المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرد على شبهات حول الإمام البخاري



أهــل الحـديث
20-05-2014, 12:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
والصَّلاةُ والسَّلامُ على أَشْرَفِ الأنبياءِ والمُرسَلِينَ سيِّدنِا وَإِمَامِنا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الوَعدِ الأمِينِ وَعَلَى آلهِ وَصَحبِه أَجمَعِينَ وَرَضِيَ اللهُ تَعالَى عَن صَحَابَتِه الكِرَامِ المُهتَدِينَ سَيِّدنَا أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ وَعُثمَانَ وَعَليٍ وَعَن سَائِرِ الصَّحَابةِ أَجمَعِينَ
أمَّا بَعدُ:

- ادعاء أن البخاري كان جبريا
- اتهام البخاري بالتعصب والانتصار للمهدوية
- اتهام البخاري بقصر نظره في نقد الحديث
- ادعاء أن البخاري كان يصرف الأحاديث عن حقيقتها
- ادعاء أن فارسية البخاري أعاقت تمكنه في الحديث
http://www.bayanelislam.net



ادعاء أن البخاري كان جبريا (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض الطاعنين أن الإمام البخاري كان جبريا[1].
ويستدلون على هذا بما أورده في صحيحه "الجامع" من تفسير قوله تعالى:)وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)( (الذاريات)، حيث قال: "ما خلقت أهل السعادة إلا ليوحدوني". زاعمين أن هذا القول يدل على الجبر، والجبر يستلزم الكفر.
ويرمون من وراء ذلك إلى الطعن في عقيدة الإمام البخاري.
وجه إبطال الشبهة:
إن عقيدة أهل السنة والجماعة تقوم على نفي الجبر، وما قرره الإمام البخاري في صحيحه عند تفسير هذه الآية، هو ما قرره المفسرون من أهل السنة والجماعة في كتبهم، وهو نفي الجبر عن أفعال العباد، وتقرير مبدأ أهل السنة في ذلك، كابن كثير، والقرطبي، والبغوي، وغيرهم من المفسرين.
التفصيل:
عقيدة أهل السنة والجماعة في مسألة الجبر والاختيار:
إن موقف البخاري في مسألة الجبر والاختيار هو موقف أهل السنة والجماعة وهو موقف معروف، فقد سئل جعفر بن محمد الصادق رحمه الله: "العباد مجبورون؟ فقال: الله - عز وجل - أعدل من أن يجبر عبده على معصيته ثم يعذبه عليها. فقال له السائل: فهل أمرهم مفوض إليهم؟ فقال: الله أعز من أن يجوز في ملكه ما لا يريد. فقال له السائل: فكيف ذاك إذا؟ قال: أمر بين الأمرين، لا جبر ولا تفويض".
فأهل السنة والجماعة متفقون على "أن الله - عز وجل - عالم بكل ما هو كائن قبل كونه، ثم خلق الإنسان فجعل له عقلا يرشده، وقدرة يصح بها تكليفه، ثم طوى علمه السابق عن خلقه، وأمرهم ونهاهم، وأوجب عليهم الحجة من جهة الأمر والنهي الواقعين عليهم، لا من جهة علمه السابق فيهم، فهم يتصرفون بين مطيع وعاص وكلهم لا يعدو علمه السابق فيهم، وليست الأمور في علم الله إجبار على ما توهمه المجبرون، ولا تتم الاستطاعة على ما يهم به من الأمور إلا بأن يعينه الله عليه، فإن عصمه مما يهم به في المعصية كان فضلا، وإن وكله إلى نفسه كان عدلا، فإذا اعتبرت حال العبد من جهة الإضافة إلى علم الله السابق فيه، وجدته في صور المجبر، وإذا اعتبرت حاله من جهة الإضافة إلى الاستطاعة المخلوقة له، والأمر والنهي الواقعين عليه، وجدته في صورة المفوض، وليس هناك إجبار مطلق، ولا تفويض مطلق، إنما هو أمر بين أمرين وهذا ما أشار إليه أهل السنة في قولهم: إن العبد لا موثق ولا مطلق؛ ولأجل هذا الإشكال والدقة رأى المشيخة من أهل السنة وجلة العلماء الإمساك عن الكلام في ذلك وترك الخوض فيه"[2].
ومما يؤكد هذا الموقف أننا وجدنا معظم المحدثين ونقاد الحديث يؤكدون ذلك ويؤكدون على وجوب الإيمان بالقدر لذلك.
يقول الوزير اليماني: "رمي المحدثين بالجبر إغراب عظيم من مذهبهم أو تحامل شديد عليهم، فإن أهل الحديث فرقة غير الأشعرية... وممن نص على إثبات القدر ونفي الجبر: الخطابي في "معالم السنن" والثوري في شرح مسلم، وأبو السعادات ابن الأثير في "جامع الأصول" وغيرهم[3].
وقد أفرد الإمام البخاري لتلك المسألة كتابا سماه "القدر"، وكذلك الإمام مسلم وغيرهما من أئمة الحديث، يقول الإمام النووي عند شرحه أحاديث باب القدر: "وفي هذه الأحاديث كلها دلالات ظاهرة لمذهب أهل السنة في إثبات القدر، وأن جميع الواقعات بقضاء الله تعالى وقدره، خيرها وشرها، نفعها وضرها؛ قال تعالى: )لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (23)( (الأنبياء) فهو ملك لله تعالى، يفعل ما يشاء، ولا اعتراض على المالك في ملكه، ولأن الله تعالى لا علة لأفعاله...
وفي هذه الأحاديث أيضا: النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكل ميسر لما خلق له، لا يقدر على غيره، ومن كان من أهل السعادة يسره الله لعمل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة يسره الله لعملهم، كما قال:)فسنيسره لليسرى (7)( (الليل)، وقوله: )فسنيسره للعسرى (10)((الليل)، وكما صرحت بعض هذه الأحاديث" [4].
ويقول صاحب كتاب عون المعبود: "الإيمان بالقدر فرض لازم، وهو أن يعتقد أن الله تعالى خلق أعمال العباد خيرها وشرها، وكتبها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم، والكل بقضائه وقدره وإرادته ومشيئته، غير أنه يرضى الإيمان والطاعة ووعد عليهما الثواب، ولا يرضى الكفر والمعصية وأوعد عليهما العقاب، والقدر سر من أسرار الله تعالى، لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، ولا يجوز الخوض فيه والبحث عنه بطريق العقل، بل يجب أن يعتقد أن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم فرقتين، فرقة خلقهم للنعيم فضلا، وفرقة خلقهم للجحيم عدلا"[5]؛ لذلك روى ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم»[6].
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن ظن أن القدر حجة لأهل الذنوب فهو من جنس المشركين الذين قال الله تعالى عنهم: )سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا( (الأنعام: ١٤٨)، قال الله رادا عليهم: )كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون (148) قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين (149)( (الأنعام). ولو كان القدر حجة لأحد لم يعذب الله المكذبين للرسل كقوم نوح وعاد وثمود، والمؤتفكات، وقوم فرعون، ولم يأمر بإقامة الحدود على المعتدين ولا يحتج أحد بالقدر إلا إذا كان متبعا لهواه بغير هدى من الله، ومن رأى القدر حجة لأهل الذنوب يرفع عنهم الذم والعقاب، فعليه ألا يذم أحدا ولا يعاقبه إذا اعتدى عليه؛ بل يستوي عنده ما يوجب اللذة وما يوجب الألم، فلا يفرق بين من يفعل معه خيرا وبين من يفعل معه شرا، وهذا ممتنع طبعا وعقلا وشرعا" [7].
وقال ابن القيم: "وكذلك ما قدره حق قدره من قال: إنه يعاقب عبده على ما لا يفعله العبد ولا له عليه قدرة، ولا تأثير له فيه ألبتة، بل هو نفس فعل الرب جل جلاله، فيعاقب عبده على فعله هو سبحانه الذي جبر العبد عليه، وجبره على الفعل أعظم من إكراه المخلوق للمخلوق، وإذا كان من المستقر في الفطر والعقول أن السيد لو أكره عبده على فعل، أو ألجأه إليه، ثم عاقبه عليه لكان قبيحا، فأعدل العادلين، وأرحم الراحمين كيف يجبر العبد على فعل لا صنيع له فيه ولا تأثير، ولا هو واقع بإرادته، بل ولا هو فعله ألبتة، ثم يعاقبه عليه عقوبة الأبد؟! تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وقول هؤلاء شر من أقوال المجوس، والطائفتان ما قدروا الله حق قدره"[8]؛ لذلك أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغ عن ربه: «.... ياعبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»[9].
وبهذا يتبين لنا أن عقيدة أهل السنة هي ما قررناه من التوسط بين الجبر والاختيار، فالله تبارك وتعالى قدر منذ الأزل ما كتبه على ابن آدم، ثم أعطاه عقلا يختار به الطريق المستقيم إليه عن طريق الأوامر التي أمره بها والنواهي التي نهاه عنها، ولا شك أن البخاري، كان من أئمة أهل السنة والجماعة، وناقل سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وصاحب أصدق كتاب بعد كتاب الله عز وجل.
تأويل البخاري للآية هو ما اتفق عليه أهل السنة:
لقد نحا الإمام البخاري منحى أهل السنة والجماعة في مسألة الجبر، فقال في تفسير قوله تعالى: )وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)( (الذاريات): "ما خلقت أهل السعادة من أهل الفريقين إلا ليوحدون، وقال بعضهم: خلقهم ليفعلوا، ففعل بعض وترك بعض، وليس فيه حجة لأهل القدر"[10].
يقول ابن حجر تعليقا على هذا التفسير: "ما خلقت أهل السعادة من أهل الفريقين إلا ليوحدون، هو قول الفراء، ونصر بن قتيبة في "مشكل القرآن" له، وسبب الحمل على التخصيص وجود من لا يعبده، فلو حمل على ظاهره لوقع التنافي بين العلة والمعلول، وقوله: "وقال بعضهم: خلقهم ليفعلوا، ففعل بعض وترك بعض، وليس فيه حجة لأهل القدر"، هو كلام الفراء أيضا، وحاصل التأويلين أن الأول محمول على أن اللفظ عام مراد به الخصوص، وأن المراد: أهل السعادة من الجن والإنس، والثاني باق في عمومه لكن بمعنى الاستعداد، أي: خلقهم معدين لذلك، لكن منهم من أطاع ومنهم من عصى، وهو كقولهم: الإبل مخلوقة للحرث، أي: قابلة لذلك؛ لأنه قد يكون فيها ما لا يحرث، وأما قوله: "وليس فيه حجة لأهل القدر" فيريد المعتزلة؛ لأن محصل الجواب أن المراد بالخلق خلق التكليف لا خلق الجبلة، فمن وفقه عمل لما خلق له، ومن خذله خالف... ويحتمل أن يكون مراده بقوله: "وليس فيه حجة لأهل القدر" أنهم يحتجون بها على أن أفعال الله لا بد وأن تكون معلولة فقال: لا يلزم من وقوع التعليل في موضع وجوب التعليل في كل موضع، ونحن نقول بجواز التعليل لا بوجوبه، أو لأنهم احتجوا بها على أن أفعال العباد مخلوقة لهم لإسناد العبادة إليهم، فقال: لا حجة لهم في ذلك؛ لأن الإسناد من جهة الكسب" [11].
ويؤيد ذلك أنه أفرد كتابا كاملا في القدر نذكر منه ما رواه عن سيدنا علي - رضي الله عنه - قال: «كنا جلوسا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه عود ينكت به في الأرض فنكس وقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار أو من الجنة. فقال رجل من القوم: ألا نتكل يارسول الله؟ قال: لا، اعملوا فكل ميسر، ثم قرأ: )فأما من أعطى واتقى (5)( (الليل)» [12].
