المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صور من لباس المحارب ودلالاته



أهــل الحـديث
07-05-2014, 12:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



أدب الحرب عند المتنبي


د. حسن الربابعة




"صور من لباس المحارب ودلالاته"

يُعَدُّ اللَّباسُ الحربيُّ من أدواتِ القتالِ التي يَذِبُّ بها المحاربُ عن جِسْمِهِ ضرباتِ العدوّ، وبعضَ طَعْناتِهِ، ومن أبرزِ مَعْداتِ القتالِ التي وظّفها الشاعرُ مبتدئاً من لِباسِ الرأسِ إلى الجَسَدِ كُلّه هي: المِغْفَرُ الذي يُلْبَسُ على الرأسِ تَحْتَ البَيضةِ "الخوذة" ويستر العنق ، على ما نَفْهَمُهُ من مصطلحات:
والدّروعُ الساترةُ للجِسْمِ بأنواعِها المختلفة ِ،ويستعينُ المحاربُ بِتُرْسٍ يَذُودُ بهِ طعنَ الخَصْمِ، فَكَيفَ وظّفها الشاعرُ؟ وما دلالاتُها؟.
أما المِْغفَرُ فأبرزَه بصورة حركية دموية ثاكلةَ الرأس: مغفرا ولا رأس عليه؛ لَقَدْ انقطعَتْ في الفِتَنِ الداخليةِ:
تَرَكْنَ هامَ بَنيِ عَوْفًٍ وَثَعْلَبَةٍ ... على رُؤوسٍ بِلا ناسٍ مَغافِرُهُ
وأَمّا البَيْضةُ فهي من تجهيزات ِالمعْرَكَةِ التي يَعْرِضُها الجنديُّ مصفوفةً على الدروع، بلباسِ المعركةِ الكامل:
وأنّ البَيْضَ صُفَّ على دُروعٍ ... فَشَوَّقَ من رآهُ إلى القتالِ
وهي بيضاءُ اللونِ على نحو توثيقي لها، في عصره تلمعُ في القتام:
أحجارُ ناس فَوْق أَرْضٍ من دمٍ ... وَنُجُومُ بَيْضٍ في سَمَاءِ قَتَامِ
وأَمّا الدّروعُ الواقيةُ لِلبَدَنِ فصنوفٌ مِنها؛ الدّلاصُ الزُّغْفُ، والجَوْشَنُ، والسَّربالُ، والسابغاتُ، فالدَّلاصُ الزُّغْفُ من عُدَّةِ الفارس؛ على نحو من جاهزيته القتالية:
فَرَسٌ سابِقٌ وَرُمْحٌ طوِيلٌ ... ودِلاصٌ زُغْفٌ وَسَيْفٌ صَقِيلُ
والدُّروعُ السابغاتُ يَلْبِسُها قادةُ الرُّوم لِتَرُدَّ عَنْهَمْ طُعونَ الرَّماحِ وأسنّتها، ولا تُؤْثَّرُ فيها:
تَرُدُّ عَنْهُ قَنا الفُرسانِ سابِغَـةٌ... صَوْبُ الأسنْةِ في أثنائِها دِيَمُ
تَخُطُّ فيها العوالي لَيْسَ تَنْفُذُها ... كـَأَنَّ كـُلَّ سِنانٍ فَوْقَها قَلَمُ
ومنها السَّربالُ، مَلْبوسُ مَمْدُوحِهِ أبي شُجاعٍ الذي اكتفى بواحدٍ منه، لِثِقتهِ بِنَفْسِهِ في المعركةِ:
عَلَيْه مِنْهُ سرابيلٌ مُضَاعَفَةٌ... وَقَدْ كَفاهُ من الماذيَّ سِرْبَالُ
وَصُوَرُ الدّرعِ عِنْدَ الشاعرِ تُعَدُّ "خطَّ الدفاعِ الثاني" فيما أفهمه منه؛ ذلك لأنَّ السَّيََف والرُّمْحَ هما "خط الدفاع الأول" عن جِسْمِ ممدوحهِ:
