المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاسلام في الصين



عميد اتحادي
16-05-2014, 01:00 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موضوعي بعنوان : الاسلام في الصين

المسلمون في الصين يعدون ثاني أكبر أقلية إسلامية في قارة آسيا بعد الهند ، حيث يبلغ عدد المسلمين في الصين حسب إحصائية الحكومة في الثمانينيات (20) مليوناً، والآن يقول كثير من المهتمين، إنَّ عدد المسلمين يزيد عن (30) مليون مسلم .

وتبلغ القوميات المسلمة في الصين عشر قوميات من (56) قومية بالصين ، وأكبر القوميات المسلمة قومية هوى وهم المسلمون الذين هاجروا إلى الصين من وسط آسيا وبلاد فارس، ويبلغ تعدادها حسب آخر إحصاء عام 1990م حوالي (10 ) ملايين نسمة ، وبالنسبة لباقي القوميات التسع فهي :
اليغور، القازاق، القرغيز، الأوزبيك، التتار، دونغشيناغ، باو آلان، سالار.
وقد أثر الإسلام في هذه القوميات تأثيراً واضحاً تجلى في التزامها بالتعاليم الإسلامية في جميع مناحي الحياة :
في الطعام والشراب والملابس والمنازل والأعياد والاحتفالات الدينية.

فتعالوا معنا لنسلط الضوء على الإسلام والمسلمين في الصين :
- تاريخ وصول الإسلام إلى الصين :

من خلال تتبع الروايات التي تتحدث عن وصول الإسلام إلى الصين نلحظ أنها أخذت ثلاث طرق :

1- عن طريق التجار المسلمين الذين كانوا يسلكون :
أ- الطريق البري" طريق الحرير" الموصل إلى غرب الصين .
ب- الرحلات البحرية .
فكان لسلوكهم الإسلامي وحسن تعاملهم وأخلاقهم الأثر الكبير في نتشار الإسلام في الصينيين.

2- البعثات الإسلامية ، فكانت أول بعثة توجهت للصين بعثها عثمان ابن عفان (رضي الله عنه) عام 34 هـ - 651م، وذلك في عهد أسرة تانغ الصينية الممتدة من (618 - 907 م)، ومنذ ذلك الوقت بدأت السفارات بين الدولة الإسلامية والصين ، وقد شهد عهد الدولة الأموية عدة اتصالات مع الصين وكانوا يسمونهم ( أصحاب الملابس البيضاء )، واستمر هذا الوضع في عهد الدولة العباسية وكانوا يسمونهم ( أصحاب الملابس السوداء )، حتى قيل : أن أن الإمبراطور الصيني (سوشونغ) طلب مساعدة الخليفة المنصور في القضاء على الفتنة التي قام بها الثائر (آن لوشتان) فأرسل له المنصور جيشا عدته 4000 جندى، فقضى على الفتنة وأعاد الأمور إلى نصابها، وقد ظل هذا الجيش في الصين واستقر أفراده هناك وتزاوجوا مع الصينيين وكثر عدد المسلمين هناك.

3- الفتوحات الإسلامية التي وصلت إلى غرب الصين على يد قتيبة بن مسلم الباهلي قبل نهاية القرن الأول الإسلامي ، والتي تمثلت في فتح تركستان الشرقية ، ورغم أن الفتوحات لم تتوغل داخل الصين إلا أن الحركة التجارية وغيرها من صور الاحتكاك بين الأقاليم الصينية أسهمت في نقل الإسلام ونشره في الداخل .

ومنذ عام 651م في عهد "أسرة تانغ "أخذ الوجود الإسلامي يزداد باستيطان عدد من التجار والمهاجرين جنوب وغرب الصين ، وأصبح لهم مناطق يعرفون بها فتركزت كتلة المسلمين في الغرب خاصة تركستان ،وكان المسلمون خليطا من الفرس والعرب ثم انضم إليهم الترك بعد ذلك .

ولما جاء عهد "أسرة سونغ " ازداد تواجد المسلمين مما دعاه إلى تخصيص مناطق يعيشون فيها ، وتعيين قاض يحكم بينهم بالأحكام الإسلامية ، فأصبح للمسلمين مساجدهم التي كان من أولها مسجد " ذكرى النبي " الذي بني قبل 1400عام ، وكان لهم مدارسهم ونشاطهم التجاري والاقتصادي .

ولما وصل المغول للحكم وتأست أسرة يوان (676هـ -1286م ، 769 هـ -1377 م )تغير هذا الوضع ، فازدادت أعداد المسلمين القادمين من البلاد العربية والإسلامية إلى الصين واستقروا في مناطق كثيرة في شتى أرجاء الصين، واعتمد عليهم المغول في العديد من المناصب الحكومية وبدأوا يكونون مراكز قوى فشكلوا بذلك طبقة جاءت في المرتبة الثانية بعد الحكام المغول، وخلال تلك الفترة ظهر بين المسلمين الوزراء والعلماء والأدباء وكبار الموظفين والتجار، إلى جانب عامة الشعب من العمال والفلاحين والصناع، ومن أبرز الشخصيات الإسلامية التي طفت على سطح الحياة الصينية شمس الدين عمر القائد السياسي البارز الذي تقلد عدة مناصب منها (حاكم ) ولاية يونان في سنة (673 هـ - 1274 م ) وعمل أثناء حكمة على تثبيث أقدام المسلمين بهذه الولاية ، والرجل الثاني في الإمبراطورية الوزير أحمد البناكتي ، والوزير المعمارى اختيار الدين الذي صمم مدينة (دادو) عاصمة أسرة يوان، والعالم المسلم نصير الدين الطوسي الذي كان لكتبه أثر كبير في تطور علم الفلك الصيني، والعالم المسلم قوشو جينغ الذي اخترع تقويماً جديداً تم العمل به في الصين لفترة طويلة، وهودنغ تشو مؤسس التعليم المسجدى الصيني، ووانغ داي يوي الذي ألف العديد من الكتب الإسلامية باللغة الصينية، وبعض الشعراء أمثال (سعد الله، وشمس الدين، والشاعر الرسام قاوكة قونغ، أحمد يوقناك، والأديب لي شتي)، والبطل البارز هو دا هاى، والبحار المسلم تشنغ خه، وهاى روى رجل العدل والعفة.

وفي عهد " أسرة منغ " واصل المسلمون الاندماج في المجتمع الصيني ، ولكنهم حافظوا على تقاليدهم الإسلامية ، واكتسب الإسلام أتباعاً جدداً بالمصاهرة بين الأسر من أصل عربي أو إيراني وبين الأسر الصينية ، وظل المسلمون محتفظون بمناصب مهمة في الدولة ، وكان للإسلام احترام عظيم ، وظهرت الفنون الإسلامية في الفن المعماري الصيني .

وفي عهد " أسرة المانشو " في القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر الميلادي تغيرت أوضاع المسلمين ،حيث قاموا بعدد من الثورات وأحد الأسباب الرئيسية لثورة المسلمين ضد حكام الصين هو ذلك الحجم الكبير من الظلم الذي كان يمارسه بعض الحكام وخاصة أسرة 'المانشو' خلال القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر ضد الناس بصفة عامة والمسلمين بصفة خاصة.
وعلى مدى أكثر من مائة عام وفي الفترة من [1758-1873م] هبت أربع ثورات كبرى لمسلمي الصين.. بالإضافة إلى عشرات الثورات المحدودة..
وكانت الثورة الكبرى الأولى عام 1758 في ولاية قانصو بقيادة سوسي سان. وكانت الثورة الثانية من عام 1825 – 1827 في مقاطعة سينكيانج. وكانت الثالثة في عام 1855 في مقاطعة يونتان واستمرت 18 عاما . وكانت الرابعة عام 1855 في مقاطعات سنيكيانج وقانصو وشنشي واستمرت عشرين عاما.
وفي أثناء ذلك قتل مئات الألوف من المسلمين ومنعوا من أداء شعائر الحج وتم ذبح أبقارهم لإجبارهم على أكل لحم الخنزير واستخدمت الضرائب لإفقارهم وتعرضوا لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد والقهر أسوأ مما كان سائدا في العصور الوسطى. وهكذا لم يرضخ المسلمون للضغوط ولا للتعذيب ولا لسياسات الاحتواء وأصروا على الاحتجاج. وبالتالي فالوجود الإسلامي في الصين لم يكن أمرا سهلا بل كان له ثمن باهظ دفعه المسلمون حتى أصبحوا جزءً من هذا المجتمع.

أما تاريخ المسلمين الصينيين في القرن العشرين :

فيمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل :

المرحلة الأولى :
وهي منذ بداية القرن العشرين وحتى قيام ثورة ماوتسي تونج عام 1949 م ،حيث تغير الحال بعد أن قضى الثوار الوطنيون على حكم المندشوريين عام 1910م بمساعدة الأقلية المسلمة، وبدأت بوادر الانتعاش في الحياة الإسلامية تظهر من خلال كثرة المساجد والمؤسسات الإسلامية التي أنشئت خلال تلك الفترة والتي من أهمها:
- المنظمة الإسلامية الصينية التقدمية التي تأسست عام 1912م في بكين، والتي كان لها دور كبير في نشر التعليم الإسلامي واللغة العربية وبناء المدارس والمساجد.
- المنظمة الثقافية الإسلامية الصينية التي تأسست عام 1928 في مدينة شنغهاي، وكان من أبرز أعمالها تأسيس المدارس والمكتبات والاهتمام بدراسة علوم القرآن والحديث.
- المنظمة الإسلامية لعموم الصين التي بدأت نشاطها عام 1938، وانبثقت عنها مليشيات إسلامية اشتركت مع الجيش الصيني في مواجهة الغزو الياباني (37 - 1945م)، ومن أهم أعمالها كذلك ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية، وتنشيطها حركة البعثات التعليمية إلى الجامعات المصرية والتركية لدراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية.
أما المساجد التي بنيت إبان الحكم الوطني فقد وصل عددها إلى 42 ألفاً، ألحق بأغلبها مدارس تعليمية، ففي ولاية كاشغر - على سبيل المثال- بني 400 مسجد، وفي بكين 49، وفي نانكين 27، وفي شنغهاي 14 مسجداً.
وفي ظل هذا الاستقرار استعاد المسلمون في الصين بعضاً من حقوقهم السياسية، فأصبح يمثلهم مائة نائب في البرلمان الصيني عام 1947، وعدد من الوزراء والضباط في الحكومة والجيش. كما انتشرت الجامعات والمعاهد العلمية الإسلامية التي اهتمت بنشر العلوم الإسلامية وبخاصة علوم الحديث والتفسير، وكان من أهمها:
- جامعة كاشغر الإسلامية في تركستان الشرقية.
- جامعة هوتشيوو في ولاية كانسو.
- إضافة إلى معهدين إسلاميين أحدهما في بكين أطلق عليه اسم معهد الدراسات العليا الإسلامية، والآخر يسمى معهد واي كينغ بولاية هونان.
وانعكس كل ذلك على الحياة العلمية والثقافية وسط الأقلية المسلمة، فترجمت العديد من أمهات الكتب الإسلامية، وظهرت لأول مرة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الصينية ( هناك من يقول أن أول ترجمة لمعاني القرآن ظهرت في سنة 1279 هـ -1862 م ) ،وكتاب السيرة النبوية .

أما المرحلة الثانية ( عهد الحكم الشيوعي ):
فتبدأ بقيام الثورة بزعامة ماوتسي تونج عام 1949 م وقد اتسمت في بدايتها بالتعاطف مع المسلمين وتحقيق بعض طموحاتهم وذلك ردا للجميل لأن المسلمين ساندوه في ثورته ؛ إلا أن هذا التعامل الإيجابي لم يستمر طويلا بحكم تطورات الثورة وتطورات النظام الشيوعي والثورة الثقافية التي أحكمت قبضتها على كل الأقليات، وبدأ اضطهاد المسلمين منذ منتصف الخمسينات .

ففي الفترة بين [1956-1980] بدأ المساس بمشاعرالمسلمين ، واخذت نسبة التضييق والظلم تتزايد ، ظهر ذلك في :

فرض نظام الزواج المختلط على المسلمين ، ونظام الكميونات ، ونظام المعيشة المشتركة وصودرت أملاك الأوقاف الإسلامية ، وقضي على مرتبات الوعاظ والمدرسين ، فاضطروا للعمل داخل الكميونات ، وقاوم المسلمبن في ولايات جانصو، وتسنغاي ، والتركستان الشرقية ، والتبت ، فقبض الشيوعيون على زعماء المسلمبن وأودعوا السجن وأحرقت الكتب الإسلامية ؛ ففقد المسلمون الصينيون مخطوطات نادرة ، وأغلقت المساجد وحول البعض إلى (ورش ومخازن ) ، وأبقوا على مسجد واحد في بكين ليصلي فيه الدبلوماسيون المسلمون ، وألغيت العطلات الإسلامية ، ومنع المسلمون من ارتداء ثيابهم القومية ، وأجبروا على ارتداء الملابس الزرقاء ، وألغيت تصاريح صرف (أكفان الموتي ) وتظاهر المسلمون في ولاية (يونان ) مطالبين بعطلة يوم الجمعة ، وفي هذه المرحلة حاول النظام الشيوعي مسخ الشخصية الإسلامية وخصائصها الفردية .

وبالنسبة للفترة الثالثة :
وهي فترة الثمانينات والتسعينيات فتتسم بعدة أحداث كان لها أثر على النظرة الصينية الرسمية للإسلام والمسلمين ومنها :

الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979 فجاملت المسلمين لكي تظهر دعم الإسلام في مقابل الاعتداء السوفيتي على الإسلام والمسلمين. واستمرت القيادة الجديدة في الصين بعد سحق عصابة الأربعة عام 1978 في إشاعة مناخ الانفراج النسبي لدى أصحاب الأديان بعد العنف والاضطهاد طوال سنوات الثورة الثقافية العشر. هذا كله أعطى الأمل لمسلمي الصين للظهور على الساحة فتم السماح للمؤتمر الرابع للجمعية الإسلامية الصينية بالانعقاد بعد غيبة 17 عاما ، وعين أحد المسلمين نائبا لرئيس الوزراء عام 1990م.

وكان لتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 انعكاسا على الأوضاع في الصين فظهرت ست جمهوريات حصلت على استقلالها وهويتها الإسلامية وفي نفس الوقت لها حدود مع الصين في الشمال والغرب وثار التساؤل عن تأثير ذلك على الشمال والغرب الصيني الذي يعيش فيه المسلمون الصينيون ، وكل ذلك على العموم وبفضل الله كان لصالح المسلمين.

وبدأت مرحلة جديدة مع عام (1389 هـ - 1978 م ) ، وأوجد قانون ينص على عدم انتهاك أعراف وعادات أبناء الأقليات القومية ، ووعد :

بإعادة فتح المعهد الإسلامي ، إعادة إصدار مجلة ( المسلمين ) ، واستئناف بعثات الحج ، وإعادة فتح المساجد المغلقة وهى أكثر من 1900 مسجد في التركستان الشرقية وحدها ، وعدد المساجد في الصين ( 40327 ) مسجداً ، وإعادة العطلات الإسلامية .

وساهمت الحكومة بنفقات إصلاح المساجد ، وسمحت بدخول أعداد من المصاحف من الدول العربية ، وزار وفد من مسلمي الصين باكستان ، والبحرين ، والكويت ، وعمان ، واليمن الشمالي ، وإيران .

وفي سنة (1400 هـ - 1980 م وأرسلت الجمعية الإسلامية الصينية مندوبين عنها لحضور المؤتمر الإسلامي في باكستان ، كما عقد مؤتمراً إسلامياً في تركستان الشرقية وأعلن عن مشروع لطبع القرآن الكريم والكتب الدينية .

- واقع المسلمين الصينيين اليوم :

المسلمون في الصين اليوم منتشرون في كل مكان منها، وهم كذلك يجتمعون في أحياء أو مناطق معينة تخصُّهم، وهذه ميزة للمسلمين في الصين؛ فهم منتشرون ومع انتشارهم فهم مجتمعون، وأكثر وجود المسلمين في شمال غرب الصين، وهي منطقة تتكون من خمس مقاطعات هي:

سنغيانغ (أويغور) ويمثلون نسبة 71 % من سكانها،وشنغهاي (65%)، ونينكسياهوي (35%)، وكانسو (31%)، ومنغوليا الداخلية (29%)، والظروف الاقتصادية في هذه المقاطعات متخلفة اقتصادياً وعلمياً وصحياً. بالإضافة إلى 12 ولاية أخرى -من بينها العاصمة بكين- تزيد نسبة المسلمين فيها عن 10%.

وأمَّا مناطق جنوب الصين فإنَّ المسلمين قليلون فيها جداً، مع أنَّها أوَّل محطة وصل إليها المسلمون .