فهذا الحديث يدل دلالة قاطعة على مدى إيمان الإمام البخاري بالقدر، وأنه على مذهب أهل السنة والجماعة في مسائل الاعتقاد، وكيف لا وهو إمامهم في الحديث والفقه.
يقول الوزير اليماني: " إن القدرية الخلص عند المحدثين هم الذين يقولون: "إن الله تعالى لا يعلم الغيب " على ما ذكره النووي في شرح مسلم، والخطابي، وغيرهما؛ لأنهم فسروا القدر بعلم الله السابق من غير إجبار، وفسروا القدرية بمنكري ذلك، فصرحوا بذلك كله. فالبخاري رد على هؤلاء الذين يقولون إن الله لا يعلم الغيب وسماهم أهل القدر" [13].
ويقول ابن حجر في شرحه للحديث: "وهذا الحديث أصل لأهل السنة في أن السعادة والشقاء بتقدير الله القديم، وفيه رد على الجبرية؛ لأن التيسير ضد الجبر، ولأن الجبر لا يكون إلا عن كره، ولا يأتي الإنسان الشيء بطريق التيسير إلا وهو غير كاره له...
ووجه الانفصال على شبهة القدرية أن الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال، وغيب عنا المقادير لقيام الحجة، ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته، فمن عدل عنه ضل وتاه؛ لأن القدر سر من أسرار الله لا يطلع عليه إلا هو، فإذا أدخل أهل الجنة الجنة كشف لهم عنه حينئذ. وفي أحاديث هذا الباب أن أفعال العباد وإن صدرت عنهم، لكنها قد سبق علم الله بوقوعها بتقديره، ففيها بطلان قول القدرية صريحا"[14].
ومما يؤكد ما ذهب إليه البخاري ما ذكره القرطبي في تفسيره للآية بقوله: "قيل: إن هذا خاص فيمن سبق في علم الله أنه يعبده، فجاء بلفظ العموم ومعناه الخصوص، والمعنى: وما خلقت أهل السعادة من الجن والإنس إلا ليوحدون. قال القشيري: والآية دخلها التخصيص على القطع؛ لأن المجانين والصبيان ما أمروا بالعبادة حتى يقال: أراد منهم العبادة، وقد قال الله تعالى: )ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس( (الأعراف: ١٧٩)ومن خلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة، فالآية محمولة على المؤمنين منهم... وقال علي رضي الله عنه: "وما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بالعبادة"، واعتمد الزجاج على هذا القول، وقيل: )إلا ليعبدون(، أي: إلا ليقروا لي بالعبادة طوعا أو كرها. وقال مجاهد: إلا ليعرفوني [15].
ويقول الطاهر ابن عاشور: "وهذا يغني عن احتمالات في تأويل التعليل من قوله: )ليعبدون( من جعل عموم الجن والإنس مخصوصا بالمؤمنين منهم، أو تقدير محذوف في الكلام، أي: إلا لآمرهم بعبادتي، أو حمل العبادة بمعنى التذلل والتضرع الذي لا يخلو منه الجميع في أحوال الحاجة إلى التذلل والتضرع كالمرض والقحط... ويرد على جميع تلك الاحتمالات أن كثيرا من الإنس غير عابد بدليل المشاهدة، وأن الله حكى عن بعض الجن أنهم غير عابدين"[16].
وبهذا يتبين لنا أن تفسير البخاري للآية ليس قوله وحده، وإنما هو قول جمهور المفسرين أهل السنة جميعا.
الخلاصة:
·لقد كان موقف أهل السنة في مسألة الجبر والاختيار وسطا، فالإنسان عندهم لا موثق ولا مطلق، فالله - تبارك وتعالى - قد سبق علمه ما في السماوات والأرض، وقد ترك للإنسان حرية اختياره، وبين له الصراط المستقيم، فأمره ونهاه، وبعث إليه الرسل؛ ليكونوا حجة عليه إذا خالف ما أمره الله به أو نهاه عنه.
·إن قول الجبرية مردود عقلا؛ إذ كيف يجبر الله تعالى عبده على الأعمال، ثم يحاسبهم عليها ويعذبهم بها، في حين أنهم مجبرون على فعلها، فهذا لا يصح عقلا إذا حدث من إنسان لأخيه الإنسان، فكيف يصح في حق الخالق الحكيم سبحانه وتعالى؟!
·لا يدل تأويل الإمام البخاري للآية على الجبر، ولكنه في الحقيقة يرد على هؤلاء القدرية بما قرره في صحيحه، إذ يقول: "وليس فيه حجة لأهل القدر".
·لقد خصص الإمام البخاري كتابا كاملا في صحيحه بعنوان " القدر "، روى فيه أحاديث تفيد إيمانه بالقدر، كغيره من أهل السنة، ولو أنه ليس على منهج أهل السنة ما روى هذه الأحاديث ولتغاضى عنها وأهملها.
·لم يكن البخاري وحده هو الذي قال بهذا التفسير، ولكن معظم المفسرين قالوا بذلك، منهم الإمام القرطبي، وابن جرير الطبري، وابن كثير، والفراء، والقشيري وغيرهم من أئمة التفسير.
·لقد كان الإمام البخاري إماما من أئمة أهل السنة الذين نقلت عن طريقهم السنة النبوية الصحيحة وهو صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله - عز وجل - فكيف يكون إمام أهل السنة ويقر بالجبر في حين أن أهل السنة ينفون ذلك؟!




(*) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م.
[1]. الجبر: أن يكون الإنسان مجبرا على جميع أفعاله، ملجأ إليها، مضطرا إلى فعلها، وأنه لا فعل له أصلا.
[2] . العواصم والقواصم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، (3/93،92).
[3]. العواصم والقواصم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، (2/286).
[4]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/3766).
[5] . عون المعبود شرح سنن أبي داود، شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، (12/ 295).
[6]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: السنة، باب: في القدر، (12/295)، رقم(4677). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4691).
[7]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (11/257).
[8]. الداء والدواء، ابن القيم، تحقيق: د. محمد جميل غازي، مكتبة المدني، القاهرة، د. ت، ص209.
[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، (9/3705)، رقم (6450).
[10] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: سورة والذاريات، (8/463) معلقا.
[11]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (8/466،465).
[12]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: القدر، باب: وكان أمر الله قدرا مقدورا، (11/503)، رقم (6605).
[13]. العواصم والقواصم، الوزير اليماني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، (2/268).
[14]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (11/507،506).
[15]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (17/55).
[16]. التحرير والتنوير، ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، (27/26)


اتهام البخاري بالتعصب والانتصار للمهدوية (*)
مضمون الشبهة:
يتهم بعض المغرضين الإمام البخاري بالتعصب والانتصار للمهدوية، ويستدلون على ذلك بأن البخاري ساق في صحيحه حديث: «لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه».
ثم قالوا: وهذا الحديث لا يصح؛ لأنه يكشف عن تعصب البخاري وانتصاره للمهدوية.
زاعمين أن هذا الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير من طريق "محمد بن إسحاق"، وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليسوقن رجل من قحطان الناس بعصا» وقد حكم عليه بالضعف.
قائلين: طالما أن رواية الطبراني غير صحيحة فلا شك أن رواية البخاري كذلك.
رامين من وراء ذلك إلى التشكيك فيما رواه البخاري في صحيحه.
وجها إبطال الشبهة:
1)الحديث الذي استدل به المشككون على اتهام البخاري بالتعصب للمهدوية ليس له أدنى علاقة بالمهدي، والمقصود بالرجل القحطاني في الحديث رجل آخر غير المهدي، ومع ذلك فالمهدي حقيقة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو ذكرها البخاري لكان محقا أيضا وليس متعصبا.
2)لا علاقة بين سند البخاري لهذا الحديث وسند الطبراني؛ إذ إن رجال سند البخاري كلهم ثقات عدول لا يشوبهم شائبة، أما رجال سند الطبراني فليسوا كذلك.
التفصيل:
أولا. لا علاقة بين حديث القحطاني وأحاديث المهدي:
حديث «لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه»[1] لا علاقة له بأحاديث المهدي، بل هو من دلائل النبوة، رواه البخاري بإسناد كالشمس لا غبار عليه، ثم جاء هؤلاء المشككون وزعموا أن الحديث ضعيف؛ لأنه يعضد مهدوية البخاري.
والحقيقة أن المهدي المنتظر حق، وأنه سيظهر آخر الزمان - كما سنوضحه إن شاء الله - لكن الحديث الذي استدل به المشككون لا علاقة له بأحاديث المهدي، وهذا يدل على قصر نظرهم للحديث وفهمهم، فحديث القحطاني الذي استدلوا به قد "ساقه العلماء في بيان ما يقع من الفتن، وقد حمله العلماء على ما يقع من العسف والجور في آخر الزمان كما قال القرطبي، وجمع الحافظ ابن حجر بينه وبين أحاديث تخريب الكعبة على يد ذي السويقتين من الحبشة"[2].
قال ابن حجر العسقلاني: "ولعله جهجاه المذكور في الحديث الآخر، وأصل الجهجاه: الصياح، وهي صفة تناسب ذكر العصا. قلت: ويرد هذا الاحتمال إطلاق كونه من قحطان فظاهره أنه من الأحرار، وتقييده في جهجاه بأنه من الموالي ما تقدم أنه يكون بعد المهدي وعلى سيرته، وأنه ليس دونه، ثم وجدت في كتاب "التيجان لابن هشام" ما يعرف منه - إن ثبت - اسم القحطاني وسيرته وزمانه، فذكر أن "عمران بن عامر" كان ملكا متوجا، وكان كاهنا معمرا وأنه قال لأخيه "عمرو بن عامر" المعروف "بمزيقيا" لما حضرته الوفاة: إن بلادكم ستخرب، وإن لله في أهل اليمن سخطتين ورحمتين: فالسخطة الأولى: هدم سد مأرب وتخرب البلاد بسببه. والثانية: غلبة على أرض اليمن. والرحمة الأولى: يعيشه نبي من تهامة اسمه محمد - صلى الله عليه وسلم - يرسل بالرحمة ويغلب أهل الشرك، والثانية: إذا خرب بيت الله يبعث الله رجلا يقال له شعيب بن صالح فيهلك من خربه، ويخرجهم حتى لا يكون بالدنيا إيمان إلا بأرض اليمن.
وقد تقدم في الحج أن البيت يحج بعد خروج يأجوج ومأجوج، وتقدم الجمع بينه وبين حديث " لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت، وأن الكعبة يخربها ذو السويقتين من الحبشة " فينتظم من ذلك أن الحبشة إذا خربت البيت خرج عليها القحطاني فأهلكهم، وأن المؤمنين قبل ذلك يحجون في زمن عيسى - عليه السلام - بعد خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم، وأن الريح التي تقبض أرواح المؤمنين تبدأ بمن بقي بعد عيسى - عليه السلام - ويتأخر أهل اليمن بعدها.. وقد أخرج مسلم حديث القحطاني عقب حديث تخريب الكعبة ذو السويقتين، فلعله رمز إلى هذا "[3].
فهذا الحديث مع صحته التي لا شك فيها فإنه لا يتحدث عن المهدي الذي قد توهموه، وإنما هو يتحدث عن هذا الرجل القحطاني الذي لا علاقة له بالمهدي.