فَدَعّه لَقىً فإنّك من كِرامٍ ... جَواشِنُها الأسنَّةُ والسُّيوفُ
وانتقلَنا مع الشاعرِ إلى مشهدِ درعٍ سابريٍ، قويَّةُ الحَبْكِ، لا نَخْتَرِقُها الأسلحةُ وإنما تخترقُها النظرةُ النَّجلاء:
مَثَّلْتِ عينَكِ في حُشايَ جِراحَةً... فَتَشابَهـا كلِتاهمـا نَجْلاءُ
نَفَذتْ علـيَّ السَّابريَّ وَرُبَّما... تَنْدَقُّ فيه الصَّعْدَةُ السَّمْرَاءُ
وفي مَوْقِـفٍ حَرْبِيّ يَعُدًُّ الشَّجَرَ الذي يَسْتَتِرُ الرُّوم به مُعادلا للدّروعِ بجامعِ الحِماية:
فَلا سَقَى الغَيْثُ ما واراه مِنْ شَجَرٍ... لَوْ زَلَّ عَنْهُ لَواَرَتْ شَخْصَهُ الرَّخَمُ
وانتقلَ إلى تحوّلاتِ الدَّرعِ في دلالاتِها، فَعَدَّ رسائلَ الرُّوم، وهي تطلبُ الصُّلْحَ مِنْ سيفِ الدولة دُروعاً، تقيهم بأسَهُ، وبصورةٍ تجسيميّة ضافية:
دُروعٌ لِمَلْكِ الرُّوم هذي الرَّسائلُ... يَرُدُّ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَيُشاغِلُ
هِيَ الزَّرَدُ الضّافي عَليهِ وَلَفْظُها...عَليـكَ ثَنَاءٌ سابغٌ وَفَضائِلُ
وتتبدّى الصورةُ اللونيّةُ لدروع الرُّوم، وهي مُصْطَبِغَةٌ بدمائهم المُعَصْفَرة؛ وقد جَفّتْ عليهم، كألبسةِ النَّسوة مِن تَضرابِ السَّيفِ العربي:
خنثى، الفحولَ، مِنَ الكُماةِ بِصَبْغَهِ... ما يلبسون مِنَ الحديدِ مُعَصْفَرَا
وأمّا التُّرْسُ "الذي يقي المحاربَ به نَفْسَهُ من سِهـامِ الأعـداءِ ورِماحِهـم"، فَوَرَدَ بمترادفاتٍ منها المِجَنُّ، الذي يبدو ظهره ناتِئا، وَبْطُنهُ لاطِئا صُعودا وحُدوراً، يعادلُ به ظَهْرَ ناقته:
في مِثْلِ ظَهْرِ المِجَنَّ مُتَّصلٍ... بِمِثلِ بَطْنِ المِجَنَّ قَرْدَدُها
وإذا ضَنَّ مؤرخو العَرَبِ، من معاصري حربِ سيفِ الدولةِ، في عهدِ الشّاعرِ علينا، بأوصافِ هذه الأدواتِ الحربيّة، وألبسة فرسانِها ومحاربِيها، فإنّ المتنبي صَوَّرَها لنا على مشاهدَ مختلفةٍ، أبرزتِ الدراسةُ مشاهدَ منها،وهذا من فضلِ الأدبِ على التاريخ، الذي ضَرَبَ صَفْحا عنها، أولا وَفَضْلاً ثانيا على وصف كريمر لجنود سيف الدولة، بما قالُهُ فيهم: "بأنَّهم كانوا مغاويرَ مُحبّين للحَرْبِ، لا يكترثون؛ يَلبسونَ الجانبّياتِ، ولكنّهم يَضَعونَ على وُجوهِهِمْ مغافرَ من اللونِ المصفّح، سِلاحُهم الرَّماحُ الطَّوالُ، والتّروسُ الكبيرة، التي تُغطّي الجسمَ وأقدامُهم، من خَشَبٍ لَيّن" ...




منقول