المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معالم الشتراك بين سنة الكفاية وفرض الكفاية.



أهــل الحـديث
09-05-2014, 04:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



مطلب من كتابي المبتكر المرغوب الجامع لمسائل المندوب.
المطلب الثالث: معالم الاشتراك بين فرض الكفاية وسنة الكفاية.
إذا كان مبنى المطلب الفائت في التفريق بين فرض الكفاية وسنته على نوع الطلب فيهما هل هو جازم أو غير جازم، فإن مبنى الاشتراك بينهما على أن الخطاب موجه فيهما إلى المجموع لا إلى الجميع، وعليه فكل المسائل التي عرض لها الأصوليون في فرض الكفاية مما له تعلق بمعنى الكفاية لا بنوع الطلب فإنها مندرجة تحت سنة الكفاية تأخذ أحكامها وتحذو حذوها، من ذلك مسألة: متى يتحول فرض الكفاية إلى فرض عين؟ ومسألة: ضابط تحقق الكفاية، ومسألة: هل الخطاب في الكفاية موجه إلى الكل أو إلى بعض مبهم؟ ونحو ذلك من المسائل التي لها تعلق بمعنى الكفاية.
ومما ذكره الزركشي هنا، وله تعلق بما نحن بصدده، الخلاف الكائن بين الأصوليين، هل الواجب الكفائي أهم من الواجب العيني أم العكس؟
قال الزركشي: «قد سبق أن القيام بفرض الكفاية أهم من فرض العين من جهة إسقاط الحرج عن الكل، فينبغي على هذا أن يقال بمثله هنا في سنة العين والكفاية، لكن لا حرج هنا فليكن أفضلية سنة الكفاية من جهة تحصيله الثواب للجميع، وفيه بعد كما تقدم، لأنه لم يفعله»( ).
قال مقيده عفا الله عنه: هنا ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن قول الجمهور هو تقديم الواجب العيني على الواجب الكفائي، وعليه يقال: إن سنة العين أفضل من سنة الكفاية على هذا المذهب.
على أنه يمكن الجمع بين القولين بما ذكره الشيخ كمال الدين الزملكاني ¬ حيث قال: «ما ذكر من تفضيل فرض الكفاية على فرض العين محمول على ما إذا تعارضا في حق شخص واحد، ولا يكون ذلك إلا عند تعينهما، وحينئذ هما فرض عين، وما يُسقط الحرج عنه وعن غيره أوْلى، وأما إذا لم يتعارضا، وكان فرض العين متعلِّقًا بشخص وفرض الكفاية له من يقوم ففرض العين أوْلى»( ).
قال الدكتور علي بن سعد الضويحي: «وبيان ما ذكره الشيخ كمال الدين ¬ هو: أن يهاجم ــ مثلا ــ العدو بلدًا للمسلمين في نهار رمضان، فيندب الإِمام بعض الناس لصد ذلك العدوان، ويكون من بينهم شخص قد أرهقه الصيام بحيث لم يبق له خيار إلا الإفطار أو ترك القتال، فيتعارض لديه الفرضان: الصوم وهو فرض عين بحكم الأصل، والجهاد الذي تعين عليه بتكليف الإِمام له بالقتال، فحينئذ يكون الجهاد في حقه أوْلى من الصيام فيفطر ليواصل؛ لأن مصلحة الجهاد أكبر من مصلحة الصيام.
أما إذا لم يتعارضا في حقه كأن يتصدى لذلك العدو من تحصل بهم الكفاية دونه فالأولى أن يقدم الصيام على الجهاد ، إذ مصلحة الجهاد تحققت بغيره»( ).
قلتُ: فلينسحب هذا على سنة الكفاية وسنة العين من حيث تقديم إحداهما على الأخرى باختلاف الحال، والله أعلم.
الأمر الثاني: أن قول الزركشي: «لا حرج هنا فليكن أفضلية سنة الكفاية من جهة تحصيله الثواب للجميع، وفيه بعد كما تقدم، لأنه لم يفعله».
فجعل أفضيلة سنة الكفاية من جهة أن القيام به يحصل الثواب للجميع، ثم استبعد هذا معللا له بأن الثواب إنما يكون لمن فعل، والتاركون هنا لم يفعلوا فلا يستحقون ثوابا.
قلت: الأولى أن تجعل جهة تقديم سنة الكفاية على سنة العين أنه يسقط إساءة ترك السنة عن الجميع كما تقدم في كلام الشيخ المطيعي ¬.
الأمر الثالث: أنه قد يقال: إن الخلاف الجاري بين فرض العين وفرض الكفاية من حيث تقديم أحدهما على الآخر لا يجري هنا أصلا؛ لأن فرض الكفاية امتاز بوجه وفرض العين امتاز بوجه:
أما وجه امتياز فرض الكفاية، هو: أن فيه إسقاط الإثم عمن لم يفعل، وليس هذا في فرض العين.
وأما وجه امتياز فرض العين أن الخطاب موجه فيه إلى الجميع، بخلاف فرض الكفاية، فالخطاب موجه فيه إلى المجموع.
فمن نظر إلى الوجه الأول قدم فرض الكفاية، ومن نظر إلى الوجه الثاني قدم فرض العين.
أما سنة الكفاية فليس في الفعل إسقاط إثم، ولو تركها الجميع ما استحقوا إثما، والفاعل لها مثاب، فلا ينبغي أن يجري هنا الخلاف الكائن بين فرض العين وفرض الكفاية، والله أعلم.