المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإستصار للسادة الأحناف في تحقيق الإستحسان للغفيص



أهــل الحـديث
20-05-2014, 09:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هنا أطرب شيخي يوسف الغفيص و استطرد استطرادا بارعا في شرحه للورقات أنقل نصه بحروفه من تفريعي لتعم الفائدة و هو في ظني أحسن فقه لمسائل الاستحسان و غيرها مما ينبغي أن يعتبرها كل طالب علم قال حفظه الله و جزاك عن المسلمين خير الجزاء:
الجدل أو الخلاف متجه إلى التحرير قبل لأن يقال في الحكم حتى لا تقع المعاني في الإثبات و النفي على أوجه مختلفة فيكون المثبت لا يريد ما أراده النافي و إذا كان كذلك ما تحرر أن الخلاف خلاف على الحقيقة و لا يتحرر أن الخلاف خلاف على الحقيقة إلا إذا ثبت أن المعنى بين المثبت و النافي معنى واحدا و هذا أثبته و هذا نفاه و إلا فإذا كان الإستراك بينهما إنما هو في الإسم فما عاد الخلاف خلافا . و لهذا اختلف في تحرير المصلحة المرسلة و في تحرير الإستحسان و الإستصحاب و أخذوا من أقوال أئمتهم الحمل على المعنى الإصطلاحي فتوسعوا في ذلك و بعض أصحاب أحمد لما وجدوا أحمد لما وجدوا أحمد يقول : أستحسن عند دخول الحمام كذا.. أو في أرض السواد كذا... قالوا بأنه يقول بدليل الإستحسان الذي معناه العدول عن دليل إلى دليل و جعلوا أن للإستحسان مشرّع عند مشبتته بالنص لقول الله : (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) و هذا بعيد لأن المقصود بالذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أي : يحقّقون العمل. لأن القول في الآية هو القول الشرعي الذي هو محي الله أو كتاب الله ف :(الذين يستمعون القول ) و ما قال تعالى : يسمعون. فهو في سياق إيمانهم (فيتبعون أحسنه) فاستماعهم القول تحقيق العلم و لهذا لم يقل : يسمعون. فذكر فعلهم بقول :(يستمعون القول) أي من الله فيما أنزله أو من النبي فيما يقوله (فيتبعون أحسنه) و اتباع أحسنه إذا طابق العلم العمل أو تبع العلم العمل فتبع العلم العمل و قال الإمام البخاري : باب العلم قبل القول و العمل. فليس المقصود بالذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه انهم يسمعون الكلام من كلام الله تعالى أو نبيه أنهم يختارون من القول و ينتخبون منه. فهذا المعنى لا يصح حمل الآية عليه و :(فيتبعون أحسنه) أي يحققونه و لهذا تقول : أبو بكر استمع القول فاتبع أحسنه. و قد يأخذ القران و يستمعه من لا يتبع أحسنه لكون مقتصدا فيه , و قد يسمع القران و يستمعه من لا يتبع أحسنه فيكون ظالما لنفسه . كما قال الله تعالى : (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) فهؤلاء أخذوا القول لكن لما جاء تحقي قالعمل قال : (فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات) فالآية لا يدل على تشريع دليل الإستحسان بهذه الطريقة إنما المراد أنهم يحققون العمل لا انهم ينتقلون من دليل إلى دليل إنما يقال :الإستحسان ثابت في الشريعة و أصله في اللغة معروف و كما صحّ القياس دون أن يكون حرفه في القران أو اسمه في القران فهذا لا مشاحة فيه من حيث هو إنما المهم هو التحرير لمادته.
و المذاهب فيه كما تعرف: الحنفية أعلى المذاهب في الإستحسان في إثباته , و الشافعية أقصر المذاهب في إثباته , و المالكية و الحنابلة بينهما و ما كان من التوسط عند المالكية و الحنابلة في الجملة وجيه لكن في بعض معاني الحنفية من الإمتياز و التحقيق ما يعلم به أن مذهب الحنفية أبلغ في التحقيق في هذا الأصل من مذهب الشافعية فهو نفس بالغ التحقيق في الفقه إذا انضبطت على أوجه مناسبة مع أن بعض علماء الحنفية توسعوا فيه حتى جعلوا من الإستحسان إذا عدل من المنسوخ إلى الناسخ سموا هذا العدول استحسانا قالوا : و إذا عدل عن العام إلى الخاص سموا هذا العدول استحسانا . و هذا لا يتجه لأن العمل بالناسخ نسبته إلى نص الشريعة أقوى و أشرف من نسبته إلى اسم اسم الإستحسان (اسم اصطلاحي) فالذي يصلي إلى الكعبة و هو جميع المسلمون هل نقول أن هذا عمل منهم بدليل الإستحسان؟ لا بل هذا عمل بالنص (فول وجهك شطر المسجد الحرام) و إن كان قد عدل عن الصلاة إلى البيت المقدس فليس أو نسخ أو انتقال من العموم إلى الخصوص نسميه استحسانا إنما الإستحسان عند التحقيق عند علماء الحنفية هو : عدول المجتهد عن دليل إلى دليل آخر. و بعضهم يقول دليل انقدح في نفسه. و ذهذا التعبير من بعض نظار الحنفية و فقهائهم هو الذي أثار كثير من الشافعية عليه و جعل بعضهم يقول إن هذا من القول بالهوى و القول بالهوى باطل في الشريعة . و هذا تجوّز في العبارة حتى قا لبعضهم : لا يمكن التعبير عنه. فنقول لا يمكن التعبير عنه أي لا يمكن أن يعيّنه و إلا فالمعاني التي ذكرها علماء الحنفية في الإستحسان معان وجيهة في الإستدلال و كأنه لا ينفك -فقيه حتى فقهاء الشافعية و لا سيما المحققون منهم- عن استعماله و إن كانوا لا يسمونه استحسانا لكن هذا لا يقود إلى أن الخلاف لفظي بينهما فلا شك أن في التطبيقات الشافعية تتحاشى مادة الإستحسان و الحنفية تبتغي مادة الإستحسان في تطبيقها فهذا يثبت به ما سبق تحريره من أن قدر من الخلاف لفظي و لكن الخلاف ليس على إطلاقه لفظي بل له جوهر و له حقيقة و من فقه دليل الإستحسان فهذا من دقيق الفقه فهو , و الفقه لقاعدة المصلحة المرسلة لكن فقهه فقه دقيق و بقدر ما هي مفيدة في فقه الفقيه إلا أن من لم يدرك فققها من حيث التصور الأصولي دقيق و حسن التطبيق توقعه في كثير من التوهم فيتوهم أن هذا من باب العمل بالإستحسان و هو ليس كذلك و قد ذكرنا في دروس الفقه له مثالا كما ذكر المصنف : سؤر سباع البهائم و الطير. فكما أن الحنفية قالوا سؤر السباع البهائم كالنمر والأسد نجس , و قالوا أن سؤر النسر و الطير طاهر و فرّقت الحنفية بين هذا و هذا مع أنه كله سؤر قالوا: عملا بدليل الإستحسان. و هو عدول عن قياس جلي إلى قياس خفي لو قدّر جردا ما صح العدول إليه لكن يحيط بالمجتهد من الأوصاف و القرائن ما يجعل الثاني الذي يكون عند تقديره مجردا أدنى رتبة بهذا الذي احتف به أعلى رتبة و هذا إذا نظرت إليها على هذا التقدير وجدت أنه هو من تحقيق فقه الشريعة لأنك تعلم أن الشريعة ليست قانونا وضعيا و ليست قانونا رياضيا فلا تقول أنك إذا نظرت في دليل أنك لا تنظر في الدليل الآخر بل حتى في النصوص التي هي أبلغ في الإستنباط :يجب النظر في النصوص كافّة , بل لو وجدت الحكم مسماة في القران تنظر في السنة فإن السنة قد تكون مقيّدة أو مخصصة أو مبينة لدرجة الأمر أهو للوجوب أو الإستحباب , و قد يذكر في القران مقام دون المقام الثاني مثلما في قوله تعالى : (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) فبعضهم قال أنه المبيت بمزدلفة فإذا مسرته بالمبيت بمزدلفة لم يرد الإشكال من وجه لأن الآية فيه ترتيب للأحكام و الواجبات لكن من قال أن (فاذكروا الله عند المشعر الحرام)هو ذكر الله الذي يكون بعد صلاة الفجر لأن النبي صلى الفجر ثم جلس يذكر الله فإنه أول ما وصل إلى مزدلفة نام ثم صلى الفجر بغلس و ذكر الله إلى أن أسفر جدا ثم دفع قبل أن تطلع الشمس فمن حمل الذكر في الآية على هذا الثاني فإنما هو مستحب فخوب به في الآية و بعد الإفاضة من عرفات فدلت السنة على أن ذلك على سبيل الإستحباب و هو الذي قال به العامة لا كما قال ابن حزم لما أخذ فيما سماه بظاهر الآية لأن الآية ترتب أعمال النسك الواجبة. فهذا ليس كذلك فهو إما أن يحمل على المبيت بمزدلفة و هو من ذكر الله و تمام هذا الذكر أن يصلي الفجر في المزدلفة و يذكر الله بعد الصلاة فهذا داخل في ذكر الله . و إذا حمل على التالي قيل : الآية فيها التفات إلى التنبيه على الكمال فإن الكمال في مزدلفة ان يصل بمبيته إلى أن يذكر الهل بعد صلاة الفج عند المشعر الحرام بمزدلفة و مزدلفة كلها من المشعر الحرام. فالمقصود أنك إذا نظرت القران و مثله -كما سبقت الإشارة إليه (و إذا ضربتم في الأأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) و مع ذلك لما نظرنا السنة وجدنا أن القصر ليس من شرطه الخوف فإذا كان ينظر في الأدلة النصية مع أن النص تفصل في الحكم في الأصل لكن ينظر في الأدلة الاخرى ن الكتاب و السنة و يجمع الآية إلى غيرها من الآيات و السنة إلى غيرها من السنن و الآية إلى السنة و هكذا..فمن باب أولى أن يقارن بين الدلالات التي هي استنباط فإذا كان النص قد لا يكون متمما الحكم إلا إذا ضم إليه دلالة النصوص الأخرى المتممة لدلالته أو المفسر لدلالته فكذلكم إذا كان في باب الإستنباط فهو أولى فليس إذا وقفت على قياس جلي و دونه قياس أقل منه تقول أقدر الجلي و أدع الثاني و أنت لم تحط بأن هذه المسألة يقوي القياس الأدنى فيها أنه يتصل بالمصلحة المرسلة أو بمقاصد الشريعة أو الإستصحاب أو بقرائن من دلالات الألفاظ و غير دلالات الألفاظ يجعل هذا الثاني الذي هو أدنى أعلى. فهو حقيقة فيه فقه و لكثرة ممارسة علماء الحنفية لمسائل الرأي و تحرير الإستنباط و سعة فهممه لديل القياس تحصّل عندهم هذا التنوّع في دليل القياس الذي سموه استحسانا فإن جوهر دليل الإستحسان عند الحنفية في صور من أخصها :العدول عن قياس جلي إلى قياس دونه لموجب أي أنه يحيط بالقياس الثاني ما يجعله في هذا الإستدلال المعين أقوى.