وبهذا سقط استدلالهم بهذا الحديث على تعصب البخاري للمهدي، ومما يؤكد عدم تعصبه - أيضا - أن المهدي حقيقة لا مراء فيها، ومع ذلك لم يذكرها في صحيحه، فقد نصت الأحاديث الصحيحة على أن المهدي رجل صالح من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي آخر الزمان، وقد ملئت الأرض ظلما وجورا، فيملؤها قسطا وعدلا، ويبعث الله تعالى من يمهد ويوطئ لبيعته وإمامته، وذلك حين تكون رقاب الناس خالية من بيعة لخليفة. وهو عند أهل السنة والجماعة بشر من البشر ليس بنبي ولا معصوم[4].
ومن الأحاديث الصحيحة التي وردت في ذلك:
1.عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة»[5].
2.عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعا أو ثمانيا، يعنى حججا»[6].
3.عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلما وعدوانا، قال: ثم يخرج من عترتي أو من أهل بيتي من يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا»[7].
4.عن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا»[8].
وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي وردت في كتب السنة تؤيد نزول المهدي، فهذه حقيقة ينبغي التسليم بها، وذكرها لا يعنى التعصب لها.
ونخلص من هذا أن البخاري لم يكن متعصبا للمهدوية كما ادعى هؤلاء؛ لأنها حقيقة صحيحة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والتمسك بالصحيح الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعني التعصب وإنما يعني التمسك بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - علاوة على أن البخاري لم يشر إلى المهدوية في صحيحه وإنما ذكر الرجل القحطاني الذي يسوق الناس بعصاه وهو غير المهدي كما سبق أن بينا، فأين التعصب للمهدي إذن؟!
ثانيا. لا علاقة بين سند البخاري وسند الطبراني، فلماذا الخلط؟!
إن المشتبهين عمدوا إلى رواية أخرجها الطبراني في المعجم الكبير من طريق "محمد بن إسحاق" عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليسوقن رجل من قحطان الناس بعصا»[9].
وزعموا أنها هي نفس رواية البخاري حيث قالوا: وقد أخرج السيوطي في "الجامع الصغير" حديث البخاري هذا، قال الهيثمي: "فيه محمد بن إسحاق وهو مدلس، والحسين بن عيسى بن ميسرة لم أعرفه[10].
ولكن ما علاقة البخاري بهذا الإسناد، والبخاري لم يخرج الحديث من هذا الطريق؟! لقد أخرجه بلفظ آخر، وبإسناد آخر صحيح، وهو عن عبد العزيز بن عبد الله حدثني سليمان عن ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة: «لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه»[11].
وإذا كان السيوطي قد أشار إلى ضعف سند هذا الحديث بقوله: ومحمد بن إسحاق مدلس، فإن متن الحديث جاء صحيحا في رواية البخاري ومسلم، ولذا صحح الألباني حديث الطبراني، وذلك لثبوته من طريق صحيح عند الشيخين؛ فقد رواه أيضا الإمام مسلم في صحيحه من طريق قتيبة بن سعيد عن عبد العزيز بن محمد عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه[12].
فكيف يكون الحديث ضعيفا وقد أخرجه الشيخان في صحيحيهما؟!
ومن هذا يتبين أن سند البخاري يختلف عن سند الطبراني تماما، فرجال البخاري كلهم ثقات عدول لا يختلف عليهم اثنان، وقد رواه مسلم أيضا عن طريق رجاله كلهم ثقات عدول، أما الطبراني فرجال إسناده ليسوا كذلك، ولا يضر سند البخاري ضعف سند الطبراني، فلماذا الطعن؟!
الخلاصة:
·إن الحديث الذي استدل به المشككون على اتهام البخاري بالتعصب والانتصار للمهدوية، لا علاقة له على الإطلاق بالمهدي، فالرجل القحطاني الذي تحدث عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا رجل آخر غير المهدي، وهذا الحديث ساقه العلماء في بيان ما يقع من الفتن في آخر الزمان، وقد حملوه على ما يقع من الظلم والجور في آخر الزمان.
·هذا الحديث الذي رواه البخاري حديث صحيح، إسناده كالشمس، لا غبار عليه، وإن كان السيوطي قد ضعف حديث الطبراني فإنه ليس شرطا؛ لأن الطريق الذي رواه به البخاري غير الطريق الذي رواه بهالطبراني، فالإسناد مختلف، وعليه فلا علاقة للبخاري بإسناد الطبراني إن كان ضعيفا، غير أن الألباني قد صحح حديث الطبراني في صحيح الجامع بمجموع طرقه وشواهده التي ورد بها في الصحيحين والطريق الأخرى التي رواها عن أبي هريرة رضي الله عنه.
·إن خلافة المهدي في آخر الزمان حقيقة لا مراء فيها، والمهدي رجل صالح من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي آخر الزمان وقد ملئت الأرض ظلما وجورا، فيملؤها قسطا وعدلا، ثم ينزل عيسى - عليه السلام - فيقتل الدجال، وقد بشر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة صحيحة، أخرجت عن جمهرة من الصحابة الكرام.
·لذلك فالإيمان به والاعتقاد بموجبه أمر واجب على المسلمين جميعا بما فيهم البخاري نفسه، فلو افترضنا صحة ما تزعمون من ذكر البخاري لأحاديث المهدي فإن هذا لا يدل على تعصبه وانتصاره للمهدوية؛ لأن هذا لا يتعدى أن يكون مجرد رواية قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحيح، وليس اختراعا من عنده هو.
ومن خلال هذا يتبين أنه لا دليل ولا حجة على اتهام البخاري بالتعصب والانتصار للمهدوية.




(*) السنة النبوية بين كيد الأعداء وجهل الأدعياء، حمدي عبد الله عبد العظيم الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، القاهرة، ط1، 2007م.
[1]. صحيح البخاري ( بشرح فتح الباري)، كتاب: المناقب، باب: ذكر قحطان، (6/630)، رقم (3517). مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفتن، باب: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، (9/4010)، رقم (7175).
[2]. الغارة على السنة النبوية، د. الحسن العلمي، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، 1424هـ، ص45.
[3]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (13/84).
[4] . المهدي المنتظر وأدعياء المهدية، محمد بيومى، مكتبة الإيمان، مصر، ط1، 1416هـ/ 1995م، ص5.
[5] . صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الفتن، باب: خروج المهدي، (2/1367)، رقم (4085). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (4085).
[6] . صحيح: أخرجه الحاكم فى المستدرك، كتاب: الفتن والملاحم، (4/ 601)، رقم (8673). وصححه الذهبي في تعليقه على المستدرك والألباني في الصحيحة برقم (711).
[7] . صحيح: أخرجه أحمد فى مسنده، مسند أبي سعيد الخدري، رقم (11331). وقال الأرنؤوط فى تعليقه على المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[8] . صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: المهدي، (11/251)، رقم (4275). وصححه الألبانى فى صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (4283).
[9]. ضعيف: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، كتاب: العين، باب: عبد الله بن عمر بن الخطاب، (12/308)، رقم (13198).
[10]. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الهيثمي، دار الفكر، بيروت، 1412هـ، (5/241).
[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الفتن، باب: تغير الزمان حتى تعبد الأوثان، (13/82)، رقم(7117).
[12]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، (9/4011)، رقم (7175).








اتهام البخاري بقصر نظره في نقد الحديث (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغرضين أن المنهج الذي اتبعه الإمام البخاري في جمع صحيحه لم يكن منهجا علميا؛ إذ لم يهتم بالنقد الداخلي للحديث "نقد المتن"، وقد نتج عن ذلك - في زعمهم - أنه أثبت في صحيحه أحاديث دل على وضعها وعدم صحتها الحوادث التاريخية، والمشاهدة التجريبية، والحس، والواقع، وساقوا لذلك أمثلة منها:
حديث: «لا يبقى على ظهر الأرض بعد مائة سنة نفس منفوسة».
وحديث: «من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر».
رامين من وراء ذلك إلى الطعن في أمانة الإمام البخاري وتشكيك المسلمين في صحة ما احتواه صحيحه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وجوه إبطال الشبهة:
1)إن النظرة المنصفة تؤكد أن البخاري وأئمة الحديث جميعا قد أولوا المتن اهتماما كبيرا إلى جانب الإسناد، فجهابذة نقاد السند هم جهابذة نقاد المتن في آن واحد، والبخاري كان لا يقبل حديثا إلا وله أصل يحفظه من القرآن أو السنة الثابتة عنده.
2)إن حديث «لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة عام...» دليل عليهم لا لهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل إن انتهاء العالم بعد مائة عام، وإنما أخبر أنه لا يبقى على وجه الأرض أحد من الموجودين الآن حيا بعد مائة عام، وقد كان هذا بالفعل، فكيف يكون مخالفا للحقيقة؟!
3)لقد أثبت الطب الحديث أن العجوة علاج للسم والسحر؛ فهي مبيدة للديدان التي تؤدي إلى تسمم داخلي، ولما كان السحر مرضا نفسيا فقد احتاج لعلاج نفسي، فإذا أخذنا في الاعتبار فوائد العجوة الطبية وأنها وصفة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك يحدث أثرا طيبا في نفس المسحور يساعد على شفائه.
التفصيل:
أولا. نقد البخاري لكل الأحاديث سندا ومتنا:
أي منصف متحر للدقة ومطلع على كتب الحديث يتأكد له منذ الوهلة الأولى أن البخاري - رحمه الله - وكذلك باقي رواة وعلماء الحديث، قد اهتموا بالمتن تماما كاهتمامهم بالسند.
"فأي طالب علم درس أو قرأ أي كتاب في مصطلح الحديث، يتبين له سقوط هذا الزيف عن البخاري - رحمه الله - خاصة، وعن رواة وعلماء الحديث عامة، فأي كتاب في مصطلح الحديث يشترط لاعتبار الحديث صحيحا أو حسنا شرطين أساسيين هما:
سلامته من أن يكون شاذا أو معللا...، والشذوذ عندهم قسمان: شذوذ في السند، وشذوذ في المتن، وكذلك العلة قسمان: علة في السند، وعلة في المتن، وهي حقيقة مقررة يعرفها صغار طلبة العلم.... إننا نجد عند المحدثين قاعدة أدق وأبلغ، وهي قاعدة متفق عليها بينهم جميعا يقررون فيها: أنه قد يصح السند ولا يصح المتن لشذوذ أو علة، وقد يصح المتن ولا يصح السند، لورود دلائل على صحة المتن من طرق أخرى...
وذلك لا يدع مجالا للشك أن المحدثين والرواة احتاطوا من النظرة الشكلية القاصرة، وأنهم احتاطوا لكل احتمال، وأعدوا له العدة في منهج موضوعي شامل ومتعمق أيضا"[1].
لقد قررالمحدثون أن صحة السند لا تقتضي صحة المتن؛ لذلك فإنهم نقدوا المتن أيضا، وذلك عن طريق تصحيحه قبل تفسيره وتحليله، وقد كشفوا عن أخطاء وتحريفات وتصحيفات المتن في مؤلفات مستقلة رائدة من أشهرها كتاب العسكري "تصحيفات المحدثين".
إن جهابذة نقاد السند هم جهابذة نقاد المتن في آن واحد، مثل الإمام البخاري والإمام مسلم:
لقد تتابعت الجهود لصياغة منهج نقد المتن،وظهرت ضوابط دقيقة ذكر بعضها ابن القيم؛ مثل: اشتمال المتون على المجازفات، ومخالفتها للحس وسماجة المعنى وركاكة الأسلوب، والمناقضة للسنة الصريحة أو لصريح القرآن، أو لأنها لا تشبه كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو ادعاؤها على النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلا ظاهرا بمحضر الصحابة وأنهم اتفقوا على كتمانه [2].
وهكذا فقد اهتم علماء الحديث اهتماما بالغا بدراسة متن الحديث، واستوفوا تلك الدراسة وبذلوا قصارى جهدهم في العناية بها، ولقد كان الهدف الذي يسعون إليه من دراسة الإسناد ونقده هو تمييز صحيح الحديث من ضعيفه، وحماية السنة من العبث والكيد، وكل ذلك مرتبط ارتباطا وثيقا بنقد المتن إلى جانب الإسناد.
وتوثيق الراوي لا يتم إلا بثبوت عدالته وضبطه، وهذا الأخير إنما يعرف بمقارنة مرويات الراوي مع مرويات الثقات الآخرين...
من أجل ذلك نشأت علوم لا تكتفي بدراسة الإسناد، بل تعني بدراسة الإسناد والمتن جميعا، ومن ذلك: الحديث المقلوب، والمضطرب، والمدرج، والمعلل، والمصحف، والموضوع، وزيادة الثقة، كما أنشئت علوم تتعلق بدراسة المتن خاصة، من ذلك: غريب الحديث، أسباب وروده، ناسخه ومنسوخه، مشكله، محكمه... إلخ.
وفي ذلك بذل المحدثون جهدا لا نظير له، ومن جهودهم هذه في دراسة المتن ما وضعوه من علامات وضوابط يعرف بها وضع الحديث من غير رجوع إلى سنده، من ذلك:
1.ركاكة اللفظ في المروي: فيدرك من له إلمام باللغة ومعرفتها أن ذلك لا يمكن أن يكون من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صرح الراوي بأنه لفظه، وإلا فمدار الركاكة على المعنى وإن لم ينضم إليها ركاكة اللفظ.
2.مخالفة الحديث لنص القرآن أو السنة المتواترة.
3.ما اشتمل على مجازفات وإفراط في الثواب العظيم على الأمر الصغير، أو وعيد عظيم على فعل يسير...
4.أن يكون الحديث مخالفا لبدهيات العقول بحيث لا يمكن تأويله.
5.أن يكون الحديث مخالفا لحقائق التاريخ المعروفة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم.
6.صدور الحديث من راو تأييدا لمذهبه.
7.ألا يتضمن الحديث أمرا من شأنه أن تتوافر الدواعي على نقله[3].
ذلك كله فضلا عن أن البخاري - رحمه الله - كان جديرا بالثقة، فكيف يكون جديرا بها وهو يتهم بهذه التهمة؟!
"أم أنه - كما هو الواقع - حاز على هذه الصفة "ثقة" بأنه اجتاز اختبارا شاملا لشخصيته لتحقيق صفة "العدالة"، أو ما نسميه الآن "الأمانة العلمية"، وصفة "الضبط" أو ما يمكن أن نسميه "الكفاية العلمية" التي بها يكون على مستوى استيعاب الحديث وأدائه كما سمع، وفي الواقع أن إثبات ثقة الرواة، وكونهم جديرين بالثقة يرتبط بنقد المتون ارتباطا قويا؛ لأن توثيق الراوي لا بد فيه من اختبار مروياته وعرضها على روايات الثقات، فإن وجدنا روايته موافقة - ولو من حيث المعنى - لرواياتهم، أو كانت له مخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه "ضابطا"، وحكمنا له مع اتصافه بالعدالة بأنه "ثقة".
وهذه كتب الجرح والتعديل مليئة بألفاظ الجرح للراوي بسبب الخطأ في مروياته، مثل قولهم: "فلان منكر الحديث"، "يروي المناكير"، "يروي الغرائب"، "روى حديثا باطلا"، "رواياته واهية" وغير ذلك كثير، يدل على أن المحدثين كانوا في الاحتياط أبلغ مما يريده المتطفلون عليهم!
ولكن ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن للسند قيمته التي لا تجحد ولا تنكر في ميزان النقد...
بل إنا لنعتز بعناية علمائنا ورواتنا بنقد الأسانيد، بل بتقديم الأسانيد على المتون في كثير من المواضع؛ وذلك لأن المتن في كثير من الأحيان ربما لا يشتمل على دلائل توحي بشيء يستدل به على صحة النص أو سقمه، مما يجعل نقد السند متعينا ومقدما لا محالة، على حين تبقى أفكار الناقد غير المسلم في مثل هذا الوضع حائرة في متاهات واحتمالات الحدس والتخمين، واتجاهات الظنون والتخيلات"[4].
ومما يؤكد اعتناء البخاري بالمتن وأصوله أنه كان لا يروي الموقوف الذي روي عن الصحابي، أو المقطوع الذي وقف على التابعي إلا إذا كان له أصل من القرآن الكريم أو السنة الصحيحة المسندة، "قال سليم بن مجاهد: كنت عند محمد ابن سلام البيكندي فقال: لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث، فخرجت حتى لحقته، فقلت له: أنت تحفظ سبعين ألف حديث؟ قال: نعم وأكثر، ولا أجيئك بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم، ولست أروي حديثا من حديث الصحابة والتابعين إلا ولي من ذلك أصل أحفظه حفظا عن كتاب أو سنة"[5].
وإليك هذا المثال الذي يرد على هذه الشبهة ردا دامغا؛ إذ يؤكد عكس ما ذهب إليه هؤلاء، وبراءة البخاري ومنهجه من شبهتهم تلك:
فقد جاء في المسند: حدثنا عبدالله حدثني أبي، حدثنا يزيد، أنبأنا المسعودي وهاشم يعني بن القاسم، حدثنا المسعودي عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن أمتي أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب إنما عذابها في الدنيا القتل والبلابل والزلازل"، قال أبو النضر: "بالزلازل والقتل والفتن»[6].
وقد أشار شيخ الصنعة الإمام أبو عبدالله البخاري إلى ذلك بعد أن أورد طرق هذا الحديث وبين ما فيها من الاضطراب، فقال: "والخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفاعة - وأن قوما يعذبون ثم يخرجون - أكثر وأبين وأشهر"[7].
"وهذا يدل على أن البخاري أضاف إلى اضطراب السند نقد المتن، وأنه مخالف للأحاديث الصحيحة التي تكاد تكون متواترة بأن أناسا من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - يدخلون النار ثم يخرجون منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم"[8].
وعليه، يكون البخاري، وكذلك كل الرواة وأهل الحديث - رحمهم الله جميعا - قد اهتموا بالمتون تماما كاهتمامهم بالأسانيد، فكيف نتهم البخاري بأنه أهمل نقد المتن؟! وإن كان اهتمامهم وتقديمهم للأسانيد لا عيب فيه على نحو ما تقدم، والكل يخدم السنة النبوية المطهرة.
ثانيا. حديث «لا يبقى على ظهر الأرض بعد مائة سنة نفس منفوسة» حديث صحيح سندا ومتنا:
إن هذا الحديث هو جزء من حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن رأس مائة لا يبقى ممن هو " اليوم" على ظهر الأرض أحد"، قال ابن عمر: فوهل الناس[9] في مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " يريد بذلك أن تخرم ذلك القرن»[10].
"فهذا نص الحديث واضح في أن الرسول أخبر صحابته في آخر حياته، وجاء في رواية جابر - قبل وفاته بشهرـ: أن من كان منهم على ظهر الأرض حيا حين قال الرسول تلك المقالة لا يعمر أكثر من مائة سنة، ولم يفطن بعض الصحابة إلى تقييد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمن هو على ظهرها - اليوم - فظنوه على إطلاقه، وأن الدنيا تنتهي بعد مائة سنة، فنبههم ابن عمر إلى القيد في لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين لهم مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عند انقضاء مائة سنة من مقالته ينخرم ذلك القرن فلا يبقى أحد ممن كان موجودا حال تلك المقالة، وكذلك فعل علي بن أبي طالب، كما في رواية الطبراني، وبالفعل، استقصى العلماء من كان آخر الصحابة موتا فوجدوه أبا الطفيل عامر بن واثلة، وقد مات سنة عشر ومائة أو مائة[11]، وهي رأس مائة سنة من حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث أخبر بأمر مغيب، فوقع كما أخبر به[12].
وبالتالي فإن قوله هذا لم يخالف الحوادث الزمنية، بل إنه كان متفقا معها تماما؛ إذ إنه لم يتعد أحد من سامعي هذا الحديث أو من كانوا في عصره هذه المدة.
قال النووي: "هذه الأحاديث قد فسر بعضها بعضا، وفيها علم من أعلام النبوة، والمراد: أن كل نفس منفوسة كانت تلك الليلة على الأرض لا تعيش بعدها أكثر من مائة سنة، سواء قل أمرها قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفي عيش أحد يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة، ومعنى نفس منفوسة أي: مولودة" [13].
وعليه فإن هذا الحديث يعد معجزة من معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وليس شاهدا على عدم صحته كما يزعمون، ويعد دليلا - أيضا - على اهتمام البخاري بالسند والمتن معا، وعدم إتيانه بأحاديث متونها باطلة مخالفة للوقائع التاريخية أو العقل أو غيرها كما يدعي هؤلاء، وإنما كان ينظر إلى الحديث قبل إيراده نظرة مدقق في سنده ومتنه.
ثالثا. إن حديث «من تصبح كل يوم سبع تمرات...»[14] حديث صحيح سندا ومتنا:
هذا الحديث قد أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، كما أخرجه الإمام مسلم، والإمام أحمد، وقد بين العلماء المقصود من هذا الحديث، فمنهم من خصصه بتمر المدينة؛ اعتمادا على الأحاديث المقيدة بذلك، ومنهم من أطلقه، والذي ارتضاه الأكثرون تخصيصه بعجوة المدينة.
قال ابن القيم رحمه الله: "والتمر غذاء فاضل حافظ للصحة، لا سيما لمن اعتاد الغذاء به... ونفع هذا العدد من التمر، من هذا البلد من هذه البقعة بعينها - من السم والسحر بحيث تمنع إصابته - من الخواص التي لو قالها بقراط وجالينوس، وغيرهما من الأطباء لتلقاها عنهم الناس بالقبول والإذعان والانقياد، مع أن القائل إنما معه الحدس والتخمين والظن. فمن كلامه كله يقين وقطع وبرهان ووحي أولى بأن نتلقى أقواله بالقبول وترك الاعتراض"[15].
وعليه، "فإن المبادرة إلى تكذيب حديث ورفضه لا تصح إلا إذا وهن طريقه، أو حكم العقل والطب حكما قاطعا بتكذيبه وبطلانه، وهذا الحديث قد صح سنده من غير طريق عن أئمة الحديث، ورواه ثقات عدول لا مجال لتكذيبهم، ومتنه صحيح على وجه الإجمال، إذ أثبت للعجوة فائدة، وحض على أكلها، ومن المقرر - حتى في الطب الحديث - أن العجوة مغذية، ولا شك في أن الأمراض الداخلية - من تعفن الأمعاء وانتشار الديدان - سموم تودي بحياة الإنسان إذا استفحل أمرها، إذن فالحديث من حيث معالجة العجوة للسموم بالجملة صادق لا غبار عليه"[16].
وقد شاء الله - تعالى - أن تبرز هذه الحقيقة إلى عالم الوجود وتكشف البحوث العلمية الأثر العظيم للتمر، وذلك فيما نشرته جريدة "الأهرام"تحت عنوان: (البلح علاج لأمراض العيون والجلد والأنيميا ولين العظام والبواسير، ويساعد على الولادة بسهولة): " أثبتت الأبحاث العلمية التي أجريت أخيرا بالمركز القومي للبحوث أن البلح غذاء كامل، ويفيد في وقاية الجسم، وعلاجه من أمراض العيون، وضعف البصر، وعلاج الأمراض الجلدية، كالبلاجرا، وأمراض الأنيميا، وحالات النزيف، ولين العظام والبواسير، ويساعد المرأة الحامل على الولادة بسهولة.
صرح بذلك الدكتور عبد العزيز شرف، المشرف على وحدة بحوث الأدوية بالمركز القومي للبحوث، وأضاف قائلا: إن الأبحاث أثبتت كذلك أن البلح يعادل اللحم في قيمته الغذائية، ويتفوق عليه بما يعطيه من سعرات حرارية ومواد معدنية وسكرية؛ وذلك بالإضافة إلى أنه غني بالكالسيوم والفسفور والحديد، ويحتوي على غالبية الفيتامينات المعروفة"[17].
هذا بالنسبة لاستخدام العجوة في الطب كعلاج للسموم بالجملة، وإذا ذهبنا إلى "السحر" نجد أنه مرض نفسي، يحتاج إلى علاج نفسي، والإيحاء النفسي له أثر كبير في شفاء المرضى بمثل تلك الأمراض، وإذا أخذنا العجوة على أنها مغذية مفيدة للجسم، مقوية للبنية، قاتلة للديدان، قاضية على تعفن الفضلات وأنها من عجوة المدينة - مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن هذا العلاج وصفه - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي لا ينطق عن الهوى، فلا شك في أن ذلك يحدث أثرا طيبا في نفس المسحور"[18].
وعليه، فإن هذا الحديث لا يخالف الشواهد التجريبية أو الحوادث الزمنية في شيء، كما زعموا بل يتفق معها تماما، وهذا يثبت أن البخاري كان عالما بمتون الأحاديث، لا يرويها إلا بعد النظر في سندها ومتنها معا.
الخلاصة:
·إن البخاري - رحمه الله - وكذلك باقي رواة الحديث - قد اهتموا بالمتن كاهتمامهم بالأسانيد تماما، واحتاطوا لذلك جيدا، وأعدوا له العدة الكاملة. فكان الإمام البخاري لا يقبل حديثا إلا بعد النظر في متنه، فإن وافق الكتاب والسنة أخذه، وإن خالف فلا يقبله، فنقده كان للمتن والإسناد معا، فكما كان - رحمه الله - جهبذا في نقد السند كان جهبذا في نقد المتن أيضا.
·لقد قامت علوم كثيرة تعني بدراسة الإسناد والمتن جميعا مثل دراساتهم الحديث المقلوب والمضطرب والمعلل والمصحف وغيرها، وكذلك أنشأت علوم تختص بدراسة المتن خاصة؛ كعلوم غريب الحديث، وناسخه ومنسوخه، ومشكله ومحكمه؛ إذ قرر المحدثون أن صحة السند لا تقتضي صحة المتن.
·لقد كان البخاري - رحمه الله - جديرا بالثقة في كل ما رواه، فكيف نال ذلك؟! بالطبع لكي ينال هذه الثقة فإنه قد اجتاز اختبارا شاملا لشخصيته يجعله قادرا على الحكم على متن الحديث وسنده وقبول الصحيح سندا ومتنا، لا سندا فقط.
·نقد البخاري - رحمه الله - لحديث «إن أمتي أمة مرحومة...»، من ناحية المتن يؤكد إمامته لصنعة الحديث وثقله فيها، ويؤكد فساد هذه الشبهة، فقد أضاف إلى اضطراب السند نقد المتن، وأنه مخالف للأحاديث الصحيحة، فكيف تصح هذه الشبهة مع هذا المثال الحي؟!
·إن إثبات ثقة الرواة، وكونهم جديرين بهذه الثقة يرتبط بقدرتهم على نقد المتون ارتباطا قويا، فتوثيق الراوي لابد فيه من اختبار مروياته ومقارنتها بروايات الثقات وعلينا أن نضع في اعتبارنا أن للسند قيمة لا تجحد ولا تنكر في ميزان النقد؛ لذلك كان الاهتمام كبيرا به عند نقاد الحديث.
·إن حديث «لا يبقى على ظهر الأرض...» قد روي من طرق عدة، مؤداها: أن انقضاء مائة سنة من قوله - صلى الله عليه وسلم - لن يبقى أحد ممن كانوا موجودين في عهده - صلى الله عليه وسلم - وليس انتهاء العالم عند ذلك.
·إنه بالحوادث الزمنية قد ثبت أن هذا الحديث حقيقة تاريخية، ويعد معجزة من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - فقد أثبت العلماء أن آخر الصحابة موتا قد مات على رأس مائة سنة من حديثه - صلى الله عليه وسلم - ولم يتعد أحد من سامعي الحديث أو من كانوا في عصره هذه المدة الزمنية.
·إن حديث: «من اصطبح كل يوم..»صحيح متنا وسندا، وذلك بالشواهد التجريبية والأدلة التاريخية والعلمية، فقد أثبتت العلوم التجريبية والطبية صحة هذا الحديث.
·إن العجوة علاج للسموم والسحر؛ إذ تعمل على قتل الديدان التي تؤدي إلى التسمم إلى جانب فوائدها الطبية والغذائية الجمة، كما أن السحر مرض نفسي، فإذا وضعنا في الاعتبار فوائدها وأنها من وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك يحدث أثرا طيبا في نفس المسحور يساعد على شفائه.




(*) دفاع عن الحديث النبوي، د. أحمد عمر هاشم، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2000م. السنة المطهرة بين أصول الأئمة وشبهات صاحب فجر الإسلام وضحاه، د. سيد أحمد رمضان المسير، دار الطباعة المحمدية، القاهرة، ط1، 1402هـ/1981م. السنة قبل التدوين، د.محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط4، 1425هـ/ 2004م. السنة المفترى عليها، سالم البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1413هـ/1992م.
[1]. السنة المطهرة والتحديات، د. نور الدين عتر، دار المكتبي، دمشق، ط1، 1419هـ/1999م، ص74: 76.
[2]. مرويات السيرة النبوية بين قواعد المحدثين وروايات الإخباريين، أكرم ضياء العمري، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، د. ت، ص24، 25 بتصرف.
[3]. الرد على شبهات المستشرقين ومن شايعهم من المعاصرين حول السنة، أحمد محمد بوقرين، الجامعة الأمريكية المفتوحة، ص40، 41 بتصرف.
[4]. السنة المطهرة والتحديات، د. نور الدين عتر، دار المكتبي، دمشق، ط1، 1419هـ/ 1999م، ص76، 77.
[5]. طبقات الشافعية الكبرى، عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي، تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو ومحمود محمد الطناحي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ط1، 1383هـ، (2/218).
[6]. ضعيف: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الكوفيين، حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، (4/410)، رقم (19693)، وضعفه الأرنؤوط في تعليقه على المسند.
[7]. التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، د. ت، (1/39).
[8]. المسند، أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة قرطبة، القاهرة، د. ت، (4/410).
[9]. أي: فزعوا.
[10]. صحيح البخاري(بشرح فتح الباري)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: السمر في الفقه والخير بعد العشاء، (2/88)، رقم (601)، صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم"، ( 9/3663)، رقم (6361).
[11]. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة، د. ت، (7/ 231).
[12]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص 259: 260.
[13]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (9/3365) .
[14]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأطعمة، باب: العجوة، (9/481)، رقم (5445). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأشربة، باب: فضل تمر المدينة، (7/ 3153)، رقم (5240، 5241).
[15]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1405هـ/ 1985م، (4/291).
[16]. السنة قبل التدوين، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط4، 1425هـ/ 2004م، ص258.
[17]. جريدة الأهرام، 12 ذو الحجة 1382هـ/ 26 مايو 1963م، ص4، نقلا عن: السنة النبوية وعلومها، د. أحمد عمر هاشم، مكتبة غريب، القاهرة، ط2، صــ190، 191.
[18]. السنة قبل التدوين، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط4، 1425هـ/ 2004م، ص258، 259.


ادعاء أن البخاري كان يصرف الأحاديث عن حقيقتها (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض الطاعنين في السنة أن الإمام البخاري كان يصرف الأحاديث عن ظاهرها وحقيقتها، مستدلين على ذلك بأحاديث الحوض؛ فقد روى بسنده عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "... ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال، فأقول: أصحابي، فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم... "، ثم فسر معنى " أصحابي " بالمرتدين الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر - رضي الله عنه - متابعا في ذلك تفسير شيخه قبيصة بن عقبة. فى حين أن معنى "أصحابي" هو على حقيقته، ولا يصرف إلى معنى المرتدين، ويؤيد ذلك ما رواه البخاري نفسه عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: «لقيت البراء بن عازب - رضي الله عنهما - فقلت: طوبى لك، صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - وبايعته تحت الشجرة. فقال: يا ابن أخي! أنت لا تدري ما أحدثنا بعده».
رامين من وراء ذلك إلى الطعن في نقلة السنة وحماتها.
وجها إبطال الشبهة:
1)لقد حدد العلماء والمحدثون من عناهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «أصحابي» - وفي رواية «"أصيحابي» - في الحديث الذي نحن بصدده بأنهم هم المرتدون الذين ارتدوا على عهد أبي بكر - رضي الله عنه - فقاتلهم أبو بكر، ولم يشر أحدهم إلى أن المعنى الاصطلاحي لكلمة "الصحابي" هو المقصود هنا؛ لتيقنهم بعدالة الصحابة أجمعين.
2)ليس في حديث البراء بن عازب أية إشارة إلى ارتداد الصحابة - رضوان الله عليهم - بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - غاية الأمر أنه لما غبط من التابعي بصحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - سلك مسلك التواضع، فرد عليه قائلا: «أنت لا تدري ما أحدثنا بعده»، فكأنه - رضي الله عنه - تقال ما عليه هو وإخوانه من الصحابة الكرام، في مقابلة ما ينبغي أن يكونوا عليه، فلله درهم، وما أشد تواضعهم، وما أبعد الطاعنين فيهم عن الحق والإنصاف!!!
التفصيل:
أولا. تفسير كلمة (أصحابي) في الحديث المستند إليه:
نشير بادئ ذي بدء إلى أن مثيري هذه الشبهة طعنوا في الصحابة الكرام جميعهم، قبل أن يطعنوا في أشهر أئمة الحديث الإمام البخاري - رحمه الله ـ؛ وذلك أنهم اعتقدوا اعتقادا جازما أن المراد بـ "أصحابي" أو "أصيحابي" في الحديث الذي استشهدوا به - هو المعنى الاصطلاحي لهذه الكلمة، والحق خلاف ما زعموا.
قال الإمام ابن حجر العسقلاني: "قال الفربري: ذكر عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال: هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر، يعني: حتى قتلوا وماتوا على الكفر.
وقال الخطابي: لم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين.
ويدل قوله: "أصيحابي" بالتصغير على قلة عددهم، وقال غيره: قيل: هو على ظاهره من الكفر، والمراد بأمتي أمة الدعوة لا أمة الإجابة. ورجح بقوله في حديث أبي هريرة «فأقول سحقا وسحقا»[1]، ويؤيد كونهم خفي عليه حالهم، ولو كانوا من أمة الإجابة لعرف حالهم بكون أعمالهم تعرض عليه، وهذا يرده قوله في حديث أنس: «حتى إذا عرفتهم»[2]، وكذا في حديث أبي هريرة، وقال ابن التين: "يحتمل أن يكونوا منافقين أو من مرتكبي الكبائر".
وقيل: هم قوم من جفاة الأعراب دخلوا في الإسلام رغبة ورهبة، وقال الداودي: لا يمتنع دخول أصحاب الكبائر والبدع في ذلك، وقال النووي: قيل هم المنافقون والمرتدون، فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل؛ لكونهم من جملة الأمة، فيناديهم من أجل السيما التي عليهم، فيقال: إنهم بدلوا بعدك، أي: لم يموتوا على ظاهر ما فارقتهم عليه. قال عياض وغيره: وعلى هذا فيذهب عنهم الغرة والتحجيل، ويطفأ نورهم. وقيل: هم أصحاب الكبائر والبدع الذين ماتوا على الإسلام، وعلى هذا فلا يقطع بدخول هؤلاء النار؛ لجواز أن يذادوا عن الحوض أولا؛ عقوبة لهم ثم يرحموا، ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل، فعرفهم بالسيما، سواء كانوا في زمنه أو بعده،ورجح عياض والباجي وغيرهما ما قال قبيصة راوي الخبر: إنهم ارتدوا بعده - صلى الله عليه وسلم - ولا يلزم من معرفته لهم أن يكون عليهم السيما؛ لأنها كرامة يظهر بها عمل المسلم. والمرتد قد حبط عمله، فقد يكون عرفهم بأعيانهم لا بصفتهم، باعتبار ما كانوا عليه قبل ارتدادهم، ولا يبعد أن يدخل في ذلك أيضا من كان في زمنه من المنافقين، و" تبقى هذه الأمة فيها منافقوها " فدل على أنهم يحشرون مع المؤمنين، فيعرف أعيانهم، ولو لم يكن لهم تلك السيما، فمن عرف صورته ناداه مستصحبا لحاله التي فارقه عليها في الدينا.
وأما دخول أصحاب البدع في ذلك فاستبعد، لتعبيره في الخبر بقوله "أصحابي "، وأصحاب البدع إنما حدثوا بعده.
وأجيب بحمل الصحبة على المعنى الأعم، واستبعد أيضا أنه لا يقال للمسلم ولو كان مبتدعا: "سحقا"، وأجيب بأنه لا يمتنع أن يقال ذلك لمن علم أنه قضي عليه بالتعذيب على معصية ثم ينجو بالشفاعة فيكون قوله: "سحقا" تسليما لأمر الله مع بقاء الرجاء.
وكذا القول في أصحاب الكبائر، وقال البيضاوي: ليس قوله: "مرتدين" نصا في كونهم ارتدوا عن الإسلام، بل يحتمل ذلك، ويحتمل أن يراد أنهم عصاة المؤمنين المرتدون عن الاستقامة يبدلون الأعمال الصالحة بالسيئة"[3].
إن ثمة ملاحظات أربعا يطرحها النص السابق، وهي جديرة بالذكر في سياق دفع الشبهة المثارة، وتفنيد ما استند إليه أصحابها، وهي على النحو الآتي:
1.لقد أورد الإمام ابن حجر العسقلاني في نصه السابق - وقد أثبتناه كاملا على طوله - أقوال العلماء المحققين في تفسير ما نحن بصدده، وكأنه علم أن سيكون من ورائه طاعنون يطعنون في الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - متمسكين بالمعنى الاصطلاحي لكلمة "أصحابي" في الحديث الذي نحن بصدده، ويطعنون في البخاري، ذاهبين إلى أنه صرف معنى الحديث الذي استندوا إليه عن معناه.
2.لقد أورد ابن حجر العسقلاني في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة" المعنى الاصطلاحي لكلمة "صحابي" فقال: "وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمنا به، ومات على الإسلام؛ فيدخل فيمن لقيه، من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه، أو لم يره لعارض كالعمى" [4]، نقول: لم يغب عن ذهن هؤلاء العلماء لحظة كون الصحابة كلهم عدولا، بتعديل الله - عز وجل -وتعديل رسوله - صلى الله عليه وسلم - لهم، في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
وإن اعتقاد هؤلاء العلماء الجازم بعدالة الصحابة - رضي الله عنهم - ليفسر لنا عدم وجود أية إشارة من أحدهم يستفاد منها - ولو من بعيد - أن المقصود بـ (أصحابي)، و (أصيحابي) في الحديث هو المعنى الاصطلاحي الذي ذكرناه لكلمة (صحابي)، كما يدعي هؤلاء.
3.تتفق الأقوال السابقة في أن المراد بالأصحاب، والأصيحاب ليس المعنى الاصطلاحي عند علماء المسلمين، وإن الباحث المحقق لا يعجز عن أن يجمع ويوفق بين هذه الأقوال جميعها، بأن " المراد بهم: مطلق المؤمنين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - المتبعين لشريعته، وهذا كما يقال لمقلدي أبي حنيفة: أصحاب أبي حنيفة، ولمقلدي الشافعي: أصحاب الشافعي، وهكذا، وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع.
وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له في المذهب: (أصحابنا) مع أن بينهم وبينه عدة من السنين"[5].
4."لو افترضنا أن المراد بالأصحاب في الحديث، الأصحاب في زمنه - صلى الله عليه وسلم - فالمراد بهم: الذين صاحبوه صحبة الزمان والمكان مع نفاقهم"[6] كقوله تعالى )ما ضل صاحبكم وما غوى (2)( (النجم).
ونخلص من هذا إلى أن الذين قصدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله:«أصحابي» ليس على المعنى الاصطلاحي وهم صحابته - صلى الله عليه وسلم - وإنما قصد المرتدين الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر، وبذلك فالمعنى الذي ذكره البخاري هو المعنى الصحيح الذي عليه جمهور العلماء، ومن ثم فلا دليل ولا صحة لهذه الدعوى التي تتهم البخاري بمحاولة صرف أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حقيقتها وظاهرها.
ثانيا. التفسير الصحيح لحديث البراء بن عازب:
لقد استند مثيرو هذه الشبهة إلى الحديث الذي رواه البخاري عن العلاء بن المسيب عن أبيه أنه قال: «لقيت البراء بن عازب - رضي الله عنهما - فقلت: طوبى لك، صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - وبايعته تحت الشجرة، فقال: يابن أخي، أنت لا تدري ما أحدثنا بعده»[7] - في الذهاب إلى أن الصحابة بالمعنى الاصطلاحي للصحبة ارتدوا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحدثوا ما يخالف سنته ومنهجه، وفي الذهاب كذلك إلى أن هذا الحديث يؤكد أن المعنى الاصطلاحي لكلمة "أصحابي"، و"أصيحابي" هو المراد في حديث الذود عن الحوض.
إن هذا الحديث لا يقف دليلا على ما استدللتم به عليه أيها الطاعنون؛ لأن الأمر لا يعدو أن يكون حوارا دار بين تابعي وصحابي، والتابعي غبط الصحابي بصحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مما يغبط به، لكن الصحابي سلك مسلك التواضع في جوابه، رادا عليه بقوله: " يا ابن أخي، أنت لا تدري ما أحدثنا بعده "، وهو يشير إلى ما وقع لهم من النزاعات والحروب وغيرها، فخاف غائلة ذلك، وذلك من كمال فضله[8].
إن الصحابي الجليل البراء بن عازب - رضي الله عنه - يعبر هنا عما يجيش في نفسه ونفوس الصحابة أجمعين - رضي الله عنهم - من تواضع جم، وإحساس بتقصيرهم حيال المكانة التي أنزلهم الله إياها، والمقام الذي أقامهم فيه؛ إذ عدلهم سبحانه، وعدلهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهل هناك شرف أسمى من أن يقول الله - عز وجل - فيهم أجمعين: )رضي الله عنهم ورضوا عنه( (البينة: ٨)؟!!
وقول البراء بن عازب هنا من قبيل قول عمر: " ألا ليت أم عمر لم تلده"[9] فهل هذا سخط من عمرعلى وجوده في هذه الحياة، أو بسبب ذنوب وقع فيها يتمنى أن لم يكن؟! بالطبع لا، بل هو الورع والتواضع، وكل الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - كانوا على هذا الحال من التواضع الجم، والإحساس بالتقصير مهما بلغت طاعتهم لربهم، فما أشد تواضعهم، ونبل أخلاقهم!!
وكيف لا، وقد تربوا في مدرسة النبوة على التواضع الجم الذي علمهم إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم إن هناك سؤالا مهما يطرح نفسه - إذا اعتبرنا قول البراء بن عازب تعبيرا عن ارتدادهم - وهو: هل يشعر المرتد بالذنب ويتألم؟! لا أعتقد ذلك أبدا، فالمرتد مقتنع بما فعل، لا يندم عما أذنب. ومن هنا نعلم ما كان عليه الصحابة الكرام من التواضع والخوف من الله - عز وجل - مع يقيننا أنهم بذلوا ما لم يبذله أحد من أجل هذا الدين.
وعلى هذا فنحن نقرر أن البخاري - رحمه الله تعالى - لم يقصد إلى ما قصد إليه المدعون من اتهامه بصرف الأحاديث عن ظاهرها؛ بل هو أبعد ما يكون عن ذلك لما عرف عنه من سلامة معتقده ودينه، وورعه وعلمه رحمه الله تعالى.
الخلاصة:
·لقد طعن مثيرو هذه الشبهة في الصحابة الكرام جميعهم، بزعم أنهم ارتدوا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يطعنوا في الإمام البخاري - رحمه الله - بزعمهم أنه صرف لفظة (أصحابي - أصيحابي) الواردة في أحاديث الذود عن الحوض يوم الحشر عن معناها الحقيقي الذي قصده النبي صلى الله عليه وسلم.
·لقد أورد ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري أقوال العلماء والمحدثين فيمن عناهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله في الحديث الذي معنا: «أصحابي، أصيحابي»، ولم يوجد لدى أحدهم أية إشارة يستفاد منها أن المعنى الاصطلاحي لكلمة (صحابي) هو المراد هنا.
·إن المراد بكلمة (أصحابي) في هذا الصدد: الذين صاحبوه صحبة الزمان والمكان مع نفاقهم.
·إن البراء بن عازب - رضي الله عنه - لما رد على التابعي الذي غبطه بصحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلا له: «أنت لا تدري ما أحدثنا بعده» - سلك مسلك التواضع، مشيرا إلى ما وقع للصحابة - رضي الله عنهم - بعده - صلى الله عليه وسلم - من حروب وغيرها، فخاف غائلة ذلك، وذلك من كمال فضله، وليس في قولته تلك دليل على ارتداد الصحابة بعد مفارقة النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم.
وإذا كان المعنى الذي ذكره البخاري هو المعنى الصحيح المتفق عليه من قبل العلماء والمحدثين، فإن دعوى محاولة صرف البخاري معاني الأحاديث عن ظاهرها الحقيقي الصحيح دعوى باطلة، هدفها النيل من نقلة السنة وحماتها، وأنى لهم ذلك، وخاصة أنهم قوم استفاضت عدالتهم، ومن استفاضت عدالته لا يقبل الجرح فيه.




(*) الرد على شبهات أحمد الكاتب حول إمامة أهل البيت، السيد سامي البدري، مطبعة قم ـ شريعت، طهران، ط3، 1421هـ.
[1] . صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الطهارة، باب: استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، (2/ 763)، رقم (573).
[2] . صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الرقاق، باب: في الحوض، (11/ 472)، رقم (6582).
[3]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (11/394،393).
[4]. الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة، د. ت، (1/6).
[5]. عدالة الصحابة في ضوء القرآن والسنة النبوية ودفع الشبهات، د. عماد السيد الشربيني، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص36 .
[6]. عدالة الصحابة في ضوء القرآن والسنة النبوية ودفع الشبهات، د. عماد السيد الشربيني، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص37 .
[7]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، (7/515)، رقم (4170).
[8]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (7/516،515) بتصرف .
[9]. حلية الأولياء، أبو نعيم الأصفهاني، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4، 1405هـ، (2/83).



