا