المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نعمة الصحة!!!



أهــل الحـديث
02-05-2014, 06:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة الكرام مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي(وفقه الله)، نفعنا الله وإياكم بها.


نعمة الصحة!!!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إنَّ نعم العزيز المنان على عباده أيها الأحبة والإخوان لا تُعد ولا تحصى، بل لا يمكن أن يحصرها أيُّ إنسان! كائنا من كان! قال تعالى:(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم)[النحل:18].
يقول الإمام الشوكاني –رحمه الله- :" أي: وإن تتعرضوا لتعداد نعم الله التي أنعم بها عليكم إجمالا فضلا عن التفصيل لا تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه، ولا تقوموا بحصرها على حال من الأحوال، وأصل الإحصاء أن الحاسب إذا بلغ عقدا معينا من عقود الأعداد وضع حصاة ليحفظه بها، ومعلوم أنه لو رام فرد من أفراد العباد أن يحصى ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه، أو حاسة من حواسه لم يقدر على ذلك قط، ولا أمكنه أصلا، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه الله في بدنه، فكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كل وقت على تنوعها واختلاف أجناسها، اللهم إنا نشكرك على كل نعمة أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلا أنت..." .فتح القدير (3 /110)
وإنَّ من النعم التي منَّ بها الرحمن على كثير من الأنام أيها الكرام نعمة الصحة والعافية في الأبدان،يقول العزيز العلام: (وما بكم من نعمة فمن الله) [النحل:53].
يقول الإمام القرطبي –رحمه الله- :"(من نعمة )أي: صحة جسم، وسعة رزق، وولد فمن الله".تفسير القرطبي (10/114)
يقول وهب بن منبه –رحمه الله-:"رؤوس النِّعم ثلاثة؛ فأولها: نعمةُ الإسلام التي لا تتمُّ نعمُه إلا بها، والثانية: نعمةُ العافية التي لا تطيبُ الحياةُ إلا بها،والثالثة: نعمة الغنى التي لا يتمُّ العيشُ إلا به".عدة الصابرين لابن القيم(ص117)
فهذه النعمة العظيمة أيها الأفاضل لا يعرف قدرها ولا قيمتها إلا من فقدها!، يقول بكر بن عبد الله المزني -رحمه الله- : "يا ابن آدم إذا أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فَغْمِضْ عينيك ". الشكر لابن أبي الدنيا ( 182)
ومتى ما أراد الإنسانُ أن يعرفَ قدر نعمة الصحة التي تفضل بها عليه أرحم الراحمين،فليذهب إلى المستشفيات لزيارة مرضى المسلمين،ولينظر إلى من هم حوله من المبتلين!وإلى من فقد أحد أعضائه! وكذلك إلى المعاقين! فهؤلاء - شفاهم الله-، لو أنهم خُيروا بين أموال الدنيا!وسلامة الجسد!لاختاروا بلا شك!نعمة الصحة والعافية من المرض بإذن رب العالمين.
جاء رجل إلى يونس بن عبيد –رحمه الله- يشكو ضيق حاله، فقال له : "أيسرك ببصرك هذا الذي تبصر به مائة ألف درهم؟"،قال الرجل:لا،قال: "فبيديك مائة ألف؟"،قال الرجل: لا ، قال:" فبرجليك؟"قال الرجل: لا ، فذكره يونس بن عبيد -رحمه الله-بنعم الله عليه،ثم قال له:"أرى عندك مئين ألوف!،وأنت تشكو الحاجة!".الشكر لابن أبي الدنيا (101)
لذا أيها الأحبة فإن نعمة الصحة مِنَّة جليلة وعطية كريمة،فعن عبيد الله بن مِحْصَن الأنصاري –رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ له الدُّنْيَا ".رواه الترمذي ( 2346) ، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
يقول المناوي –رحمه الله- :" يعني من جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجه، وكفاف عيشه بقوت يومه، وسلامة أهله، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها، بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصية، ولا يفتر عن ذكره ".فيض القدير ( 6 / 68)
وليعلم كل من رُزق نعمة الصحة ووفق إليها، أنه مغبوط عليها وذلك لقيمتها وأهميتها،فعن عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ من الناس الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ".رواه البخاري( 6049)
يقول ابن الجوزي –رحمه الله- :" اعلم أنه قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا للعبادة لاشتغاله بأسباب المعاش ، وقد يكون متفرغا من الأشغال ولا يكون صحيحا ،فإذا اجتمعا للعبد ثم غلب عليه الكسل عن نيل الفضائل فذاك الغبن
كيف والدنيا سوق الرباح ، والعمر أقصر ، والعوائق أكثر". كشف المشكل ( 2 / 437)
أيها الأفاضل إن مما ينبغي أن نعلمه أن بالشكر والإيمان تدوم وتكثر النعم،وبالجحود والعصيان تَحل وتزداد النقم، قال تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)[إبراهيم :7].