وأمَّا شرق الصين فيوجد فيها بعض المسلمين إلا أنَّهم قليلون، ويوجد فيها مساجد قليلة، ولأن شرق الصين مركز (الكنفوشيوسية) وتعتبر مقرّاً ثقافياً واقتصادياً قويّاً؛ فإنَّ بعض أبناء المسلمين يتعلمون هناك حتى يحصلوا على منصب حكومي.

وأمَّا الناحية الدينية في شرق الصين أو شمال الصين فإنَّها ضعيفة، وبعض الشباب يعــرف أنه مــن عائلة مسلمة، ولا يعرف شيئاً غير ذلك، بالإضافة إلى أنَّه لا يأكل لحم الخنزير، وأمَّا أركان الإسلام والإيمان فلا يعرف منها شيئاً، فهو مسلوب الهوية، ولكن مع هذا فعنده عاطفة قوية للدفاع عن الإسلام، وإذا قال لهم أحدٌ: إنَّ الإسلام غير جيد، فإنهم يغضبون ويدافعون عن الإسلام، ولكن حين تسألهم ما الإسلام؟ فإنهم لا يعرفون شيئاً؛ لأنهم حينما درسوا بالابتدائية، والمتوسطة، والثانوية، والجامعة، تسلَّل إلى أذهانهم فكر الشيوعيَّة وفاقد الشيء لا يعطيه.

وتبلغ القوميات المسلمة في الصين ( كما ذكرنا في المقدمة ) عشر قوميات من (56) قومية بالصين ، وأكبر القوميات المسلمة قومية هوى وهم المسلمون الذين هاجروا إلى الصين من وسط آسيا وبلاد فارس، ويبلغ تعدادها حسب آخر إحصاء عام 1990 حوالي 10 ملايين نسمة ، وبالنسبة لباقي القوميات التسع فهي :
اليغور، القازاق، القرغيز، الأوزبيك، التتار، دونغشيناغ، باو آلان، سالار.

وقد أثر الإسلام في هذه القوميات تأثيراً واضحاً تجلى في التزامها بالتعاليم الإسلامية في جميع مناحي الحياة :
في الطعام والشراب والملابس والمنازل والأعياد والاحتفالات الدينية.

وشاء الله تعالى أنه مع تغير الظروف الدولية التي جاءت كلها لمصلحة المسلمين في الصين أن يعيشوا أحسن فترات تاريخهم.. فالآن هناك حرية كاملة لأهل الأديان وعلى رأسهم المسلمون وفي السنوات الماضية بنيت أعداداً كبيرة من المساجد ، ففي بكين عاصمة الصين يوجد ستون مسجداً، ويوجد بها مثقفون مسلمون ومفكرون ، وبعض المسؤولين في الحكومة من المسلمين .

لقد تفاعلت الصين مع المد الإسلامي المتعاظم عالميا بإظهار قدر كبير من المرونة وضمان أكبر قدر من الاهتمام بمصالح المسلمين.

فظهر تعاطف الدولة مع المسلمين وتشجيعهم على ترجمة العديد من الكتب الإسلامية وإجراء دراسات عن الحركات الإسلامية المعاصرة وتوجيه الدعوات للمسئولين عن الشؤون الإسلامية في الدول العربية لزيارة الصين. وهكذا ظهر اهتمام الدولة الصينية بالظاهرة الإسلامية تمشيا مع المد الإسلامي العالمي في إطار التفاعل مع ما يحدث في العالم. كما حاولت الصين إدارة علاقات أوسع مع العالم الإسلامي كسبا للمصالح.. فاهتمت الصين بمنطقة الخليج العربي الغني بالبترول والطاقة.. وهي منطقة تمثل سوقا للصين فرأت الصين أن الاهتمام بالأقلية المسلمة فيها سيسهم في تدعيم علاقتها بدول الخليج بل بكثير من دول العالم الإسلامي التي للصين علاقات معها.

وأخذت الحكومة توكل لبعض المسلمين بعض الأعمال، كمجلس الشورى السياسي، فيوجد من يكون إمام مسجد وهو عضو في مجلس الشورى السياسي الصيني، وهذا الرجل يشارك في إبداء اقتراحات، كغيره من المندوبين النصارى وغيرهم، ويقدمون آراء واقتراحات ويشاركون بذلك في ذلك المجلس.