ادعاء أن فارسية البخاري أعاقت تمكنه في الحديث (*)
مضمون الشبهة:
يدعي بعض المشككين أن الإمام البخاري لم يكن متمكنا من علم الحديث والأثر؛ وذلك لأن العلماء اشترطوا في المشتغل بهما أن يكون عالما باللغة العربية وأساليبها وما تحيل إليه ألفاظها ولم يكن هو كذلك.
مستدلين على ذلك بأنه كان فارسيا وليس عربيا، وأن اسمه بردزبه[1] وليس البخاري، وفارسيته هذه قد أعاقته كثيرا عن طلب الحديث.
رامين من وراء ذلك إلى الطعن في الإمام البخاري والتقليل من مكانته العلمية الرفيعة، تمهيدا للطعن في جامعه الصحيح.
وجها إبطال الشبهة:
1)الإمام البخاري ليس فارسي الأصل، وإنما هو من بلاد بخارى على نهر جيحون، تعلم العربية وأتقن فروعها، وقد اشترط في المحدث الكامل أن يكون متقنا للكتابة واللغة والصرف والنحو؛ فكيف يشترط في المحدث شروطا ليست متوافرة فيه؟! ثم إنه لا مشاحة في أن يكون حملة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم.
2)لقد ألهم الإمام البخاري حفظ الحديث منذ صباه، ثم رحل في طلبه إلى جميع الأمصار، حتى حاز قصب السبق، وتبوأ - عن جدارة - مركز الصدارة في علم الحديث والأثر، فكان إمام هذا الشأن والمقتدى به فيه والمعول على كتابه بين أهل الإسلام، وقد شهد بذلك شيوخه وأقرانه ومن جاء بعده.
التفصيل:
أولا.جنسية "الإمام البخاري" لا تمنع إتقانه:
إن الإمام البخاري هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي مولاهم، ولكنه عرف واشتهر بنسبته إلى بلده " بخارى "، وتردد ذكره بهذه النسبة أكثر من ألف عام، والأمة كلها - شرقا وغربا - تعرفه بهذه النسبة.
وعليه، فإن كل إنسان له رأيه فيما يعرف به ويشتهر، فهذا يحب أن يشتهر باسمه، وآخر يحب أن يشتهر بلقب كذا، وثالث يحب أن يعرف بكنية كذا، ورابع يحب أن يشتهر بنسبة كذا، والإمام البخاري قد عرف واشتهر بنسبته إلى بلده، ولم ينسب إلى جده "بردزبه" كما يزعمون.
وأعتقد أنه لو نسب إلى جده "بردزبه" لاستشكلوا أيضا، وقالوا: هذه كلمة غير عربية، وقالوا... وقالوا...، وهم في ذلك كما قال القائل:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا
وبعد، فأي شبهة في نسبة البخاري إلى بلده؟ وما سر حرصهم على تسميته بـ "بردزبه"؟
لا نرى إلا أنهم يريدون إهمال نسبته التي اشتهر بها، والتي صارت فخرا لبلده، وعلما على أصح الكتب بعد كتاب الله - عز وجل - وهو"صحيح البخاري". إنهم يريدون طمس الحقائق بتغيير اسم البخاري الذي اشتهر به وذاع، حتى صارت كلمة البخاري أشهر من اسمه "محمد بن إسماعيل" وفرق كبير بين ما لو قلنا: هذا الحديث أخرجه محمد بن إسماعيل، وقلنا: أخرجه البخاري، فالثاني له كل الثقة في نفسية كل المسلمين، أما الأول فلا يعرفه إلا القلة من المسلمين.
ونضيف إلى ما سبق أن " البخاري " اسمه وأسماء آبائه لها دلالتها الطيبة، فقد كانت أسماؤهم بلغتهم، فلما أسلموا أصبحت أسماؤهم عربية إسلامية، فجده "بردزبه" آخر الأسماء التي بلغة بخارى وكان على دين قومه، ثم أسلم ولده المغيرة على يد اليمان الجعفي وأتى بخارى فنسب إليه نسبة ولاء. ثم " المغيرة " اسم عربي، ثم إبراهيم، ثم إسماعيل، ثم محمد. وهكذا تحولت التسمية من لغة بلدهم بخارى إلى اللغة العربية، بل إلى أسماء إسلامية، مما يدل على حبهم للإسلام واعتزازهم به [2]. فهل يحق لمدع أن يزعم أن البخاري اسمه "بردزبه"؟!
إن الإمام البخاري ليس فارسيا كما يزعمون، وإنما هو من بلاد بخارى على نهر جيحون من بلاد ما وراء النهر، وبخارى الآن من بلاد جمهورية أوزبكستان في آسيا الوسطي، وقد دخل أهل بخارى الإسلام في أول خلافة يزيد بن معاوية (61هـ)، فتحها سلم بن زياد مع مدن أخرى حولها، وأحب أهلها الإسلام، وبذلوا الكثير في نصرته، وشاع العلم وذاع في هذه البلاد، ونبغ فيها كثير من أئمة الإسلام، تعلموا وعلموا[3].
ولا شك أن العربية انتشرت سريعا في هذه البلاد المفتوحة بسبب كثرة العرب الذين استقروا بها بعد فتحها، وحاجة أصحاب هذه البلاد إلى معرفة العربية لغة دينهم الجديد، فالعربية لغة وليست عروقا، فكل من نطق بالعربية فهو عربي، والبخاري من مجتمع يتكلم العربية ويعتنق الإسلام[4]، وكان من البارعين فيها العالمين بمداخلها ومخارجها.
واختلاف الجنسية أو اللغة لا يعوق عن تعلم اللغة العربية، فإن العربية قد برع فيها كثير من غير أهلها، وكذلك الإنجليزية والفرنسية، وعندنا سيبويه الذي يعد أول من ألف في النحو العربي وقعد له فارسي الأصل، وليس عربيا، فقد تعلم العربية وأجاد فيها، فما الإشكال في إجادة البخاري للعربية؟!
وقد ثبت أن البخاري كان له باع طويل في اللغة العربية أتقنها وأحسن فيها، وهذا ما ساعده على حفظ الحديث منذ صغر سنه، ولم يدخل في هذا العلم إلا بعد إتقان اللغة وفروعها، ومما يدل على ذلك ما روي عنه أنه قال لرجل سأله أن يعلمه الحديث: "يابني لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة حدوده والوقوف على مقاديره، فقال له: عرفني حدود ما قصدت له ومقادير ما سألتك عنه، قال: اعلم أن الرجل لا يصير محدثا كاملا في حديثه إلا بعد أن يتيقن من معرفة الكتابة واللغة والصرف والنحو"[5].
أيعقل أن يحدد هذا الرجل شروط العلم بالحديث بتلك الصورة التي ذكرها، ولا يكون عالما بها؟!
وكيف يوصف البخاري بأنه لم يتمكن من الحديث وقد كان والده من المحدثين، وهذا يتضح من قول ابن حبان في كتابه "الثقات": "إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، أبو الحسن، يروي عن مالك وحماد بن زيد، روى عنه العراقيون"[6].
وذكره البخاري في التاريخ الكبير فقال: "إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي أبو الحسن، رأى حماد بن زيد، وصافح ابن المبارك بكلتا يديه، وسمع مالكا"[7].
وقال ابن حجر: "روى عن حماد بن زيد وابن المبارك، وروى عنه يحيى بن جعفر البيكندي وغيره، ذكر ولده عنه ما يدل على أنه كان من الصالحين" [8].
فإذا كان والده أحد المحدثين والرواة، فكيف يكون حاله؟! لابد أنه تربى ونشأ في هذه الأسرة الدينية التي اهتمت بحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بد لحافظ السنة أن يكون ملما بالعربية وأصولها.
لقد أتاح الإسلام لكل المجتمعات التي دخلها أن يتغلغل أصحابها داخل الدولة الإسلامية، ويغترفوا من بحار علومها؛ لذلك وجدنا علماء من بلاد شتى نبغوا وبرعوا في علوم مختلفة كابن فارس، والزجاج، والمبرد، وأبي حنيفة، والترمذي، والزمخشري، وسيبويه وغيرهم.
إن العبرة ليست بالأصل العربي أو الأعجمي، ولكن العبرة بالاجتهاد والعمل.
وبالنظر إلى ما سبق يتضح لنا أن الإمام البخاري لم يكن عربيا، إنما كان أعجميا - كما هو الحال في أكثر حملة العلم في الإسلام[9]، ولكنه مع ذلك قد ألم بالعربية وعلومها حتى بلغ فيها مبلغا عظيما، استطاع من خلاله أن يبحر في علم الحديث حتى كان إمام أهله وأمير المؤمنين فيه بلا منازع، وقد اتضح ذلك من إجماع الأمة على مكانته العالية في الحديث.
ثم إنه لا مشاحة في أن يكون حملة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم، وفي ذلك يقول حاجي خليفة في "كشف الظنون": "وذلك من الغريب الواقع، لأن علماء الملة الإسلامية في العلوم الشرعية والعقلية أكثرهم من العجم إلا في القليل النادر، وإن كان منهم العربي في نسبته فهو أعجمي في لغته، والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة لمقتضى أحوال البداوة، وإنما أحكام الشريعة كان الرجال ينقلونها في صدورهم، وقد عرفوا مأخذها من الكتاب والسنة بما تلقوه من صاحب الشرع وأصحابه، والقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتدوين، ولا دعتهم إليه حاجة إلى آخر عصر التابعين، وكان يسمون المختصين بحمل ذلك ونقله القراء، فهم قراء لكتاب الله - سبحانه وتعالى - والسنة المأثورة التي هي في غالب موارده تفسير له وشرح.
فلما بعد النقل من لدن دولة الرشيد احتيج إلى وضع التفاسير القرآنية، وتقييد الحديث مخافة ضياعه، ثم احتيج إلى معرفة الأسانيد وتعديل الرواة، ثم كثر استخراج أحكام الواقعات من الكتاب والسنة، وفسد مع ذلك اللسان، فاحتيج إلى وضع القوانين النحوية، وصارت العلوم الشرعية كلها ملكات في الاستنباط والتنظير والقياس، واحتاجت إلى علوم أخرى هي وسائل لها؛ كقوانين العربية وقوانين الاستنباط والقياس، والذب عن العقائد بالأدلة، فصارت هذه الأمور كلها علوما محتاجة إلى التعليم، فاندرجت في جملة الصنائع، والعرب أبعد الناس عنها. فصارت العلوم لذلك حضرية والحضر هم العجم أو من في معناهم؛ لأن أهل الحواضر تبع للعجم في الحضارة وأحوالها من الصنائع والحرف؛ لأنهم أقوم على ذلك للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس.
فكان صاحب صناعة النحو سيبويه، والفارسي، والزجاج كلهم عجم في أنسابهم، اكتسبوا اللسان العربي بمخالطة العرب وصيروه قوانين لمن بعدهم، وكذلك حملة الحديث وحفاظه أكثرهم عجم أو مستعجمون باللغة. وكان علماء أصول الفقه كلهم عجما، وكذلك حملة أهل الكلام وأكثر المفسرين، ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلا الأعاجم.
وأما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة وخرجوا إليها عن البداوة فشغلتهم الرياسة في الدولة العباسية، وما دفعوا إليه من القيام بالملك عن القيام بالعلم، مع ما يلحقهم من الأنفة عن انتحال العلم لكونه من جملة الصنائع، والرؤساء يستنكفون عن الصنائع، وأما العلوم العقلية فلم تظهر في الملة إلا بعد أن تميز حملة العلم ومؤلفوه، واستقر العلم كله صناعة فاختصت بالعجم وتركها العرب فلم يحملها إلا المستعربون من العجم"[10].