يقول الشيخ الشنقيطي-رحمه الله-:"وبهذه المناسبة إن على كل مسلم أفراداً وجماعات،أن يقابلوا نعم الله بالشكر،وأن يشكروها بالطاعة والعبادة للَّه،وأن يحذروا كفران النعم". أضواء البيان (9/112).
وشكرها أيها الأحبة الكرام لا يكون فقط باللسان! كما يظن البعض!، بل لابد أن يكون كذلك بالقلب والأركان، يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:"وكذلك حقيقته في العبودية وهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا وعلى قلبه: شهودا ومحبة وعلى جوارحه: انقيادا وطاعة، والشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور،وحبه له،واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها،وأن لا يستعملها فيما يكره. فهذه الخمس: هي أساس الشكر وبناؤه عليها،فمتى عدم منها واحدة اختل من قواعد الشكر قاعدة،وكل من تكلم في الشكر وحده فكلامه إليها يرجع وعليها يدور". مدارج السالكين (2/244).
ومن شكر هذه النعمة أيها الكرام أن نستغلها فيما ينفعنا في الدارين، ويرضي عنا أرحم الراحمين، وذلك بصرفها في فعل الطاعات والتزود من الخيرات.
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمر، وله عليه فيه نهي، وله فيه نعمة، وله به منفعة ولذة، فإن قام لله في ذلك العضو بأمره واجتنب فيه نهيه، فقد أدى شكر نعمته عليه فيه ،وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به،وإن عطل أمر الله ونهيه فيه عطله الله من انتفاعه بذلك العضو، وجعله من أكبر أسباب ألمه ومضرته ". الفوائد (ص 193)
لأننا سنُسأل عنها!يوم الدين عند الوقوف بين يدي رب العالمين!،فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ أَوَّلَ ما يُسْأَلُ عنه يوم الْقِيَامَةِ -يَعْنِي الْعَبْدَ- من النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ له: أَلَمْ نُصِحَّ لك جِسْمَكَ، وَنُرْوِيَكَ من الْمَاءِ الْبَارِدِ ؟". رواه الترمذي ( 3358)، وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-.
يقول المناوي –رحمه الله-:"( أَلَمْ نُصِحَّ لك جِسْمَكَ) أي: جسدك وصحته أعظم النعم بعد الإيمان (وَنُرْوِيَكَ من الْمَاءِ الْبَارِدِ ) الذي هو من ضرورة بقائك ولولاه لفنيت بل العالم بأسره، ولهذا كان جديرا بالسؤال عنه والامتنان به ".فيض القدير ( 2/204)
فيا من رزقكم الرحمن نعمة الصحة والعافية في الأبدان!استثمروها واغتنموها في طاعة المنان،قبل فوات الأوان كما أمركم بذلك رسول العزيز العلام عليه أفضل الصلاة والسلام، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه:"اغْتَنِم خمسًا قبل خمسٍ: شَبَابكَ قَبل هَرمِكَ، وصِحَتَكَ قبل سَقَمِكَ، وغِنَاكَ قبل فَقْرِكَ، وفراغَكَ قبل شُغلِكَ، وَحياتَكَ قبل موتِكَ". رواه الحاكم في المستدرك ( 4/341)
يقول المناوي –رحمه الله- :" ( اغتنم خمسا قبل خمس ) أي: افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة: (حياتك قبل موتك) أي: اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك، فإنّ من مات انقطع عمله (وصحتك قبل سقمك)أي:العمل حال الصحة فقد يعرض مانع كمرض(وفراغك قبل شغلك)أي:فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أوّل منازلها القبر(وشبابك قبل هرمك)أي: فعل الطاعة حال قدرتك وقوّتك قبل هجوم الكبر عليك(وغناك قبل فقرك)أي:التصدّق بفضول مالك قبل عروض جائحة تتلف مالك، فتصير فقيرا في الدارين، فهذه الخمسة لا يُعرف قدرها إلا بعد زوالها". التيسير بشرح الجامع الصغير (1/177)
واعلموا أن الجزاء من جنس العمل! فمن حفظ جوارحه واستغل صحته فيما يرضي ربه جل جلاله، رجع عليه نفع ذلك
يوم يقف أمام خالقه، بل إن الله جل وعلا من كرمه سيحفظ له قوته عند كبره وتقدم سنه.
يقول الإمام ابن رجب –رحمه الله- :" ومن حفظ الله في صباه وقوته،حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله، وكان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله فوثب يوما وثبة شديدة فعوتب في ذلك فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، وعكس هذا أن بعض السلف رأى شيخا يسأل الناس فقال: إن هذا ضعيف ضيع الله في صغره فضيعه الله في كبره".جامع العلوم والحكم ( ص 186)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا وإياكم ممن يغتنم صحته ووقته فيما يعود عليه بالنفع في الدارين، وأن يمتعنا وإياكم بالصحة والعافية في كل وقت وحين ،وأن يشفي جميع مرضى المسلمين، فهو سبحانه ولي ذلك وأرحم الراحمين.


وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


أبو عبد الله حمزة النايلي