أما ما يتعلق بأنشطة المساجد فقد أصدرت الحكومة رخصة لكل مسجد من قِبَل إدارة الأديان في الصين؛ فالمسجد مكان للدعوة إلى الله قانونياً، فداخل المسجد مسموح بالدعوة، وأمَّا خارج المسجد فالحكومة لا تريد ذلك، وقد يمكن الدعوة خارج المسجد للرجل النشيط، ولكن حتماً سيجد الدعاة المضايقة من الحكومة إن هم فعلوا ذلك، ولا شك أنَّ هذه قيود تحدُّ من حركتهم، وتجعل مكان الدعة محصوراً في بقع محدودة.

ونشط المسلمون في فتح الجمعيات فأصبح هناك 420 جمعية إسلامية تعمل في مجال الدعوة والإغاثة والعمل الاجتماعي التطوعي والتعليمي، من أقدمها ( جمعية التقدم الإسلامي ) ويبلغ عدد فروعها 300 فرع ولها العديد من المدارس ،وارتفع عدد الحجاج إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة .

والمسلمون يتعلمون ويتثقفون كما يتعلم المواطن الصيني ويتثقف من خلال المدارس والجامعات ووسائل الأعلام الصينية. ولكن في إطار المحافظة على الهوية الإسلامية والخصوصية الدينية .

ويوجد الآن في الصين :
- عشرة معاهد إسلامية يدرس فيها ستة آلاف طالب حيث يتعلمون تفسير القرآن ويدرسون السنة النبوية وعلم التوحيد وتاريخ العرب واللغة الغربية وتاريخ الصين واللغة الصينية والفقه.. الخ ، ويحرص المهتمون بتطويرها إلى جامعات إسلامية .

كما يوجد الآن عشرات الجرائد والمجلات التي تناقش قضايا الثقافة الإسلامية وعلاقتها بالواقع الصيني وتهتم بأمور المسلمين في جميع أنحاء العالم ، منها مثلاً " مجلة المسلم الصيني " والتي نناقش فيها المشكلات التي تواجه المسلم الصيني في التعليم والمعيشة والهوية والحياة الاقتصادية وغير ذلك ويوزع منها شهريا عشرة آلاف نسخة.

- وختاماً :

يؤلمك أن تجد بلاداً شاسعة الأرجاء، يوجد فيها أكثر من عشرين مليون مسلم - في أقل الإحصائيات - قلَّما تجد فيها رعاية من الدعاة والمصلحين، مع أنَّ أهلها يوصفون بأنَّهم قوم فارغوا القلب، وأصحاب خلقٍ رفيع، وتستطيع أن تقنعهم بحجَّتك، وبيانك المؤثّر، وتنظمهم في سلك المسلمين متى وُفقت لذلك.. تلك هي بلاد الصين ومقر أكثر من مليار نسمة يدبُّون على أرضها غادين رائحين.

لذلك سنعرض ما يحتاجه المهتمون بالدعوة إلى الإسلام في الصين ، وهذا ما أجاب به أحد الدعاة في الصين عن الأسئلة التي وجهت إليه من مجلة البيان :

مجلة البيان : بماذا تنصح الدعاة المسلمين عموماً لإفادة أهل الصين؟ وما الأسلوب الأمثل لدعوة أهل الصين إلى الإسلام؟

الشيخ يوسف الصيني : بداية أنا أريد من الدعاة أن يفهموا ثقافة الصين وعاداتهم بشكل أفضل، فبعض الدعاة الذين يأتون من خارج الصين، قد لا يعرفون شيئاً من ثقافة الصين؛ فالصينيون عندهم ثقافة خاصة، ولديهم اهتمام بالعقل والمنطق؛ فأسلوب الإقناع أحسن وأفضل وسيلة لهدايتهم، ولهذا فإن إسلام الصينيين قد يكون أعسر من إسلام المناطق التي في شرق وجنوب آسيا؛ فشرق آسيا هي الصين والكوريَّتان واليابان، وشرق جنوب آسيا هي الفلبين وماليزيا وأندونيسيا، فالصينيون بخلاف الفلبينيين لا يسلمون بسرعة، وإذا دعوتهم للإسلام فإنهم يردون عليك، ولهذا فهم يحتاجون للنقاش والإقناع، ولكن من كانت عنده حجة وبيِّنة، وردٌّ قوي واضح على الشبهات المثارة، فإنَّ الصيني غير المسلم ينهزم أمامه، ومن خلال تجربتي رأيت أنَّ الصيني يناقش أولاً ثم يستسلم.