فلا عيب إذن أن يكون البخاري أعجميا أو فارسيا؛ إذ قد تفوق على أقرانه من العرب وغيرهم، ولا مشاحة أن يكون أمير المؤمنين في الحديث.
ثانيا. اهتمام البخاري بطلب العلم ومكانته بين العلماء:
لقد ابتدأ الإمام البخاري طلبه للعلم وهو في سن مبكرة جدا، وكانت همته في ذلك عالية.
ومما يؤكد هذا ما جاء عن أبي حاتم الوراق النحوي؛ حيث قال: "قلت لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟
قال: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب، قال: وكم أتى عليك إذ ذاك؟
قال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكتاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره، وقال يوما فيما كان يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم. فقلت: يا أبا فلان؛ إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم، فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل ونظر فيه، ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام؟ فقلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم، فأخذ القلم مني وأحكم كتابه، فقال: صدقت، فقال له بعض أصحابه: ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ قال: ابن إحدى عشرة، فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء، ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججت، رجع أخي وتخلفت بها في طلب الحديث، فلما طعنت في ثماني عشرة جعلت أصنف فضائل الصحابة والتابعين وأقاويلهم، وذلك أيام عبيد الله بن موسى، وصنفت كتاب "التاريخ " إذ ذاك عند قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الليالي المقمرة، وقال: قل اسم في "التاريخ " إلا وله عندي قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب"[11].
يقول عبد السلام المباركفوري: "وكما أن البخاري ألهم حفظ الأحاديث منذ العاشرة من عمره، وما زالت هذه الرغبة تنمو وتزداد منه، كذلك كان حريصا على تمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها، ومعرفة علل الحديث، والاطلاع على أحوال رواة الحديث، ومعرفة عدالتهم، وضبطهم، وأمانتهم، وصدقهم، ومعيشتهم، ومسكنهم، ومولدهم، ووفياتهم، ولقائهم فيما بينهم، ومقارنة الأسانيد بعضها ببعض، ومعرفة اتصالها وانقطاعها، والبلوغ بالفنون الحديثية إلى أسمى مكانتها، واستنباط المسائل من الأحاديث، وجمعها ومقارنتها بالآيات القرآنية.
وخلاصة القول أن البخاري كان مغرما بهذه الأمور منذ البداية، ومع مرور الأيام كانت هذه الأفكار تترسخ في قلبه وتقوى[12].
ولم يقف طلب العلم عند الإمام البخاري على الكتاب، بل لقد رحل في طلب الحديث إلى سائر محدثي الأمصار، وكتب بخراسان والجبال، ومدن العراق كلها، وبالحجاز، والشام، ومصر"[13].
وعليه، فإن تبكير الإمام البخاري في طلب العلم والحديث كانت له أسبابه وعوامله التي أعانت عليه، من ذلك طيب أصله، وأصالة معدنه؛ حيث كان أبوه من كبار المحدثين، وأمه من العابدات الصالحات.
وقبل هذا كله توفيق الله - عز وجل - له وحفظه ورعايته[14].
وليس هذا فحسب، بل لقد وهب الله - عز وجل - الإمام البخاري قوة في الحافظة، ونباهة في الخاطر، وسيلانا في الذهن، جعلت منه - بفضل الله تعالى - أعلم أهل الأرض بالحديث وأحفظهم له.
قال محمد بن خميرويه: "سمعت البخاري يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح، وقال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري"[15].
ويؤكد هذا ما رواه أبو أحمد بن عدي قائلا: "سمعت عدة مشايخ يقولون: إن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه، فعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس، لكل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه، فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: فهم الرجل، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم، ثم انتدب رجل آخر فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فلم يزل يلق عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، ثم انتدب له الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه، فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا وصوابه كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها، فأقر الناس له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل"[16].
فهذا أكبر دليل على تمكن البخاري من الحديث، وأن أصله الأعجمي لم يقف قط أمام إبحاره في هذا العلم كما يدعي هؤلاء.
قال ابن حجر: "هنا يخضع للبخاري، فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب، فإنه كان حافظا، بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه من مرة واحدة[17].
ولأجل هذا وذاك أثنى العلماء - قديما وحديثا - على الإمام البخاري ثناء قلما يبلغه أحد مثله، ونبدأ بثناء شيوخه عليه؛ لأن رأى الشيخ في تلميذه يكون أصح من غيره، فهو كثيرا ما يجد فرصا لاختبار ذكائه وفهمه وحفظه.
وكان سليمان بن حرب - وهو من شيوخ البخاري - يقول له: " بين لنا غلط شعبة"[18].
ولم يقف الثناء على الإمام البخاري عند شيوخه وأقرانه ومعاصريه، بل امتد الثناء عليه إلى المتأخرين عنه، فقد قال الحافظ ابن حجر: "لو فتحت باب ثناء الأئمة عليه - أي: البخاري - ممن تأخر عن عصره، لفني القرطاس، ونفدت الأنفاس، ذاك بحر لا ساحل له"[19].
ويقول عبد السلام المباركفوري: "والحق أن الاستدلال على تبحر إمام المحدثين في العلم وذكائه وقوة اجتهاده وسيلان ذهنه بأقوال المتأخرين، كرفع السراج أمام الشمس.
قال السبكي:
علا عن المدح حتى ما يزان به
كأنما المدح من مقداره يضع"[20]
وعن صحيحه قال الذهبي: "وأما جامع البخاري الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى، قال: وهو أعلى في وقتنا هذا إسنادا للناس، ومن ثلاثين سنة يفرحون بعلو سماعه فكيف اليوم؟ فلو رحل الشخص لسماعه من ألف فرسخ لما ضاعت رحلته"[21].
وقال الحافظ ابن كثير: "وكتابه الصحيح يستسقى بقراءته الغمام، وأجمع على قبوله وصحة ما فيه أهل الإسلام"[22].
وقال أبو حامد الأعمش: "سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل فقبل بين عينيه، وقال: دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله".
وقال أبو جعفر العقيلي: "لما صنف البخاري كتاب الصحيح، عرضه على ابن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحاديث".
قال العقيلي: "والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة".
وقال الحاكم أبو أحمد: "رحم الله محمد بن إسماعيل الإمام، فإنه الذي ألف الأصول وبين للناس، وكل من عمل بعده فإنما أخذه من كتابه"[23].
وروى الخطيب البغدادي بإسناده أن علي بن حجر قال: "أخرجت خراسان ثلاثة: أبا زرعة الرازي بالري، ومحمد بن إسماعيل ببخارى، وعبد الله بن عبد الرحمن بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم"[24].
ويقول المباركفوري: "لا يوجد مكان على وجه الأرض وصل إليه الإسلام إلا ونجد " صحيح البخاري " فيه، وهذا الكتاب المبارك من أهم وأبرز الأمور التي دعت الأمة الإسلامية إلى تلقيب الإمام البخاري بإمام المحدثين وأمير المؤمنين في الحديث، ولم يحصل قط وعلى امتداد التاريخ الإسلامي أن نال أي مصنف لأي محدث أو أي مؤلف لأي إمام ولا فقيه من المتقدمين أو المتأخرين ما ناله هذا الكتاب من الفضل والقبول لدى الأمة"[25].

والحاصل هنا أن هذه الدرجة الرفيعة التي وصل إليها البخاري في الحديث، وهذه الشهادات التي شهد بها القاصي والداني، والقديم والحديث من العلماء الثقات، أكبر دليل على أن كونه غير عربي لم يؤثر ألبتة في تمكنه من هذا العلم، وذلك بعد إتقانه التام للغة القرآن والحديث.
فهل بعد هذا يحق لأحد أن يقول: إن عجمة الإمام البخاري أثرت في طلبه للحديث وتمكنه فيه؟!
الخلاصة:
·الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - كان أعجميا لكنه لم يكن فارسيا، وهذا خطأ في النسبة من هؤلاء المشككين وهو يدل على عدم علمهم بالحقائق التاريخية؛ إذ كان من بخارى؛ من بلاد ما وراء النهر، ومع هذه العجمة فإنه تعلم العربية وأتقنها، حتى كأنه من أهلها، فلا يضيره كونه أعجميا.
·إن مما يدل على إتقان البخاري للعربية أنه اشترط في المحدث الكامل أن يتقن الكتابة واللغة والصرف والنحو، فكيف يشترط شروطا ليست متوافرة فيه، وهو إمام الحديث وأمير المؤمنين فيه؟!
·لقد ألهم الله - عز وجل - الإمام البخاري حفظ الحديث في سن مبكرة فتتلمذ على سائر محدثي الأمصار، ثم رحل إلى مكة لقضاء فريضة الحج، وظل بها حتى أتقن علم الحديث والتاريخ، وكان الإمام البخاري مغرما بعلم الحديث وعلله وأسانيده منذ صباه، فحدث عن ألف وثمانين شيخا من شيوخ الحديث.
·تربى الإمام البخاري في أسرة ترعى العلم؛ فأبوه كان من كبار المحدثين، وقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير"، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب"، وأمه كانت من العابدات الصالحات.
·لقد شهد شيوخ البخاري وأقرانه ومعاصروه ومن جاء بعده بتفرده وإمامته في الحديث، وما يتعلق به، وأثنوا عليه ثناء قلما يبلغ أحد مثله.
·كان أكثر حملة العلم في الإسلام من العجم، فلم تؤثر أعجميتهم في تقدمهم في مجالات مختلفة في النحو والبلاغة والأدب والفقه والحديث، بل إنهم قعدوا لهذه العلوم.
إذن، فليس البخاري بدعا في ذلك بل كان كغيره من غير العرب الذين أبدعوا في هذا الفن من فنون العلم، وأجاد فيه حتى أصبح علما شامخا، وإماما متبعا.



(*) دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1421هـ/2001م.
[1]. "بردزبه": جد البخاري، ومعناها: الزراع.
[2] . دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1421هـ/2001م، ص240،239 بتصرف.
[3] . دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1421هـ/2001م، ص237.
[4]. دفع الشبهات عن السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1421هـ/2001م، ص238 بتصرف.
[5]. تهذيب الكمال، المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/462، 463) بتصرف.
[6]. الثقات، ابن حبان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط1، 1393هـ/ 1973م، (8/98).
[7]. التاريخ الكبير، البخاري، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، د. ت، (1/343،342).
[8]. تهذيب التهذيب، ابن حجر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (1/240).
[9]. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ/1990، (1/40:38) بتصرف.
[10]. كشف الظنون، حاجي خليفة، (1/40).
[11]. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/440،439).
[12]. سيرة الإمام البخاري، عبد السلام المباركفوري، إدارة البحوث الإسلامية، الهند، ص47.
[13]. تهذيب الكمال، المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/431).
[14]. الإمام البخاري وصحيحه الجامع، أحمد فريد،دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/2006م، ص21.
[15]. تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (2/556).
[16]. تهذيب الكمال، الحافظ المزي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1413هـ/ 1992م، (24/ 452، 454).
[17]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص511.
[18]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، (12/ 419).
[19]. سير أعلام النبلاء، الذهبي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1410هـ/ 1990م، ص510.
[20]. سيرة الإمام البخاري، عبد السلام المباركفوري، إدارة البحوث الإسلامية، الهند، د. ت، ص122.
[21]. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، الذهبي، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1407هـ/ 1987م، (19/242).
[22]. البداية والنهاية، ابن كثير، دار التقوى، القاهرة، 2004م، (6/82).
[23]. هدي الساري مقدمة فتح الباري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص 513،514 بتصرف .
[24]. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، (2/28).
[25] . سيرة الإمام البخاري، عبد السلام المباركفوري، إدارة البحوث الإسلامية، الهند، د. ت، ص159.