المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ



أهــل الحـديث
07-05-2014, 03:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ

دلت هذه الآية العظيمة على جوامع الخير وتضمنت أمرين ونهيين:
الأمر بالتعاون على البر، وهو أمر بالإحسان إلى المخلوقين، فكل خير يمكن إيصاله للناس فإن هذا الأمر يتناوله، سواء كان ذلك من أمور الدنيا أو من أمور الآخرة. وهذا يتضمن نفعهم بالنفس والمال والعلم والجاه وغير ذلك. وكثير من أمور البر لاتتم إلا بالتعاون ولايمكن للأفراد القيام بها. وكل مؤسسة مهما كانت صغيرة فهي بحاجة إلى التفاهم والتعاون. فالأسرة مثلاً، إذا كان الوالد يقوم بواجبه بكسب الرزق الحلال وتربية الأبناء، والوالدة تقوم بشؤون المنزل، والأولاد يبرّون الوالدين ويطيعونهم فستكون لهذه الأسرة ثمرة. أما إذا كان الوالد في واد، والأم في واد، والأولاد في واد، فسوف تضيع العائلة في أودية الشقاق.

وهكذا المجتمع وما يوجد فيه من اتجاهات علمية وسياسية واقتصادية وعسكرية وغيرها، إذا لم يحصل بينها تفاهم وتعاون فلن يكون للمجتمع ثمرة. فلو بخل أصحاب المال، واستأثر أهل السياسة، وانكفأ أهل العلم، وانفرد أصحاب السلاح، لعم الظلم وانتشر الخراب. وكذلك لو انقلب أهل السياسة إلى تجار، وأهل التجارة إلى سياسيين، وحملة السلاح إلى ابتزاز الناس، وأهل العلم إلى سياسيين أو منتفعين لتفرقت الكلمة وتعطلت مصالح الناس.

الأمر بالتعاون على التقوى
أحيانا يتحمس الناس للبر لدوافع شتى، منهم من يفعل ذلك لأنه يحب الإحسان طبعا، ومنهم لرقة في طبعه، ومنهم لقرابة أو نسب أو مصاهرة أو سبب، ومنهم رداً للجميل، ومنهم لكي يقال عنه، وآخرون يفعلون ذلك "ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ". وهذا القسم الأخير هو الذي يحقق المعنى الحقيقي للآية، وهو أن يكون هدف البر وسببه التقوى، فمن زاده إنفاقه وبره قرباً من الله، وأدى بره إلى زيادة التقوى لديه ولدى من يعينهم فذلك الذي نال ثمرة هذه الآية الكريمة، كما قال تعالى: "فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى".

وأحسب أن تقديم البر وهو حق المخلوقين على التقوى وهي حق الله، للتنبيه على افتقار الخلق عموما إلى بعضهم وكمال غنى الله عنهم. فهم فقراء إلى بعض، وفقراء إليه، وهو غني عنهم مع إحسانه إليهم. وربما كان سبب التقديم لأن البر العام للخلق يحتاج إلى تعاون أكثر من حاجة التقوى، فقد يتمكن الإنسان من تحقيق التقوى في خاصة نفسه ولو كان منفردا. وربما دل التقديم على أن الذين يسبق منهم الإحسان إلى الخلق سوف يعقبهم ذلك تقوى الله والقرب منه لانه "يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" ورحمته قريبة منهم، أو لغير ذلك من الحكم التي يعلمها الحكيم الخبير. هذا إذا فسرنا البر والتقوى بما تقدم، أما لو فسرنا البر بفعل المأمورات والتقوى بترك المحضورات فتقديم الأول لأنه هو المقصود أصالة في التكليف بخلاف الثاني الذي هو كالتابع له.

النهي عن التعاون على الإثم
ثم نهى عن التعاون على الإثم وهو التعدي على حق الله، لأن بعض الناس يزين لغيره الوقوع في المعصية إما لأنه يفعلها أمامه فيكون قدوة في الشر، أو لأنه يتحدث بها وينشرها بين الناس، أو لأنه يهونها لديه فيكسر حاجز الخشية، أو لأنه يدله عليها، أو لأنه يعينه عليها بتوفير أسبابها. كثير من الناس يغضبون إذا وقع أبناؤهم في المعصية وينسون أنهم قدوة لهم في ذلك. وكثير من المعاصي المنتشرة تغذيها في كثير من الحالات عصابات منظمة وغير منظمة تتعاون على الإثم والفساد.

النهي عن التعاون على العدوان
العدوان قد يكون عدوانا على دماء الناس أو أموالهم أو أعراضهم، فمن تسبب في أذى مسلم أو أعان غيره عليه كان شريكا في الإثم. بل لو رضي عن الظلم وأقره فهو كذلك حتى لوحصل العدوان في زمان ومكان آخرين. فقد قال تعالى عن اليهود: "قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "، وهذه الآية نزلت في يهود المدينة وإنما الذي تولى قتل الأنبياء أجدادهم فلما رضوا بفعلهم كانوا شركاء في جرمهم. وكذلك ثمود الذين عقروا الناقة جعلهم الله مذنبين فقال: "فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا"، فنسب الذنب إليهم جميعا وإن كان المباشرون قلة، لأنهم إما راضون أو ساكتون.

ولو أن رجلاً لطم زوجته، أو ابنه أو غيرهم ظلما في الصين فقال قائل: "ما ينلام" أو "حيل" أو غير ذلك من الكلمات لكان شريكاً في المعصية. ولو قتلت نفس معصومة في بلاد بعيدة أو زمن بعيد ففرح بها شخص أو رضي فهو شريك في الجريمة. والمؤمن الذي ينجو يوم القيامة هو من يأتي سالماً من دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، وأما الْمُفْلِسَ فهو مِنْ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِى قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّار.ِ

وأحسب أن تقديم النهي عن الإثم قبل النهي عن العدوان لأن الوقوع في الإثم ميسور غالبا والوقوع فيه أكثر، وغالبا مايكون التعاون على الإثم طريقا للتعاون على العدوان. فمثلا الذين يقعون في إثم الزنا أو الخمر أو الميسر قد يحملهم إدمانهم وحاجتهم إلى المال إلى الاعتداء على أموال الناس وأعراضهم. ولهذا تحارب الدول المخدرات لأن الإدمان عليها يقود إلى العدوان. وأما إذا فسرنا الإثم بترك الأوامر والعدوان بارتكاب النواهي فيكون سبب التقديم كما بيناه في البر والتقوى.

بعض الناس لايقبل التعاون مع غيره إما لأنه لايحبه، أو لأنه من غير قبيلته أو حزبه، ويتعاون مع حزبه وجماعته وينصرهم وإن كانوا على الباطل، وهذا خلاف هذه الآية، وخلاف الأحاديث الصحيحة المستفيضة التي تنهى عن التناصر على الباطل والانسياق وراء العصبيات الجاهلية. والعجيب أن هذه الآية الكريمة نزلت حين أراد بعض الصحابة الهجوم على بعض المشركين المعتدين فنهاهم النبي، صلى الله عليه وسلم، لأن هؤلاء المشركين كانوا محرمين بالحج فأنزل الله هذه الآية وسمى التعاون ضدهم تعاوناً على الإثم والعدوان، فكيف بمن يتعاون على قتل المسلمين وهم في صلاتهم أو مساجدهم أو صومهم أو بين أطفالهم في بيوتهم ولا يراعي حرمة الإسلام ولاحرمة الدم ولاحرمة البيوت ولا حرمة القرابة ولا حرمة الجوار ولاحرمة الشهر الحرام؟

والله أعلم