ونحن لا نحتاج للتعريف بدين الإسلام بأمور فرعية كما يفعله بعضهم؛ فهذه المسائل لا تهمنا كثيراً، مثل: لماذا تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أربع نساء ومات عن تسع من زوجاته؟ فمثل هذه الأسئلة (وقس عليها) لا يحتاجها أهل الصين؛ والذي أرى أنَّ الصينيين بحاجة إليه هو الذي نركِّز عليه، وهو شرح فضائل الإسلام، والمسائل الأساسية في دين الإسلام كأركان الإسلام والإيمان والإحسان؛ فنحن إذا بدأنا بالأصول دخلنا في الشيء المهم، وهو الذي يحتاجه الناس في الصين، وأنا أقول إنَّ الصينيين قلوبهم فارغة، وإذا شرح الداعية بالشكل الواضح فسيقبلون منه دين الإسلام، بشرط أن يكون الأسلوب في الشرح مقنعاً.

ومن أنسب ما وجدته جيداً في دعوة الصينيين، أن يستحثَّهم الداعية على التفكير؛ فالصينيون أكثر الناس علمانية، فلا يؤمن جميع الشعب بالإله، ويقولون كما تلقوا عن الشيوعيين: لا إله والحياة مادة، ولا يصدقون أنَّ الخالق موجود، ولهذا دعهم يفكرون، واطرح عليهم الأسئلة التي تستحثّهم للتأمل: هل يوجد خالق؟ هل الناس يحتاجون إلى الإيمان بالله؟ وأيضاً أعطهم بعض القصص والثقافة العامة من بيئتهم، وبعض الأدلة والبراهين، حتى يعترفوا بأننا نعيش ونحتاج في حياتنا للإيمان بالله. ولا بأس من عقد نماذج في المقارنة بين الأديان، مثل النصرانية والبوذية والأديان الأخرى، والمقارنة بين الإنجيل والقرآن، والمقارنة بين الفكر الغربي والدين الإسلامي، حتى يعرفوا أن دين الإسلام دين الحق، ومن ثمَّ نخبرهم ما هو الإسلام على حقيقته.

مجلة البيان: ما الأشياء العملية، والمفيدة لدعوة الصينيين، والتي ترى أنَّها تنقصهم؟

الشيخ يوسف الصيني : أنا أودُّ من الإخوة المهتمين بالدعوة إلى الله، أن يفيدوا الصينيين عن طريق ترجمة الكتب الإسلامية، والداعية لو سافر للصين ويمتلك اللغة الصينية القوية فإنَّه كم سيخاطب: مائة، ألف؟ ويبقى مليار، ومع أهمية الدعوة المباشرة إلاَّ أنَّني أرى أن يُنتدَب أناس منَّ الله عليهم بمعرفة اللغة الصينية، ويقوموا بترجمة الكتب باللغة الصينية بالألفاظ القوية المقنعة، وأنا أركز بأنَّ صاحب اللغة القوية هو الذي يترجم، فأنا قرأت بعض الكتب المترجمة باللغة الصينية، فوجدتها مليئة بالأخطاء اللغوية، مع ألفاظ ضعيفة؛ فكيف تريد من الصينيين أن يفهوا دين الإسلام على حقيقته، والكتب المترجمة لهم ضعيفة الأسلوب؟

ومن الطرق الهامة للصينيين دعوياً، إنشاء موقع على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ونشر الكتب الهامة الموضحة لدين الإسلام؛ فهم شعب قارئ، ويستخدم (الإنترنت) وإذا وجد هناك موقعاً إسلامياً، باللغة الصينية، فسيستفيدون جداً منه، ويقتنعون بهذا الدين الحق بإذن الله، وأنا أرى أن هاتين الطريقتين، من أهم الطرق المفيدة لدعوتهم لدين الإسلام، ونستطيع أن ندخل الإسلام بسرعة إلى قلوبهم، والغربيون يعرفون هذا، فأرى الاهتمام بهذين الأسلوبين لدعوة بلد المليار نسمة لدين الإسلام؛ فالصين بنظري تعتبر أكبر سوق مفتوحة للدعوة، وجُلّ أديانهم وثنية لا تصمد أمام العرض العلمي والموضوعي.



الحمد لله على نعمة الاسلام ........................